47
المستمع ح. ع. ع. جدة العمارية فضيلة الشيخ ما حكم من أنفق بضاعته باليمين الكاذبة وجهونا جزاكم الله خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من أنفق سلعته بالحلف الكاذب أي طلب نفاقها ورغبة الناس فيها أو زيادة ثمنها بالحلف الكاذب فإنه متوعد بالوعيد الشديد أن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب فعليه أن يتوب إلى الله مما صنع وألا يعود لذلك وأن يعلم أن رزق الله لا يستجلب بالمعاصي فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فليتقِ الله وليجمل في الطلب وليعلم أن الوسيلة المحرمة لجلب الرزق تنزع بركة الرزق وتوقع صاحبها في الإثم ويكون ما يأكله من أرباحها سحتًا وما نبت من السحت حري أن تكون النار أولى به وليعلم أن الرزق القليل الحلال الطيب خير من الكثير الخبيث الحرام وباب التوبة مفتوح إذا تاب الإنسان وأقلع عن هذا العمل وتصدق بما يسر الله له من الصدقة فلعل الله أن يتوب عليه ويهديه صراطًا مستقيمًا. ***
البائع الذي يحلف للزبون بكلمة صدقني هذا آخر شيء مثلا. هل هذا صحيح، حتى لا يجعل الله عرضة لكثرة الأيمان للتجارة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال صدقني فهذا ليس يمينا لكنه طلب من المشتري أو من السائم أن يصدقه أما لو قال والله لقد اشتريتها بكذا أو والله لقد سيمت كذا وهو كاذب فهذا هو الذي اشترى بعهد الله ويمينه ثمنا قليلا والمنفق سلعته بالحلف الكاذب من الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم كما رواه مسلم عن أبي ذر ﵁ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال أبو ذر من هم يا رسول الله خابوا وخسروا قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ومع هذا إذا قلنا إن قوله صدقني ليست يمينًا فلا يحل له أن يخبر المشتري بخبرِ كذب سواء أخبره بصفة في السلعة وهو كاذب أو أخبره بأنه اشتراها بكذا وهو كاذب أو أخبره بأنها سيمت كذا وهو كاذب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (البيعان بالخيار فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما) . ***
المستمع آدم على إبراهيم من السودان يقول ما حكم الشرع فضيلة الشيخ في التاجر الذي يجمع ماله بطريقة غير مشروعة نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن الإنسان إذا اكتسب ماله بطريقٍ غير مشروع فالواجب عليه أن يتوب إلى الله ﷾ من هذا العمل الذي يكتسب به المال عن طريقٍ غير مشروع وأعظم الطرق تحريمًا في المكاسب طريق اكتساب المال بالربا فإن الله ﷾ حرم الربا في كتابه في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) قال (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ومن الذي يستطيع أن يعلن الحرب على الله ورسوله وقال ﷿ (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) والربا يكون في أجناسٍ معينة من المال لا في كل المال بيّنها رسول الله ﷺ في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل وسواءً بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الإصناف فبيعوا كيف شيءتم) فالذهب والفضة وما كان بمعناهما هو الذي فيه الربا وكذلك الأصناف الأربعة الباقية المطعومة المكيلة هي التي فيها الربا هي وما شابهها في الجنس وأما ما سوى ذلك فليس فيه ربا ولهذا يجوز للإنسان أن يبدل سيارة بسيارتين أو سيارة بسيارة ودراهم أو بعيرًا ببعيرين أو شاةً بشاتين أو ما أشبه ذلك مما ليس فيه ربا ومن المكاسب المحرمة أن يكتسب الإنسان المال بممارسة بيع وشراء ما لا يجوز مثل أن يتجر بالدخان فإن الدخان محرم لما فيه من الضرر البدني والمالي فإذا اتجر به الإنسان فإن الاتجار به محرم وكسبه حرام أيضًا ومن ذلك أن يبيع ما لا يجوز بيعه مثل أن يبيع كلبًا أو خنزيرًا أو نحو ذلك ومن هذا أيضًا أن يتجر بالخمور والمخدرات وغير هذا من الأشياء التي حرمها الله فكل من اكتسب شيئًا محرمًا فإن عليه أن يتوب إلى الله من ذلك ويخرج من ماله مقدار الكسب الحرام إن علمه فإن لم يعلمه تحرى فأخرج ما تبرأ به ذمته. ***
ماحكم الشرع في نظركم في التدخين وما حكم المتاجرة به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التدخين الذي هو شرب الدخان اختلف أهل العلم فيه ما بين مبيح ومحرم كما هو الشأن في كل أمر جديد يقع على الساحة فإن العلماء تختلف اجتهاداتهم فيه ولكن في الأونة الأخيرة تبين للإنسان أنه لا يمكن القول بإباحته لما يشتمل عليه من الأضرار المستعصية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك وقد قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وقال تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولما ثبت أنه ضرر فإننا نضيف إلى ضرر البدن الضرر المادي فإن به إفناء كثير من المال ولو أن الإنسان أحصى ما يتلفه في هذا السبيل لرأى أنه يتلف شيئًا كثيرًا فيكون صرف المال فيه من باب إضاعة المال وقد قال الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) فنهى عن إيتاء السفهاء وهم الذي لا يحسنون التصرف بأموالهم أن يؤتوا المال، وبين أن المال قيام أي تقوم به مصالح الدين والدنيا وإنما نهى عن إتيان السفهاء أموالهم، قال الله عنها (أَمْوَالَكُمْ) لأجل أن يكون الإنسان حريصًا على مال اليتيم كما يحرص على ماله وإلا فمن المعلوم أن المال لليتيم ومع ذلك نهى عن إتيان السفهاء ذلك لأن السفهاء لا يحسنون التصرف فيه، وثبت عن النبي ﷺ أنه نهى عن إضاعة المال، ولأن شارب الدخان تثقل عليه العبادات ولا سيما الصوم لأنها تحجزه عن شربه وإنه بهذه المناسبة مناسبة استقبال شهر رمضان عام عشرة وأربعمائة وألف أحب أن أوجه نصيحة قصيرة إلى الذين ابتلوا بشربه وأقول إن هذا الشهر المبارك شهر رمضان ميدان فسيح للتسابق إلى تركه أولًا لأنه شهر ينبغي أن تكثر فيه الأعمال الصالحة وثانيًا أن الصائم لن يتناول هذا الدخان في النهار فإذا صبر عن شربه طول النهار فليتصبر أيضًا في الليل حتى يطلع الفجر فإذا دام على ذلك لمدة شهر كامل فإن ما في دمه من النيكوتين سوف يتحلل ويزول ويسهل عليه جدًا أن يتركه فنصيحتي للإخوان الذين ابتلوا به أن يستعينوا الله ﷿ في هذا الشهر شهر رمضان على تركه ومن استعان الله بصدق وإخلاص أعانه الله ﷿ وخلاصة القول أن شرب الدخان محرم لأنه ضرر على البدن وضرر على المال وضرر على النفس وإذا كان الشيء محرمًا كان الاتجار به محرمًا وقول النبي ﷺ (إن الله إذا حرّم شيئًا حرّم ثمنه) فلا يحل الاتجار به وعلى من ابتلي بذلك أن يقلع عن هذا لأن الاتجار به حرام والكسب الحاصل به حرام. ***
توجد بقالة لبيع المواد الغذائية والحلويات وأنا أعلم علم اليقين بأن هذه البقالة من مصدر حرام فهل يجوز أن نشتري من هذه البقالة وهل يصح أن أنصح عامة الناس بعدم الشراء من ذلك الدكان وما الحكم إذا كان لابد من الشراء من تلك البقالة جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج عليك أن تشتري من هذه البقالة وإن كان صاحبها قد أنشأها من مصدر حرام وذلك لأن المعاملة التي تجري بينك وبينه معاملة مباحة وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه اشترى من يهودي طعامًا لأهله ورهنه درعه ومات صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي كما أنه ﷺ قبل هدية اليهود وقبل دعوتهم حين دعاه يهودي إلى خبز من شعير وإهالة سنخة لكن إن وجد بقالة أخرى ليس في مصدرها شبهة فهي أولى. ***
يقول السائل إذا اشترى شخص سلعة بالتقسيط وتبين له أن الطريقة التي اشتريت بها السلعة طريقة غير جائزة أو محرمة فكيف يتصرف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أمكن أن يرد البيعة ردها وإذا لم يمكن فعليه أن يستغفر الله ﷿ ولا يعود ثم إن كان هو الذي أخذ الزيادة فليرد الزيادة على صاحبها مع الجهل وإن كان مع العلم فليتصدق بالزيادة تخلصًا منها. ***
السائل من الدمام يقول فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الغش في البيع والشراء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغش في البيع والشراء وجميع المعاملات محرم بل من كبائر الذنوب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من غش فليس منا) والغش ينافي كمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإذا كان الإنسان لا يحب أن يقوم بغشه أحد فكيف يرضى لنفسه أن يغش الناس وعلى هذا فالواجب على من ابتلي بهذه المصيبة أن يتقي الله ﷿ وان يكون صريحًا واضحًا في معاملاته وفي أخلاقه حتى يعرفه الناس ويعاملوه على بصيرة. ***
مستمع للبرنامج من الامارات يقول والدي عنده مكائن وقرر هو وشركاؤه بيعها وإحدى هذه المكائن فيها عيب فهل علي إثم أن أبيعها دون إخبار المشتري بالعيب خوفًا من غضب والدي أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لأحد أن يبيع سلعة معيبة إلا مبينًا عيبها (لأن النبي ﷺ مر على صاحب طعام فأدخل يده في الطعام فإذا في أسفله بلل فقال النبي ﷺ ما هذا قال أصابته السماء يا رسول الله فقال هلا جعلته فوق ليراه الناس) أو كلمة نحوها ثم قال (من غش فليس منا) وكاتم العيب كالمدلس بل أشد وعلى هذا فلا يحل لك أن تبيع هذه الماكينة التي فيها العيب إلا مبينًا عيبها حتى لو أمرك أبوك أن تبيعها بدون بيان فإنه لا يحل لك أن تطيعه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعليك أن تنصحه وتبين له أن هذا حرام وأن الكسب من ورائه حرام وتقول له سأبين عيبها والرزق الذي يريده الله لك سوف يأتيك فإن أصر على بيان العيب فقل له لا أستطيع أن أبيعها لأن ذلك حرام عليّ وحرام عليك أيضًا وأنا مأمور ببرك ومن برك أن أمنعك من هذا الظلم لقول النبي ﷺ (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا قالوا يا رسول الله هذا المظلوم فكيف نصر الظالم قال تمنعه من الظلم فذلك نصره) ***
المستمع طه من مكة المكرمة فضيلة الشيخ يأتيني بعض البضائع فأخلط القديم مع الجديد علمًا بأن هذا القديم ليس فيه شيء فاسد ولا خربان هل هناك شيء في هذا وهل لا بد أن أبين للمشتري فأقول هذا جديد وهذا قديم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هناك أشياء تتغير بالقدم وإن كانت لا تفسد فسادًا بيّنًا فهذه لا يجوز أن يخلط بها الجديد وتباع على أنها جديدة بل يجب أن يميز كل شيء على حدة لأن هذا من تمام البيان والنصح وهناك أشياء لا تتغير بتقدم الزمن فلا حرج أن تخلط هذه مع هذه، مثل لو كان عند الإنسان مواد حديدية لا تتغير بتغير الزمن ولم تتغير الصنعة فيها فخلط بعضها ببعض فلا حرج لأن الحكم لا يتغير والثمن لا يتغير والرغبات فيها لا تتغير فخلط بعضها ببعض ليس بغش ولا خديعة وليعلم أن المتبايعين إذا صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما فليجعل من له معاملة مع الناس هذا الحديث أمام عينيه دائمًا وليجعل أمام عينيه أيضًا قول النبي ﷺ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وليجعل أمام عينيه قول النبي ﷺ (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) وليجعل أمام عينيه قول النبي ﷺ (من غش فليس منا) وإذا بنى الإنسان معاملته على هذه الأسس العظيمة القيمة النيِّرة فليبشر بالخير وليعلم أنه ولو كسب قليلًا فإن الله سيجعل في هذا الكسب بركة وأنه لو حاد عنها وكسب كثيرًا فلا خير في هذا الكثير تنزع منه البركة فلا يستفيد منه صاحبه شيئًا ويكون وإن كثر ماله كالمعدم وربما تسلط على ماله آفات تستنفذه وربما يصاب هو أو عائلته بأمراض تستنفذ ما كسب فليحذر الإنسان أن يعامل الناس بما لا يحب أن يعاملوه به والله ولي التوفيق. ***
المستمع حامد شاكر من حريملاء يقول ما حكم بيع عسل النحل المغذى بالسكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس ببيع عسل النحل المغذى بالسكر لكن إن كان يختلف في الجودة عن عسل النحل الذي لا يتغذى بالسكر فإنه يجب عليه أن يبين للمشتري بأن هذا العسل من نحل يتغذى بالسكر لئلا يقع في الغش الذي تبرأ النبي ﵊ من فاعله حيث قال (من غش فليس منا) ولئلا تفوته البركة في بيعه فإن النبي ﷺ قال (البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) فعلى المرء أن يتعامل مع الناس بالصدق والبيان وأن يتعامل مع الناس بما يحب أن يعاملوه به فإن هذا هو حقيقة الإيمان لقول النبي ﵊ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ولقوله ﷺ (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) . ***
حد الربح وحكم التسعير والاحتكار
هل للربح حد معين في البيع والشراء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس للربح حد معين في البيع والشراء ما دام السوق كله قد ارتفع السعر فيه والإنسان قد يشتري السلعة بمائة مثلا ثم يرتفع السعر طفرة واحدة إلى مائتين فيبيع مائتين فهنا ربح مائة في المائة وأما إذا كان يزيد في الربح والسوق راكد لكنه هو أراد أن يُضر بالناس أو كان يزيد السعر لكون المشتري غريرًا لا يعرف الأسعار فهذا حرام عليه ولا يحل له أن يبيع بأكثر مما يبيع به الناس قد يقول بعض الباعة أنا لو أذكر السعر المحدد لقام المشتري يماكسني لأنزل من السعر فنقول لا بأس حينئذٍ أن تزيد في السعر إذا كنت تظن إنه سيماكسك لكن إذا لم يماكسك فلا بد أن تقول له السعر الذي كان في السوق فمثلا إذا جاءك الرجل يشتري سلعة قيمتها مائة فقلت بمائة وعشرين ظنا منك أنه سوف يماكسك حتى تنزل إلى المائة لكن الرجل لم يماكسك وقبلها بمائة وعشرين ففي هذه الحال يجب عليك أن تقول له اصبر أنا قلت لك بمائة وعشرين لأنني ظننت أنك مثل كثير من الناس الذين يماكسون حتى ينزلوا السعر وما دمت لم تماكس فإن القيمة الحقيقية مائة فحينئذٍ لا بأس ويكون هذا دليل على صدق معاملته مع الناس وبيانه للواقع وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) . ***
أحمد صالح اليماني مقيم بحفر الباطن يقول في بلدنا عادة وهي إذا أراد أحد الناس أن يبيع نوعًا من بهيمة الأنعام الإناث ذات اللبن وهي أنهم يحبسون اللبن في ضرع هذه البهيمة لمدة يومين أو ثلاثة قبل الذهاب بها إلى السوق لبيعها حتى ينخدع المشتري لمنظرها ذلك فيشتريها بثمن زائد فهل هذا جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز أعني كون الإنسان إذا أراد أن يبيع بهيمة ذات لبن منع حلبها لمدة يومين أو ثلاثة حتى يمتلئ ضرعها فينخدع المشتري بذلك هذا عمل محرم لأن النبي ﷺ نهى عنه في قوله (لا تصر الإبل والغنم) والتصرية حبس اللبن في ضرع البهيمة حتى يظن أنها ذات لبن كثير فهذا وقوع فيما نهى عنه الرسول ﵊ وهو أيضًا من الغش لأن هذا خداع لأخيك المسلم وقد قال النبي ﵊ (من غش فليس منا) وهو أيضًا مناف لكمال الإيمان لقول النبي ﷺ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) ومن المعلوم أنك لا تحب لنفسك أن يخدعك أحد بمثل هذه الخديعة فإذا كنت لا تحب ذلك لنفسك فكيف تحبه لأخيك المؤمن إذًا تكون قد أحببت لأخيك ما لا تحب لنفسك فانتفى عنك كمال الإيمان ففي هذه العملية ثلاث مفاسد وقوع فيما نهى عنه الرسول ﵊ ووقوع فيما تبرأ النبي ﷺ منه ونقص في الإيمان فعلى المؤمن المتقي لربه أن يكون بيعه وشراؤه صريحًا واضحًا حتى يبارك له فيه لقول النبي ﵊ (البيعان بالخيار فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما) ثم إن المشتري الذي اشترى هذه البهيمة المصراة له الخيار بعد أن يحلبها ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعًا من تمر. ***
هل هناك حدٌ شرعي يحدد الأرباح التجارية فيضعها في الثلث أو غيره فإنني سمعت أن من الناس من يحددها بالثلث ويستدل على ذلك بأن عملية البيع تكون مبنية على التراضي واختاروا الثلث ليرضي الجميع نرجو التوضيح والتفصيل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الربح الذي يكتسبه البائع ليس محددًا شرعًا لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ ولا في إجماع أهل العلم ولا علمنا أن أحدًا حدده غاية ما في ذلك أن بعضًا من أهل العلم لما ذكروا خيار الغبن قالوا إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس ولكن مع هذا ففي النفس منه شيء فإن التحديد بالخمس ليس عليه دليلٌ أيضا فعلى كل حال فإننا نقول إنه لا حد للربح لعموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وعموم قوله تعالى (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فمتى رضي المشتري بالثمن واشترى به فهو جائز ولو كان ربح البائع فيه كثيرًا اللهم إلا أن يكون المشتري ممن لا يعرفون الأسعار غريرًا بالقِيَم والأثمان فلا يجوز للبائع أن يخدعه ويبيع عليه بأكثر من ثمن السوق كما يفعله بعض الناس الذي لا يخافون الله ولا يرحمون الخلق إذا اشترى منهم الصغير والمرأة والجاهل بالأسعار باعوا عليه بأثمان باهظة وإذا اشترى منهم من يعرف الأسعار وهو عالمٌ يعرف كيف يشتري باعوا عليه بثمن أقل بكثير إذن نقول في الجواب إن الربح غير محدد شرعًا فيجوز للبائع أن يربح ما شاء لعموم الآيتين الكريمتين (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ولأن الزيادة والنقص خاضعان للعرض والطلب فقد يكون الطلب شديدًا على هذه السلعة فترتفع قيمتها وقد يكون ضعيفًا فتنخفض ومن المعلوم أنه قد يشتري الإنسان الشيء بمائة ثم تزيد الأسعار فجأة فيبيعها في اليوم الثاني أو بعد مدةٍ طويلة بمائتين أو بثلاثمائة أو أكثر نعم من احتكر شيئًا معينًا من المال وصار لا يبيعه إلا بما يشتهي فإن لولي الأمر أن يتدخل في أمره وأن يجبره على بيعه بما لا يضره ولا يضر الناس سواءٌ كان هذا المحتكر واحدًا من الناس أو جماعةً لا يتعامل بهذا الشيء إلا هم فيحتكرونه فإن الواجب على ولي الأمر في مثل هذه الحال أن يجبرهم على البيع بربحٍ لا يضرهم ولا يضر غيرهم أما إذا كنت المسألة مطلقة والشيء موجودٌ في كل مكان لا يحتكره أحد فإنه لا بأس أن يأخذ ما شاء من الربح إلا إذا كان يربح على إنسانٍ جاهل غرير لا يعرف فهذا حرامٌ عليه أن يربح عليه أكثر مما يربح الناس في هذه السلعة. ***
عبد الصمد عبد الله يقول ما هو المقدار الجائز شرعًا في الربح عندما يتاجر شخص بنوع من السلع هل هو نصف رأس المال أو الربع أو الثلث أو أكثر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الربح في البيع والشراء ليس له تقديرٌ شرعًا فقد يربح الإنسان أكثر من رأس المال مرات عديدة حسب نشاط السوق وارتفاع الأسعار فكم من أناس اشتروا الشيء بثمن ثم باعوه بأضعافه وقد يربحون دون ذلك وقد لا يربحون شيئًا وقد يخسرون، الأمر في هذا راجع إلى قوة العرض والطلب والأسعار بيد الله ﷿ فهو المسعر القابض الباسط الرازق لكن المحظور هو أن يرفع الإنسان السعر عما جرى فيه العرف أو عما كانت عليه السلعة في السوق ويخدع بها الجاهل كما لو كان الناس يبيعون هذه السلعة بعشرة فباعها بخمسة عشر أو أكثر على إنسانٍ جاهل فإن هذا لا يجوز لما فيه من الخديعة والغش وقد قال النبي ﵊ (من غش فليس منا) وإذا كان الإنسان لا يرضى أن أحدًا يعامله بهذه المعاملة فكيف يرضى أن يعامل غيره بها أما لو كان السوق قد ارتفع مثل أن يشتري هذه السلعة بعشرة ثم تزداد السلعة حتى تصل إلى ثلاثين أو أربعين فلا حرج أن يبيع بهذا السعر لأنه سعر الناس وأما (حديث عروة بن الجعد بن البارقي ﵁ فقد أعطاه النبي ﷺ دينارًا يشتري به أضحية فاشترى شاتين بالدينار ثم باع إحداهما بدينار ثم أتى بأضحيةٍ ودينار إلى رسول الله ﷺ فدعا له النبي ﷺ بالبركة في بيعه فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه) وهذا لا يدل على ما ذكره السائل لأنه من الجائز أن يكون من باع الشاتين للبارقي بدينارٍ واحد عرف أن هذا لرسول الله ﷺ فنزل من السعر وأيضا قد يكون عجلًا يريد أن يذهب إلى أهله فباعها برخص وقد يكون السعر زاد في هذه الساعة التي وقع فيها الشراء ثم البيع بعد ذلك على كل حال فيه احتمالات ولكن القاعدة الأصيلة أنه لا يجوز للإنسان أن يغلب غيره غلبةً لا يقتضيها ارتفاع السعر هذا هو الظاهر.
