Фатх аль-Маджид Шарх Китаб ат-Таухид - Хатыба
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة
Жанры
إبراهيم يترك أهله في واد غير ذي زرع
ومن خصال الخير التي جمعها إبراهيم ﵇ أنه بنى الكعبة ﵊ يعينه إسماعيل وقبل ذلك يستعين بربه سبحانه ﵎.
فقد ذهب إبراهيم بأم ولده إلى مكة بأمر الله سبحانه، وتركها هنالك مع ابنه ووحيده إسماعيل، ومعها سقاء فيه ماء، وجراب فيه تمر، ثم تركهما وهي تنادي عليه: إلى من تتركنا يا إبراهيم؟! فيسكت ﵊ ويمضي في تنفيذ أمر الله ﷿، فيترك ابنه الرضيع الذي جاءه وهو شيخ كبير في هذا المكان متوكلًا على الله، واثقًا في الله سبحانه ﵎، مع أم ولده.
ولم تكن هاجر زوجة له، وإنما كانت أم ولده، فقد كانت أمة أهداها ملك مصر لـ سارة، فأهدتها سارة لإبراهيم ﵊، فوطئها فرزقه الله منها إسماعيل ﵇.
فلما تركها هنالك وانصرف قالت: آلله أمرك بذلك؟ قال: نعم.
قالت: إذًا لا يضيعنا، فأحسنت التوكل على الله، فرزقها الله ﷿ بئر زمزم، تفيض ماء لها ولولدها، ورزقها الله ﷿ من يأتون إليهم جيرانًا ويعيشون معهم في هذا المكان.
وحين ترك إبراهيم هاجر وابنه وتولى عنهما وراء أكمة مرتفعة ظهر منه الشوق والحب لأهله، فتضرع إلى ربه قائلًا: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم:٣٧].
وقد أخفى عنهم هذا التضرع الذي بينه وبين ربه، إذ لو أظهر هذا أمامهم فقد يبكي ويبكون ويشق عليهم ذلك، ولكنه تعمد أن يتركهم ويذهب وراء أكمة مرتفعة ثم يتضرع إلى ربه أن يهيئ لهم أسباب النجاة؛ لأنه قد تركهم في مكان لا يوجد فيه أنيس ولا جليس، ولا يوجد فيه ماء ولا زرع ولا ضرع، ولكنه تركهم طاعة لله، محسنًا التوكل على الله، فصار هذا المكان مكانًا يحجه الناس ويعتمر إليه من كل فج عميق.
5 / 9