Файсал Первый: Путешествия и история
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Жанры
هو ذا مبدأ الأمير الذي أخلص له في تلك الأيام، واعتصم به، وسعى في تعزيزه. على أنه في بعض المواقف - كما سيتضح للقارئ - تغلبت الحوادث وبعض الرجال على معتقده ويقينه. قد وصل في شهر أيار سنة 1919 إلى ذروة القوة والنفوذ، فكان عاملا بمبادئه، واثقا من نفسه، ذا رأي يسمع وأمر يطاع. غير أن الفرنسيين في البلاد، خصوصا المندوب السامي وكبار الضباط، لم يثقوا كل الثقة به، ولا كانوا يرون السداد في سياسة حكومة باريس فيما يختص به وبسوريا ولبنان.
قد تقابل المسيو جورج بيكو والأمير فيصل في 17 أيار، فعرض الأمير على المندوب شروطه بصراحة لا غبار عليها، قال إنه يقبل بالانتداب الفرنسي إذا ألغيت معاهدة «سيكس-بيكو»، وإذا ألغي في المنطقتين الشرقية والغربية الحكم العسكري، وسحبت فرنسا جنودها من البلاد، وإذا انحصرت المساعدة الفرنسية بالأخصائيين الماليين المدربين العسكريين والمهندسين والمستشارين في دوائر الحكومة. وقيل إنه طلب أن تضم الموصل إلى سوريا، وأن تساعد فرنسا عرب العراق في استقلالهم، فبلغ المندوب السامي حكومته هذه الشروط وجاءه بعد شهر تفويض بأن يقبلها.
ولكن المسيحيين في المنطقة الغربية تألبوا أثناء هذا الشهر على السياسة الفرنسية السورية، وعقدوا الاجتماعات لتأييد استقلال لبنان وتوسيع حدوده، لطلب الانتداب الفرنسي. وكان الأكليروس روح هذه النهضة، فرأى المسيو بيكو أن تعزيزها يضمن لفرنسا السيادة في لبنان على الأقل، وقد كان يظن أن المسيو كليمنصو لم يهتم كما يجب لهذه المسألة الخطيرة، فأوعز إلى بعض أعيان لبنان ورؤساء طوائفه أن يبعثوا البطريرك الماروني إلى باريس ليمثل اللبنانيين لدى الحكومة الفرنسية ويطالب بحقوقهم.
انتدب أكثر الطوائف غبطة البطريرك إلياس الحويك لهذه الغاية، فسافر على مدرعة فرنسية إلى إيطاليا؛ حيث أقام شهرين وقابل قداسة البابا، ثم سافر إلى باريس فقابل هناك المسيو كليمنصو الذي أعطاه كتابا يسكن فيه روعه وروع اللبنانيين، ويعدهم بما يطلبون من الاستقلال والانتداب، فقفل غبطته راجعا يحمل هذا الكتاب إلى موكليه، فوصل إلى بيروت في 25 كانون الأول سنة 1919، وتكلم في الاحتفال الذي أقامته له حكومة لبنان، فقال: «قد كان اتحادكم من أسباب نجاحي، فأؤمل أن تثابروا على هذه الخطة، فيحيا لبنان بعد أن يكون قد نال استقلاله ... ولكم خير ضمين باستدراجه إلى الحياة في مساعدة الدولة المحبوبة التي حرمت نفسها خدمات أحد أعاظم أبنائها - الجنرال غورو - حتى تكلفه بمهمة دعوها مهمة إبداع وخلق.» ثم خاطب الجنرال غورو بالفرنسية قائلا: «إني أجهر على رءوس الملأ أن فرنسا تحب لبنان، وتساعد لبنان، وها نحن نفتخر بفرنسا ... ولا سيما بعد أن أوفدت إلينا الجنرال غورو ... إلخ.»
فبينا كان الأمير فيصل يدعو الناس إلى وحدة سورية قومية لا تفرق بين الدمشقي واللبناني، أو بين المسلم والمسيحي والدرزي؛ قام اللبنانيون، والأكليروس يستحثهم ويغريهم، يطالبون بوحدة لبنانية، فقلدوا البطريرك زمام أمرهم، فجعلوا المسألة دينية مذهبية
4
وأبوا أن يكون لهم أدنى علاقة بالمسلمين، بل أمعن رؤساء التعصب بالشقاق عندما وصلت لجنة الاستفتاء الأميركية إلى سوريا. فبما أن أساتذة الجامعة الأميركية من أنصار النهضة العربية، وأعضاء اللجنة من وطن الجامعة، ادعى غير واحد من رؤساء الدين أن للجنة مقاصد دينية بروتستانتية، وطلبوا من اللبنانيين أن يقاوموها ويتضافروا عليها.
ومما يدعو للأسف أن قد كانت اللجنة نفسها عاملا آخر من عوامل الشقاق؛ لأنها في طريقة الاستفتاء عززت، من حيث لا تدري، مبدأ العصبيات الدينية والطائفية، إلا أنها فضحت فرنسا وجردت مزاعمها من الأوهام؛ لأن أقلية لبنانية فقط طلبت الانتداب الفرنسي، ولم تشمل هذه الأقلية الطوائف المسيحية كلها، فازداد العرب تمسكا بما يطلبون، وازداد قسم منهم تعصبا أدى إلى الأعمال التي سودت صحيفتهم.
وصلت اللجنة في تموز إلى دمشق، فطلب فريق من الدمشقيين الوحدة السورية وفيها لبنان وفلسطين، والاستقلال التام الناجز، وأن تكون الحكومة ملكية دستورية لا مركزية، ويكون الأمير فيصل ملك البلاد. ثم طلبوا المساعدة الاقتصادية والفنية من أميركا، وإذا رفضت أميركا، فمن بريطانيا. وقد طلبوا أن يكون العراق مستقلا كل الاستقلال، وألا تكون حواجز اقتصادية بين البلدين.
ثم استفتت اللجنة العلماء فطلبوا ما يلي: الوحدة السورية المستقلة عن الحجاز، وحكومة دستورية لا مركزية على رأسها الأمير فيصل، ومساعدة دولة غنية قوية لا مطامع استعمارية لها.
Неизвестная страница