ما الحكم في تاجر يبيع الأشياء بأسعار مختلفة للناس ولو كانت السلعة هي نفسها فيبيعها لواحد مثلا بعشرة ريالات وللآخر بعشرين ولثالث بخمسة وهل مثل هذا يجوز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الاختلاف بسبب اختلاف السوق وأن هذه السلعة تزداد يوما وتنقص يوما فهذا لا بأس به أن يبيع بسعر السوق وليس في ذلك محظور وأما إذا كان هذا الخلاف فيما يبيع به إنما هو من أجل شطارة المشتري وكونه جيدًا في المماكسة أو غير جيد فإذا رأى أنه غير جيد غلبه وإذا رأى أنه جيد نزل له فإن هذا لا يجوز لأنه من الغش وخلاف النصيحة وقد ثبت أن النبي ﵊ من حديث تميم الداري أنه قال (الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) وكما أنه لا يرضى أن يفعل به أحد مثل ذلك فكيف يرضى لنفسه أن يفعله في إخوانه المسلمين فالواجب أن يكون بحسب ما تقتضيه الأسعار في المكان الذي هو فيه وألا يجعل لهذا سعرًا ولهذا سعرًا بسبب غباوة المشتري أما كونه يحابي بعض أصحابه وبعض أصدقائه في التنزيل من الثمن فهذا لا بأس به ولا حرج عليه أو كونه يبيع السلعة بما تساوي في الأسواق ثم يأتي رجل يلح عليه في المماكسة والتنزيل حتى ينزل له فإن هذا لا يضره لأنه ما خرج عن السعر المعتاد. ***
ما حكم الشرع في رجلٍ يبيع بضاعته وهو زاهد فيها لدرجة أنه إذا قدمت له أي مبلغٍ قليل يرضى به ولا يبالي بذلك وذلك ليس من باب المساعدة فإنه يريد أن يتخلص من بضاعته تلك بأي طريقة وما الحكم الشرعي في كلٍ من البائع والمشتري هل عليهما إثمٌ في ذلك أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا شيء في الشرع لأن للإنسان أن يبيع سلعته بثمنها أو بقيمتها المعتادة وله أن يبيعها بأقل وله أن يبيعها بأكثر إذا رضي المشتري بذلك إلا إذا كان هذا البائع سفيهًا لا يحسن التصرف فإنه لا يجوز الشراء منه لأن تصرف السفيه غير صحيح حتى يأذن بذلك وليه الذي جُعل عليه من قبل الشرع أو من قبل الحاكم الشرعي. ***
حسن عبد الله من السودان يقول بأنه اشترى دراجة في أحد الأعوام بمبلغ مائة وثلاثين جنيهًا وفي هذه الأيام وبعد انقضاء سبع سنوات من استعمالها حيث تقل قيمتها كلما صارت قديمة إذا أردت بيعها إلا أن شخصًا رفع قيمة هذه الدراجة بمبلغ ألف ومائتا جنيهٍ بزيادة ألف وسبعين فما الحكم في هذه الزيادة الكبيرة حيث إن الحديث يقول (الملح بالملح والشعير بالشعير والتمر بالتمر مثلًا بمثل وما زاد فهو ربا) أفيدونا بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الزيادة لا بأس بها إذا كان ذلك من أجل ارتفاع قيمة هذه الدراجات، لأن هناك فرق بين قيمة الأشياء منذ سبع سنوات وقيمتها اليوم أما إذا كانت هذه الزيادة من أجل أن المشتري جاهل بالثمن وأنك خدعته وبعتها عليه بهذا المبلغ مع أنها لا تساويه فإن هذا حرام عليك لأنه لا يجوز التغرير بأحد من المسلمين لقول النبي عليه الصلاة السلام (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وكثيرًا ما ترتفع الأسعار في أقل من هذه المدة أحيانًا يشتري الإنسان الشيء بمائة وفي خلال سنة واحدة يرتفع إلى ألف أو أكثر فلا حرج عليك إذا بعتها بالزيادة وأما قولك إن هذا قد يكون ربا لأن النبي ﷺ قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء) فهذا لا يدخل في هذا الحديث الذي ذكرت لأن هذا الحديث المراد منه إذا بيع كل واحد من هذه الأشياء بجنسه مثل أن أبيع ذهبًا بذهب فلا بد فيه من التساوي والتقابض في مجلس العقد أو أبيع فضة بفضة فلا بد من التساوي والتقابض في مجلس العقد أو تمرًا بتمر فلا بد من التساوي والتقابض في مجلس العقد أما إذا بيع جنس بآخر كأن أبيع تمرًا ببر فلا بأس بالزيادة لكن بشرط أن يكون ذلك يدًا بيد لقول النبي ﷺ (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يد بيد) . ***
يقول في بعض السلع التجارية نكسب أكثر من النصف ولو لم نعمل هكذا لما ربحنا ولما غطينا الصرفيات هل في ذلك حرج يا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الربح هو سعر البلد والتجار فيه مشتركون فإن هذا لا بأس به لأنه قد يكون الربح في هذا البلد كثيرًا لوجود نفقات كثيرة عند ترحيل السلعة من البلد الأول إلى الثاني أو من أجل المخازن أو لأي سببٍ آخر أما إذا كان هذا من باب التضرر بالناس وعدم الرحمة فإن هذا لا يجوز ولهذا لو اجتمع التجار على أن يرفعوا سعر سلعةٍ معينة لا توجد إلا عندهم فإن هذا حرامٌ عليهم لا يجوز مثلًا لو اجتمع تجار الخضرة الذين يبيعوا الخضرة على ألا يبيعوا الكيلو إلا بكذا وكذا مما هو أزيد من قيمته ولم يوجد أحدٌ يتعاطى بيع هذه الخضراوات فإنه لا يحل لهم ذلك ولولي الأمر أن يتدخل وأن يقرر سعرًا معينًا يحصل به الربح للبائع دون ضررٍ على المشترين المستهلكين. ***
هل للتجارة حد في الربح وما حكم التسعيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الربح ليس له حد فإنه من رزق الله ﷿ والله تعالى قد يسوق الرزق الكثير للإنسان فأحيانًا يربح الإنسان في العشرة مائة أو أكثر فقد يكون اشترى الشيء بزمن رخص ثم ترتفع الأسعار فيربح كثيرًا كما أن الأمر قد يكون بالعكس فقد يشتريها في زمن الغلاء وترخص رخصًا كثيرًا فلا حد للربح الذي يجوز للإنسان أن يربحه نعم لو كان هذا الإنسان هو الذي يختص بإيراد هذه السلع وتسويقها وربح على الناس كثيرًا فإنه لا يحل له ذلك لأن هذا يشبه بيع المضطر يعني البيع على المضطر لأن الناس إذا تعلقت حاجتهم بهذا الشيء ولم يكن موجودًا إلا عند شخص معيَّنٍ فإنه في حاجة للشراء منه وسوف يشترون منه ولو زادت عليهم الأثمان ومثل هذا يجوز التسعير عليه وأن تتدخل الحكومة أو ولاة الأمر فيضربون له ربحًا مناسبًا لا يضره نقصه ويمنعونه من الربح الزائد الذي يضر غيره ومن هنا نعرف أن التسعير ينقسم إلى قسمين قسم يلجأ إليه ولاة الأمور لظلم الناس واحتكارهم وهذا لا بأس به لأنه من السياسة الحسنة فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (لا يحتكر ألا خاطئ) والخاطئ من ارتكب الخطأ العمد وإذا كان خاطئًا فإنه يجب أن يصحح مساره عن طريق ولاة الأمر فإذا احتكر الإنسان هذه السلعة ولم تكن عند غيره والناس في حاجة إليها فإن على ولاة الأمور أن يتدخلوا في هذا وأن يضربوا له الربح الذي لا يتضرر به البائع وينتفع به المشتري أما إذا كان رفع الأسعار ليس صادرًا عن ظلم بل هو من الله ﷿ إما لقلة الشيء أو لسبب من الأسباب التي تؤثر في الاقتصاد العام فإن هذا لا يحل التسعير فيه لأن هذا ليس إزالة ظلم من هذا الشخص الذي رفع السعر فإن الأمور بيد الله ﷿ ولهذا (لما غلى السعر في المدينة في عهد النبي ﷺ جاؤوا إليه فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإن لأرجو أن ألقى الله ﷿ وما أحد منكم أن يطلبني بمظلمة في دم ولا مال) فأمتنع النبي ﷺ أن يسعر لهم لأن هذا الغلاء ليس من فعلهم وصنيعهم وبهذا نعرف أن التسعير على قسمين إن كان سببه إزالة الظلم فلا بأس به وإن كان ظلمًا هو بنفسه بحيث يكون الغلاء ليس من ظلم الإنسان فإن التسعير حينئذ يكون ظلمًا ولا يجوز. ***
حامد أحمد قدسي بالسودان يقول الحكومة تعطي سلع التموين إلى التجار بأسعار مخفضة ليبيعوها للشعب بعد إضافة الربح المعقول فإذا كان هذا التاجر أخفى بعض هذه السلع لبيعها بالسوق الأسود، وقال للشعب نفذت، فهل هذا الربح الأكثر من المسموح له حلال أم حرام، علمًا بأن أحد التجار استفتى عالمًا فأفتى له بصحة ذلك، فنرجو الإفادة وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرجل إذا استفتى عالمًا يثق بقوله ويعتقد أن ما قاله هو الحق فإنه لا يجوز له أن يسأل عالمًا آخر، وإذا كان السؤال من غيره وسمع أنه سئل فأجاب فلا بأس أن يسأل كما أسلفنا، وأرجو أن يكون الأخ هذا من هذا القبيل أي أنه سمع أن عالمًا سئل فأجاب، ونحن لا نوافق هذا العالم الذي أجاب بالصحة والحل ذلك لأن الحكومة قد خفضت السعر مراعاة للمواطنين، فما دامت قد خفضت السعر فمعنى ذلك أن هذه السلعة تساوي أكثر لولا تخفيض الحكومة، وإذا كان كذلك فإن الواجب عليه أن يكون نصيبه من الربح بالمقدار الذي قررته الحكومة، لأنها أي الحكومة حينما خفضت قيمة السلعة كأنها تقول بعتك هذه السلعة بكذا بشرط أن تبيعها بكذا، فإذا بعتها بأكثر فقد نقضت الشرط الذي بينك وبين الحكومة، وقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقال تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) ثم إن هذا مع مخالفته لهذه الآيات هو في الحقيقة طمع ينافي كمال الإيمان، لأن النبي ﷺ يقول (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعض وشبك بين أصابعه)، ويقول ﷺ (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهذا الجشع والطمع، فالحكومة تريد نفع الناس وهو يريد الإضرار بهم وهذه أنانية مذمومة مخالفة لكمال الإيمان فنرى أنه لا يجوز للمرء الذي أخذ من السلع المدعومة من قبل الدولة أن يزيد في الربح عما قررته الدولة، لأن هذا بيع بشرط، ولأن هذا ينافي كمال الإيمان الذي يكون مقتضيًا لأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه. ***
هذا السائل من تشاد يوسف شرف الدين يقول لي سؤال يدور حول الاحتكار وهو أني عملت في مال أبي كنا مشتركين في الربح واحتكرنا الطعام إلى أن ارتفع السعر ومعنى ذلك دفعت رأس المال إلى والدي وقسمنا الربح في ما بيننا ولقد أشكل علي حديث الرسول ﷺ في الاحتكار الحديث (لا يحتكر إلا خاطئ) وظننت أن المال الذي وقع لي في قسمتي هو حرام وسألت بعض الإخوة فقالوا بأن الاحتكار المحرم هو ما أضر بالناس وأما ما ليس به ضرر بالناس فهو ليس بحرام نرجو من فضيلة الشيخ أن يوضح لنا هذه المسألة جزاه الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاحتكار فيما يحتاج الناس إليه محرم لأن ذلك مضر بهم وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يحتكر إلا خاطئ) والخاطئ هو مرتكب الذنب عمدًا ولكن الاحتكار أنما يكون فيما لا يوجد عند غير هذا المحتكر وأما ما كان يوجد عنده وعند غيره وأراد أن يبقي السلعة عنده حتى يأتي موسمها فإن هذا لا بأس به ولا يعد هذا احتكارًا فلو أن شخصًا اشترى أرزا مثلا وقال أدخره إلى وقت موسمه والناس عندهم الأرز يبيعون كما يشاؤون فإن هذا لا يعتبر محتكرًا أما إذا كان لا يوجد إلا عنده وحبسه حتى يأتي وقت الغلاء فإنه يكون محتكرًا. قال أهل العلم ويلزم ولي الأمر أن يجبر المحتكر على أن يبيع ما احتكره كما يبيع الناس في الوقت الذي يحتاجون إليه لأن هذا من المصالح العامة. ***
أحكام بعض أنواع البيوع - بيع المصحف وشراؤه
فضيلة الشيخ أسأل عن حكم بيع المصاحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع المصاحف لا بأس به وهو مما تدعو الحاجة إليه أو الضرورة أحيانًا ويظهر لك ذلك فيما لو كان الإنسان محتاجًا إلى مصحف وليس عنده مصحف لكن عنده دراهم يمكن أن يشتري بها فكيف يتوصل إلى اقتناء هذا المصحف إلا بالشراء وعلى هذا فبيع المصحف وشراؤه حلال ولا بأس به لدعاء الحاجة إليه وأما من منع ذلك فيحمل على ما إذا كان سببًا لابتذاله وامتهانه فيمنع لهذا السبب. ***
مستمعة من المدينة المنورة تقول فضيلة الشيخ هل شراء المصحف ومن ثم بيعه محرم حيث يقول الله تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) الآية أرجو بهذا إفادة مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: بيع المصحف وشراؤه لا بأس به ولا حرج فيه وما زال المسلمون يتبايعون المصاحف من غير نكير ولا يمكن انتشار المصحف بين أيدي الناس إلا بتجويز بيعه وشرائه أو إيجاب إعارته لمن يستغني عنه كما ذكره بعض أهل العلم وأما الآية الكريمة التي ذكرها السائل فإن المراد بذلك من يكتبون الكتاب بأيديهم ويحرفونه بالزيادة والنقص ليشتروا به ثمنا قليلا فهنا يحق عليهم الوعيد لأنهم حرفوا كلام الله من أجل أن يتوصلوا إلى ما يريدون من أغراض الدنيا سواء كانت أموالًا أو جاها أو غير ذلك. *** بيع التماثيل
ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت للزينة وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها سواء كان حيوانا أوخيولًا أو أسودًا أو جمالًا أو غير ذلك لأنه ثبت عن النبي ﷺ (أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه فعلى من عنده شي من ذلك أن يتلفه أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان وهذا من تزيين الشيطان لهم وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه وأنه لا ينبغي لعاقل فضلًا عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثمًا نسأل الله لنا ولهم الهداية وأما بيعها وشراؤها فحرام لقول النبي ﷺ (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) فلا يجوز استيرادها ولا توريدها ولا بيعها ولاشراؤها ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان والله ﷿ يقول لعباده (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وكذلك أيضًا يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها لأن تعليق الصور رفع من شأنها فيدخل في عموم قول النبي ﷺ (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة) وأما ما يوجد من هذه الصور في الفرش التي تداس وتمتهن فإن فيه خلافًا بين أهل العلم هل يحرم أو لا وجمهور أهل العلم على حله فمن أراد الورع واجتنابه وأن يتخذ فرشًا ليس فيها صور حيوان فهو أولى وأحسن ومن أخذ بقول جمهور العلماء فأرجو ألا يكون عليه بأس. ***
عبد الرحمن السيف يقول يوجد مناظر للزينة وفيها صور محنطة وعليها زجاج هذه المناظر فهل يصح أن تعلق للزينة في المجالس وغيرها أم لا أفتونا جزاكم الله عنا خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذه فيما نرى لا يجوز بذل الدراهم فيها بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يشتري مثل هذه الصور المحنطة لأنها ليست مقصودة قصدًا شرعيًا إذ ليس فيها فائدة لا في الدين ولا في الدنيا وإنما هي مناظر لا تفيد شيئًا فلا يجوز للإنسان أن يبذل الدراهم في شراء مثل هذه الصور المحنطة أما إذا اشتريت هذه الصور المحنطة للعلم والإطلاع على مخلوقات الله والتبصر بما فيها فهذه منفعة لا بأس الإنسان أن يشتريها لهذا الغرض كالذي يوجد في بعض أمكنة المعامل في المدارس هذه لا بأس بها ولا حرج من شرائها. *** بيع الأعضاء
طالبة بالمملكة من سريلانكا تقول في زماننا هذا كثر التبرع بالعين وربما بيعها ممن قد يئسوا من الحياة فأرجو إجابتكم على الحكم في الحالتين في التبرع والبيع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كما ذكرت السائلة حدثت أخيرًا في الأزمان المتأخرة واختلف أهل العلم فيها فمنهم من أجاز للإنسان أن يتبرع بأحد أعضائه التي يبقى له منها شيء ثم اختلف هؤلاء هل يجوز أن يتبرع فقط أو له أن يبيع ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقًا وقال لا يجوز لأحد أن يتبرع أو أن يبيع شيئًا من أعضائه حتى وإن كان قد أيس من حياته وذلك لأن بدنه أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه فالإنسان مملوك وليس مالكًا وإذا لم يكن مالكًا لشيء من أعضائه وإنما هي أمانة عنده فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيها ببيع ولا غيره وتبرعه بعضو في بدنه من جنسه قد يقوم البدن بدون ذلك العضو الذي تبرع به ولكن من المؤكد أن الله تعالى لم يخلق هذين العضوين إلا لفائدة عظيمة وذلك بأن يتساعدا على المصلحة التي أوكلت إليهما ثم إنه إذا تبرع بأحد هذين العضوين لم يبق له إلا عضو واحد وفي هذه الحال ربما يتعطل ذلك العضو فيكون هذا المتبرع فاقدًا للمنفعة كلها ثم إنه إذا تبرع به لغيره فإن تحقق المفسدة فيه قد حصلت حيث فقد ذلك العضو وحصول المصلحة للمتبرع له به أمر محتمل لأن العملية قد لا تنجح فمثلًا لو أن أحدًا تبرع بكليته لشخص فإنها إذا نزعت منه فقدها وهذه مفسدة ثم إذا زرعت في المتبرع له فإنها قد تنجح وقد لا تنجح فنكون هنا قد ارتكبنا مفسدة لمصلحة غير متيقنة والذي يترجح عندي أنه لا يجوز أن يتبرع أحد بشيء من أعضاء بدنه وإذا لم يجز التبرع فالبيع من باب أولى وأما التبرع بالدم فإن التبرع بالدم للمحتاج إليه لا بأس به وذلك لأن الدم يخلفه غيره فإذا كان يخلفه غيره صار النقص الذي يحصل على البدن مفقودًا ويكون هنا فيه مصلحة إما متيقنة أو محتملة لكن بدون وجود مفسدة ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمنعه فالتبرع بالدم لمن احتاج إليه جائز بشرط أن يقرر الطبيب أنه لا ضرر على هذا المتبرع إذا تبرع بدمه.
فضيلة الشيخ: هذا حكم البيع فما حكم الشراء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حرم البيع في شيء فإنه يحرم الشراء.
فضيلة الشيخ: لو أردت أن أشتري من غير المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق في هذا بين المسلم وغيره.
