160

Fatawa of Dr. Husam Afaneh

فتاوى د حسام عفانة

Жанры

٨٤ - المساجد
حكم بناء مسجد وجعل أعلاه مسكنًا،
يقول السائل: يريد شخص أن يتبرع بقطعة أرض لبناء مسجد عليها ولكنه يشترط أن يكون سطح المسجد ملكًا له ليبني عليه مسكنًا له فما قولكم في ذلك؟ الجواب: لا شك أن التبرع بقطعة أرض ليقام عليها مسجد عمل مبرور ومن أعمال الخير ويعد مشاركة في بناء المسجد وجزى الله هذا المتبرع خير الجزاء. وقد ورد عن الرسول ﷺ أحاديث كثيرة في فضل بناء المساجد والمشاركة في بنائها فمن ذلك: عن عثمان بن عفان ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي ذر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من بنى لله مسجدًا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة) رواه ابن حبان والبزار والطبراني في الصغير وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. وهذا الحديث يدل على المشاركة في بناء المسجد لأن مفحص القطاة لا يكفي ليكون مسجدًا. ومفحص القطاة هو المكان الذي تفحصه القطاة لتضع فيه بيضها وترقد عليه. وعن أنس ﵁ أن الرسول ﷺ قال: (من بنى لله مسجدًا صغيرًا كان أو كبيرًا بنى الله له بيتًا في الجنة) رواه الترمذي وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علَّمه ونشره أو ولدًا صالحًا تركه أو مصحفًا ورثه أو مسجدًا بناه أو بيتًا لابن السبيل بناه أو نهرًا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة والبيهقي وقال الشيخ الألباني: وإسناد ابن ماجة حسن. انظر صحيح الترغيب والترهيب ص ١٠٩-١١١. إذا تقرر هذا فأقول إن المسجد في الإسلام له مكانته الخاصة وله أحكامه الخاصة فلا ينبغي أن يكون سطح المسجد مسكنًا وإنما ينبغي أن يكون المسجد مستقلًا فإذا بني على ظهر المسجد مسكن فإن ذلك قد يحدث تشويشًا على المصلين كما أن بعض الفقهاء يرون أن هواء المسجد يعتبر مسجدًا وإلى عنان السماء وبالتالي يمنعون السكن فوقه لأن الساكن فوق المسجد تقع منه أمور طبيعية لا تفعل في المسجد مطلقًا. قال صاحب الدر المختار من علماء الحنفية: [وكره تحريمًا الوطء فوقه والبول والتغوط لأنه مسجد إلى عنان السماء] الدر المختار مع حاشية ابن عابدين ١/٦٥٦. وقال الإمام بدر الدين الزركشي: [كره مالك أن يبني مسجدًا ويتخذ فوقه مسكنًا يسكن فيه بأهله. قلت - أي الزركشي -: وفي فتاوى البغوي ما يقتضي منع مكوث الجنب فيه لأنه جعل ذلك هواء المسجد وهواء المسجد حكمه حكم المسجد] إعلام الساجد بأحكام المساجد ص ٢٨٣. وبمناسبة الحديث عن بناء المساجد لا بد من التنبيه إلى أن كثيرًا من المساجد التي تبنى في أيامنا هذه يلاحظ فيها المبالغة في البناء وإنفاق الأموال الطائلة في زخرفة المسجد وتزيينه حتى سمعنا عن بعض المساجد التي كلف الواحد منها مئات الملايين مع أن الناس يعانون من الفقر في تلك البلاد فكان أولى أن تنفق تلك الأموال لسد حاجات الناس الضرورية. ويجب أن يعلم أنه ليس من منهج الإسلام الصحيح المبالغة في بناء المسجد ولا إنفاق الملايين عليه مباهاةً وتفاخرًا. وقد أخبر الصادق المصدوق ﷺ في الحديث عن ذلك فقد جاء في الحديث عن أنس أن النبي ﷺ قال: (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد وصححه ابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير ٢/١٢٣٧. وقال الشيخ الشوكاني: [أي يتفاخرون في بناء المساجد والمباهاة بها] نيل الأوطار ٢/١٦٩. وقال الإمام البخاري في صحيحه: [باب بنيان المسجد وقال أبو سعيد: كان سقف المسجد من جريد النخل. وأمر عمر ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر وإياك أن تحمِّر أو تصَفّر فتفتن الناس. وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلًا] . وقال الحافظ ابن حجر قوله: [ثم لايعمرونها: المراد به عمارتها بالصلاة وذكر الله وليس المراد به بنيانها ...] صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ٢/٨٥-٨٦.
وخلاصة الأمر أنه يجب الاقتصاد عند بناء المسجد فليس هنالك داع للزخارف الفخمة والثريات الباهظة الثمن والقباب المذهبة والمآذن الطويلة بل يجب أن يكون المسجد في غاية البساطة مع الاتساع وتوفر المرافق المريحة للمصلين كالحمامات النظيفة ووسائل التبريد والتدفئة والإضاءة الجيدة وغير ذلك فإذا اقتصدنا في بناء المسجد فإن الأموال الفائضة يمكن أن نبني بها مسجدًا آخر فعوضًا عن صرف الملايين على مسجد واحد يمكن بناء مساجد عديدة في مناطق بحاجة للمسجد. وأخيرًا أذكر حديث الرسول ﷺ: (ما أمرت بتشييد المساجد) رواه أبو داود وابن حبان وصححه. قال الإمام البغوي: (والمراد من التشييد: رفع البناء وتطويله ومنه قوله ﷾: (فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) وهي التي طول بناؤها ... وقال أبو الدرداء ﵁: إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فالدمار عليكم) شرح السنة ٢/٣٤٩-٣٥٠. وقال ابن رسلان معلقًا على حديث الرسول ﷺ السابق: [وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة إخباره ﷺ عما يقع بعده فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلمًا وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله السلامة والعافية] نيل الأوطار ٢/١٦٨. *****

6 / 84