Фауст
فاوست: صورة مسرحية شعرية للشاعر جوته وقصائد متفرقة للمترجم
Жанры
وأنا أعتذر عن هذه الإشارة إلى ترجمة العلامة المذكور، خصوصا لتلاميذه من عشاق الفلسفة الألمانية التي يستعصي فهمها على الكثير منا، دارسي الأدب والفكر الإنجليزي الذين يعشقون الوضوح، ويطلبون في المسرح الشعري أن يكون سلسا لينا في اللسان، ذا إيقاع منتظم يذكرهم أنه شعر. ويبدو أن انتقاد العلامة المذكور أصبح يدخل في عداد الكفر بالله، إذ إن له قبيلة ومريدين ما إن ينتقده أحد حتى يهبوا للبطش به، وما أظنني ناجيا من سهامهم، ولكنني أقول إن العبرة في ترجمة المسرح بقبول النص التقديم على المسرح، فإذا كان شعرا فلا بد أن يكون قريب المأخذ واضحا (بل إلى أقصى درجات الوضوح)؛ فالمسرح غير الفلسفة، ومشاهد المسرح لا يسمع العبارة إلا مرة واحدة، فإن فاتته فرصة فهمها فقد جزءا من أجزاء العمل الفني.
وأما المؤلف فهو جوته
Goethe
الذي ولد في فرانكفورت عام 1749 ونشأ فيها ودرس في جامعة لايبزيج وحصل على إجازة في القانون، ومارس المحاماة فعلا، وتولى الوزارة في يوم من الأيام، ولكن أهم عمل له هو فاوست، وقد بدأ كتابتها وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وأكملها بعد ذلك بعامين، لكنه كان يعود إليها بين الفينة والفينة حتى نشرها عام 1808، وكان العنوان يقول إنها الجزء الأول من التراجيديا، ثم قدم هذا الجزء على المسرح في عام 1829 قبل وفاته بثلاثة أعوام، ولم تقدم المسرحية كاملة إلا في عام 1876. وكان جوته شاعرا وقصاصا وروائيا وناقدا ومترجما، وعاش حتى بلغ الثالثة والثمانين ولم يكن قد أكمل الجزء الثاني من المسرحية إلا آنذاك.
وأما «مادة» المسرحية فهي مستقاة من حكايات شعبية تبلورت في القرن السادس عشر، الذي كان يعتبر عصر استكشاف المحظورات، فلقد ظهرت في أوروبا آنذاك بوادر المذهب الإنساني [أو الهومانيزم كما يسميه أستاذنا لويس عوض] وبدأت العلوم الطبيعية تحرر نفسها من الخرافات المستمدة من السحر والشعوذة، بحيث كان الاتجاه الجديد يمثل طعنا في الصور التقليدية الجامدة للعقائد القائمة على اليقين، ولم يكن الناس جميعا قد استجابوا بعد للروح العلمية التي بلغت أوجها في القرن السابع عشر؛ إذ كانت رواسب العصور الوسطى لا تزال قائمة وترتوي بحكايات الغرائب والعجائب. وكانت أسطورة المجوسي الجريء الذي يبيع نفسه للشيطان في مقابل الحصول على «المعارف الجديدة» والظفر بقوى جديدة، من الأساطير التي ازدهرت في هذا الجو، ويقال إن للأسطورة أصلا تاريخيا إذ يذكر التاريخ فعلا رجلا يدعى فاوستوس
Faustus ، وإن كان الغموض يحيط بسيرته، ونعتمد في هذه السيرة على مصادر قليلة متفرقة، يقول بعضها إن شخصا يدعى جورج فاوست عاش في الفترة من 1480 إلى 1540، وكان محتالا أكاديميا جوالا يزعم أن لديه معرفة بالخوارق وما يستعصي على عقول العامة، وأنه يتمتع بمواهب خاصة، وقيل إنه مات قتلا. وبدأت الأساطير تنسب له ألقابا أكاديمية بعد موته، وأصبح يشار إليه باسم الدكتور يوهان فاوستوس، والاسم بصورته اللاتينية يعني المحظوظ أو المصطفى، وقيل إنه كان أستاذا في جامعة فيتنبرج، وإن الشيطان كان يرافقه على هيئة كلب أسود، وإنه كان يستحضر أمام تلاميذه الشخصيات التي ذكرها هوميروس في ملحمتيه، وإنه كان يخدع البابا والإمبراطور بحيل معينة، وإنه بعد أن أتم فترة الاقتران بالشيطان، وهي التي كانت قد حددت بأربع وعشرين سنة، وقع فريسة للشياطين الصغار الذين مزقوه إربا وألقوا به في الجحيم.
وعلى امتداد القرن السادس عشر انتشرت الحكايات الشعبية التي تتحدث عنه في ألمانيا، وكانت هذه زاخرة بالتفاصيل المثيرة لمغامرات «الساحر»، وتقدم للناس العظة الأخلاقية المستقاة من سقوطه آخر الأمر. وكانت هذه الحكايات تطبع في كتيبات شعبية، بعنوان فاوست وحسب، وكان أولها كما يقول المؤرخون قد ظهر في مدينة فرانكفورت في عام 1587، ولم تتوقف طباعتها حتى بداية القرن الثامن عشر، وتضم صورا مختلفة لحياة الرجل، وكانت ترجماتها تتوالى في أوروبا بلغاتها المختلفة، والمعتقد أن إحدى ترجماتها الأولى هي التي أوحت إلى الشاعر الإنجليزي كريستوفر مارلو
Marlowe
بكتابة مسرحيته المعروفة وعنوانها التاريخ المأساوي للدكتور فاوستوس في عام 1592 على الأرجح، وإن لم تنشر إلا بعد وفاته، أي في عام 1604.
ولما كان من المعتاد أن تسافر الفرق المسرحية في العصر الإليزابيثي لعرض مسرحياتها في قصور الأمراء الأجانب، فلم ينقض وقت طويل حتى بدأ الناس من المناطق التي تتحدث اللغة الألمانية في أوروبا يعرفون صورا «فاسدة» من مسرحية مارلو، ونعني بالفساد هنا التحريف الشديد الذي يقوم عادة على التبسيط المخل، أي تحويل التضاد في الصراع الدرامي إلى تضاد مبالغ فيه، كالتضاد بين اللونين الأبيض والأسود وحذف الدرجات اللونية بين هذين، والتي عادة ما نسميها درجات اللون الرمادي. وكان من الطبيعي أن «تستولي» فرق العرائس و«خيال الظل» على هذه الصور المحرفة وتقدمها للصغار (وللكبار) باللغة الألمانية، وبعضها لا يزال يقدم حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. ويقول النقاد والباحثون إن جوته عرف حكاية فاوست أول الأمر عندما شاهد في طفولته إحدى مسرحيات العرائس المذكورة، ويرجحون أنه قرأ أيضا أحد الكتيبات الشعبية التي كانت قد طبعت عام 1725. ومن الغريب أنه لم يقرأ مسرحية مارلو إلا عام 1818 بل وفي ترجمة ألمانية، لكنه كان يلم بمحتواها قطعا من خلال مسرح العرائس خصوصا.
Неизвестная страница