فضيلة الشيخ: إذا كنت مضطرًا لهذا العمل ربما أنقذ به حياة شخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ربما تنقذ به حياة شخص لكنك لا تتيقن أن تنقذ به حياة شخص ولهذا لو كانت المسألة من باب الأكل للمضطر من الميتة التي لها حرمة لا من باب زرع العضو في البدن الذي قد ينفر منه البدن ولا يقبله لو كانت المسألة أكلًا للميته التي لها حرمة لكان يجوز لك أن تأكل ما له حرمة ولهذا اختلف العلماء ﵏ فيما لو اضطر الإنسان إلى الأكل وليس عنده إلا ميت من بني آدم هل يجوز له أن يأكل منه أو لا يجوز فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يأكل الحي شيئًا من الميت ولو أدى إلى موت الحي لاحترام الميت كاحترام الحي وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أكل الحي من هذا الميت لدفع ضرورته قال لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت وهذا قول قوي بلا شك ولكن الأكل تندفع به الضرورة يقينًا ولهذا لما حرم الله الميتة أباح للمضطر أن يأكل منها لأن ضرورته تندفع بذلك يقينًا بخلاف الدواء والعلاج ومن ثمّ قال أهل العلم إنه لا يجوز التداوي بالمحرم ويجوز للإنسان أن يأكل المحرم لدفع جوعه ففرق بين شيء تحصل به المصلحة يقينًا وتندفع به المضرة وبين شيء لا يتيقن فيه ذلك فإنه لا يرتكب المحظور المتيقن لحصول شي غير متيقن. *** بيع الوقف
يقول في قريتنا مسجد قديم ومندثر وقد عمل بعض الناس عندنا على تخريبه فهدموا جزءا منه ثم توقفوا وقاموا ببيع بعض الأخشاب التي هدمت ونظرًا لحاجتي إلى تلك الأخشاب فقد اشتريت بعضها وانتفعت بها في بناء بيت لي فهل علي شيء في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء في هذا ما دام المسجد قد هدم ليعاد بناؤه على وجه أكمل وأنفع وإن بيعه في مثل هذه الحال لا بأس به ولا بأس أن يشتري الإنسان منه ما يريد أما لو كان هدمه جناية للتخريب فقط فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه شيئًا لأن هذا الفعل غير مأذون فيه. ***
ما حكم بيع الأراضي الموقوفة وما حكم المشتري في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأراضي الموقوفة إذا تعطلت مصارفها ومنافذها بحيث لا ينتفع بها فإنها تباع ويصرف ثمنها في شيء ينتفع به وأما إذا كانت مصالحها باقية فإنه لا يجوز بيعها وتبقى على وقفها ولكن مع ذلك فالصورة الأولى التي يجوز بيعها لابد من مراجعة الحاكم الشرعي في هذا الأمر حتى لا يحصل تلاعب بالأوقاف فيدعي كل إنسان ناظر على أن هذا الوقف قد تعطلت منافعه ثم يبيعه لهوى في نفسه والحاصل أن بيع الأراضي الموقوفة إذا تعطلت منافعها جائز بل واجب حتى يمكن الانتفاع بالوقف وأما إذا لم تتعطل منافعها فإنها تبقى على ما هي عليه. ***
إذا كان شخص حفر بئرًا أو اشتراها ليجعلها في سبيل لله لمن أراد أن يشرب أو من أراد أن يأخذ من هذا الماء فما حكم الشرع في نظركم فيمن يأخذ الماء من هذه البئر ويبيعها على الناس الآخرين إما ليشربوا وإما ليسقوا به مزارعهم أفتونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب فيما وقف أن يتصرف فيه الناس على حسب شرط الواقف فإذا كان هذا الواقف إنما وقفه لينتفع به الناس ويشربوا منه ما يحتاجون إليه فإنه لا يحل لأحد أن يأخذ من هذا الماء ليبيعه لا سيما إذا كان ماء البئر قليلًا بحيث إذا أخذه غوره على من بعده وأما إذا كان الواقف أراد بهذا البئر مطلق الانتفاع سواء انتفع الإنسان بشرب الماء من هذا البئر أو ببيعه فإن الأمر يكون واسعًا المهم أن الاشياء الموقوفة تستعمل على حسب شرط الواقفين. *** بيع الشيء جزافًا
إذا اشترى شخص طعامًا من محل بدون وزن وإنما جزافًا فما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يشتري الطعام جزافًا ما دام يشاهده فلا حرج عليه. *** بيع الحيوان بالكيلو
أبو عبد الله من القصيم يقول يا فضيلة الشيخ أسأل عن بيع الذبيحة وهي حية بالكيلو؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا شيئًا ولكن الذي يظهر لي أن ذلك لا يجوز لأن بيعها وهي حية فيه غرر قد يكون بطنها مملوءة من الطعام فتثقل بذلك وقد يكون ليس في بطنها شيء فتخف وقد تكون مريضة وربما يكون المرض سببًا في ثقلها والصحة نشاط وخفة على كل حال الذي يظهر لي المنع من ذلك لكن إذا ذبحت فإنه يبين ما فيها يشق بطنها ويزال ما فيه من بقايا الطعام ثم تباع بالكليو إذا نظفت. *** جمعية اليانصيب
في بلادنا جمعية اليانصيب الخيري يرصد ريعها للفقراء والمحتاجين وهي عبارة عن أرقام مختلفة تصدر بكمية كبيرة من الأوراق ذات الأرقام وإذا جاء موعد السحب على هذه الأوراق فمنها ما يربح ومنها ما يخسر فما حكم الإسلام في هذه الأوراق الرابحة حيث يقوم الشخص بشرائها بقيمة رمزية وقد تربح مبلغًا كبيرًا جدًا وقد تخسر وهل يجوز التصدق من هذه المبالغ التي كسبها على الفقراء والمعوزين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العملية عملية محرمة في الإسلام قرنها الله تعالى بالشرك وشرب الخمر لأنها من الميسر قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فلا يجوز للمرء أن يقامر سواء كان بهذه الطريقة أم بطريقة أخرى غيرها لأن القمار ميسر بلا شك ميسر محرم وهو كما سمع المستمع مقرون بالخمر والأنصاب والأزلام والصدقة من هذا الربح الخبيث غير مقبولة لأنها صدقة من كسب خبيث محرم وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) ولكن من تاب إلى الله من هذا العمل وقد أخذ ربحًا بهذه الطريقة فإن عليه أن يتصدق بما أخذ أو أن يصرفه في مصالح عامة تخلصًا منه لا تقربًا به تخلصًا منه لأنه لا طريقة إلى الخلاص إلا بهذا وقد قال الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لا تقربًا به لأنه لو تقرب به لتصدق به على أنه ملكه لا على أنه مخرجه من ملكه وحينئذ لا تبرأ ذمته منه ولا يقبل منه لأنه كسب خبيث والله تعالى لا يقبل إلا طيبًا وأنا أنصح إخواني المسلمين وأوصيهم بما أوصى به الله عباده بتقوى الله ﷾ بترك هذه المعاملات المبنية على الغرر والقمار بأي لون كانت وبأي اسم سميت فإن الحقائق لا تتغير باختلاف الصور ولا بالأسماء المزخرفة وفيما أباح الله لنا من البيع والشراء والتأجير وغير ذلك من المعاملات فيه غنى عن هذه المعاملات المحرمة.
فضيلة الشيخ: هل يجوز بناء مسجد من هذا أو إنشاء صدقة جارية من هذا الكسب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلت أنه إذا فعل ذلك تخلصًا منه فلا حرج عليه تبرأ به ذمته لكن ليس له أجر من هذا العمل إنما له أجر بالتخلص منه والتوبة منه أما نفس ما يجري من العمل وانتفاع المسلم به فإنه ليس له أجر به لأنه ليس من ماله أما إذا فعله على سبيل الصدقة لنفسه والتقرب به إلى الله فإن ذلك لا ينفعه ولا يقربه إلى الله ﷿ ولا يتخلص به ولا تبرأ به ذمته وأما باعتبار انتفاع المسلمين به فسينتفعون به لكن صاحبه لا ينتفع به. ***
ما حكم الاشتراك في اليانصيب وذلك بأن يشتري الشخص تذكرة ثم إذا حالفه الحظ حصل على مبلغ كبير علمًا بأنه يريد أن يقيم بهذا المبلغ مشاريع إسلامية ويساعد بذلك المجاهدين حتى يستفيدوا من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصورة التي ذكرها السائل أن يشتري تذكرة ثم قد يحالفه الحظ كما يقول فيربح ربحًا كبيرًا هذه داخلة في الميسر الذي قال الله تعالى فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فهذا الميسر وهو كل معاملة دائرة بين الغنم والغرم لا يدري فيها العامل هل يكون غانمًا أو يكون غارمًا كله محرم بل هو من كبائر الذنوب ولا يخفى على الإنسان قبحه إذا رأى الله تعالى قرنه بعبادة الأصنام وبالخمر والأزلام وما يتوقع فيه من منافع فإنه مغمور بجانب المضار قال الله تعالى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) وتأمل هذه الآية حيث ذكر المنافع بصيغة الجمع وذكر الاسم بصيغة المفرد فلم يقل فيهما آثام كبيرة ومنافع للناس بل قال (إِثْمٌ كَبِيرٌ) إشارة إلى أن المنافع مهما كثرت ومهما تعددت فإنها منغمرة في جانب هذا الإثم الكبير والإثم الكبير راجح بها فإثمهما أكبر من نفعهما مهما كان فيهما من النفع الحاصل بهذه المنافع إذا لا يجوز للإنسان أن يتعامل باليانصيب وإن كان غرضه أن ما يحصله سوف يضعه في منافع عامة كإصلاح الطرق وبناء المساجد وإعانة المجاهدين وما أشبه ذلك بل إنه إذا صرف هذه الأموال المحرمة التي اكتسبها بطريق محرم إذا صرفها في هذه الأشياء يريد التقرب بها إلى الله فإن الله لا يقبلها منه ويبقى عليه الإثم ويحرم من الأجر لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا وإن صرفها في هذه المصالح والمنافع كبناء المساجد تخلصًا منها فهذا من السفه إذ كيف يكتسب الإنسان الخطيئة ثم يحاول التخلص منها والعقل كل العقل الذي يؤيده الشرع أن يدع الخطيئة أصلًا دون أن يتلطخ بها ثم يحاول أن يتخلص منها وعلى هذا فإنه لا يجوز للإنسان أن يكتسب هذا المال الحرام لأجل أن يقيم عليه أشياء يتقرب بها إلى الله ولا أن يكتسبه وهو أن ينوي إذا حصله تخلص منه بصرفه فيما ينفع العباد بل الواجب على المؤمن أن يدع المحرم رأسًا ولا يتلبس به ***
بيع العينة والتقسيط والتورق
ما هو بيع العينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع العينة أن يبيع الإنسان شيئًا بثمن مؤجل ثم يشتريه بأقل منه نقدًا مثال ذلك أن يبيع سيارة بخمسين ألفًا لمدة سنة ثم يشتريها ممن باعها عليه بأربعين ألفًا نقدًا هذه هي مسألة العينة وهي حرام لأنها حيلة على الربا إذ أن هذا الذي باع السيارة بخمسين ألفًا ثم اشتراها بأربعين نقدًا كأنه أعطى هذا الرجل أربعين ألفًا نقدًا بخمسين ألفًا إلى سنة وهذه السيارة حرف جاء لمعنى ولهذا يذكر عن ابن عباس ﵄ أنه قال فيها إنها دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة يعني ثوبًا وقد ورد ذم التبايع بالعينة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالحرث وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزع من قلوبكم حتى ترجعوا إلى دينكم) وهذه المسألة أعني مسألة العينة يمكن أن نقول بضابط فيها وهي كل عقد يتوصل به إلى الربا فإنه من العينة في الواقع. ***
الذين يدينون الناس من طرقهم ما يلي يسأل المدين ما السلعة التي تريدها فيقول سيارة موديل كذا وكذا والسعر قريب من كذا وكذا فيذهب الدائن ويشتري هذه الموصوفة ثم يقوم ببيعها على المدين بالتقسيط ما الحكم في مثل ذلك فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم التحريم يعني أن هذا العمل حرام لأنه حيلة واضحة فبدل من أن يقول الدائن للمدين خذ هذه خمسون ألفًا اشتر بها السيارة التي تريد وهي عليك بعد سنة بستين ألفًا بدل أن يقول هكذا يقول اذهب واختر السيارة التي تريد وأنا اشتريها لك نقدًا فيما بيني وبين البائع وأبيعها عليك بالتقسيط بزيادة على الثمن هذه حيلة واضحة غريبة جدًا وهي أخبث من أن يعطيه خمسين ألفًا ويقول هي بالستين ألفًا إلى سنة لأن هذه الصورة ربًا صريح والإنسان يفعله وهو خائف وخجل من الله ﷿ وربما يمن الله عليه بتوبة أما الصورة التي فيها اذهب واختر السيارة وأنا أشتريها وأبيعها عليك مؤجلًا بثمن أكثر فهو يعتقد أنها حلال ولا يكاد يقلع عنها وهي جامعة بين مفسدة الربا ومفسدة الخداع وإذا كان بنو إسرائيل عوقبوا بحيلة أدنى من ذلك بلا شك فما بالك بهذه الحيلة بنو إسرائيل حرم الله عليهم الشحوم فماذا صنعوا قالوا نذيب الشحوم ثم نبيعها ونأخذ الثمن وحينئذ لم نأكل الشحوم فالحيلة هذه درجتان الإذابة والبيع وأخذ الثمن بدل عن الأكل وفي الحيلة التي ذكرت في السؤال حيلة واحدة ولقد حذر النبي ﷺ هذه الأمة من التشبه باليهود فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) فنصيحتي لإخواني المسلمين الذين يريدون أن يكون مطعمهم حلالًا ومشربهم حلالًا وغذاؤهم حلالًا أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذه الحيل (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) . فضيلة الشيخ: إذن ما هي الطريقة الصحيحة في البيع. فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الطريقة الصحيحة في البيع وهذا جزاك الله خيرًا تنبيه حسن أن الإنسان إذا ذكر للناس ما هو ممنوع يذكر لهم ما هو مباح الطريقة الصحيحة للبيع أن يكون عند الإنسان سيارات معدها للبيع بالنقد وبالتقسيط فمن جاء وأخذها نقدًا فقد أخذها نقدًا ومن جاء وطلب التقسيط أخذها بالتقسيط. ***
السائل: هذه رسالة وردت من الخماسين من وادي الدواسر من السائل محمد إبراهيم سلطان يقول عندي كمية من أكياس الأرز وهي بمستودع لنا بوادي الدواسر ويأتي إلي أناس يشترونه مني بقيمته في السوق ويدينونه على أناس آخرين وإذا صار على حظ المدين أخذته منه بنازل ريال واحد من مشتراه مني ثم يأتي مثلهم أناس بعد ما يصير على حظي ويشترونه وهكذا وهو في مكان واحد إلا أنهم يستلمونه عدًا في محله فهل في هذه الطريقة إثم أم لا أفيدونا ولكم جزيل الشكر فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه الطريقة حيلة على الربا المغلظ الجامع بين التأخير والفضل أي بين ربا النسيئة وربا الفضل وذلك لأن الدائن يتوصل بها إلى حصول اثني عشر مثلًا بعشرة وأحيانا يتفق الدائن والمدين على هذا قبل أن يأتيا إلى صاحب الدكان وهو أنه سيدينه كذا وكذا من الدراهم العشرة اثنتي عشر أو أكثر أو أقل ثم يأتيان إلى صاحب الدكان ليجريا معه هذه الحيلة وقد سمى شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ هذه الطريقة الحيلة الثلاثية وهي بلا شك حيلة على الربا ربا النسيئة وربا الفضل فهي حرام ومن كبائر الذنوب وذلك لأن المحرم لا ينقلب مباحًا بالتحيل عليه بل التحيل عليه يزيده خبثًا ويزيده إثمًا ولهذا ذكر عن أيوب السختياني رجمه الله أنه قال في هؤلاء المتحيلين قال إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق ﵀ فإن المتحيل مخادع في منزلة المنافق مع الكافر الصريح يظهر أنه مؤمن وهو كافر هذا المتحيل على الربا يظهر أن بيعه وعقده بيع صحيح وحلال وهو في الحقيقة حرام وقد جعل الله ﷾ كفر المنافقين أعظم من كفر الذين يصرحون به حيث قال (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) كذلك هذا المتحيل على الربا أشد إثمًا ممن يأتي الربا الصريح ثم إنه أسوأ حالًا لأن هذا المتحيل يشعر بأنه على طريق سليم ويستمر ولا يخجل من الله ولا ينزع عن غيه بخلاف الذي يأتي شيئًا صريحًا فإنه يشعر بالخجل من الله ويشعر بأنه ارتكب المعصية ويحاول أن يتخلص منها بالتوبة لذلك هذا أسوأ حالًا ومآلًا من الذي يأتي الربا الصريح أما موضوع العدّ وهو في مكانه وجعلوا ذلك من باب القبض فإنه أفتى به بعض الناس نفسه أو غيره استنادًا إلى قول الفقهاء ﵏ ويحصل قبض معدود بِعَدِّه وعندي أنه لا بد من حيث الوجهة الشرعية لابد من القبض وهو الاستيلاء التام الذي يكون الشيء في قبضتك وتحت حوزتك لكن إذا بيع بالعد لابد مع ذلك بالإضافة إلى كونه في قبضتك وفي حوزتك لابد من عدِّه فإذا كان هذا مراد الفقهاء فهو مرادهم وإن لم يكن مرادهم فهذا هو ما تقتضيه الأدلة الشرعية أن القبض أن يكون الشيء في قبضتك لكن إذا كان قد بيع بِعَدّ أو كيل أو وزن أو ذرع لابد من وجود هذه الأشياء ليتم القبض ويؤيد ذلك أن رسول الله ﷺ (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع يعني حيث تشترى في المكان الذي اشتريت به حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وهذا مسلك من مسالك تحريم هذه المعاملة التي أشار إليها الأخ فالمسلك الأول أنها حيلة وخداع على الربا ربا الفضل والنسيئة والمسلك الثاني أنها معصية للنبي ﷺ حيث نهي أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ومن المؤسف جدًا وحقًا أن كثير من الناس يتعاملون بها كما أشار إليها الأخ ظنًا منهم أن ذلك من باب التورق الذي أجازه بعض أهل العلم ولكن ذلك ليس من التورق ولهذا تجد أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ إذا أتى على ذكر التورق ذكر خلاف أهل العلم فيه ولما ذكر هذه الحيلة الثلاثية قال إن هذه من الربا بلا ريب فدل ذلك على أنها ليست من مسألة التورق في شيء وهو واضح أيضًا فإن التورق كما قال أهل العلم أن يحتاج الإنسان إلى دراهم فيشتري ما يساوي مائة بمائة وعشرة مثلًا إلى أجل فهنا تجد في مسألة التورق أن الشراء وقع على عين السلعة وأنها مقصودة وأنه لا اتفاق بين الدائن والمدين على الربح قبل الملك لأن الدائن والمدين في الصورة التي أشار إليها السائل اتفقا على الربح قبل الملك وقد (نهى النبي ﷺ عن ربح ما لم يضمن) يعني ما لم يكن في ضمانك وتحت ملكك وقهرك فالربح فيه منهي عنه وهذا يربح فيما لم يضمن وما لم يكن في ضمانه أعني الدائن ثم إن هذه المعاملة تختلف عن التورق لأن التورق كما أشرنا إليه أن يشتري السلعة بعينها يريدها يعينها ليبيعها فتجده يقلبها وينظر فيها وينظر نوعها وجنسها لكن هذه الحيلة أو هذه الصورة التي أشار إليها السائل الدائن لا يهمه ما في هذه الأكياس ربما تكون هذه الأكياس قد أكلتها السوس أو أكلتها الأرضة وربما تعفنت لأنها لا تُحمل ولا تُنظر ولا يُفَكّر فيها بل في ظني لو أن صاحب المستودع أتي بأكياس مملوءة رملًا وقال هذه الأكياس سكر ثم باعها على الدائن وباعها على المدين وذلك اشتراها بنقص في ظني أن المعاملة ستمشي لأنه حسب ما نسمع أنهم لا يفكرون لا يقلبون ولا ينظرون فبالله عليكم أيها الناس قارنوا بين هذه الحيلة وبين قول النبي ﷺ (قاتل الله اليهود إنه لما حرم الله عليهم شحومها جملوه يعني أذابوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) فانظروا أيهما أقرب إلى صورة الحرام فعل اليهود الذين دعا النبي ﷺ بقتال الله لهم أي بلعنه إياهم على قول أو بإهلاكه إياهم على ما نراه أي معناه قاتل الله كذا أي أهلكهم لأن من قاتل الله فهو مغلوب مقتول فالمسلم يجب أن ينظر أيهما أقرب إلى صورة المحرم ما فعله اليهود الذي دعا عليهم النبي ﷺ بما دعا عليهم به أو هذه الصورة التي يفعلها هؤلاء المتحيلون الذين نرجو الله سبحانه تعالى أن يفتح لهم وأن يهيئ لهم طريقًا مباحًا. الطريق المباح مثلًا ولو أطلت في الجواب لأن الحاجة أو الضرورة دعت لها أن يستعملوا طريقة السلم الذي كان معروفًا على عهد النبي ﷺ بأن يبذل الدائن دراهم يشتري بها سلعة تسلم إليه من المدين عند حلول الأجل مثل أن يقول هذه عشرة آلاف ريال نقدًا خذها على أن تأتي إليّ بعد سنة بسيارة موديلها كذا وكذا السيارة تساوي نقدًا اثنا عشر ألف ريال لكنها من أجل التقديم صارت بعشرة يكون الدائن ربح ألفين وذلك استفاد من الدراهم وانتفع بها هذه الطريقة طريقة سليمة جاء بها الشرع لكن الناس لا يستعملونها لماذا لأن الدائن يقول إذا فعلت هذا الشيء ربما يأتي وقت الحلول والسيارات رخيصة فلم يكن عندي ربح فلذلك يتهربون منها وهناك أيضًا طريقة أخرى وهي أنه إذا احتاج الرجل إلى سلعة معينة بدل من أن يفعل هذه الطريقة المحرمة يذهب إلى صاحب السلعة ويشتريها هي بعينها وهي تساوي عشرة مثلًا يقول بعنيها باثني عشر ألفًا أو خمسة عشر ألفًا أو ما أشبه ذلك فيكون المراد بهذا العقد نفس السلعة المعينة وهذه الطريقة سليمة لا بأس بها على كل حال من خلصت نيته وراقب الله ﷿ واتقى الله فإن الله سيجعل له من أمره يسرًا وسوف يرزقه من حيث لا يحتسب. ***
