Файда аль-Кадир
فيض القدير شرح الجامع الصغير
Издатель
المكتبة التجارية الكبرى
Номер издания
الأولى
Год публикации
1356 AH
Место издания
مصر
٦٤ - (ابن آدم) منادى محذوف الأداة والابن من البناء لأنه مبني من أبيه ولذلك ينسب المصنوع لصانعه فيقال ابن حرب وبنت فكر وآدم أبو البشر قال القاضي والمراد من ابن آدم آدم وأولاده فكأنه صار اسما للنوع كالإنسان والبشر وصدر به تنبيها للمنادى ليقبل بكليته على ما يلقى إليه (أطع ربك) مالكك الذي رباك بأنواع نعمه وصنوف كرمه ففي ذكره دون غيره تقريع للمكلف وتذكير بآلاء الله عليه (تسمى) أي تستحق أن تسمى (عاقلا) كامل العقل (ولا تعصه فتسمى جاهلا) لأن ارتكاب المعاصي مما يدعو إليه السفه والجهل لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل ومن ركب متن العصيان هو الجاهل السفيه عند أهل الإيمان. العاقل من أطاع الله وإن كان دميم المنظر رث الهيئة. والجاهل من عصاه وإن كان جميل المنظر شريف المنزلة حسن الزي فصوحا نطوقا. روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله ﵌: يا عويمر ازدد عقلا تزدد من ربك قربا. قلت: من لي بالعقل؟ قال: اجتنب مساخط الله وأد فرائضه تكن عاقلا. ثم تنفل بصالحات الأعمال تزدد في الدنيا عقلا ومن ربك قربا وغلبة وعزا " قال الحكيم: وإنما سمي العقل عقلا لأن الجهل ظلمة وعمله على القلب فإذا غلب نوره العقل وبصره في تلك الظلمة وأبصر صار عقالا للجهل. قال الغزالي فالقردة والخنازير أعظم عند الله ممن عصاه. فلا تغتر بتعظيم أهل الدنيا إياهم فإنهم من الخاسرين. وقال الزمخشري: من تضرر من مشقة صرف ساعة للطاعة فوقع بسبب ذلك التضرر في مشقة الأبد كان من أجهل الجاهلين فإن العاقل من قاده عقله إلى طاعة مولاه ولم يتابع نفسه وهواه:
ما تبلغ الأعداء من جاهل. . . ما يبلغ الجاهل من نفسه
وقال ابن القيم: مخالفة الرب تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفئه وإذا طفئ نوره ضعف ونقص. ولهذا قال حكيم: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله إذ لو حضره عقله حجزه عن العصيان وهو في قبضة الرب وتحت قهره وهو مطلع عليه وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان بالموت والنار ينهاه فهل يقدم على الاستخفاف بذلك والاستهانة به ذو عقل؟ وأخذ أقضى القضاة الماوردي من الخبر أن من صرف فضل عقله إلى المكر والدهاء والشر كزياد وأضرابه من دهاة العرب أن الداهية منهم لا يسمى عاقلا لأن الخير والدين من موجبات العقل وإنما هذا يسمى صاحب رواية ومكر ومن ثم لما عزله عمر قيل له أعن موجدة أو جناية؟ قال: لا عن واحدة منهما إنما خفت أن أحمل الناس على فضل عقله. أرأيت أن الشجاع إذا زاد على حد الشجاعة نسب إلى التهور؟ والسخي إذا زاد على حد السخاء نسب إلى التبذير؟ والعقل نور روحاني تدرك به النفس العلوم وقيل قوة يتميز بها الحسن عن القبيح وقيل العلم بالمدركات الضرورية وقيل غيرها ومحله القلب أو الدماغ
(حل) من حديث علي بن زياد المتوتى عن عبد العزيز بن أبي رجاء عن سهل عن أبيه (عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري. ثم قال: غريب انتهى. وعبد العزيز قال في الميزان عن الدارقطني متروك له مصنف موضوع. ثم ساق له منه هذا قال عقبة في الميزان: هذا باطل وقد اقتصر المؤلف على الرمز لتضعيفه وكان الأولى حذفه
