و«الجوليار (المغزلكون)
goliards » قليل للغاية، وأغلب الظن أنهم لم يكونوا يتجشمون عناء تدوين موسيقاهم. ولقد كانت ألحانهم متكررة، ولما كان حفظها سهلا، فالأرجح أن منشدي العصور الوسطى لم يهتموا دائما بتدوينها، ومن الجائز أنهم لم يعرفوا وسيلة التدوين. ولعل ذلك هو السبب في أن ما لدينا من أشعارهم الفعلية أكثر مما لدينا من موسيقاهم ذاتها. وقد أعيدت كتابة بعض الألحان الرئيسية لهؤلاء الموسيقيين الوسيطيين بطرق التدوين الحديثة. وعلى الرغم من جسارة هذه المحاولة وجرأتها، فإنها عاجزة عن أن توحي إيحاء تاما بالروح الأصلية التي كانت هذه الموسيقى تؤدى بها.
الفصل الثالث
الفيلسوف والموسيقى في العصر القوطي وعصر النهضة
القسم الأول: الفيلسوف والكنيسة والبوليفونية في العصر الوسيط
كانت الفترة المتأخرة من العصور الوسطى فترة صراع فلسفي هائل بين مختلف مذاهب الفكر في الكنيسة. ولقد رأينا من قبل أن الفترة المتقدمة في العصور الوسطى قد عرفت أفلاطون بوصفه مؤلف محاورة «طيماوس» التي وصف فيها بطريقة أسطورية أصل العالم بروح صوفية مماثلة لروح الفيثاغوريين. كذلك عرفت هذه القرون المتقدمة ذاتها أرسطو بوصفه عالم منطق؛ أي إن الباحثين الغربيين لم يكونوا يعرفون من كتابات أفلاطون وأرسطو في ذلك الحين إلا أقل القليل؛ ومن ثم كانت معرفتهم بهذين الفيلسوفين القديمين مقتصرة على حفنة من الترجمات من اليونانية إلى اللاتينية، ولكن الغرب اللاتيني عرف، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، كتابات الفلاسفة العرب واليهود الذين حافظوا على مؤلفات اليونانيين خلال القرون التي كانت فيها المسيحية تكافح التجديف العقلي والفني للوثنيين. أما قبل ذلك فلم يكن الباحثون المسيحيون يعرفون اليونانيين - أعني أفلاطون وأرسطو - إلا كما فسرهم آباء الكنيسة، وهو تفسير كان دائما متعاطفا مع العقيدة المسيحية. كذلك عرف الباحثون المسيحيون الفلسفات الموسيقية القديمة كما فسرت وأدمجت في كتابات أوغسطين وبويتيوس.
وقد ترجمت مؤلفات الفيلسوف العربي «الفارابي» (المتوفى 950م) إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر. وساعد العرض الذي قدمه الفارابي لفلسفة أرسطو على تعريف العالم المسيحي بالمذهب المشائي في التفكير، وهو المذهب الذي كان ينطوي ضمنا على الفلسفة الجمالية للموسيقى اليونانية. كذلك دعا «أبيلار
Abelard » في القرن الثاني عشر إلى مزيد من الروح الإنسانية في المسيحية، ووازن بين الدور الذي ينبغي أن يلعبه كل من الإيمان والعقل في الحياة الدينية. وفي القرن الثالث عشر انحاز مفكر أقرب إلى النزعة التجريبية، هو روجر بيكن
Roger Bacon ، إلى جانب العلم الأرسططالي ضد الأسطورة الأفلاطونية. وفي القرن نفسه تولت فلسفة توما الأكويني
Thomas Aquinas
Неизвестная страница