عندنا بعض التجار الذين يدينون لمدة سنة يكون مثلًا عنده مائة أو مائتا قطمة هيل في دكانه ويجيء الذي يريد أن يتدين منه هذه القطم ويقول له التاجر استلم منه مثلًا عشرة، عشرين حسب الذي استدان منه ويتسلمها الضعيف ثم يجيء آخر يستدين ثم يدينها إياه مرةً ثانية وهي بمكانها ما حركت ويدينها عدة أشخاص فهل هذا يجوز على أنه يدينها عدة أشخاص وهي بمكانها هل هذا فيه شيء من الربا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة التي ذكرها السائل ابتلي بها كثيرٌ من المسلمين مع الأسف الشديد وهي في الواقع مرة ومحزنة لكنها مصداق قول النبي ﷺ (لتركبن سنن من كان قبلكم قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن) هذه المسألة هي من الحيل التي كان اليهود يرتكبون مثلها أو أقل أو أكثر وقد نهى النبي ﷺ أن نفعل مثل فعلهم من هذه الحيل من المعلوم أن الرجل لو أعطى شخصًا عشرة آلاف ريال نقدًا سلمها له ورقًا وقال هذه العشرة باثني عشرة ألفًا إلى سنة من المعلوم للجميع أن هذا ربا وأنه محرم وأن المرابي عليه من الوعيد والعقوبة ما هو معلومٌ لكل مسلمٍ فالله تعالى يقول في الذين يرابون (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) والنبي ﷺ (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) وقال (هم سواء) والحديث في مسلم وفيه أحاديث كثيرة تدل على غلظ هذا العمل عمل الربا وأنه من كبائر الذنوب العظيمة فإذا كان معلومًا أن ما صورناه من قبل من الربا وهو صريح فإن التحيل على هذا بأي نوعٍ من أنواع الحيل يعتبر وقوعٌ فيه إذًا الحيلة على المحرم لا تقلبه مباحًا بل تزيده قبحًا إلى قبحه لأن الحيلة على المحرم يجتمع فيها أمران محظوران أحدهما الوقوع في المحرم والثاني المخادعة لله ورسوله ونحن نضرب مثلًا بما هو أكبر من ذلك وهو الكفر فالكافر الصريح الذي يعلن في كفره هو واقعٌ في الكفر وقد فعل هذا الذنب العظيم لكن المنافق الذي يظهر الإسلام ويظهر بمظهر الرجل الصالح وهو يبطن الكفر هذا أشد ذنبًا وأعظم ولهذا جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار الذين يصرحون بالكفر فالمتحيل على الربا أشد من المعطي بالربا صراحةً أو أشد من الآخذ للربا صراحةً لأنه جمع بين المحظورين محظور الربا ومحظور التحيل والخداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئٍ ما نوى) وهذا الحديث يسد على المتحيلين جميع أنواع الحيل يقال لهم أنتم قصدتم هذا ولكم ما قصدتم إنما لكل امرئٍ ما نوى والعملية التي أشار إليها السائل هي موجودة بكثرة مع الأسف ومنتشرة وهي من ظهور الربا الذي ينذر بالهلاك والخطر على هذه الأمة ومن العجب أنه لو وجد حانات خمر وزنا لكان كل الناس ينكرونها لكن توجد هذه الحانات الربوية والناس ساكتون لا أحد ينكر ولا أحد يشمئز منها وذلك لأنها كثرت وكما قيل إذا كثر المساس قل الإحساس هذه الأكياس من الهيل كما قال الأخ تبقى في دكان التاجر مدة سنين أو شهورًا أو أسابيع أو ما شاء الله يأتي التاجر ويشتريها منه حسب ما اتفق مع الفقير على الربح لأنه يتفق أولًا مع الفقير على أني أدينك العشرة بإحدى عشرة أو خمسة عشر أو أكثر أو أقل ثم يذهب هذا التاجر وهذا المستدين إلى صاحب الدكان ويشتري التاجر منه السلعة بثمن يتفقان عليه ثم مع ذلك في الحال في نفس المجلس يبيعها على المستدين حسب ما اتفقا عليه من الربح أو من المرابحة ثم بعد ذلك يبيعها المستدين على صاحب الدكان بأنزل مما باعها صاحب الدكان به على التاجر ثم يأخذ الدراهم ويخرج بها في جيبه هذه هي القضية الألعوبة والمكر والخديعة وقد ذكر شيخ الإسلام ﵀ هذه المسألة وسماها الصفقة الربوية الثلاثية هذا معنى ما سماها به لأنه غاب عني لفظه الآن ومع ذلك قال هذه حرامٌ بلا ريب وربا وكان يرحمه الله يحكي في مسألة التورق قولين لأهل العلم ثم يختار هو التحريم فدل ذلك على أن هذه المسألة ليست هي مسألة التورق التي يقول بعض الناس إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق ونحن نقول هكذا إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق لكن ليس مسألة التورق بهذه الحيلة الظاهرة البينة مسألة التورق كما قالها الفقهاء ﵏ إذا احتاج الإنسان إلى نقد واشترى ما يساوي مائة بمائة وعشرين إلى أجل وطبعًا اشتراه على الوجه السليم الصحيح وليس فيه العشرة بإحدى عشرة والعشرة بخمسة عشر ولا شيء أنا احتجت مثلًا إلى دراهم فأتيت إلى صاحب الدكان قلت بع علي هذا الشيء إلى زمن هو الآن يساوى مائة قلت له بمائة وعشرين وأخذته وذهبت بعته هذه هي مسألة التورق أما هذه المسألة فليست من التورق في شيء ولا تنطبق على التورق إطلاقًا ذلك لأنهما أولًا يتفقون على المرابحة فيكون التاجر باع على المستدين ما لا يملك بربح وهذا وإن لم يكن معينًا لكنه في ذمته ثانيًا أنها يحصل فيها بيع الشيء قبل حوزته وقبضه ثالثًا يحصل فيها بيع الشيء قبل نقله عن محله وقد (نهى النبي ﷺ أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) وكون بعض الناس يقول أنا قبضتها لأنني عددتها فمجرد العدد ليس قبضًا بلا شك ولا أحد يقول إنه قبض لأن القبض معناه أن يكون الشيء في قبضتك وفي حوزتك وأي شيء يكون على العدد أن تقبضه أي شيء يكون من القبض ولكن العلماء يقولون ما يحتاج إلى عدد فلا بد من عدده لقبضه بمعنى إنه لا يتم قبضه إلا بعده وهذا أمرٌ صحيح وأما مثلًا نقول مجرد إنسان يمسحه بيده أو يعده بإشارته يكون هذا قبضًا فهذا غير مسلم إطلاقًا ثم إن هذه الصفقة في الحقيقة غير مرادة لأن التاجر لا يقلب هذا الهيل ولا يسأل عن نوعه ولا يسأل عن عيبه وسلامته وربما يكون هذا قد فسد من طول الزمن وربما تكون الأرضة قد أكلته وهم لا يعلمون بل إني أعتقد أن صاحب الدكان لو أتى بأكياسٍ من الرمل وصفها وقال للناس هذه سكر لهؤلاء الذين يتاجرون بهذه الطريقة لأخذوها على أنها سكر بناءً على عادتهم أنهم لا يقلبون ولا ينظرون ولا يفعلون شيئًا ولقد حكى لي بعض الناس وهو ثقة أنه جاء ليستدين من شخص فذهبوا إلى صاحب دكان عنده بضاعة ولكن هذه البضاعة لا تساوي القدر الذي يريده المستدين فقال نبيع ثم ندبر لها شأنًا فباعها صاحب الدكان على التاجر أولًا ثم باعها التاجر على الفقير ثانيًا ثم باعها الفقير على صاحب الدكان ثالثًا ثم باعها صاحب الدكان مرةٌ ثانية على التاجر ثم التاجر على المستدين حتى أكملت ما يريده هذا المستدين. فضيلة الشيخ: يعني تبايعوها أكثر من مرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تبايعوها أكثر من مرة فقيمتها لا تساوي هذا القدر لكن لعبوا هذه اللعبة المستديرة حتى وصلوا إلى الدراهم التي يريدها المستدين وحدثني شخصٌ آخر أيضًا أنهم جاؤوا إلى صاحب الدكان وعنده سكر وكان السكر يساوي مائةً بسعره حاضر فقال أنا أريد كذا وكذا من الدراهم فقال هذا سكر لا يساوي نصف ما تريد قال إذًا نرفع سعره نرفع قيمته يعني حتى يصل إلى الحد الذي تريده فرفعوا السعر من مائة رفعوه حتى يكون قيمة هذا السكر القليل بالغةً ما يريد هذا المستدين ومثل هذه الحيل جميعًا انفتحت على الناس من الأم من الباب الأول الذي سأل عنه هذا السائل فلا شك عندنا في أن هذه المعاملة من فعلها واقع في الربا بل هو زائدٌ على الذين يرابون صراحةً بأنه يخادع الله ورسوله والذين آمنوا وما يخدع إلا نفسه وما يشعر وسوف يندم عندما يحضره أجله ولقد ذكر ابن القيم في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أن رجلًا حضره الموت فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله فجعل يقول العشرة إحدى عشرة العشرة إحدى عشرة يعني أنها ملكت قلبه والعياذ بالله ابتلي بها عند موته حتى نسي بها شهادة الحق فنحن ننصح إخواننا المسلمين الابتعاد عن هذه المعاملات المحرمة التي فيها خداع لله ورسوله والمؤمنين ونقول لهم إن ما صنعتم بهذه الطريقة أشد مما يصنعه الذين يرابون صراحةً في البنوك وغيرها فإنهم أهون منكم في ذلك لأنهم يفعلون الربا وهم يعتقدون أنه ربا ويجدون في نفوسهم خجلًا من الله ﷿ وانكسارًا ويؤملون التوبة المهم إنهم يعرفون أنهم على خطأ وأنهم مستحقون للعقوبة فتجدهم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه لكن مثل هؤلاء المتحيلين يرون أنهم على طريقةٍ سليمةٍ حلال فيبقون على ما هم عليه ولا يكادون يرجعون أبدًا عن هذا الغي وهذا الضلال نسأل الله لنا ولهم السلامة ثم إنه حسب ما نعلم أن ما يؤخذ من الربح في البنوك أقل مما يأخذه هؤلاء من هؤلاء الفقراء والفقراء لا يدرون يظنون أن هذه الطريقة صحيحةً وسليمة يقولون كوننا نعمل عملًا لا إثم فيه ولو زاد علينا الربح أهون من كوننا نعمل عملًا محرمًا ولكني أقول لهم إن هذه الطريقة أشد إثمًا من طريقة البنوك لأنها كما أسلفنا ربًا وخداع ولكن يبقى النظر أنه من سياسة التعليم الصحيح الذي كان عليه الرسول ﵊ أنه إذا سد الباب من طريقٍ محرم أحب أن يُفتح للناس بابٌ من طريقٍ مباح حتى لا يقفوا حيارى نقول في هذه الحالة الطريق السليم إلى ذلك أن الرجل إذا احتاج سلعةً معينة بنفسها مثل أن يحتاج إلى سيارة أو إلى مواد بناء أو إلى غيرها فليذهب إلى أهل المعارض أو الذين يبيعون هذه الأدوات وهذه الأعيان ويشتري منهم العيِّنة التي يريدها بنفسها بثمنٍ أكثر مؤجلةً وبهذا يسلم من الإثم فمثلًا إذا كان يحتاج إلى أسمنت مثلًا ذهب إلى أهل الأسمنت واشترى منهم ما يساوي عشرة آلاف باثنتي عشر ألفًا وأمر به وكذلك المواد الأخرى من حديد ومواد صحية وما أشبه ذلك وبهذا يسلم يقول أنا لا أريد مواد أو أعيان أنا أريد دراهم لأجل التزوج أو ما أشبه ذلك نقول لا حاجة بك إلى هذه المعاملة المحرمة فإما أن تشتري الأغراض التي للزواج بمثل ما أشرنا إليه في مواد البناء وإما أن تصبر حتى يغنيك الله لأن الله يقول (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله) ولا ينبغي للإنسان أن يستدين ليتزوج فهذا الرجل الذي طلب من النبي ﷺ أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي ولم يكن له بها حاجة قال (التمس ولو خاتمًا من حديد ولم يجد فزوجه بما معه من القرآن) ولم يرشده إلى أن يستدين أو يستقرض من أحد بل إنما زوجه بما معه من القرآن فالمهم أن مثل هذا أقصد الحاجة إلى الزواج لا ينبغي للإنسان أن يستبيح لنفسه هذه الطريقة المحرمة من أجله. ***
يقول السائل إن بعض التجار الذين يُدَيّنُون إذا حل الدين على هذا الفقير قال الفقير أنا أريدك تصبر علي شهرين أو ثلاثة أشهر أقل أو أكثر قال له الدائن صاحب الحق لا أنا سوف أقلبها عليك تأتي إلي وأشتري لك مثلًا كيسًا من الهيل وأبيعها عليك ثم تستلمها وتبيعها وتسلمني حقي فهل هذا جائز أم يدخل في الربا أفتونا وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز بل هو ربا إلا أنه ربًا مُغَلف بالخيانة والخداع لمن؟! لله رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذا هو الربا الذي كان يفعلونه في الجاهلية إذا حل الدين قال صاحب الحق للمدين إما أن توفي وإما أن تربي فإذا أربا وحل مرة ثانية أربا عليه مرة ثانية وثالثة وهكذا وهذا هو المشار إليه في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) فهذا عمل خبيث لأنه جامع بين الربا والخداع فهو بمنزلة فعل المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر هذا أظهر أن معاملته معاملة سليمة أنها بيع وشراء في قطم هذا الهيل وهي في الحقيقة عين الربا إلا أنه متحيل عليه والمتحيل على محارم الله أعظم جرمًا ممن يفعلها على وجه صريح لأنه يجمع بين مفسدة هذا المحرم وبين مفسدة الخداع لله ﷾ وهذا من الاستهزاء بالله والتحدي له ولهذا قال أيوب السختياني ﵀ قال في هؤلاء المتحيلين يُخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وهؤلاء المخادعون على الربا في مثل هذه الصورة التي ذكرها الأخ أو في غيرها من الصور لا يمكن أن ينزعوا عما هم عليه لأنهم يعتقدون أن ما هم عليه سليم والمعتقد بأن ما هو عليه سليم لا يمكن أن ينزع عنه فهم يقولون كما يقول المنافقون إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون فلا يكادون ينزعون عن فعلهم أما الذي يأتي الربا صريحًا فإنه يعرف أنه ارتكب محرمًا وتجده دائمًا هذا الفعل بين عينيه تجده خجلًا من الله ﷿ يتذكر ذنبه كل ساعة ويمكن أن يحدث توبة أما المتحيل فهو على العكس وهذه مفسدة عظيمة تحصل لمن يرتكبون محارم الله بالحيل وهذه المسألة يظن بعض طلبة العلم أنها مسألة التورق التي اختلف فيها أهل العلم وأباحها الفقهاء في المشهور من مذهب الإمام أحمد وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية يحرمها ويجزم بتحريمها ويُراجع في ذلك ولكنه يأبى إلا أنها حرام أعنى مسألة التورق لكن هذه المسالة ليست كمسألة التورق ولا يمكن أن تقاس عليها لأنها ربًا صريح ومسألة التورق هي كما قال الفقهاء في تصويرها أن يحتاج رجل إلى دارهم فيشتري سلعة من شخص تساوي مائة بمائة وعشرين مثلًا إلى أجل ثم يأخذها ويتصرف فيها ويقضي حاجته بقيمتها أما هؤلاء فإنهم قد اتفقوا صراحة على المراباة قبل أن يحدث هذا العقد الصوري الذي ليس بمقصود وبينهما فرق ولهذا لما ذكر شيخ الإسلام مسألة التورق ذكر فيها قولين عن أهل العلم ولكنه لما ذكر هذه الصورة أن يتفق شخص مع آخر على أن يعطيه دراهم العشرة بثلاثة عشر أو أحد عشر أو ما أشبه ذلك قال إن هذه من الربا بلا ريب ولم يحكِ فيها خلافًا فدل هذا على الفرق بين المسألتين وما ذكره الأخ هو أعظم مما قلت أيضًا لأنه صريح أنه يرغم هذا المعسر على الربا مع أن الله يقول (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) فأوجب الله تعالى إنذار المعسر أما هذا فإنه عصى الله فلم ينظره ولم يرحم هذا الفقير بل زاد عليه الدين وعلى كل حال فنصيحتي لإخواني التجار أن يقلعوا عن هذه المعاملة إلى ما أباح الله لهم من أنواع التجارات من المضاربات والمشاركات وغيرها حتى يخرجوا من الدنيا بسلام لا يحملوا أنفسهم نار هذه الدراهم وغرمها ويكون لغيرهم ثمارها وغنمها. ***
السائل محمد بتال يقول في هذا السؤال طلب مني أحد الأخوة أن أشتري له سيارةً ليقوم بشرائها مني بالتقسيط وحدد لي النوع والموديل وقمت أنا وهو بالبحث عن السيارة وتحصلنا عليها وقام هو بشرائها ودفعت أنا قيمة هذه السيارة وهو مبلغ وقدره ثمانية وعشرون ألف ريال وبعتها له في الحال بمبلغ وقدره سبعة وثلاثون ألف ريال وأربعمائة ريال على أن يسدد هذا المبلغ لي بالتقسيط بواقع ألف وخمسمائة ريال شهريًا فهل ما قمت به وتم بيني وبين المشتري صحيح شرعًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح بل هو خداع ومكر وحيلة لأن حقيقة هذه المعاملة أنك أقرضته ثمانية وعشرين ألفًا بسبعة وثلاثين ألفًا وأربعمائة وشراؤك هذه السلعة صوري غير مقصود ولولا أنه أتى إليك وطلب منك شراء هذه السيارة ما اشتريتها فهذه حيلة ولا تغتر أيها المسلم بكثرة استعمالها بين الناس فإنه يقال إذا كثر الإمساس قل الإحساس وكم من عادات اعتادها الناس وهي محرمة بل أحيانًا من الشرك ولا يدرون عنها أما هذه فهي حيلةٌ مكشوفة ظاهرة وأما التاجر لم يشترِ السلعة إلا لك ولم يشترها ويبعها عليك من أجل عينيك ولكن من أجل الربا الذي يأخذه أي فرقٍ في المال بين أن تقول خذ ثمانية وعشرين ألفًا نقدًا وهي عليك مقسطة بسبعٍ وثلاثين ألفًا إلى سنة أو أن تقول اشترِ السيارة التي تريد أو أشتريها أنا ثم أبيعها عليك مقسطة لا فرق والعبرة بمعاني الأمور لا بصورها. ***
يقول السائل في بيع التقسيط ما هو البيع الصحيح ونرجو أمثلة على ذلك لأنه كثر في زماننا هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع التقسيط له أمثلة كما قال السائل والمثال الجائز هو أن يشتري السلعة الموجودة عند البائع - من قبل تساوي ألفًا - بألفٍ وخمسمائة إلى سنة وهو يريد السلعة نفسها وهذا جائز بالإجماع أو يريد أن يتجر بهذه السلعة بأن يشتريها في هذا البلد ويذهب بها إلى بلدٍ آخر ليزيد ثمنها هذا أيضًا جائز بالإجماع مثال ذلك أتى رجل إلى شخص عنده فيلا تساوي أربعمائة ألف نقدًا فقال أريد أن أشتريها منك بخمسمائة ألف مؤجلة إلى سنة فاتفقا على ذلك فلا بأس في هذا بالإجماع لأن الرجل اشتراها ليسكنها لكن زاد في ثمنها من أجل أنه ثمنٌ مؤخر ومعلومٌ أن الثمن المؤخر يختلف عن الثمن المقدم أو إنسان اشترى سلعةً بثمنٍ مؤجل يريد بها الربح فهذا أيضا جائز كإنسان اشترى من شخص فيلا تساوي أربعمائة نقدًا بخمسمائة إلى أجل يريد أن يربح فيها فلعلها تكون بستمائة إلى أجل أو بخمسمائة نقدًا فيربح هذا لا بأس به بالإجماع الصورة الثالثة أن يأتي شخصٌ إلى آخر إلى تاجر فيقول أنا محتاج إلى سيارة صفتها كذا وكذا فيقول التاجر اذهب إلى المعرض وتخير السيارة التي تريد ثم ائتني حتى اشتريها من المعرض ثم أبيعها عليك بثمنٍ مؤجل أكثر مما اشتراها به فهذا حرام وذلك لأن البائع لم يشتر السلعة إلا من أجل الطالب الذي طلبها ولولا طلبه إياها لما اشتراها فيكون كالذي أقرض المحتاج إلى السيارة أقرضه دراهم إلى أجل بزيادة وما شراء التاجر لهذه السيارة ليبيعها على هذا المحتاج إلا حيلة فقط وإلا فليس له غرض في السيارة هذا حرام وإن كان بعض الناس قد يفتي بجوازه فإن قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) يدل على منعه لأن هذا التاجر ما نوى إلا الزيادة ما له غرض بالسيارة وقول بعضهم إن التاجر يقول إذا اشتريتها فأنت أيها المحتاج بالخيار هذا وإن قاله فهو تدليس يعني من المعلوم أن الذي احتاج السلعة لن يردها يريدها على كل حال هذه ثلاثة صور الصورة الأخيرة غير جائزة صورة رابعة تسمى مسألة التورق وهي أن يحتاج الإنسان إلى دراهم فيأتي إلى صاحب المعرض ويشتري منه السيارة التي تساوي خمسين ألفًا بستين ألفًا إلى سنة وقصد المشتري الدراهم فقد اختلف العلماء ﵏ في هذه المسألة فمنهم من قال إنها جائزة لأن البائع يقول أنا ما لي وللمشتري وغرضه أنا بعت سيارة والمشتري يفعل ما شاء واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ أن ذلك حرام وأنه من العينة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والورع أن يتركها الإنسان وألا يتعامل بها فهذه أربعة صور في مسألة البيع بالتقسيط. ***
فضيلة الشيخ هذا السائل عبد الله أ. أ. من الرياض يقول ما حكم شراء الأثاث والسيارات بالتقسيط فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الأثاثات والسيارات إذا كانت عند البائع وكان المشتري يقصدها بعينها لا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وأما إذا لم تكن عند البائع ولكنه يعينها المشتري أي الطالب ثم يذهب البائع ويشتريها ثم يبيعها عليه فهذا لا يجوز لأن هذه حيلةٌ على الربا إذ أن هذه المعاملة تعني أنه أقرضه الثمن بالربا بزيادةٍ ربوية لأن التاجر اشتراها مثلًا بمائة وباعها على هذا بمائة وعشرين وإن كانت عند البائع وفي ملكه واشتراها المشتري لا يريدها بعينها وإنما يريد أن يبيعها وينتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وفيها خلافٌ بين العلماء فمنهم من أجازها ومنهم من منعها وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ والاحتياط ألا يتعامل الإنسان بها لا سيما إذا كان تعامله من أجل التجارة لأن الإنسان قد يربح وقد لا يربح مع أنه قد خسر بزيادة الثمن عليه من أجل التأجيل. ***
