Файсал Первый: Путешествия и история
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Жанры
وبعد شهر سكت صاحب البلاد نفسه. بعد شهر سقطت وزارة النقيب الثانية، وسكتت دار الانتداب، ولم تكترث للأمر. فتساءل الناس قائلين: «أين وفاء الإنكليز؟» وقال البغدادي بلهجته العريضة المعروفة: «يسخرونه، ويضجرونه، ويهجرونه!»
كان السر برسي كوكس يومئذ في العقير عاملا وابن سعود في تصفية الجو المتعكر بين نجد والعراق، وتسوية العلائق النجدية البريطانية، فيبرزها كلها جلية صافية في معاهدة أو معاهدتين، ولا سيما أن مدته كمندوب سام كادت تنتهي، فكره أن يترك مسائل متوقدة، ومشاكل معقدة، إن في العراق أو في نجد؛ لذلك كان جادا في إطفاء النار، وفي حل العقد هنا وهناك، فيستطيع إذ ذاك أن يحمل إلى لندن النبأ السار أن كل شيء هادئ في الميدان العربي.
ومما هو جدير بالذكر أن مهمته كانت كثيرة العقبات، شديدة المشقات، خصوصا وقد كان عليه أن يرضي العرب والحكومة البريطانية وعصبة الأمم، وحتى الولايات المتحدة. فمهما قيل في المعاهدة والدور الذي مثله على مسرحها ووراء مشاهده، فمما لا ريب به أنه كان من المشيدين للملك الجديد، ومما هو دون كل ريب أنه وضع أسس السلم والولاء بين البلدين، نجد والعراق. لك أن تقول في سوى ذلك إنه ماهر في الترقيع، ولك أن تقول كذلك إن قطباته في الرتق غير محكمة، يبدو عليها أثر السرعة والتعب. هذا صحيح، وهو نفسه عالم به، وقد كان مدركا ما في المعاهدة من الغبن للعراق، وغير راض بأن تستمر عشرين سنة.
عاد من العقير يحمل في صدره، وفي مذكراته، من المعلومات الخاصة بنجد والعراق ما لا يستطيع أن يرسله بالبرق أو بالبريد إلى وزارة المستعمرات، فوجب عليه أن يسافر إلى لندن قبل أن تنتهي مدة وظيفته، وقد وعد الملك فيصلا أنه سيبذل كل ما في طاقته ليجعل مدة المعاهدة خمس سنوات بدل العشرين.
بيد أن الأمور في وزارة المستعمرات تجري في مجاريها الخاصة المحددة، وأن للعقل القانوني فيها قوالب لا بد منها؛ فهي إذا تكارمت مثلا تختار لكرمها القالب الذي يليق ظاهرا به، ضيقا كان أو واسعا. ومن هذه القوالب الألفاظ الشرطية والاحتياطية.
فقد قررت تلك الوزارة بعد أن سمع رئيسها المستر تشرشل إلى السر برسي أن تعدل المادتين 6 و18 في ملحق للمعاهدة، وهذا الملحق يقول: «إن المعاهدة تنتهي عندما يصير العراق عضوا في عصبة الأمم، وفي كل حال لا تتجاوز المدة أربع سنوات من تاريخ إبرام الصلح مع تركيا.»
هو العقل القانوني بتنطعه وتحوطه؛ فقد أبدل بوعد غير مقيد بشرط - وإن بعد يوم تحقيقه - وعدا محددا ومقيدا بشروط، ومن هذه الشروط أن المعاهدة لا تنتهي إلا بموافقة عصبة الأمم (المادة 18)، فإن تم الصلح وتركيا، ومرت بعد ذلك الأربع سنوات، ورفضت عصبة الأمم أن تعترف بانتهاء المعاهدة، ظل العراق مكانه، بل عاد إلى الجهاد حيثما بدأ به.
ومع ذلك كله فقد رحب الملك فيصل بهذا الملحق، وأذاع بلاغا على الأمة قال فيه إن الحكمة تمكنت «أن تخطو خطوة كبيرة أخرى في سبيل تحقيق أماني العراق؛ وذلك بعقدها الملحق الجديد للمعاهدة العراقية البريطانية، وكان من جملة الأسباب الرئيسية المبني عليها الملحق تلك الخطوة السريعة التي خطتها حكومتنا في سبيل التقدم والاستقلال .»
كلام الملوك، مثل كلام الوزراء! ولكن الأمة، وإن كانت لا تدرك ما يدركه الملوك والوزراء، تقرأ ما في قلبها، قبل أن تقرأ ما في البلاغات الرسمية.
جهاد الملك فيصل
Неизвестная страница