٦٥ - (ابن آدم عندك ما يكفيك) أي يسد حاجتك (وأنت تطلب) أي تحاول أخذ (ما يطغيك) أي يحملك على الظلم ومجاوزة الحدود الشرعية: ﴿إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ فإذا كان عندك ما يكفيك حالا فاشكر نعمة ربك ولا تطلب ⦗٨٧⦘ زيادة تطغيك (ابن آدم لا بقليل تقنع) أي ترضى لفقر نفسك إلى الزيادة. " والقناعة " الرضا بما قسم وتطلق على الاكتفاء بقدر الضرورة وهو معنى قولهم القناعة الرضا باليسير. ولعل المراد هنا بقوله: " تقنع " لا بقيد القلة وإلا لكفى أن يقول لا تقنع ونكتة قصر القناعة على الرضا والنص على لفظ القلة معه رعاية الطباق بين القلة والكثرة المذكورة بقوله (ولا من كثير تشبع) وهو من أنواع البديع المستحسنة والباء في " بقليل " للمصاحبة ومن في " من كثير " بمعنى الباء ثم لما نعى عليه حاله وذم إليه خصاله حثه على الزهادة وبين له أن الكفاف مع الصحة والأمن محصل للغرض وزيادة فقال: (ابن آدم إذا أصبحت) أي دخلت في الصباح (معافى) أي سالما من الأسقام والآثام ومن قصره على الأول فقد قصر. والعافية السلامة ودفع البلاء والمكروه (في جسدك) بدنك. قال الراغب: والجسد كالجسم لكنه أخص فلا يقال الجسد لغير الإنسان أو الجسد يقال لما له لون والجسم لما لا يبين له لون كالماء والهواء (آمنا) بالمد وكسر الميم (في شربك) بكسر فسكون نفسك أو بفتح فسكون مذهبك ومسلكك أو بفتحتين بيتك (عندك قوت يومك) ما يقوم بكفايتك في يومك وليلتك وخص اليوم لأنه يستتبعها أو لأن الليل غير محل للاقتيات. قال في الصحاح: القوت ما يقوم به البدن وفي المفردات ما يمسك الرمق (فعلى الدنيا العفا) بفتح المهملة والفاء كسماء الهلاك والدروس وذهاب الأثر. قال الزمخشري: ومنه قولهم عليه العفاء إذا دعا عليه لعفو أثره. والمعنى إذا كنت كذلك فقد جمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا فدع عنك ما عداه واشتغل بما يقربك إلى الله. قال الغزالي: مهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون ويتألمون من أمور وراء هذه الثلاث مع أنه وبال عليهم ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومر سليمان ﵇ على بلبل بشجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه. فقال: أتدرون ما يقول. قالوا: الله ونبيه أعلم. قال: يقول: أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء. وصاحت فاخية فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا. وقال صالح بن جناح لابنه: إذا مر بك يوم وليلة وقد سلم فيهما دينك ومالك وبدنك وعيالك فأكثر الشكر لله. فكم من مسلوب دينه ومنزوع ملكه ومهتوك ستره ذلك اليوم وأنت في عافية ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد وانكفوا بالورع عن الكد وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد وميز القريب من البعيد والشقي من السعيد والسادة من العبيد وهذا هو المهيع الذي قبض بسطة وجوه القلوب فلم يبق للعاقل حظ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته وسترة تواري عورته وما زاد متجر إن أنفقه ربحه وإن ادخره خسره. وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها جزيل نفعها بل هي أجل النعم على الإطلاق وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له أن لا يغفل عن وعظ الناس إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده وترهيب يرده ومواعظ ترققه وأعمال تصدقه وإخلاص يحققه لترتفع أستار الغفلة عن عيون القلوب وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه وبداعة ربطه وبراعة تلاحمه: ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾
(عد هب) وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار (عن ابن عمر) بن الخطاب ونقله عن ابن عدي وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه والأمر بخلافه. بل قال أبو بكر الداهري أحد رجاله كذاب متروك. وقال الذهبي: متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي وذكر نحوه الحافظ ابن حجر فكان ينبغي حذفه
1 / 86