هذا السائل علي من الأردن يقول هل البيع بالتقسيط جائز لأن التاجر يقول بأن سعر هذه المادة مائة دينار على أن يدفع المبلغ نقدا و١٥٠دينارًا تقسيطًا على كذا من الأشهر فما حكم ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذلك جائز ولا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وهذا المشتري عرضت عليه السلعة بثمنين ثمن النقد والثمن المؤجل ولنفرض أن ثمن النقد مائة وأن المؤجل مائة وخمسون فأخذ بالمؤجل في نفس المجلس وذهب بالسلعة فثبت في ذمته مائة وخمسون على وجه التحديد والتعيين فهذا بيع لا بأس به لان المشتري خير بين هذا أو هذا وليس هذا من الربا في شيء لأن الربا أن تبيع دراهم بدراهم لا أن تبيع سلعة ثمنها حاضر كذا وثمنها مؤجل بكذا وليس هذا من البيعتين في بيعة لأن هذا بيعة واحدة لكنه خير الإنسان بين بيعتين فاختار واحدة منهما والبيعتان في بيعة أصح ما قيل في معناهما أن يبيع الإنسان شيئًا بثمن مؤجل ثم يشتريه ممن اشتراه منه بثمن نقد أقل مثال ذلك أن يبيع عليه بيتا بمائة ألف لمدة سنة ثم يرجع البائع ويشتري البيت ممن اشتراه منه بثمانين نقدًا وهذه هي المحرمة وهي بيعتان في بيعة لأن حقيقة الأمر أن المبيع واحد ورد عليه صفقتان ويراد به التحيل إما من قريب أو من بعيد على أن يسلم ثمانين ويستلم بدلها مائة وهذا حيلة على الربا بلا شك ولكن في مسألة التقسيط يجب أن يلاحظ أمر هام وهو أنه لا بد أن تكون السلعة عند البائع مالكًا لها قبل أن تتفق معه فإن لم تكن عنده أي ليس مالكًا لها فإن النبي صلى الله علية وسلم قال (لا تبع ما ليس عندك) . ***
يقول لقد اقترضت مالًا للزواج وهو يسير ولكن بعد الزواج بفترة تعطلت سيارتي وكثر عطلها واضطررت أن أشتري سيارة أخرى ولكنني لم أجد المال الذي يساعد فاضطررت إلى شراء سيارة بالتقسيط ولكن التقسيط يأخذ مالًا كثيرًا وأرباحًا كثيرة مثلًا السيارة قيمتها تسعة وثلاثون ألفًا وثمانمائة يأخذ صاحب التقسيط زيادة خمسة آلاف ومائة فهل عملي هذا جائز أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت مضطرًا إلى السيارة وليس عندك دراهم تستطيع أن تشتري بها فلا حرج أن تأخذ سيارة بالتقسيط ولكن لاحظ أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يمكنهم أن يأخذوا سيارة عادية بالتقسيط قيمتها أقل ولكنهم يذهبون فيشترون سيارة فخمة أكثر مما يحتاجون إليه وربما تكون هذه السيارة لا تكون إلا للأغنياء أو الكبراء فيشتريها مباهاة وهذا خطأ ولا نرى أن إنسانًا عاقلًا يجعل على ذمته من الديون ما يجعل من أجل المباهاة فقط بل نقول إذا اضطررت فخذ بقدر الضرورة ولا تزد. ***
المستمع ع. الشدوخي من القصيم يقول قام أحد الإخوة بشراء سيارة بالتقسيط وقال له البائع خذ السيارة واخرج بها من المحل وهذا هو الاستلام الشرعي ونحن نقوم ببيعها لك إذا جاء من يطلبها فأرجو الإفادة في هذا السؤال مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن بيع التقسيط يكون على نوعين النوع الأول أن تكون السلعة عند البائع مالكًا لها قبل عقد بيع التقسيط فيبيعها بثمن مؤجل بأكثر من ثمنها حالًا مثال ذلك أن يكون عند شخص سيارة فيأتي شخص آخر ليشتريها منه بثمن مؤجل وتكون قيمة هذه السيارة بالثمن الحال ثلاثين ألفًا وبالثمن المؤجل خمسة وثلاثين ألفًا فيشتريها المشتري بالثمن المؤجل بخمسة وثلاثين ألفًا فهذا البيع جائز لدخوله في عموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ولأن هذا نظير السلم الذي كان يُفعل في عهد الرسول الله ﷺ لكن السلم يعجل فيه الثمن ويؤخر فيه المثمن وهذا بالعكس عجل فيه المثمن وأخر فيه الثمن لكن المعنى واحد وهو تعجيل أحد العوضين وتأجيل أحدهم ولكن اختلف العلماء فيما إذا كان مقصود المشتري الدراهم لكنه توصل إلى الحصول عليها بهذا العقد فمن العلماء من منع ذلك كشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وقال إن هذا حيلة على الربا ومنهم من أجاز ذلك وقال إن المشتري له الحق أن يتصرف في السلعة بما شاء من بيعها أو إبقائها وهذه المسألة تسمى مسألة التورق والورع بلا شك ترك التعامل بها ولكن إن دعت الضرورة إليها ولم يجد المشتري من يقرضه ولا وجد وصولًا إلى السلم المعروف في عهد النبي ﷺ وكان مضطرًا إلى ذلك فإنه بهذه الثلاثة الشروط أرجو ألا يكون بها بأس أما النوع الثاني من بيع التقسيط فهو ألا تكون السلعة عند البائع ولكن المشتري يعينها ثم يأتي إلى تاجر من التجار ويقول أنا أريد السلعة الفلانية فاشترِها لي وبعها علي بثمن مؤجل أكثر مما اشتريتها به مثل أن يكون المشتري يحتاج إلى سيارة يستعملها فيجدها في المعرض ولكن ليس عنده ثمنها فيذهب إلى تاجر من التجار ويقول أنا أريد السيارة الفلانية في المعرض الفلاني وليس عندي ثمن فيذهب التاجر ويشتري هذه السيارة بثمن حال ثم يبيعها على هذا الطالب لها بثمن مؤجل أكثر مما اشتراها به وهذا النوع حيلة على الربا ووقوع في المحذور الذي يكون في الربا وذلك لأن حقيقته أن التاجر أقرض هذا الطالب قيمة السلعة التي يريدها بزيادة والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر نفعًا للمقرض فإنه ربا ولأن هذا العقد الذي صدر من التاجر عقد غير مقصود لأنه لم يشتر هذه السلعة إلا بعد أن جاء هذا الطالب فقد اشتراها من أجله من أجل الزيادة الربوية التي يحصل عليها ودليل ذلك أن التاجر لم يكن يفكر أن يشتري هذه السيارة لولا أن هذا الطالب جاء وعرض عليه هذه الصفقة وتعليل بعضهم بأن التاجر لا يُلزم الطالب بها إذا اشتراها له تعليل عليل وذلك لأنه من المعلوم أن الطالب لم يأت أو لم يعرض على التاجر شراء هذه السلعة له إلا وإنه عازم على أن يتملكها ولو كان عند التاجر شك حقيقي في أن هذا الطالب لا يقبل السلعة بعد شرائها ما اشتراها له هذا من المؤكد المعلوم حسب العادة وحسب الوضع الذي عليه حال هذا الطالب لذلك فإني أنصح إخواني المسلمين من تعاطي مثل هذه العقود التي ظاهرها الإباحة ولكن مقصودها ما يوقع في التحريم وليعلم أن الحيل على محارم الله لا تجعلها حلالًا بل تزيدها خبثًا إلى خبثها وتحريمًا إلى تحريمها لأن الحيل على محارم الله يقع فيها محذوران المحذور الأول الوقوع في المعنى الذي حرمه الله ورسوله والثاني الخداع لله ﷿ والله ﷾ لا تلتبس عليه الأمور يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو ﷾ يوم القيامة يحاسب الناس على ما في صدروهم كما قال الله تعالى (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) أي تختبر السرائر وقال ﷿ (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) وبنو آدم لن يغنوا عن الإنسان شيئًا فهو وإن تظاهر عندهم بالعمل المباح إذا كان المقصود به الشيء المحرم لن يغنيهم عن الله شيئًا وليعلم اللبيب العاقل المؤمن أن رزق الله ﷾ لا ينال بمعاصيه وأن الله ﷾ قد كتب على الإنسان وللإنسان ما اقتضته حكمته في الأزل فالغني غني والفقير فقير فليتق الله وليجمل في الطلب فإن رزق الله لاينال بمعاصيه يقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) ويقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) أسأل الله تعالى أن يعصمنا جميعًا من معاصيه وأن يوفقنا إلى مراده. ***
يقول إذا أراد شخص شراء سيارة من تاجر مثلًا يقول له هذه السيارة تساوي أربعة آلاف دينار مثلًا نقدًا وإذا أردت الدفع بالتقسيط ممكن ولكن ستدفع كل شهر مائتي دينار لمدة خمسة وعشرين شهرًا فينتج عن ذلك فارق في المبلغ من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف فيقولون إن هذه العملية تجارية فما الحكم الشرعي في نظركم في التعامل بمبدأ التقسيط والزيادة كما سبق شرحه نرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن يعلم أن الأصل في جميع البيوع الحل إلا ما دل الشرع على منعه وتحريمه لعموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) فإذا تبايع رجلان فإننا نقول إن هذا البيع صحيح إلا بدليل يدل على منعه فالواجب اتباع الدليل فإذا لم يقم الدليل على منعه فلا يحل لأحد أن يمنع عباد الله من معاملاتهم بدون إذن الله وبناء على هذه القاعدة العامة ننظر في الصورة التي سأل عنها هذا السائل حيث يقول إنه يريد أن يشتري سيارة تساوي أربعة آلاف دينار بخمسة آلاف دينار مؤجلة إلى خمسة وعشرين شهرًا فنقول إن هذه المعاملة لا تتضمن محظورًا شرعيًا فليس فيها ربا ولا جهالة ولا غرر بل هي واضحة، الثمن معلوم والمبيع معلوم والأجر معلوم وليس هناك ربا فهذه المعاملة صحيحة لأن هذه الزيادة ليست زيادة دراهم على دراهم لكنها زيادة في ثمن السلعة المعينة فأنا حين اشتريت هذه السيارة بخمسة آلاف دينار مؤجلة لم اشتر دنانير بدنانير وإنما اشتريت سيارة قيمتها خمسة آلاف دينار وإذا كان يجوز للإنسان أن يبيع سيارة تساوي أربعة بخمسة آلاف دينار نقدًا فإن بيعها مؤجلًا بخمسة آلاف دينار من باب أولى لأن فيه إرفاقًا بالمشتري ولا يشك عاقل أن الناس يفرقون بين الثمن الحاضر والثمن المؤجل فإنه ليس الثمن المنقود الحاضر كالثمن الغائب المؤجل وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس ﵄ أن الناس كانوا يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النبي ﷺ (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والسلف في هذا الحديث هو تقديم الثمن وتأخير السلعة المشتراة فيأتي إلى الفلاح ويقول أو يأتي الفلاح إليه ويقول أعطني مائة درهم بمائتي صاع من البر إلى سنة فيأخذ الفلاح الثمن وينتفع به وإذا حل الأجل أخذ المشتري البر وتصرف فيه وهنا نعلم حسب العادة والفطرة أنه لم يكن ثمن هذا البر المؤجل تسليمه كثمن البر المقدم الذي يكون عند تسليم الثمن بل سيكون البر في هذه الصورة أعني البر المؤجل أكثر من البر الذي يعطى عند استلام الثمن فإذا كان الصاع من البر يساوي درهمين نقدًا فإنه يكون بدرهمين إلا قليلًا إذا كان البر مؤجلًا وهذا أمر تقتضيه العادة والفطرة ولا فرق بين هذا وبين الصورة التي قالها السائل فإن هذا تأجيل للمثمن والصورة التي قالها السائل تأجيل للثمن وقد ظن بعض الناس إن هذا من باب الربا ولكن هذا ليس بصواب فإنه يكون من باب الربا لو اشترى السيارة بأربعة آلاف دينار ثم رجع إلى البائع وقال ليس عندي أربعة آلاف دينار وأريد أن تنظرني إلى سنة بخمسة آلاف دينار فهذا لا شك أنه ربا ولا يحل أما إذا كان عقد على السيارة من أول الأمر بخمسة آلاف مؤجلة فهذا لا بأس به ولكن يبقى النظر ماذا أراد المشتري بهذه السيارة بهذا الشراء إن كان أراد السيارة بعينها فلا شك في جوازه حتى إن بعض العلماء حكى الإجماع على ذلك أما إذا كان يريد ثمن السيارة أي أنه يريد أن يأخذ السيارة الآن ثم يبيعها لينتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وفيها خلاف بين أهل العلم فمن أهل العلم من أجازها نظرًا لصورة العقد ومنهم من منعها نظرًا للقصد ولكننا نقول هذا الرجل الذي اشترى السيارة من أجل ثمنها إن باعها على بائعها فهذا بلا شك حرام إذا باعها بأقل مما اشتراها به لأن هذه هي مسألة العينة وهي حيلة ظاهرة على الربا يعني لو اشتريت هذه السيارة من الرجل بخمسة آلاف دينار ثم عدت وبعتها عليه بأربعة آلاف وخمسمائة نقدًا كان ذلك حرامًا لأنه في الواقع دراهم بدراهم دخلت بينهما سيارة غير مقصودة لكن إذا بعتها على شخص آخر غير الذي اشتريتها منه فهذه هي مسألة التورق وفيها خلاف والتورع عنها أولى لكن إن دعت الضرورة إليها فلم تجد من يقرضك ولا من يسلمك وأنت في ضرورة إليها فإن هذا لا بأس به ولكن بشرط أن تكون السلعة التي اشتريتها ملكًا للبائع وعنده في محله ثم تأخذها أنت وتبيعها في مكان آخر وبهذا نعرف أن ما يفعله كثير من الناس الآن يأتي الدائن والمدين إلى شخص آخر عنده سلعة فيشتريها الدائن ثم يبيعها على المدين وهي في مكانها لم تنقل ثم يبيعها المدين على صاحب المحل أو على غيره قبل أن ينقلها نعلم أن هذه المعاملة محرمة وليست بجائزة بلا شك لأنها من بيع السلع في مكانها وقد (نهى النبي ﷺ عن بيع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ولأن الحيلة فيها ظاهرة جدًا. ***
السائلة أم ياسر تسأل عن حكم شراء الذهب بالتقسيط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط على نوعين النوع الأول أن يشترى بالدراهم فلا بد من التقابض في مجلس العقد فإذا اشترت امرأة حلي ذهب بخمسة آلاف ريال فلا بد أن تسلم خمسة آلاف ريال في مجلس العقد ولا يجوز أن تشتريه بالتقسيط لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في بيع الذهب بالفضة (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) والثاني أن يشتري الذهب بغير الدراهم مثل أن يشتريه بقمح فتقول المرأة اشتريت منك هذا الحلي بمائة صاع قمح كل شهر عشرة أصواع فلا بأس لأن البيع هنا وقع بين شيئين لا يحرم بينهما النسأ أي التأخير وعلى هذا نقول إذا بيع حلي الذهب بذهب فلا بد من أمرين التساوي في الوزن والقبض قبل التفرق فإذا بيع بفضة أو دراهم نقدية فلا بد من أمرٍ واحد وهو التقابض قبل التفرق وإذا بيع بغير ذلك فلا بأس من بيعه بالأقساط وتأجيل الثمن. ***
ما حكم شراء الذهب بالتقسيط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط إن اشتري بغير العملة الورقية وبغير الذهب وبغير الفضة فلا بأس به مثل أن يشترى بطعام من تمر أو بر أو يشترى بسيارات وما أشبه ذلك فإنه لا حرج فيه لأنه لا ربا بين الذهب والفضة وبين المطعومات ولا ربا بين الذهب والفضة وبين المصنوعات أما إذا اشترى الذهب بالتقسيط بعملة ورقية أو بذهب أو بفضة فإن ذلك حرام لأن بيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان الشرط الأول التساوي وزنا والشرط الثاني التقابض في مدة العقد وإذا بيع الذهب بفضة أو بأوراق عملة اشترط فيه شرط واحد وهو التقابض في مدة العقد قبل التفرق لقول النبي ﵌ (الذهب بالذهب مثلا بمثل سواء بسواء يد بيد) ولقوله ﵊ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) . ***
ما رأي الدين في البيع والشراء بالتقسيط علمًا بأن سعر البيع في حالة التقسيط يكون أزيد من البيع واستلام المبلغ الفوري؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به بإجماع أهل العلم أن الإنسان إذا اشترى السلعة لحاجته إليها بثمن مؤجل سواء كان يحل دفعة واحدة أو يحل على دفعات فإنه لا بأس بذلك وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على حله ومن المعلوم أنه إذا كان بالتقسيط فسيزيد ثمنه لأن البائع لا يبيع شيئًا يُؤجل ثمنه مساويًا لشيء ثمنه منقود وهذا من الأمور التي من محاسن الشريعة حله لأن البائع ينتفع بزيادة الثمن والمشتري ينتفع بتأجيل الثمن عليه وأما إذا تم البيع على أنه نقد ثم جاء المشتري إلى البائع وقال أجله عَلّي بزيادة فإن هذا لا يجوز لأنه من الربا مثل أن يبيع عليه هذه السيارة بعشرة آلاف مثلًا ثم لا يجد المشتري هذه العشرة فيرجع إلى البائع ويقول لم أجد العشرة ولكن أجلها عليَّ باثنى عشر ألفًا فإن هذا لا يجوز لأن المشتري ثبت في ذمته دراهم حاَّلة فتأجيلها بزيادة عين الربا فيكون محرمًا. ***
ما صحة البيع بالأقساط حيث أن المبلغ بالأقساط يزيد عن المبلغ النقدي وذلك بداعي أنه عقد جديد بين البائع والمشتري؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البيع إلى أجلٍ جائز لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ومن المعلوم أن البيع إلى أجل ستكون القيمة فيه أكثر فإذا كنا نبيع هذه السيارة بأربعين ألفًا نقدًا فلن نبيعها مؤجلًا إلا بخمسين ألف وكلاهما جائز فيجوز أن تبيع الشيء بنقد بثمنٍ أقل مما لو بعته بمؤجل ويجوز أن تبيعه بمؤجل بثمنٍ لو بعته بنقدٍ كان أقل ولك أن تخير المشتري عند العقد فتقول تريدها بأربعين ألفًا نقدًا أو بخمسين ألفًا نسيئة ثم إذا اختار أحد الثمنين تبيعها عليه وليس هذا من باب بيعتين في بيعة كما توهمه بعض أهل العلم لأن هذه بيعة واحدة والتخيير في مقدار الثمن فقط والعقد وقع على أحدهما والبيعتان في بيعة هي مسألة العينة مثل أن يبيع الإنسان الشيء بثمنٍ مؤجل ثم يشتريه نقدًا بأقل مثل أن يبيع السيارة بخمسين ألفًا إلى سنة ثم يشتريها بأربعين ألفًا نقدًا هذه مسألة العينة المحرمة وأما التخيير بين الثمنين ثم لا ينصرف الطرفان إلا وقد أخذا بأحدهما فهذا لا بأس به. ***
فضيلة الشيخ من مسائل البيوع بيع التورق نرجو أن تحدثنا عن هذا البيع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التورق مأخوذٌ من الورق وهي الفضة وأصله أن الرجل يحتاج إلى دراهم ولا يجد من يقرضه ولا يجد من يعطيه دراهم في سلعةٍ مؤجلة إلى سنة وهو ما يعرف في الشرع بالسلم يأخذ المحتاج دراهم من شخص بسلعةٍ موصوفة مضبوطةٍ بصفات يسلمها له بعد سنة مثلًا وهذا جائز كما قال ابن عباس ﵄ قدم النبي ﷺ المدينة وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين وأظنه قال والثلاث فقال النبي ﷺ (من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) أقول إذا احتاج الإنسان إلى الدراهم ولم يجد من يقرضه ولا من يسلم إليه الدراهم على الوجه الذي ذكرنا واشترى سلعة تساوي مائة بمائة وعشرين إلى سنة ثم باعها وانتفع بثمنها فهذه مسألة التورق وسميت تورقًا لأن المشتري فيها محتاجٌ إلى الورق أي الفضة وهي النقد وللعلماء فيها خلافٌ معروف فمنهم من أجازها ومنهم من منعها وممن منعها شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ حتى إنه روجع في ذلك مرارًا ولكنه أبى ﵀ أن يحلها لأنها تفتح باب الحيل والخداع ولهذا كانت نتيجتها الآن سيئة ولا أظن أحدًا من أهل العلم يقول بجوازها وذلك لأنهم صاروا يأتون إلى التاجر ليستدينوا منه فيبيع عليهم ما يبيع ثم يذهب التاجر والمستدين لصاحب دكان عنده هذه السلعة فيشتريها التاجر شراءً صوريًا ليس مقصودًا ولهذا لا يقلبها ولا ينظر فيها ولا يكاسر ويماكس فيما يعيِّنه البائع من الثمن يأخذها بأي ثمنٍ اتفق وعلى أي صفةٍ كانت وفي ظني أنه لو كانت أكياس السكر رملًا ما ذهب التاجر يفتشها لاشتراها على أنها سكر لأنها تشترى وتباع على المدين والمدين يبيعها على صاحب الدكان وهذا لا شك أنه محرم وأنه لا ينطبق على مسألة التورق ولهذا كان شيخ الإسلام ﵀ إذا ذكر هذه المسألة لم يذكر فيها خلافًا في التحريم وإذا ذكر مسألة التورق ذكر فيها قولين لأهل العلم ثم توسعت الأمور حتى وقع الناس في أكل الربا أضعافًا مضاعفة فإذا حل الدين قال استدن مني وأوفني فيستدين منه على هذه الصورة التي هي لعب بأحكام الله ﷿ فيشتري منه ويوفيه ويزيد عليه الدين ومنهم من يأتي بأمورٍ أخرى منكرة ليس هذا موضع بسطها نسأل الله لإخواننا الرزق الطيب الحلال وإنني بهذه المناسبة أنصح الإخوان الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله ﷿ وأن يقلعوا عن هذا وأن يتقوا يومًا يرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون وأن يعلموا أن كل شيء يكسبونه عن طريقٍ محرم فإنه لا خير لهم فيه بل هو خسارةٌ في الدنيا والآخرة تنزع البركة منه وإن تصدقوا منه لم يقبل منهم وإن أنفقوه لن يبارك لهم فيه وإن خلفوه بعدهم كان غرمًا عليهم وغنيمةً للورثة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما يعملون خبير. ***
