10
وكان رامو يعتقد أن الفنون الجميلة تتميز بعلاقة يحكمها نفس المبدأ، أعني مبدأ الانسجام، ولكن الطبيعة فضلت الموسيقى على سائر الفنون؛ لأن الانسجام يتمثل في الموسيقى أوضح ما يكون. وهو يذكرنا من بعيد بأرسطوكسينوس في الفقرة التي يقول فيها: «لا يجوز لنا أن نحكم على الموسيقى إلا من خلال حاسة السمع، وليس للعقل من سلطة فيها إلا بقدر ما يتفق مع حكم الأذن. وفي الوقت ذاته، فلا يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر إقناعا لنا من اتفاق الأذن والعقل في الأحكام التي نصدرها؛ ذلك لأن الأذن ترضي طبيعتنا، والعقل يرضي روحنا، فعلينا إذن ألا نحكم على شيء إلا بهما معا متضامنين.»
11
كذلك احتفظ رامو ب «مذهب المشاعر»، فقال: «من المؤكد أن في وسع الهارمونيا أن تثير فينا انفعالات تختلف باختلاف التآلفات الهرمونية المستخدمة؛ فهناك تآلفات حزينة، وأخرى ناعمة ورقيقة وسارة ومرحة، ومؤثرة، كما أن هناك تعاقبات معينة للتآلفات الهارمونية تعبر عن هذه الانفعالات.»
12
وأضاف إلى ذلك «كارل فيليب إمانويل باخ» (1714-1788م) ابن يوهان سباستيان باخ قوله: «... لما كان من المستحيل على الموسيقي أن يحرك مشاعر الناس إلا إذا تحركت مشاعره هو ذاته، فمن الضروري أن يكون في استطاعته أن يبعث في نفسه كل الانفعالات التي يود أن يثيرها في نفوس سامعيه؛ فهو ينقل مشاعره، وبذلك يكون من أيسر الأمور أن يثير فيهم مشاعر متعاطفة.»
13
ولقد اكتسبت نظرية المحاكاة
mimesis ، القائلة إن الفن تقليد للطبيعة، أهمية كبيرة في الأبحاث الفلسفية في القرن الثامن عشر؛ فقد كان ذلك عصرا انتشرت فيه دعوة العودة إلى الطبيعة والانصراف عن حياة المدينة. وبالطبع لم يكن الموسيقي الخلاق يعبر عن هذه الحركة في مؤلفاته تعبيرا كاملا؛ إذ إن الموسيقى ليست دائما انعكاسا مباشرا لروج العصر. ومع ذلك ظل الفلاسفة يرددون الفكرة اليونانية القائلة إنه لما كان الفن محاكاة للطبيعة، فيترتب على ذلك منطقيا أن تكون الموسيقى انعكاسا للإيقاع الذي يسود الكون، وعلى ذلك فإذا أمكن أن يستمع الإنسان إلى الإيقاعات الموسيقية الصحيحة دون سواها، فعندئذ يستطيع أن يتعلم كيف يعيش وفقا للقانون الطبيعي، ويتحد مع الطبيعة.
وقد اتفق جان جاك روسو (1712-1778م) مع ديدرو في رأيه القائل إن الموسيقى محاكاة للطبيعة، ودفعته روحه النازعة إلى الإصلاح إلى أن يحمل على استخدام اللغة الفرنسية في الموسيقى الغنائية، وذلك بناء على نظريته غير المؤكدة القائلة إن اللغة الفرنسية لا تصلح للنطق الغنائي كما تصلح اللغة الإيطالية، فكتب يقول: «إن لهجة اللغات هي التي تحدد الألحان في كل أمة، واللهجة هي التي تجعل الناس يتكلمون وهم يغنون ...»
Неизвестная страница