Файсал Первый: Путешествия и история
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Жанры
وقد تم بعد قليل ما ابتغوه، وكان النقيب المستسن المبشر بالخير على الدوام، السيد عبد الرحمن الكيلاني، الركن الأول في البناء. وهناك نقيب آخر بارز بين الأركان، هو السيد طالب الكيلاني، سيستوقفنا بعد حين.
تأسس المجلس الوطني وباشر أعماله، ثم دعي السر برسي كوكس وغيره من الحكام الإنكليز في البلدان العربية لحضور المؤتمر الذي عقده في القاهرة (في آذار 1921) المستر ونستون تشرشل، وزير المستعمرات يومئذ، للبحث في تأسيس دائرة خاصة في وزارة المستعمرات، تتوحد فيها المصالح والمسئوليات البريطانية في الشرق الأدنى، «رغبة في تخفيف عبء الضرائب على المكلف البريطاني بأسرع ما يمكن.» كما جاء في التقرير الرسمي .
وما جاء شيء، صراحة أو تلميحا، في التقرير عن الأمير فيصل، الذي أم كذلك القاهرة في ذلك الشتاء، وكانت أغراضه تتصل، مباشرة وضمنا، بالمكلف البريطاني المذكور. وكيف لا وفي العراق حمله الأثقل. وها هو ذا الأمير، وقد تسلح بالاقتصاد، يحارب الآن بنفسه، لا لنفسه والعراق فقط، بل للمستر تشرشل كذلك، فالسبيل القويم إلى تخفيض الضرائب في بلادكم، يا حضرة الوزير، هو أن تؤسسوا في العراق حكومة عربية وطيدة الأركان.
وكان السر برسي كوكس موافقا، بل كان يحمل في جيبه لائحة لتخفيض خمسة عشر مليون ليرة إنكليزية من ميزانية بلغت خمسة وثلاثين مليونا. ويستمر في التخفيض كل سنة عملا بما يبرره تقدم الحكومة الوطنية، وخصوصا في تأليف جيش وطني يغنينا عن قوات الدفاع البريطانية، ومن رأي الأمير والعميد أن على الحكومة البريطانية أن تدعم هذه الحكومة العربية دعما أكيدا، دون أن يكون ظاهرا، أما شكل الدعمة ومداها فلا العميد يدري، ولا الأمير. لتترك للأيام تكيفها وتقرر شأنها. فأطرق المستر تشرشل هنيهة ولسان حاله يقول: في المسألة غموض مفيد. ثم فاه بكلمة الاستحسان، بيد أنه ظل يقلب في فكره «البناء الإنكليزي ذا الوجه العربي».
عاد السر برسي كوكس في الشهر التالي إلى بغداد، وسافر الأمير فيصل إلى مكة يستمد بركة أبيه. وقبل أن أعلن رسميا ما تقرر في مؤتمر القاهرة، كانت أسلاك البرق بين العراق والحجاز تنبض بأنباء التهنئة والمسرة.
على أن الجو ما خلا من الغيوم؛ فقد اعترت الحكومة الموقتة نزعات سياسية عجيبة، تمثلت في السيد طالب النقيب وزير الداخلية والمستر فلبي مستشاره، وما اتفق الاثنان إلا ليقتلا الأمير، على أنهما اختلفا في الوسيلة إلى الغرض المنشود؛ فقد كان فلبي يدعو للجمهورية، والسيد طالب لملكية غير هاشمية. فطاف السيد في البلاد، خلال تغيب المندوب السامي، يخطب ويبشر بملك عراقي قح، وبتاج لا يصلح لغير النقيب، وهو كذلك نقيب ابن نقيب، وكان الله محب النقباء.
وأين المس بل تنصح للسيد طالب وتهديه؟ إنها كانت في مؤتمر القاهرة تساعد في إنارة ذهن المستر تشرشل وهديه، وعندما عادت ورفاقها إلى العراق استقبلهم روح الشغب والشقاق، وقد سادت تلك الروح العشائر أكثر من سواهم، وهم موالون للسيد طالب، متشيعون له. فلا عجب إذا هدد بهم الإنكليز، فقد أدب مأدبة لبعض الصحفيين منهم، وخطب خطبة أشار فيها إلى رؤساء العشائر الذين كانوا حاضرين، وأنذر الحكومة البريطانية إذا كانت لا تقوم بتعهداتها التي عبر عنها بكلمتين: العراق للعراقيين.
أيهددنا هذا النقيب بثورة أخرى؟ لقد طفح الكيل، وانقطع حبل الصبر حتى في صدر السر برسي الرحب الهادئ، فطلب من القائد العام أن يهتم حالا في تسفير السيد طالب. فصدر الأمر وأزفت الساعة، ولكن الرواية في طريقة الاعتقال روايتان، صدقت منهما غير الرسمية؛ فقد جاء في تقرير المندوب السامي أنه «ألقي القبض على السيد طالب في الشارع العام.» والحقيقة هي خلاف ذلك، إلا إذا حسبنا الجنينة أمام دار الانتداب شارعا عاما.
وما شأن السيد بتلك الجنينة، ومن ذا الذي اصطاده هناك؟ لا تعجب إذا قلت لك إن المس بل نفسها هي الصائدة؛ فقد أطلقت صقرها على طير البصرة وكانت ظافرة، وكان ذلك منها في سبيل التكريم لبطل العراق؛ أجل، قد أرسلت المس بل تدعو السيد طالب للشاي في دار الانتداب، فقبل السيد وكان في أثناء التكريم أسير لطف سيدتين؛ اللايدي كوكس وصاحبة الدعوة. وعندما خرج من الدار استقبله عند الباب في الجنينة آسرون لا آسرات؛ آسرون مسلحون، فأدخلوه السيارة، دون سلام ودون كلام، وساروا به مسرعين إلى البصرة؛ حيث كانت تنتظر الباخرة التي أقلته إلى جزيرة سيلان. «ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل.» وفي سبيل الوطن؛ فقد كان السيد طالب مغوارا في وطنيته، جبارا في أعماله، طيارا في آرائه وآماله، وكان شديد الإيمان، حتى في ساعات شرابه، بما حواه ذلك الرأس القائم بين كتفيه كبرج من العاج. إني لأذكر اجتماعنا في جدة في خريف سنة 1924، وأذكر من الأحاديث حديثا عن العراق؛ فقد قص علينا بعض وقائع أيامه تلك، ونحن نشرب الوسكي والصودا، ثم وضع الكأس على المائدة، ورفع يده إلى ذلك الرأس اللامع الشريف يمسحه ويربته قائلا: «إن ها هنا شيئا لا يغلب، لا يغلب.» وكان يفكر بالعودة إلى العراق وإلى السياسة، كان لا يزال يحلم الأحلام الذهبية، فقال يستأنف الحديث: «الأمور مرهونة بأوقاتها، وستسمعون عندما أعود ما يدهش ويسر إن شاء الله، وسأطلبك يومئذ يا أستاذ وأعينك وزير المعارف.»
هي الأحلام تهدم صروحها الأيام. عاد السيد طالب إلى البصرة، فحال - وا أسفاه! - القدر دون أمانيه؛ فلا كان ولا كنت أنا من الموفقين، ولكنه خصني بحلم من أحلامه، رحمه الله ورحم «وزير المعارف». فإني لا أزال أسير هذا اللقب الفاتن - الفاتن صاحبه، أيها القارئ العزيز - ولا يزال «صاحب المعالي» طيفا من الأطياف السابحة في سماء الخيال ...
Неизвестная страница