إذا طلب شخص من آخر أن يدينه مبلغًا من المال غائبة فذهب واشترى سيارة بمائة ألف ريال فباعها على هذا المدين بمبلغ مائة وعشرين ألف ريال لمدة سنة مثلا فما حكم ذلك مع العلم بأنه لم يشتر السيارة إلا بعد أن أخبره المدين بحاجته إلى المبلغ المذكور فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم ﵏ وتسمى مسألة التورق ويسميها الناس في العرف الوعدة فمن العلماء من أجازها بشرط أن تكون مملوكة عند البائع من قبل وأن يكون المشتري محتاجا إليها أي إلى الفلوس ومن العلماء من منع ذلك منعًا باتًا ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ فقد منع التورق وقال إنه حرام وقال تليمذه ابن القيم وكان يراجع في ذلك كثيرًا ولكنه يأبى أن يفتي بالحل يقول شيخ الإسلام ﵀ إن هذا من باب الحيل على بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل مع التفاضل والحيل على المحرمات ممنوع شرعا قال النبي صلى الله علية وآله وسلم (قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحومها جملوه أي أذابوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) وقال ﵊ (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل) وهذا صحيح أن الحيل على المحرمات لا تبيحها بل لا تزيدها إلا قبحًا وتحريمًا ولكن الشيء الذي لا إشكال في تحريمه وهو يأتي شخص إلى آخر ويقول أريد أن تشتري لي هذه السيارة من المعرض الفلاني وتبيعها لي بربح فيذهب ويشتريها ثم يبيعها عليه بربح ونحن نعلم أن البائع لو لم يشتر منه هذه السيارة ما اشتراها من المعرض فيكون هذا البائع أولًا باع ما ليس يملكه وثانيا أن معنى هذه الصفقة أو مضمون هذه الصفقة أنه أقرضه قيمة السيارة بزيادة فيكون قرضًا جر نفعًا والقرض الذي يجر نفعًا من الربا كما ذكر ذلك أهل العلم ﵏ وأيضا فإن هذا البائع الذي اشترى السيارة للمحتاج يبيعها في مكان شرائها وهذا منهي عنه فإن النبي ﵌ (نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) والحقيقة أن هذه الطريقة ستضر بالناس في حين أن فاعلها يظن أنها تنفعهم لأن الناس يتجرؤون على الديون إذا رأوا هذه الطريقة السهلة سيشترون أشياء كثيرة ليس لهم بها حاجة لكن من أجل يباهوا غيرهم في بناء المنازل وفي السيارات الفخمة وفي غير ذلك من المسائل التي هم في غنى عنها فهذه الطريقة ترهق الناس بالديون وربما يعجز أهل المدين عن التسديد فيؤدي ذلك الى إفلاس البائع ففيها مضار عظيمة على المجتمع من الناحية الاقتصادية وتسهيل الديون عليهم في ذممهم حتى ترهقهم. ***
يقول السائل هل يجوز شراء سيارة بالتقسيط وفي نيتي البيع مباشرة لهذه السيارة مع شخص آخر لأنني محتاج أرجو بهذا إفادة مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض العلماء أن هذا ليس بجائز ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ يقول بأن هذا حيلة على أخذ دراهم بدراهم مع التفاضل ولكن تدخل بينهم هذه السيارة ليكون ظاهر العقد عقدًا صحيحًا ومن العلماء من أجاز ذلك وقال إن البائع إذا باع على المشتري فإنما يبيع عليه هذه السيارة والمشتري حر في أن يبيعها وينتفع بثمنها أو يبقيها وينتفع بأجرتها أو يبقيها ليستعملها أو يبقيها إن احتاج باعها وإلا فهي باقية وعلى كل حال فالإنسان الناصح لنفسه يتجنب هذه المعاملة إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يجد من يقرضه ولا من يعطيه سلمًا بأن يدفع إليه الدراهم ويقول هذه الدراهم تعطيني بها سيارة بعد تمام السنة ويتركها له هذا السلم جائز لأن الصحابة كانوا يفعلونه في الثمار حين قدم النبي ﷺ المدينة وهم يسلفون في الثمار سنة وسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وعلى هذا فإذا تعذر أن يجد من يقرضه أو من يدفع إليه دراهم سلمًا فأرجو ألا يكون بذلك بأس إذا كان محتاجًا إلى هذا ولكن لا يبيعها على من اشتراها منه لأنه إذا باعها على من اشتراها منه صارت مسألة العينة مثل أن يشتري منه السلعة بألف إلى سنة ثم يشتريها بثمان مائة نقدًا فإن هذا لا يجوز لأنه حيلة على بيع الربا وقد قال النبي ﵊ (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) وهذه بيعتان في بيعة فله أوكسهما يعني له أقلهما أو الربا يقع في الربا ذلك. ***
لدي رغبة في شراء سيارة بالتقسيط لأكمل بها فلتي ولكن سمعت من أحد أهل العلم يقول بأن هذا حرام وأن عملية التورّق هي أخية الربا فماذا تنصحونني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنصحك ألا تتعامل هذه المعاملة لأن فيها شبهة وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ بأنها حرام وكان يراجع في ذلك كثيرا ويأبى إلا أن تكون حراما لكن لو أنك عرفت المواد التي تحتاجها وذهبت إلى من عنده هذه المواد وقلت له أنا أشتريها منك بكذا وكذا أي بأكثر من شرائها نقدا فباعها عليك فإن هذا لا بأس به لأن هذا شراء بثمن مؤجل والثمن المؤجل لا بد أن يكون زائدا على الثمن المنقود. ***
السائل أحمد من الرياض يقول ما هي مسألة التورق وما حكمها جزاكم الله خيرا فأجاب رحمه الله تعالى: مسألة التورق تسمى في بعض المناطق الدين فإذا قالوا فلان تدين من فلان يعني تعامل معه بتورق وتسمى في بعض المناطق بالوِعدة أو الوَعدة يعني العدة وهي أن يكون الإنسان محتاجًا إلى دراهم وليس عنده شيء ولا يجد من يقرضه فيذهب إلى شخصٍ ما ويشتري منه سلعةً تساوي عشرة آلاف باثني عشر ألفًا لمدة سنة أو بأربعة عشر ألفًا لمدة سنتين وكل ما زاد الأجل زاد الربح فإذا اشترى السلعة باعها وانتفع بدراهمها هذه هي مسألة التورق وسميت تورقًا لأن الإنسان لا يقصد بهذه المعاملة إلا الورق يعني الدراهم ولهذا سميت تورقًا من تفعّل إذا طلب الشيء وقد اختلف العلماء في حكمها فمنهم من قال إنها مكروهة ومنهم من قال إنها جائزة ومنهم من قال إنها محرمة وممن قال بهذا القول الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وقال إنه مروي عن عمر بن عبد العزيز ﵀ وإنها مثل الربا لكنه ربًا بحيلة قال ابن القيم ﵀ وقد كرر الطلب من شيخه ﵀ ابن تيمية في هذه المسألة وأبى إلا أن تكون حرامًا وقد توسع الناس فيها اليوم توسعًا عظيمًا فصار الرجل يأتي إلى الشخص يشتري منه أكياس الهيل أو السكر أو الرز أو ما أشبهها بثمنٍ مؤجل زائدٍ عن الثمن الحاضر ثم يأتي المستدين فيبيعها أحيانًا يبيعها على الذي باعها إليه أولًا وهذه مسألة العينة ولا شك في تحريمها وأحيانًا يبيعها على شخصٍ آخر بأنقص مما تساوي نقدًا اليوم فيكون هذا المستدين مغلوبًا من وجهين الوجه الأول الزيادة الحاصلة من البائع والوجه الثاني النقص الذي حصل من مشتري السلعة ويبيعون هذه السلعة قبل قبضها وقبل نقلها من مكانها وقد (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) ومن أجل التوسع فيها صار الناس يستهينون بالدين فتجد الرجل يتدين ليشتري أمورًا كمالية لا يقوم بها مثله فتتراكم عليه الديون فإذا حلت ولم يوفِ ذهب يستدين مرة أخرى أو ذهب يتورق في مسألة أخرى مرة أخرى فإذا حل الدين مرةً ثانية تورق مرةً ثالثة وهلم جرًا حتى يتراكم على الإنسان ديونٌ كثيرة وهو لا يشعر لهذا ننصح إخواننا المسلمين عن التعامل بهذه المعاملة ولاسيما الذين يأخذون الدين لأنه يغلبون ويفلسون من أجل هذه الديون التي سهلت لهم وأصبحوا رهينةً بذلك. ***
يقول هذا السائل ما حكم بيع العينة وبيع التورق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع العينة أن يبيع الإنسان شيئًا بثمنٍ مؤجل ثم يشتريه بثمنٍ أقل نقدًا مثل أن يبيع هذه السيارة بستين ألفًا مؤجلة بأقساط ثم يعود ويشتريها من صاحبها بأربعين ألفًا نقدًا هذه مسألة العينة وهي حرام لأنها حيلةٌ على الربا بصورة بيعٍ غير مقصود وأما إذا باعها المشتري على شخصٍ آخر بأقل مما اشتراها به يريد دراهمها فهذه مسألة التورق وقد اختلف فيها العلماء فمنهم من ألحقها بمسألة العينة ومنهم من قال إنه لا بأس بها والاحتياط ألا يتعامل بها. ***
الزيادة في الثمن مقابل الأجل
علي أحمد الزهراني الباحة بلاد زهران يقول اشتريت سيارة بعشرين ألفًا نقدًا ودينتها بثلاثين ألفًا لسنة أيعتبر ذلك حرامًا أم حلالًا نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال من وجهين الوجه الأول صيغة العقد هل هذا الذي اشترى السيارة بعشرين ألفًا ثم باعها بثلاثين هل كانت السيارة عنده قبل أن يطلبها المستدين قد اشتراها وأبقاها عندها في حيازته ثم جاء هذا الرجل ليشتريها إلى مدة سنة ثم باعها عليه بثلاثين أو أنه إنما اشتراها بعشرين بعد طلب المستدين أن يشتري له فإن كانت الصورة الأولى أي أن هذه السيارة كانت عنده من قبل ثم جاء هذا يشتريها منه بهذا الربح فإننا ننظر في هذه المسألة من الوجه الثاني وهو هل هذا الربح الزائد الكثير جائز أو ليس بجائز الذي يظهر لي من عموم الأدلة مثل قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) ومثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) ولم يحدد الله كسبًا الذي يظهر لي أن ذلك جائز ما دام المشتري بالغًا عاقلًا رشيدًا لأنه غير مجبرٍ على هذا الثمن ولأن المالك حر يبيع بما أراد لكن ينبغي للإنسان أن يرحم عباد الله ﷾ فإن الراحمين يرحمهم الرحمن وإذا علم أن هذا المشتري إنما اشترى من أجل الضرورة والحاجة فليرفق به ولا يأخذ عليه إلا ربحًا يسيرًا حتى يدخل في قوله ﷺ (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) أما إذا كانت الصورة الثانية وهو أن المستدين جاء إلى هذا التاجر وقال أريد أن تشتري لي السيارة وأربحك فيها كذا وكذا فذهب فاشتراها له من المعرض ثم باعها عليه وهي في المعرض فإن هذا لا يجوز لأن حقيقته أن هذا التاجر دين هذا الفقير حيث أقرضه ثمن هذه السيارة بربح وزيادة ومن المعلوم أن القرض إذا جر نفعًا كان ربا وعلى هذا فلا تجوز هذه الصورة وهنا نأخذ قاعدة وهي أنه إذا كان شراء التاجر أو السلعة من أجل طلب المستدين ليبيعها عليه بأكثر فإن هذا ربا ولا يجوز أما إذا كانت السلعة موجودة عند التاجر فجاء الرجل واشتراها بأكثر من ثمنها نقدًا لأنه اشتراها بثمن مقسط فإن هذا لا بأس به لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) . ***
هذا المستمع أحمد القاسم من سورية يقول فضيلة الشيخ هناك معاملة وهي مثلا سيارة أو دار ثمنها أربعمائة ألف يبيعها التجار للمشترى بمبلغ خمسمائة ألف على أن يكون الدفع بعد سنة أو أكثر فهل هذا يعد من الربا أجيبونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا باع الإنسان سلعة سيارة أو غيرها قيمتها أربعمائة ولكنه باعها إلى أجل بخمسمائة فإنه ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وليس من الربا في شي لأنه باع عينًا بدراهم وبيع العين بالدراهم لا يجرى فيه الربا إنما يجرى الربا بين النقود بعضها مع بعض وأما هذا فلا يضر. ***
صالح من خميس مشيط يقول هل بيع الأغنام حوالة بزيادة قيمتها خمسين في المائة صحيح وحلال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حوالة إذا كان يقصد تأجيلًا يعني بيعها مؤجلة بزيادة خمسين في المائة فلا حرج في ذلك مادام المشتري رشيدًا يُحسن التصرف وبالغًا عاقلًا فإنه لا بأس أن يبيعها عليه مؤجلة بزيادة خمسين في المائة أو أكثر أو أقل لكن لابد أن يكون الأجل معلومًا بأن يقول اشتريت منك هذه الشاة إلى مدة سنة أو سنتين أو ما أشبه ذلك فإذا كان المشتري فقيرًا ويعرف البائع أنه فقير فقال اشتريتها منك إلى ميسرة يعني إلى أن ييسر الله علي فهذا لا بأس به لأن هذا هو مقتضى العقد فإن المشتري إذا كان فقيرًا لم يجز للبائع أن يطالبه بالثمن حتى ييسر الله عليه فكأن هذا الشرط تأكيد لما هو واجب على البائع وهذا القول هو الصحيح وقد دل عليه حديث في السنن عن عائشة ﵂ أن رجلًا قدم له بز من الشام فقالت للنبي ﷺ لو أرسلت أو بعثت إلى فلان فاشتريت منه ثوبين إلى ميسرة الحاصل أن التأجيل المجهول لا يجوز وأما التأجيل المجهول بما هو مقتضى العقد كأن يقول إلى أن ييسر الله عليَّ فهذا لا بأس به والله أعلم. ***
من جمهورية مصر العربية حامد عبد الحميد مقيم في الدمام بالمملكة العربية السعودية يقول في هذا السؤال رجل صاحب محل تجارة يقوم بالبيع عن طريق النقد وعن طريق الدين فيعطي الذي يأخذ بالنقد بسعرٍ أقل من الذي يأخذ بالدين ما حكم الشرع في نظركم في هذا التعامل وهل هو حلالٌ أم حرام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا التعامل حلالٌ ولا بأس به يعني إذا كان عند الإنسان سلعة وكان يبيعها بالنقد بمائة وبالمؤجل بمائة وعشرين فإن هذا لا بأس به ومثل هذا جائزٌ بالإجماع لدخوله في عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) ولأن هذا نظيره السلم الذي كان حلالًا في عهد الرسول ﷺ كما قال ابن عباسٍ ﵄ قدم النبي ﷺ المدينة وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلم في شيء فليسلم في كيلٍ معلوم وزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) ومعلوم أن السلم وهو تقديم الثمن وتأخير السلعة لا بد أن يكون فيه تفاوت بين سعر السلم وسعر الحاضر والمسألة التي ذكرها السائل هي عكس السلم صورةً ولكنها بمعناه حقيقةً. ***
السائل ع. م. ص فضيلة الشيخ ما تقولون فيمن يقول لرجل أبيعك هذه السيارة إلى العام القادم بستين ألف ريال وإذا لم تسدد المبلغ سيكون المبلغ سبعين ألف ريال في العام الذي يليه وهذا الكلام في بداية العقد فأرجو الإفادة في هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العقد حرام لأنه ربا وإذا كان البائع شاكا في وفاء المشتري فليجعلها بالثمن الأعلى من الأول وإلى الأمد المتأخر من الأول فإن الإنسان إذا باع ما يساوي ألفا في الحاضر بألفين إلى مدة سنتين لاحرج عليه لدخوله قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أو باعه بألف وخمسمائة إلى سنة فلا شيء عليه أما أن يقول بعتك ما يساوي ألفا بألف وخمسمائة إلى سنة فإن لم تسدد فبألفين فإن هذا حرام لا يحل لأنه ربا. ***
الشروط في البيع
إذا اشترى الشخص حطبًا واشترط على البائع أن ينقله بسيارته إلى المنزل ولكن تعطلت السيارة فهل يجوز للمشتري خصم شيء من قيمة الحطب مقابل عدم نقل الحطب بالسيارة فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشترى الرجل من شخص حمولة حطب واشترط على البائع أن يحملها إلى بيته ولكن تعطلت السيارة فلم يستطع فإن للمشتري أن يخصم على البائع مقدار ما فاته من حمل الحطب لأن البائع قد التزم به ومعلوم أنه بالتزامه به سوف تزيد قيمة الحطب فإذا لم يفِ البائع بما شرط عليه فإن للمشتري أن يخصم مقدار ما فاته من هذا الشرط لكني أرى من باب المشورة والنصيحة أنه إذا كان عدم إيصال الحطب إلى بيت المشتري بغير اختيار البائع ألا يسقط من الثمن شيئًا لأن هذا معذور والإنسان ينبغي أن يكون له كرم وإحسان إلى إخوانه لكن قل لي لو أن البائع لما تعطلت السيارة وقال المشتري لابد أن نخصم من الثمن مقدار ما فات قال أنا أستأجر سيارة وأوصل ففي هذه الحال لا يكون للمشتري أن يخصم شيئًا. ***
ما حكم الشرع في التاجر الذي يبيع لك شيئًا ويشترط عليك شيئًا آخر لتأخذه معه نظرًا لعدم إقبال الناس على هذا النوع من البضاعة وما حكم البيع هل هو صحيح أم لا وهل يلحقني إثمٌ في شراء ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا لا بأس به أي لا بأس في أن يقول لك البائع أنا لا أبيع عليك هذه السلعة إلا أن تشتري السلعة الأخرى فإن رضيت بذلك فلا حرج لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ولقول النبي ﷺ (المسلمون على شروطهم) ولقوله (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) فالأصل في الشروط كالأصل في العقود وهو الإباحة والحل حتى يقوم دليلٌ على المنع فإذا اشترط عليك البائع أن تشتري السلعة الأخرى مع ما تريده من السلع فلا حرج عليك في أن تشتري منه إلا إذا كان اشترط عليك سلعة يجري فيها الربا مع الثمن الذي اشتريت به مثل أن تشتري طعامًا بطعام كبرٍ ببر مثلًا فيشترط عليك أن تشتري منه برًا آخر فإن ذلك لا يجوز لأنه يؤدي إلى التفاضل في بيع الجنسين بعضهما ببعض والجنس إذا بيع بعضه ببعض لا يجوز التفاضل فيه لقوله ﵊ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد) ذكرنا أنه لا بأس إن اشترط البائع على المشتري أن يشتري سلعةً أخرى مع ما يريده إلا إذا تضمن ذلك محظورًا شرعيًا كذلك مثال آخر لو طلبت أن تشتري منه ساعة مثلًا فقال لا أبيع عليك هذه الساعة إلا أن تشتري مني سلعة أخرى سلعة لهو آلة موسيقية مثلًا فإن هذا لا يجوز لا يجوز لأن هذا الشرط يتضمن محظورًا شرعيًا فيكون باطلًا لقول رسول الله ﷺ (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ***
العربون
يقول السائل هل العربون الذي يدفعه المشتري للبائع ثم يبطل البيع بسبب رفض المشتري السلعة هل هو من حق البائع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم العربون هو أن البائع إذا خاف من المشتري أن يفسخ البيع طلب منه العربون فمثلًا إذا باع عليه أرضًا بعشرة آلاف ريال وقال أنا أريد منك عربونًا قدره ألف ريال فأعطاه إياه فإن تم البيع فالعربون من الثمن ويسلم تسعة آلاف فإن لم يتم فالعربون للبائع لأنه هكذا جرى بينهما وهذا الشرط لا يحرم حلالًا ولا يحل حرامًا وهو من مصلحة الطرفين أما المشتري فمصلحته أنه تخلص من السلعة التي قدم لها العربون ومعلوم أنه لن يؤثر غرامة العربون إلا لتلافي خسارة أكبر منها وأما البائع فإن من مصلحته في العربون أنه يأخذ هذا العربون عوضًا عن نظرة الناس إلى المبيع الذي فسخه المشتري فالمهم أن بيع العربون صحيح فإن تم البيع فالعربون أول الثمن وإن لم يتم البيع فالعربون للبائع. ***
فضيلة الشيخ نعمل بمجال تقسيط العقارات في بعض الأحيان ونظرا لكثرة العملاء نضطر إلى إعطائهم مواعيد متأخرة بعض الشيء على أن نقوم بدفع جزء أو عربون من قيمة العقار إلى مالكه ونوقع معه عقدًا يذكر به بأنه من حق مالك العقار أن يلزمنا بالشراء في الوقت المحدد بالعقد الموقع من كلينا ولا يجوز لنا التأخر عن هذا الموعد على الإطلاق فهل يعتبر العقار المقصود ملكا للشركة يجوز لها بيعه على الغير بالتقسيط وقبض الدفعة المقدمة وتوقيع عقد البيع أم يلزم إتمام الاقتراض ودفع باقي القيمة مع ملاحظة أن البائع له الحق في إلزامنا بالشراء بالوقت المحدد وكما ذكرنا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا البيع لم يتم لأن إعطاء العربون وهو ما قدم من الثمن يعني أنه إن تم البيع فهذا العربون من الثمن وإن لم يتم فهو للبائع وهذا البيع لم يتم حتى الآن فلا يجوز بيعه فالواجب الانتظار حتى يتم البيع فإذا تم البيع فلهم بيع ما تم بيعه. ***
بعض الزبائن يأتون إلى المكتب العقاري ويسألون عن سكن وإذا شاهدوا المحل دفعوا عربونًا لكي يكون على حظهم العربونً خمسمائة ريال سعودي تقريبا ويذهبون إلى مكاتب أخرى ويبحثون في محل مثل الدور أو شقق أو الدكان وإذا وجدوا عقارًا أفضل لم يأتوا إلينا هل العربون الذي أخذناه حلال لنا أم لصاحب العقار المنزل وأحيانًا لا يأتون إطلاقًا نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العربون هو الذي يقدم عند عقد البيع أو الإجارة على أن المقدم لهذا العربون إن أتم العقد فهو من الثمن أو من الأجرة وإن لم يتم العقد فهو لصاحب العقار أو البائع فعلى هذا فإذا أعطاكم المستأجر خمسمائة ريال على أنها عربون ولم يحضر وأيستم من حضوره فهي لكم ولكنها تكون لصاحب العقار ولصاحب المكتب منها مقدار أجرته فإذا كان له على المائة خمسة ريالات فإنه يأخذ على هذا على هذا العربون نصف العشر. *** معنى بيعتين في بيعة
بارك الله فيكم يقول ما معنى النهي عن بيعتين في بيعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيعتين في بيعة) أي في مبيعٍ واحد وهذا النهي يحمل على ما بينته السنة في موضعٍ آخر أي يحمل على بيعٍ يتضمن الربا الصريح أو الذي تحيل عليه وصورة هذه المسألة أن يبيع الإنسان شيئًا بثمنٍ مؤجل ثم يشتريه من المشتري بأقل منه نقدًا مثاله أن يبيع سيارة بستين ألفًا إلى مدة سنة مقسطة إلى سنة ثم يشتريها ممن باعها عليه بأقل نقدًا كأن يشتريها بأربعين ألفًا فهذه هي البيعتان في بيعة لأن هذا المبيع وهو السيارة بيع مرتين المرة الأولى بالثمن المؤجل الكثير الثانية بالثمن المنقود اليسير وهذا لا شك أنه يفتح باب التحيل على الربا فيكون المعنى بدلًا من أن يعطيك أربعين ألفًا إلى سنة ثم توفيه ستين ألفًا بدلًا من ذلك يأتي بهذه السيارة ولهذا قال ابن عباس ﵄ في مسألة العينة دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة يعني هذه حقيقتها ولهذا حذر النبي صلى الله عليه على آله وسلم منها حين قال (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر يعني إلى الحرث ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا في قلوبكم لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) . ***
