В мире видений: Избранные статьи Джибрана Халила Джибрана
في عالم الرؤيا: مقالات مختارة لجبران خليل جبران
Жанры
ألا تعلم - وأنت اللاهوتي المدقق - أن وجود الشيطان قد أوجد أعداءه الكهان؟ وأن تلك العداوة القديمة هي اليد الخفية التي تنقل الفضة والذهب من جيوب المؤمنين إلى جيوب الوعاظ والمرشدين؟
ألا تعلم وأنت العالم الخبير أنه بزوال السبب يزول المسبب؟
إذا كيف ترضى بموتي، وبموتي تفقد منزلتك، وينقطع رزقك، ويكف الخبز عن أفواه زوجتك وبنيك»
وسكت الشيطان دقيقة، وقد تبدلت في وجهه دلائل الاستعطاف بأمارات الاستقلال، ثم عاد فقال: «ألا فأسمع أيها الغبي المكابر، فأريك الحقيقة التي تضم كياني بكيانك وتربط وجودي بوجدانك: في أول ساعة من الزمن وقف الإنسان أمام الشمس وبسط ذراعيه، وصرخ للمرة الأولى قائلا: «ما وراء الأفلاك إله عظيم يحب الخير!» ثم أدار ظهره للنور فرأى ظله منبسطا على أديم التراب، فهتف قائلا: «وفي أعماق الأرض شيطان رجيم يحب الشر!» ثم سار نحو كهفه هامسا في نفسه: «أنا بين إلهين هائلين، إله أنتمي إليه، وإله أحاربه.» ومرت العصور إثر العصور، والإنسان بين قوتين مطلقتين، قوة تصعد بروحه إلى العلاء فيباركها، وقوة تهبط بجسده إلى الظلمة فيلعنها.
غير أنه لم يكن يدري معاني البركة، ولا مباني اللعنة، بل كان بينهما كشجرة بين صيف يكسوها وشتاء يعريها.
ولما بلغ الإنسان فجر المدنية - وهي الألفة البشرية - ظهرت العائلة، ثم القبيلة، فتفرقت الأعمال بتفرق الميول، وتباينت الصناعات بتباين المشارب والمنازع، فقام البعض من تلك القبيلة بحراثة الأرض، وآخرون ببناء المآوي، وغيرهم بنسج الملابس، وغيرهم بصهر المعادن. في ذلك العصر البعيد ظهرت الكهانة في الأرض، وهي الحرفة الأولى التي ابتدعها الإنسان دون حاجة حيوية، أو داع طبيعي إليها.»
وقف الشيطان دقيقة عن الكلام، ثم قهقه ضاحكا بصوت ارتعشت له تلك الأودية الخالية، وكأن الضحك قد أوسع فوهات كلومه، فأسند خاصرته بيده متوجعا، ثم شخص بالخوري سمعان وزاد قائلا: «في ذلك العهد ظهرت الكهانة في الأرض، وإليك يا أخي كيفية ظهورها: كان في القبيلة الأولى رجل يدعى «لاويص»، ولا أدري لماذا اتخذ له هذا الاسم الغريب، وكان لاويص هذا رجلا ذكيا، ولكنه كان بطالا متوانيا، يكره حراثة الأرض وبناء المآوي بكرهه رعاية المواشي وصيد الوحوش، بل كان يكره كل عمل يستلزم عزم السواعد والحركة الجسدية.
ولما كان الرزق في ذلك العهد لا يأتي إلا بالعمل، كان لاويص يبيت أكثر لياليه خاوي الجوف فارغه.
ففي ليلة من ليالي الصيف، وأفراد تلك القبيلة ملتثمون حول كوخ زعيمهم يتحدثون بمآتى يومهم ويترقبون النعاس، انتصب أحدهم فجأة وأشار نحو القمر ، وصرخ بخوف قائلا: «انظروا نحو إله الليل، فقد شحب وجهه، واضمحل بهاؤه، وتحول إلى حجر أسود معلقا بقبة السماء.» فشخص القوم بالقمر، ثم ضجوا صارخين متهيبين مرتعشين خائفين، كأن أيدي الظلام قد قبضت على قلوبهم؛ لأنهم رأوا إله لياليهم يتحول ببطء إلى كرة قاتمة، وقد تغير لذلك وجه الأرض، وانحجبت البطاح والأودية وراء نقاب أسود. فتقدم إذ ذاك لاويص، وكان قد شهد الخسوف والكسوف مرات عديدة في سابق حياته، فوقف في وسط الجماعة رافعا ذراعيه إلى العلاء، وبصوت أودعه كل ما في ذكائه من التصنع والاحتيال صاح قائلا: «اسجدوا، اسجدوا وصلوا مبتهلين، وعفروا وجوهكم بالتراب، فإله الشر المظلم يصارع إله الليل المنير، فإذا غلبه متنا وإذا غلب بقينا عائشين. اسجدوا وصلوا وعفروا وجوهكم بالتراب، بل أغمضوا أجفانكم ولا ترفعوا رءوسكم نحو السماء؛ لأن من يشاهد صراع إله النور وإله الشر يفقد بصره ورشده، ويظل مجنونا وأعمى إلى نهاية أيامه. خروا راكعين، وساعدوا بقلوبكم إله النور على عدوه.»
وظل لاويص يتكلم بهذه اللهجة، مبتدعا من خياله ألفاظا جديدة غريبة، مرددا كلمات ما سمعوها قبل تلك الليلة. حتى إذا ما مر نصف ساعة، وقد عاد القمر إلى سابق كماله وجلاله، رفع لاويص صوته عن ذي قبل وقال بلهجة تعانقها رنة الغبطة والسرور: «قفوا الآن وانظروا، فقد تغلب إله الليل على عدوه الشرير، وتابع سيره بين الكواكب والنجوم. واعلموا أنكم بركوعكم وابتهالكم قد نصرتموه وسررتموه؛ ولذلك ترونه الآن أبهى نورا وأشد لمعانا.»
Неизвестная страница