135

Файд Хатир

فيض الخاطر (الجزء الأول)

Жанры

ويضع البرامج لتعليم الرجولة فيقول: «علموا أولادكم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما يجمل من الشعر».

ويضع الخطط لتمرين الولاة على الرجولة، فيكتب إليهم «اجعلوا الناس في الحق سواء، قريبهم كبعيدهم، وبعيدهم كقريبهم، إياكم والرشا والحكم بالهوى، وأن تأخذوا الناس عند الغضب».

ويعلمهم كيف يسوسون الناس ويربونهم على الرجولة، فيقول: «ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم».

من أجل هذا كله كان هذا العصر مظهرا للرجولة في جميع نواحي الحياة، تقرأ تاريخ المسلمين في صدر حياتهم فيملؤك روعة، وتعجب كيف كان هؤلاء البدو وهم لم يتخرجوا في مدارس علمية، ولم يتلقوا نظريات سياسية، حكاما وقادة لخريجي العلم ووليدي السياسة - إنما هي الرجولة التي بثها فيهم دينهم وعظماؤهم، هي التي سمت بهم وجعلتهم يفتحون أرقى الأمم مدنية وأعظمها حضارة؛ ثم هم لا يفتحون فتحا حربيا يعتمد على القوة البدنية وكفى، إنما يفتحون فتحا مدنيا إداريا منظما، يعلمون به دارسي العدل كيف يكون العدل، ويعلمون علماء الإدارة كيف تكون الإدارة، ويلقون بعملهم درسا على العالم، أن قوة الخلق فوق مظاهر العلم، وقوة الاعتقاد في الحق فوق النظريات الفلسفية والمذاهب العلمية، وأن الأمم لا تقاس بفلاسفتها بمقدار ما تقاس برجولتها .

هل سمعت عطفا على الرعية، وأخذ الولاة بالحزم كالذي روى أن معاوية قدم من الشام على عمر، فضرب عمر بيده على عضده فتكشفت له عن عضد بضة ناعمة، فقال له عمر: «هذا والله لتشاغلك بالحمامات، وذوو الحاجات تقطع أنفسهم حسرات على بابك!»

أو هل سمعت قولا في العدل يحققه العمل كالذي يقوله عمر: «إذا كنت في منزله تسعني وتعجز الناس، فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوة للناس»؟ أو هل رأيت حزما في الإدارة كالذي فعل في مسح سواد العراق وترتيب الخراج، وتدوين الدواوين، وفرض العطاء.

حقا لقد كان عمر في كل ذلك رجلا، ولئن كان هناك رجال قد امتصوا رجولة غيرهم، ولم يشاءوا أن يجعلوا رجالا بجانبهم، فلم يكن عمر من هذا الضرب، إنما كان رجلا يخلق بجانبه رجالا؛ فأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثة، وكثير غيرهم كانوا رجالا نفخ فيهم عمر من روحه كما نفخ فيهم الإسلام من روحه، وأفسح لهم في رجولتهم، كما أفسح لنفسه في رجولته.

وكان أدبهم في ذلك العصر صورة صحيحة لرجولتهم يتغنون فيه بأفعال البطولة ومظاهر الرجولة ويقولون:

وخير الشعر أشرفه رجالا

وشر الشعر ما قال العبيد

Неизвестная страница