الربا والصرف - تعريف الربا وأنواعه وحكمه
المستمع ع. ش. ع. من الصومال يسأل عن الربا فضيلة الشيخ ما هو وما مراتبه إن كان له مراتب وما هي عقوبته عند الله ﷾ أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الربا في اللغة الزيادة ومنه قوله تعالى (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) أي زادت وأما في الشرع فهو زيادةٌ في أشياء مخصوصة منع الشارع من الزيادة فيها حين التبادل أو تأخير القبض حين يجب في القبض قبل التفرق ولهذا يقول أهل العلم إن الربا نوعان ربا فضل وربا نسيئة فربا الفضل يعني ربا الزيادة وربا النسيئة يعني ربا التأخير ولكن يجب أن نعلم أولًا أنه ليس كل ربًا يكون من الربا المحرم بل إن الربا المحرم في أشياء مخصوصة بينها رسول الله ﷺ في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) وقال (من زاد أو استزاد فقد أربى) فإذا بعت ذهبًا بذهب فلا بد من شرطين الشرط الأول التساوي في الوزن لا في القيمة لأن القيمة لا تهم بل لا بد أن يكون التساوي في الوزن والثاني القبض قبل التفرق مثال ذلك شخص أبدل حليًا من الذهب بحليٍ آخر من الذهب وزنهما سواء لكن قيمتهما تختلف فهذا يشترط فيه القبض قبل التفرق وأما اختلاف القيمة فلا يضر لقول النبي ﵊ (مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد) فأما إذا اختلفت الأصناف مثل أن يبيع ذهبًا بفضة فإن ربا الفضل هنا لا يثبت وتجوز الزيادة فيجوز مثلًا أن يبدل مثقالًا من الذهب بخمسين مثقالًا من الفضة ولكن يشترط التقابض قبل التفرق لقول الرسول ﷺ (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم) إذا اتفق الجنس فلا بد من شرطين التساوي في الوزن والثاني القبض قبل التفرق وإذا اختلف الجنس كذهب بفضة فلا بد من شرط واحد التقابض قبل التفرق هذا بالنسبة للذهب بالفضة بالنسبة للطعام البر والشعير والتمر والملح إذا باع شيئًا بجنسه فلا بد فيه من التساوي بالكيل لا بالوصف ولا بد من التقابض قبل التفرق فإذا باع صاع بر من نوعٍ معين بصاع بر من نوعٍ معين فلا بد من التقابض قبل التفرق فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فقد وقعا في الربا ربا النسيئة وصار العقد باطلًا وكذلك لو باع صاعًا بصاعين فإنه ربا ولو حصل القبض لأنه من جنسٍ واحد ولهذا لما جاء بلال بتمرٍ جيد إلى رسول الله ﷺ سأله (من أين هذا) قال يا رسول الله كنت أشتري الصاع من هذا بصاعين والصاعين بالثلاثة ليطعم النبي ﷺ أي ليأكل طعامًا جيدًا والطعام تمر والتمر من الطعام فقال رسول الله ﷺ (أوّه) وهذه كلمة توجع (لا تفعل رده) ثم أرشده إلى أن يبيع التمر الردئ بالدراهم ويستلم الدراهم ويشتري بها تمرًا جيدًا وهذا يدل على أن الجنس إذا بيع بجنسه لا يجوز فيه التفاضل ولو كان من أجل اختلاف الوصف بالجودة والرداءة بل لا بد من التساوي كذلك أيضًا الشعير والتمر وغير ذلك مما يجري فيه الربا إذا بيع الشيء بجنسه فلا بد من أمرين هما التساوي في المكيال إن كان مكيلًا وفي الوزن إن كان موزونًا وإن بيع بغير جنسه فإنه لا بد من شرطٍ واحد وهو القبض قبل التفرق ولا يشترط التساوي لأن اشتراط التساوي متعذر إلا أن السنة قد دلت على أنه إذا كان اختلاف الجنس لكون أحد الجنسين نقدًا وثمنًا فلا بأس في تأخير القبض وذلك فيما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس ﵄ قال قدم النبي ﷺ المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين أي يقدمون الثمن للثمار التي سيأخذونها بعد سنة أو سنتين فقال رسول ﷺ (من أسلف في شيء فليسلف في شيء معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) وعلى هذا فإذا كان أحد العوضين نقدًا فإنه يجوز التفرق قبل القبض وإن كان العوضان نقدًا ولكن الجنس مختلف فلا بد من التقابض قبل التفرق أما ما طلبه السائل من ذكر النصوص التي فيها الوعيد على الربا فإنه وردت في الربا آياتٌ كثيرة وأحاديث كثيرة تدل على عظمه وفظاعته ومن ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله ﷿ (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقال ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) نصيحتي لإخواني المسلمين أن يبتعدوا عن الربا كله ربا الفضل وربا النسيئة وأن يعلموا أن رزق الله ﷿ لا يستجلب بمعاصيه وأن ما يملكونه بالربا فلا خير فيه ولا بركة قال تعالى (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ) وفي قوله تعالى (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ) دليلٌ على أن الأموال التي تكون من الربا لو تصدق بها الإنسان لم تقبل لأنها لو قبلت لربت عند الله ﷿ فإن الله ﷾ يقبل أو يأخذ الصدقة من كسبٍ طيب فيربيها لصاحبها كما يربي الإنسان فلوه حتى يكون ما يعادل التمرة مثل الجبل. ***
أرجو إيضاح معنى ربا الفضل وربا النسيئة فأجاب رحمه الله تعالى: ربا الفضل يعني ربا الزيادة مثل أن يبيع الإنسان درهمًا بدرهمين أو دينارًا بدينارين أو صاعًا من التمر بصاعين من التمر هذا ربا الفضل وربا النسيئة تأخير القبض فيما يجب فيه القبض فمثلًا الواجب فيما إذا باع الإنسان تمرًا بتمر أن يكون التمران متساويين وأن يكون القبض قبل التفرق وإذا باع تمرًا بشعير فالواجب أن يكون التقابض قبل التفرق فإن تأخر القبض صار الأول أي بيع التمر بتمر مثله فيه ربا النسيئة وكذلك إذا باع تمر بشعير وتأخر القبض فيكون فيه ربا نسيئة وقد يجتمع ربا النسيئة والفضل إذا باع تمرًا بأكثر منه مع تأخر القبض فهذا فيه ربا الفضل من أجل الزيادة وفيه ربا النسيئة من أجل تأخير القبض وربا النسيئة هو تأخير القبض فيما يجب فيه التقابض قبل التفرق من الربويات والفضل هو الزيادة فيما يشترط فيه التساوي. *** قبول هدية المرابي
يا شيخ هل يجوز قبول الهدية من شخص نعلم أنه يتعامل بالربا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يقبل هدية مَنْ يتعامل بالربا ويجوز أن يبايعه ويشتري منه ويجوز أن يجيب دعوته لأن النبي ﷺ قبل الهدية من اليهود واشترى من يهودي طعامًا لأهله إلا إذا علمنا أننا إذا كففنا عنه ولم نبايعه ولم نشتر منه ولم نقبل هديته ارتدع عن الربا فحينئذ نفعل ذلك لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى. *** ما يجري فيه الربا
أبو سعيد من حضرموت يقول فضيلة الشيخ ما معنى هذا الحديث قال ﷺ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والملح بالملح يدًا بيد سواءً بسواء فمن زاد أو استزاد فقد أربى) أو كما قال ﷺ في الحديث السؤال هو هل إذا اشتريت برًا أو تمرًا يشترط أن أدفع القيمة في الحال لأنه في حديثٍ آخر يقول (إذا اختلفت هذه الأنواع فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) أرجو توضيح هذه المسألة بأدلة واضحة حتى نفهم الجواب ولكم الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما قال الأخ السائل وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح) هذه ستة أشياء (مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) وتفصيل ذلك أنك إذا بعت برًا ببر وجب عليك أمران الأمر الأول التساوي في المكيال بأن يكون كلاهما سواءً والأمر الثاني التقابض قبل التفرق لقوله (مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد) وإذا بعت برًا بشعير وجب عليك أمرٌ واحد وهو التقابض قبل التفرق ولا يجب التماثل لاختلاف الجنس وهذا معنى قوله (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شيءتم) يعني بزائدٍ أو ناقص (إذا كان يدًا بيد) وإذا بعت ذهبًا بذهب وجب عليك أمران التساوي في الوزن والتقابض قبل التفرق وإذا بعت ذهبًا بفضة وجب عليك أمرٌ واحد وهو التقابض قبل التفرق وأما التساوي فلا يجب عليك بقي ما لو اشتريت برًا بذهب فإن ظاهر الحديث أنه لا بد من التقابض قبل التفرق لقوله ﷺ (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) وشراء البر بالذهب فيه اختلاف صنفين وعلى هذا فيجب التقابض قبل التفرق هذا ظاهر عموم الحديث ولكن هذا الظاهر غير مراد فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواز السلم في الثمار وهو أن يُشترى من الفلاح تمرٌ بدراهم منقودة مع تأخر قبض التمر قال ابن عباسٍ ﵄ قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم يسلمون في الثمار السنة والسنتين فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أسلم في شيء فليسلم في كيلٍ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم) ففي هذا الحديث نصٌ صريح على جواز شراء التمر المؤجل بنقدٍ معجل وعلى هذا فيكون هذا النص مقدمًا على ظاهر العموم في الحديث الذي ذكرناه وهو قوله ﷺ (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم) . ***
ع. م. يقول نرجو إيضاح معنى (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلًا بمثل يدًا بيد) مع التمثيل مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلًا بمثل يدًا بيد) أن الإنسان إذا باع ذهبًا بذهب فلا بد فيه من أمرين الأمر الأول أن يكون مثلًا بمثل أو وزنًا بوزن والثاني أن يكون يدًا بيد أي يكون التقابض قبل التفرق مثال ذلك رجل باع مثقالًا من الذهب بمثقالٍ من الذهب وتقابضا قبل التفرق من المجلس فهذا البيع صحيح لانطباق حديث الرسول ﷺ عليه فهو (مثل بمثل ويدًا بيد) ومثال ما لا يصح أن يبيع مثقالًا ونصفًا من الذهب بمثقالٍ وثلث من الذهب فهذا البيع لا يصح لأنه ليس مثلًا بمثل بل أحدهما مثقالٌ ونصف والثاني مثقالٌ وثلث فلم يحصل التماثل فلا يصح البيع ويسمى هذا ربا الفضل ولو باع عليه مثقالًا من الذهب بمثقالٍ من الذهب لكن تأخر القبض مثل أن يعطيه المثقال من الذهب ولكن لا يقبض منه عوضه من الذهب إلا بعد مدة ولو ساعة فإن البيع لا يصح لأنه ليس يدًا بيد وكذلك نقول في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفضة بالفضة أي إنه إذا باع فضة بفضة فلا بد من هذين الشرطين الأول أن يتماثلا في الوزن والثاني أن يحصل القبض قبل التفرق مثاله أن يبيع مثقالًا من الفضة بمثقالٍ من الفضة مع التقابض في المجلس فالبيع هنا صحيح لانطباق الحديث عليه فهو مثلٌ بمثل ويدٌ بيد ومثال ما لا يصح أن يبيع مثقالًا وثلثًا من الفضة بمثقالٍ ونصف من الفضة يدًا بيد فهنا لا يصح البيع لعدم التماثل بينهما أو يبيع مثقالًا من الفضة بمثقال من الفضة مع تأخر القبض في أحدهما عن مجلس العقد فهنا لا يصح البيع لعدم كونه يدًا بيد والخلاصة أنه إذا بيع الذهب بالذهب فلا بد فيه من أمرين التماثل وزنًا والتقابض في مجلس العقد وإذا بيعت فضة بفضة فلا بد من أمرين التماثل في الوزن والتقابض في مجلس العقد هذا هو معنى الحديث منطوقًا ومفهومًا ***
المستمع من القصيم أو التاجر من القصيم ن. س. ف. يقول أنا أحد التجار الذين يتعاملون بالذهب بيعًا وشراءً وفي بعض الأحيان نبيع الذهب إلى تاجرٍ آخر وليس لديه السيولة الكاملة لدفع المبلغ المطلوب مما يضطرنا إلى إمهاله ليومٍ أو يومين لحين توفر المبلغ لديه أرجو من فضيلتكم إفادتنا عن هذا العمل عمومًا هل هو جائز أم لا مع العلم أن هذا العمل الآنف الذكر لا يتم إلا بيننا معشر التجار حيث توجد الثقة المتبادلة والضرورة التجارية للقيام بهذا العمل أرجو إفادتي ولكم خالص شكري وتقديري؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت ﵁ أن النبي ﷺ قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثلٍ سواءً بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) فبيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان الشرط الأول التساوي في الوزن بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر والشرط الثاني التقابض في مجلس العقد من الطرفين بحيث يسلم لك وتسلم له بدون تأخير فإن اختلف أحد الشرطين فالعقد باطلٌ وربا وقد عُلم ما جاء في الربا من الوعيد الشديد في القرآن وفي السنة وقال الله تعالى في المرابين (وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) و(لعن النبي ﷺ في الربا خمسة آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) فأما إذا بيع الذهب بالفضة أو بما كان بديلًا لها كالأوراق النقدية فإنه يشترط فيه شرطٌ واحد وهو التقابض في مجلس العقد بمعنى أن يقبض كلٌ من البائع والمشتري بدون تأخير لقوله ﷺ (فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) وعلى هذا فتبايع التجار للذهب بدون أن يقبض البائع الثمن من المشتري محرم حتى ولو كان يثق به بل الواجب أن يكون يدًا بيد ومن المؤسف أن كثيرًا من تجار الذهب الذين يبيعون الحلي يتهاونون في هذا الأمر ومن الغرائب ومن العجائب والعجائب جمةٌ أن هؤلاء الذين يبيعون ويؤخرون استلام الثمن أنهم يضرون أنفسهم من الناحيتين الدينية والدنيوية أما الناحية الدينية فإنهم يخالفون أمر رسول الله ﷺ حيث قال (يدًا بيد) أما الدنيوية فإنه لا شك أن البيع بالنقد أعظم للبائع وأسلم لأنه ربما تمهله واثقًا به ولا تأتيه الأمور على ما ينبغي فقد يمرض أويموت أويضيع منه الشيء فيماطلك إلى غير ذلك من الأسباب التي توجب تأخير التسليم إلى أمدٍ لا ترضاه أنت أيها البائع أو تفضي لعدم التسليم بالكلية لحق البائع لهذا نرى أنه من الخطأ بل ومن السفه أيضًا أن يتبايع الناس بالذهب بدون قبض وأنت لا حرج عليك إذا قلت للمشتري إما أن تسلمني الثمن وإلا فلا بيع وكثيرٌ من السلع الآن تباع نقدًا وإذا لم يكن مع الإنسان نقدٌ فإنهم لا يبيعون عليه وحينئذٍ يضطر أن يأخذ الثمن معه قبل أن يقف على صاحب الحاجة ويشتريها. ***
ما حكم بيع القمح أو الشعير بضعف ثمنها إلى مدة سنة مع العلم بأن سعرها الآن مثلًا عشرة وبعد سنة عشرين هل يعتبر ذلك ربا أم لا جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ريب أن الربا من كبائر الذنوب وأن الله توعد على فعله وعيدًا لم يكن مثله في شيءٍ من المعاصي التي هي كفر كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ فقد قال الله تعالى في المرابين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) ولكن يجب أن نعلم في أي شيء يكون الربا، يكون الربا في ستة أصناف بينها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى) فهذه الأصناف الستة إذا بعت شيئًا بجنسه فلابد فيه من أمرين التساوي والتقابض قبل التفرق مثال ذلك أن تبيع ذهبا بذهب فلابد من أن يتساويا في الوزن والقبض قبل التفرق بعت فضة بفضة كذلك لابد أن يتساويا في الوزن وأن يكون التقابض قبل التفرق، بعت برًا ببر فكذلك يجب التقابض قبل التفرق ويجب التساوي في المكيال وكذلك الشعير وكذلك التمر وكذلك الملح أما إذا بعت جنسًا بآخر كما لو بعت برًا بشعير فلا بأس من التفاضل أي لا بأس أن يزيد أحدهما على الآخر ولكن لابد من التقابض فإذا بعت صاعًا من البر بصاعين من الشعير فهو جائز لكن لابد من التقابض قبل التفرق لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) وإذا بعت ذهبًا بفضة متفاضلًا فلا بأس وكذلك إذا بعت ألف غرام من الذهب بعشرة آلاف غرام من الفضة فلا بأس بشرط التقابض قبل التفرق وماعدا هذه الأصناف الستة فإنه لا ربا فيه أصلًا إلا ما كان مثلها كالذرة التي تشابه الشعير أو البر والعنب الذي يشابه التمر وما أشبه ذلك والمراد بالعنب إذا كان زبيبًا لأنه قبل ذلك يلحق بالفاكهة وأعلم أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أقر الصحابة حينما قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والإسلاف أن يقدم الثمن ويؤخر المبيع مثل أن تعطي الفلاح ألف ريال بألفي كيلو من التمر بعد سنة وبناءً على ذلك يتبين الجواب على هذا السؤال وأنه لا حرج على الإنسان أن يبيع برًا مؤجلًا إلى سنة بدراهم نقدًا كما كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد الرسول ﷺ وأقرهم عليه. *** مسائل في بيع الذهب
المستمع أبوعلي يقول إذا اشتريت مصاغًا ذهبيًا وأعطيت صاحب المحل شيكًا فهل يعتبر بذلك استلامًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشترى الإنسان ذهبًا وأعطى البائع شيكًا بالثمن فإن ذلك لا يعتبر قبضًا بل هو حوالة وعلى هذا يكون هذا العقد باطلًا لأنه لم يحصل فيه القبض والقبض إنما يكون بأخذ العوض فإذا اشترى إنسان ذهبًا بعشرة آلاف وأعطى البائع شيكًا على مصرف من المصارف فإن هذا لا يعتبر قبضًا والبيع باطل والذهب للبائع وليس في ذمة المشترى شيئ من ثمنه لبطلان البيع والطريق السليم أن يذهب المشتري إلى المصرف ويأخذ عشرة آلاف بيده ثم يأتي بها إلى مكان البائع ويتم العقد على هذا فيحضر البائع الذهب وتكون هذه الدراهم مع المشترى ويكون كل واحد منهم يقبض من الآخر في مجلس العقد. ***
من أسئلة السائل أبو عبد الله يقول إذا اشتريت ذهبًا من محل وأعطيته شيكًا مصدقًا أو أعطيته بطاقة الصرف الآلي وسحب من حسابي إلى حسابه مباشرة هل يعتبر هذا قبضًا علمًا بأن المبلغ يدخل في حسابه مباشرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعتبر قبضًا ما دام نقل إلى حساب البائع مباشرة في مجلس العقد فلا بأس وكيفية ذلك أن يكون المشتري في دكان البائع ولكلٍ من البائع والمشتري حساب في بنك معين فيتصلان على صاحب البنك يقول المشتري انقل كذا وكذا من حسابي إلى حساب فلان فيقول فعلت هذا قبض أما الشيك المصدق فإنه ليس بقبض ولكنه حوالة والتصديق يعني إقرار البنك بأن عنده هذا الرصيد فقط والدليل على أنه ليس بقبض أن هذا الشيك المصدق لو ضاع لرجع البائع على المشتري وقال إن الشيك ضاع قبل أن أستلم ما فيه فإن قال قائل إذا لم تمكن هذه الحال قلنا الأمر سهل لا تأخذ البيع اذهب وأئت بالدراهم من البنك الذي عنده حسابك ثم سلمها للبائع واعقد العقد من جديد ولا تعتمد على العقد الأول لأنه باطل ولأنه قد يزيد الذهب أو ينقص فيما بين إحضار الدراهم وبين الاتفاقية. ***
يقول ما حكم بيع الذهب دينًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع الذهب دينًا إن كان لشيء لا يحل النسأ فيه بينهما فهو حرام مثل أن يبيعه بدراهم فإن ذلك حرام عليه ولا يجوز وأما إذا كان بما يجوز أن يباع به نسيئة فلا حرج في ذلك مثل أن يبيع الحلي بشيء من الثياب أو من المعدات أو من السيارات ونحو هذا فإنه لا بأس به. ***
ما حكم بيع الذهب المستعمل استعمالًا بسيطًا بسعر جديد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع الذهب استعمالًا يسيرًا بسعر جديد إن كان غشًا من البائع فهو حرام لقول النبي ﷺ (من غش فليس منا) وإن كان بغير غش مثل أن يعلم البائع المشتري بأنه مستعمل فيكون المشتري قد دخل على بصيرة ويخبره أيضًا بأن الثمن الذي حده به هو ثمنه جديدًا فإن هذا لا بأس به إذا رضي المشتري بذلك وكان ممن يجوز منه التبرع. ***
رجل اشترى قطعة ذهبية بملغ مائتي دينار واحتفظ بها مدة من الزمن إلى أن زادت قيمة الذهب أضعافًا فباعها بثلاثة آلاف دينار فما حكم هذه الزيادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الزيادة لا بأس بها ولا حرج ومازال المسلمون هكذا في بيعهم وشرائهم يشترون السلع وينتظرون بها زيادة القيمة ربما يشترونها لأنفسهم للاستعمال ثم إذا ارتفعت القيمة جدًا ورأوا الغبطة في بيعها باعوها ومع أنهم لم يكن عندهم النية في بيعها من قبل المهم أن الزيادة متى كانت تبعًا للسوق فإنه لا حرج فيها ولو زادت أضعافًا مضاعفة.
