Фатх аль-Кадир

Аш-Шаукани d. 1250 AH
54

Фатх аль-Кадир

فتح القدير

Издатель

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤١٤ هـ

Место издания

بيروت

تَنْفَصِلُ مِنْ مِخْرَاقِ الْمَلَكِ الَّذِي يَزْجُرُ السَّحَابَ عِنْدَ غَضَبِهِ وَشِدَّةِ ضَرْبِهِ لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْضَهُ قَرِيبًا، وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ الْمَلَكِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ الْوَاقِعَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ صَوْتِ الرَّعْدِ، يَكُونُ مَعَهَا أَحْيَانًا قِطْعَةُ نَارٍ تَحْرِقُ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: الصَّاعِقَةُ: نَارٌ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ فِي رَعْدٍ شَدِيدٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ تَبَعًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّهَا نَارٌ لَطِيفَةٌ تَنْقَدِحُ مِنَ السَّحَابِ إِذَا اصْطَكَّتْ أَجْرَامُهَا. وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ الرَّعْدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالصَّوَاعِقِ مَا لَهُ مَزِيدُ فَائِدَةٍ وَإِيضَاحٍ. وَنَصَبَ: حَذَرَ الْمَوْتِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَالْمَوْتُ: ضِدُّ الْحَيَاةِ. وَالْإِحَاطَةُ: الْأَخْذُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ حَتَّى لَا تَفُوتَ الْمُحَاطَ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَقَوْلُهُ: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَكَيْفَ حَالُهُمْ مَعَ ذَلِكَ الْبَرْقِ؟ وَيَكَادُ: يُقَارِبُ. وَالْخَطْفُ: الْأَخْذُ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الطَّيْرُ خَطَّافًا لِسُرْعَتِهِ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ: يَخْطَفُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. وَقَوْلُهُ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ تَصْنَعُونَ فِي تَارَتَيْ خُفُوقِ الْبَرْقِ وَسُكُونِهِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِشِدَّةِ الْأَمْرِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِشِدَّتِهِ عَلَى أَهْلِ الصَّيِّبِ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ بِالزِّيَادَةِ فِي الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَقْدُورَاتِهِ سُبْحَانَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوْ كَصَيِّبٍ هُوَ الْمَطَرُ ضُرِبَ مَثَلُهُ فِي الْقُرْآنِ: فِيهِ ظُلُماتٌ يَقُولُ ابْتِلَاءٌ: وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ تَخْوِيفٌ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ يَقُولُ: يَكَادُ مُحْكَمُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُنَافِقِينَ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ يَقُولُ: كُلَّمَا أَصَابَ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ عزّا اطمأنوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قالوا ارجعوا إلى الكفر [يقول وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا] «١» كَقَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ «٢» الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا: كَانَ رَجُلَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَرَبَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَصَابَهُمَا هَذَا الْمَطَرُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ رَعْدٌ شَدِيدٌ وَصَوَاعِقُ وَبَرْقٌ، فجعلا كلما أصابتهما الصَّوَاعِقُ يَجْعَلَانِ أَصَابِعَهُمَا فِي آذَانِهِمَا مِنَ الْفَرَقِ أَنْ تَدْخُلَ الصَّوَاعِقُ فِي مَسَامِعِهِمَا فَتَقْتُلُهُمَا، وَإِذَا لَمَعَ الْبَرْقُ مَشَيَا فِي ضَوْئِهِ وَإِذَا لَمْ يَلْمَعْ لَمْ يُبْصِرَا قَامَا مَكَانَهُمَا لَا يَمْشِيَانِ، فَجَعَلَا يَقُولَانِ: لَيْتَنَا قَدْ أَصْبَحْنَا فَنَأْتِيَ مُحَمَّدًا فَنَضَعَ أَيْدِيَنَا فِي يَدِهِ، فَأَصْبَحَا فَأَتَيَاهُ فَأَسْلَمَا وَوَضَعَا أَيْدِيَهُمَا فِي يَدِهِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمَا، فَضَرَبَ اللَّهُ شَأْنَ هَذَيْنِ الْمُنَافِقَيْنِ الْخَارِجَيْنِ مَثَلًا لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا حَضَرُوا مَجْلِسَ النبيّ ﷺ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ فَرَقًا مِنْ كلام النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُنَزِّلَ فِيهِمْ شَيْءٌ أَوْ يُذْكَرُوا بِشَيْءٍ فَيُقْتَلُوا، كَمَا كَانَ ذَلِكَ الْمُنَافِقَانِ الْخَارِجَانِ يَجْعَلَانِ أَصَابِعَهُمَا فِي آذَانِهِمَا، وَإِذَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ: أَيْ فَإِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَأَصَابُوا غَنِيمَةً وَفَتْحًا مَشَوْا فِيهِ وَقَالُوا: إِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ﷺ دين صَدَقَ وَاسْتَقَامُوا عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ ذَانِكَ الْمُنَافِقَانِ

(١) . مستدرك من تفسير الطبري (١/ ١٢٠) . (٢) . الحج: ١١.

1 / 58