cantata »
17
أساسا ، وكذلك الكورال، أدخل على الشعائر البروتستانتية أفكارا جمالية هي المبادئ التي بنى عليها ذلك الإصلاح الذي طالما دعت الحاجة إليه، لموسيقى الكنيسة البروتستانتية.
ولم تلق حماسة باخ لإصلاح الموسيقى البروتستانتية فنيا استجابة كبيرة؛ إذ إن الكنيسة سجلت عليه أن طريقته في عزف الأرغن، وكذلك موسيقاه «تبلبل خواطر جمهرة المصلين بأنغام أجنبية غربية» وعندما أصبح عريفا (
cantor ) في كنيسة القديس توما في ليبزج عام 1722م، اشترط عليه في العقد الذي وقعه أن تكون موسيقاه ملائمة للشعائر، وألا يكون عزفه طويلا إلى حد لا يتناسب مع هذه الشعائر تناسبا معقولا، وألا يدخل موسيقى الأوبرات الإيطالية في الشعائر، وأن يتذكر دائما أن وظيفة عازف الأرغن بالكنيسة هي خدمة الصلاة عن طريق الموسيقى، وليست صرف الأنظار عن العبادة بالاستعراض غير المجدي لمقدرته في العزف على الأرغن أثناء أداء هذه الشعائر. وكانت عقود الموسيقيين في عصر الباروك تشترط عليهم البقاء داخل المدينة، وعدم مغادرتها بدون إذن. وقد أدت هذه القيود المفروضة على حرية باخ المادية، فضلا عن تلك المفروضة على حريته الموسيقية، مقترنة بما لقيه من تجاهل، إلى جعل السنوات الأخيرة من عمره أتعس سنوات حياته.
لقد بدأ عصر الباروك بإدخال الأفكار الجمالية اليونانية في الموسيقى الإيطالية، وانتهى بموت باخ في ألمانيا. وفي تلك الفترة التي تقل عن قرنين، والتي تفصل بين اجتماعات أفراد جماعة الكاميراتا وبين موت الموسيقي الألماني الكبير، ظهرت واختفت مذاهب متعددة في الفلسفة الجمالية للموسيقى؛ فقد خلق فن الأوبرا في إيطاليا على أساس فهم خاطئ لطريقة اليونانيين في أداء الفن الدرامي، وصحح مونتيفردي المفاهيم الخاطئة لجماعة الكاميراتا عن طريق إيجاد علاقة أكثر توازنا بين النص والموسيقى، وزيادة أهمية ودور الأوركسترا. وبعده بوقت ما، عمل فرانشسكو بروفنسالي
Francesco Provenzale (المتوفى سنة 1704م) وسكارلاتي الأب على جعل الأوبرا، بكل ما فيها من نقائص جمالية، فنا للغناء واللحن. وقد كتب أركانجلو كوريلي
Arcangelo Corelli (1653-1713م) مقطوعات للفيولينة والهاربسيكورد بأسلوب واضح وقالب بسيط. أما أنتونيو فيفالدي
Antonio Vivaldi (1680-1743م) ذلك الموسيقي الفذ، فقد لون موسيقى الآلات في أواخر عصر الباروك الإيطالي، وأضفى عليها رونقا ما زال محتفظا بتأثيره الانفعالي حتى اليوم. وفي فرنسا أعاد لولى جزءا من التأثير الأفلاطوني إلى الأوبرا، وحد في الوقت ذاته من الأساليب التي لا طائل منها، والتي كان يلجأ إليها مغنو الأوبرا. وفي إنجلترا مزج بيرسل الموسيقى الإيطالية بقالبه الخاص في الأوبرا، وكذلك بالموسيقى الدينية. ثم انتقل لواء الإبداع الفني من إيطاليا إلى ألمانيا، وإن يكن شوتس وباخ قد ظلا يعودان من آن لآخر إلى الموسيقى الإيطالية التي كانت تعزف في جنوب ألمانيا، لكي يقتبسا منها وحيا لحنيا يثريان به الموسيقى اللوثرية في شمال ألمانيا.
ولقد كانت الأوبرا في عصر الباروك المتقدم معارضة من الوجهة الفلسفية، ومن حيث الأسلوب للكنترابنط. ومن جهة أخرى كانت تهتم بالكلمة المنطوقة اهتماما مبالغا فيه. وعلى حين أن الباحثين النظريين مثل أرتوزي، كانوا يشكون من استخدام التنافر الهارموني
Неизвестная страница