فضيلة الشيخ: لكن لو كانت الزيادة في ذهب بأن بادل بها بذهب آخر وأخذ زيادة في الذهب الآخر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع الذهب بالذهب لا يجوز إلا وزنًا بوزن كما ثبت بذلك الحديث عن الرسول ﵊ ويدًا بيد أيضًا فإذا بعت ذهبًا بذهب ولو اختلف في القيمة يعني أحدهما أطيب من الآخر فإنه لا يجوز إلا مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد فلو أخذت من الذهب عيار ثمانية عشر مثقالين بمثقال ونصف من الذهب عيار أربعة وعشرين فإن هذا حرام لا يجوز لأنه لابد من التساوي ولو أخذت مثقالين بمثقالين من الذهب ولكن تأخر القبض في أحدهما فإنه لا يجوز أيضًا لأنه لابد من القبض في مجلس العقد ومثل ذلك أيضًا بيع الذهب بالأوراق النقدية المعروفة فإنه إذا اشترى الإنسان ذهبًا من التاجر أو من الصائغ لا يجوز له أن يفارقه حتى يسلمه القيمة كاملة إذ أن هذه الأوراق النقدية بمنزلة الفضة وبيع الذهب بالفضة يجب فيه التقابض في مجلس العقد قبل التفرق.
فضيلة الشيخ: هل تجوز الزيادة أو النقص إذا اختلف الجنس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اختلف الجنس فإنه لا بأس بالزيادة والنقص لقول الرسول ﵊ (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يد بيد) . ***
السائلة أم ياسر تسأل عن حكم شراء الذهب بالتقسيط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط على نوعين النوع الأول أن يشترى بالدراهم فلا بد من التقابض في مجلس العقد فإذا اشترت امرأة حلي ذهب بخمسة آلاف ريال فلا بد أن تسلم خمسة آلاف ريال في مجلس العقد ولا يجوز أن تشتريه بالتقسيط لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في بيع الذهب بالفضة (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) والثاني أن يشتري الذهب بغير الدراهم مثل أن تشتريه بقمح فتقول المرأة اشتريت منك هذا الحلي بمائة صاع قمح كل شهر عشرة أصواع فلا بأس لأن البيع هنا وقع بين شيئين لا يحرم بينهما النسأ أي التأخير وعلى هذا نقول إذا بيع حلي الذهب بذهب فلا بد من أمرين التساوي في الوزن والقبض قبل التفرق فإذا بيع بفضة أو دراهم نقدية فلا بد من أمرٍ واحد وهو التقابض قبل التفرق وإذا بيع بغير ذلك فلا بأس من بيعه بالأقساط وتأجيل الثمن. ***
ما حكم شراء الذهب بالتقسيط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الذهب بالتقسيط إن اشتري بغير العملة الورقية وبغير الذهب وبغير الفضة فلا بأس به مثل أن يشترى بطعام من تمر أو بر أو يشترى بسيارات وما أشبه ذلك فإنه لا حرج فيه لأنه لا ربا بين الذهب والفضة وبين المطعومات ولا ربا بين الذهب والفضة وبين المصنوعات أما إذا اشتراه الذي اشترى الذهب بالتقسيط بعملة ورقية أو بذهب أو بفضة فإن ذلك حرام لأن بيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان الشرط الأول التساوي وزنا والشرط الثاني التقابض في مدة العقد وإذا بيع الذهب بفضة أو بأوراق عملة اشترط فيه شرط واحد وهو التقابض في مدة العقد قبل التفرق لقول النبي ﵌ (الذهب بالذهب مثلا بمثل سواء بسواء يد بيد) ولقوله ﵊ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) . ***
السائل عبد الله الحسن يقول تذهب بعض النساء لشراء ذهب ويقول لهم صاحب المحل خذوا هذا السلعة وسددوا لي ما يتيسر لكم إلى أن يستوفي المبلغ الذي في ذمتهم هل هذا يجوز فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز لأن بيع الذهب بالدراهم لابد أن يكون يدًا بيد فإن الدراهم نقد عوض عن فضة وبيع الذهب بالفضة يشترط فيه أن يكون يدًا بيد كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف) يعني الأصناف التي ذكرها ﵊ في قوله (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد) قال (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) أما لو بيع الذهب بغير هذه الأصناف مثل أن يباع الذهب بتمر أو بسيارة أو ما أشبه ذلك مما لا يتوافق معه في علة الربا فإنه لا بأس بالتفرق قبل القبض. ***
امرأة تعمل في بيع وشراء الذهب تقول عندي حلق صغير للبنات وغوايش وخواتم ويقوم بعض النسوة بأخذ ما يردن من الذهب ويدفعن لي الثمن بعد شهر أو شهرين لأنني أثق بهن وهن من جاراتي في الحارة هل يصح هذا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذهب بالذهب وإن شيءت فقل مبادلة الذهب بالذهب لا تجوز إلا بشرطين: الشرط الأول التماثل والتساوي في الوزن فلا يجوز البيع من الذهب بالذهب مع زيادة مع أحدهما سواء كانت هذه الزيادة من جنس الذهب أو من فضة أو من أوراق عملة كل هذا لا يجوز. الشرط الثاني التقابض في مجلس العقد ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه واله وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثل بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) قال هذا إذا بيع الذهب بفضة أو بأوراق عملة فانه لا يجوز التفرق من مجلس العقد إلا إيقافه من الطرفين وبناءً عليه نقول في جواب هذه المرأة السائلة إنه لا يجوز أن تعطي الذهب من يشتريه ولا يسلم الثمن إلا بعد مدة لأن ذلك ربا ولكن تقول للمشترية التي تطلب هذا الذهب تقول ائت بالثمن ويتم العقد والمشترية ربما تجد من يقرضها وتشتري به هذه الحلي فإذا قدر أنها أيست وأنها تحتاج إلى هذا الحلي فلها أن تتفق مع البائعة فتقول اجعلي هذا الذهب عندك حتى آتي بالثمن ثم نعقد البيع بعد أن أحضر الثمن فإن هذا لا بأس به لأن المرأة قد يعجبها نوع من الحلي عند البائعة وتخشى أن يُشترى ويفوتها فلتتفق مع البائعة بأن تبقيه عندها حتى تتحصل الثمن ثم تأتي وتشتري فيه بالسعر الذي يكون عند الشراء. ***
فضيلة الشيخ حسن بريك من الليث السائل يقول اشترى شخص ذهبًا بثمانية آلاف ريال ودفع نقدًا ثلاثة آلاف ريال رهن بالمبلغ الباقي خمسة آلاف ذهب يوزن في ذلك اليوم على أن يسدد المبلغ في مدة متفق عليها وإذا لم يسدد المبلغ في مدة متفق عليها وإذا لم يسدد في الموعد المحدد فإن الذهب يصبح من حق صاحب المحل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لإنسان يشتري ذهبًا بدراهم إلا أن يسلم الثمن قبل التفرق ويستلم الذهب قبل التفرق وهذه المعاملة التي ذكرت في السؤال نقول أما ما سلم ثمنه فالبيع فيه صحيح وأما ما لم يسلم ثمنه فالبيع فيه فاسد الذهب لصاحب الدكان والدراهم عند صاحبها فليبلغ الآن صاحب الدكان أن الصفقة تبعضت صحت فيما قبض ثمنه وبطلت فيما لم يقبض ثمنه والذهب لصاحبه إن زاد فهو زائد أي أن زادت قيمته في الأسواق فهي زائدة وهي لصاحب الدكان وإن نقصت فهي على صاحب الدكان والدراهم عند صاحبها لم يسلمها حتى الآن. ***
مقيم في دولة الكويت حسين محمد أبو عبد الرحمن يقول اشترينا ذهبًا من أحد المحلات ثم بعد أيام قليلة أردنا أن نستبدل هذا الذهب بذهب آخر وهذا حسب الاتفاق على الترجيع أم لا فاستبدلناها بذهب قيمته أقل من قيمة الذهب الأول فأخذنا الجديد مع الفارق من المال فهل هذا البيع والشراء جائز؟ نرجو التفصيل في هذا يا سماحة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به إذا آخذتم الذهب ودفعتم القيمة على أنه إن صلح لكم وإلا رددتموه وأخذتم بدله لأن هذا عبارة عن فسخ البيع الأول وتجديد بيع آخر أما لو لم يكن بينكم اتفاق في الأول واشتريتم الذهب جازمين عليه ثم بعد ذلك رددتموه على البائع وقلتم أبدل لنا هذا الذهب بذهب آخر مع الفارق فإن ذلك لا يجوز لأن هذا بيع لا فسخ وقد ثبت عن النبي ﵌ أنه قال (الذهب بالذهب مثل بمثل سواء بسواء يد بيد) . ***
يقول ما حكم أخذ الفرق عليه بالبيع يعني على الذهب إذا باع ذهبًا وأخذ الفرق أو باع ذهبًا بذهب وأخذ الفرق بينهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا باع ذهبًا بذهب وأخذ الفرق بينهما فإن كان هذا الفرق في مقابلة زيادة الذهب الثاني فهذا مختلف فيه من العلماء من أجازه كشيخ الإسلام ابن تيمية وقال إنه يجوز أن تبيع حليًا زنته عشرون مثقالًا بحلي زنته خمسة وعشرون مثقالًا وتجعل مع الناقص دراهم تقابل خمسة المثاقيل الزائدة على عشرين ويقول إن هذا لا ينافي قول النبي ﷺ (الذهب بالذهب مثلًا بمثل) لأننا هنا نجعل الزائد أو نجعل الدراهم في مقابلة الزائد الذي هو خمسة مثاقيل ونجعل عشرين مثقالًا من الخمس وعشرين يقابل عشرين مثقالًا التي معها الدراهم ويتحقق بذلك ما أوجبه النبي ﷺ من كون الذهب بالذهب مثلًا بمثل والمشهور من مذهب الحنابلة أن ذلك لا يجوز وقالوا إن عموم الحديث (مثلًا بمثل) يشمل هذه الصورة وهذه الصورة لا شك أن فيها زيادة في أحد الجانبين من غير الجنس وزيادة من الجنس في الجانب الآخر وقالوا إن ذلك لا يجوز والاحتياط ألا يفعل. هذا هو الأحوط وأن يبيع صاحب الذهب القليل ذهبه خارجًا يعني على إنسان آخر ثم يأخذ ثمنه ويضيف إليه الدراهم التي سيضيفها إليه من قبل ويشتري الذهب الجديد هذا أسلم وأحوط وأبرأ للذمة.
فضيلة الشيخ: أو مثلًا يبيع على صاحب المحل ويقبض نقوده وإن شاء اشترى منه أو من غيره ويشتري إن أراد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا لا ينبغي إذا كان من نفس صاحب الذهب لا سيما إذا كان هناك مواطأة من قبل أو اتفاق على أنه يبيع عليه ويشتري منه فإن هذا يكون حيلة إنما لو أنه باعه على صاحب الدكان وأخذ الدراهم وذهب يطلب من محل آخر فلم يستقم ولم يشتر شيئًا ثم رجع إلى الأول فهذا لا بأس به كما قال ذلك الإمام أحمد ﵀. ***
هل يجوز البدل في الذهب مثلًا آخذ خاتم صديقتي وأعطيها خاتمًا بدلًا منه وكلٌ منا يعرف قيمة الخاتمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان وزن هذين الخاتمين سواءً وليس فيهما خلطٌ سوى الذهب فإنه لا بأس في ذلك إذا كان يدًا بيد لقول النبي ﷺ (الذهب بالذهب الفضة بالفضة) إلى أن قال (مثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد) أما إذا كان أحدهما أكثر من الآخر وزنًا فإن ذلك لا يجوز حتى وإن دفع الناقص الفرق بين الناقص والزائد لقول النبي ﵊ (مثلًا بمثل سواءً بسواء) فإذا قال قائل إذًا كيف نصنع نقول تبيع إحداهما خاتمها على شخص وإما تشتري هذا الخاتم الأخرى. *** تبادل العملات والاتجار بها
السائل محمد عبد الله يقول ما حكم التجارة في العملات النقدية فأجاب رحمه الله تعالى: التجارة في العملات النقدية لا بأس بها لكن يجب إذا تعامل بالنقود أن يكون التقابض في المجلس من الطرفين فإذا أردت أن تصرف دراهم سعودية بدولار أمريكي فلا باس لكن بشرط أن يكون التقابض من الجانبين في المجلس قبل التفرق. ***
السائل عبد الحكم العراق يقول ما حكم بيع عملة بعملة أخرى بالأجل أفيدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيع عملة بعملةٍ أخرى مع التأجيل لا يجوز على القول الذي أختاره ومن المعلوم أن هذه العملات الورقية لم تخرج قديمًا وإنما خرجت حديثًا ولهذا اختلف العلماء في حكمها حتى أوصلها بعض العلماء إلى ستة أقوال وأختار منها أنا أنه لا يجوز فيها النسيئة ويجوز فيها الفضل بمعنى أنه لا يجوز أن أبدل دينارًا بدولار مع التأجيل سواءٌ كان ذلك مؤجلًا أو تأخر القبض وهو غير مؤجل فإذا أردت أن أبيع دولاراتٍ بدنانير فوجب أن آخذ الدولارات وأسلم الدنانير في المجلس بدون تأخير وهكذا أيضًا لو أردت أن أبيع الدولارات بالريالات السعودية فإنه لا بد من أن آخذ العوض في المجلس يدًا بيد أما الزيادة والنقصان فليست بحرام وذلك لاختلاف الجنس وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل ويدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) واختلاف الجنس يكون باختلاف الدولة المصدرة لهذا النقد وباختلاف المادة التي صنع منها هذا النقد وبناءً على هذا فإذا صرف الإنسان عشرة ريالات سعودية من الورق بتسعة ريالات سعودية من المعدن فإن ذلك لا بأس به لكن لا بد أن يكون يدًا بيد وخلاصة الجواب أن هذه الأوراق النقدية يجري فيها ربا النسيئة بمعنى أنه يحرم تأخير القبض من الجانبين أو من أحدهما عن مجلس العقد وأما ربا الفضل فليس بحرام لاختلاف الجنس فتجوز الزيادة والنقصان ولا حرج في هذا وعليه فإذا أبدلت عملة بعملة أخرى على وجه التأجيل فإن ذلك حرام لا يجوز أو صرفت عملة بعملة أخرى على وجهٍ حال لكن لم يقبض العوضان في المجلس فإن ذلك أيضًا لا يجوز. ***
حامد شاكر من حريملاء عندما يريد أحد الأشخاص تحويل أمواله من عملة إلى عملة أخرى فماذا يلزمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يلزمه إذا أراد أن يبدل عملة بعملة أخرى أن يقبض كل من الطرفين البائع والمشتري العوض الذي انتقل إليه بمعنى أن تكون المبايعة يدًا بيد لأن النبي ﷺ قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) فلا بد في المصارفة بين العملات من التقابض في مجلس العقد ولا يجوز تأخير القبض. ***
استدنت من أحد الأصحاب مبلغًا بعملة أجنبية ووعدته أن أردها له بعملة بلاده ولكنها ستزيد في هذه الحالة وهو يعلم وهو لم يطالبني بزيادة حيث أنه صديقي وليس في نيته التعامل بالربا ثم إني لجأت للتقدير فوجدت التقدير مقارب للمبلغ الذي ذكرته له فدفعت له هذا المبلغ بعد أن استفتيت قلبي لكن لازلت خائفًا أفيدوني رحمكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن استبدال العملات بعضها ببعض من باب الصرف وليس من باب القرض وإذا كان من باب الصرف فإنه يشترط فيه أن يكون يدًا بيد فلا يجوز أن تأخذ منه عملة ثم ترد إليه بعد حين عملة أخرى من غيرها لأن هذا معناه الوقوع في الربا وهو ربا النسيئة فالعملات النقدية حكمها في التبادل بينها حكم بيع الذهب بالفضة لابد فيها من التقابض قبل التفرق وعلى هذا فالواجب عليك لو استفتيت أهل العلم قبل أن تستفتي قلبك والواجب عليك ألا ترد عليه إلا مثل العملة التي أخذت منه ولا يجوز أن تبدلها بغيرها وهذا ينبغي أن يكون طريقك في المستقبل وإذا أمكن أن ترد العملة التي أعطيتها إياه ثم ترد عليه مثل ما أخذت فهو الواجب عليك. ***
السائل طاهر حسن يقول أنا مقيم بالمملكة ولدي أولاد في بلدي مما يدعوني لإرسالي إليهم مصاريف إما عن طريق البنك أو عن طريق شخص يتعامل في التحويل أو تبديل العملات ويتم ذلك عبر الاتصال التلفوني ولم يكن هناك تقابض مع الطرف المحول فهل علي شيء في ذلك علمًا بأنني قرأت حديثًا في منهاج المسلم يخص الصرف قال رسول الله ﷺ (بيعوا الذهب بالفضة كيف شيءتم يدًا بيد) ومن شروط صحة جواز الصرف التقابض في المجلس وأنا يتعذر علي ذلك فهل علي شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أنه يمكن أن تحول الدراهم بالعملة التي في البلد الذي أنت فيه فإذا بلغت المحال عليه صرفها إذا شاء بسعر يومها في ذلك البلد مثال ذلك تحول عن طريق البنك الدراهم على أنها سعودية فإذا وصلت البنك في بلدك وأتى المحال له ليقبضها ويريد أن يحولها إلى عملة بلدك فليسأل كم السعر ثم يصارف البنك الذي حولت إليه في سعرها في وقتها ويقبض هذه طريقة لا بأس بها ولا فيها كلافة فليلزمها فإنها جائزة أما التحويل وصرفها إلى نقود البلد المحال عليه بدون قبض فهذا لا يجوز. ***
المستمع م. ك. س. من الدمام يقول بعض العملات ترتفع أحيان وأحيانًا تنخفض فمع انخفاضها نقوم بشرائها حتى ترتفع قيمتها ونبيعها بعد ذلك بثمن أكثر هل يجوز لنا ذلك مع إيضاح الدليل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يشتري العملات عند رخصها فإذا زادت قيمتها باعها كما يجوز أيضًا أن يشتري بقية السلع حال رخصها فإذا زادت باعها دليل ذلك عموم قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فكل بيع فالأصل فيه الحل حتى نتيقن إنه ربا ولهذا نقول في العملات إنه لا بد أن يستلم كل من الطرفين العوض الذي آل إليه فإذا صارفت شخصًا بعملة فلا بد أن يسلمني ولا بد أن أسلمه في مجلس العقد فإن لم يحصل التسليم صار هذا من باب الربا الذي حرمه الله إذن يجب علينا أن ننتبه إلى هذه المسألة وهو أن تبادل العملات لا بد فيه من التقابض من الطرفين في مجلس العقد وأنه لا يجوز تأخير القبض. ***
نحن نشتغل في المملكة وبعد فترة من الزمن نرسل مصاريف للأهل بالسودان مع بعض الاخوة السودانين ونقوم ببيع الريالات لهم مقابل الجنيه السوداني ويقوم هؤلاء الناس بتسليم المبلغ بالجنيهات السودانية إلى الأهل فهل في ذلك ربا أرجو التوضيح مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الكلام في الجواب عن هذا السؤال أود أن أبين أن الله ﷾ حرم في كتابه الربا وقال الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وجاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في ذنب سواه إلا الشرك فقال الله تعالى وتبارك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال الله ﷾ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله ﷾ (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وثبت عن النبي صلى الله علية وآله وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) فالربا أمره عظيم وشأنه خطير ومن نبت جسمه على الربا فقد نبت جسمه على السحت والعياذ بالله والمرابون من هذه الأمة يشابهون اليهود الذين قال الله فيهم (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ولا أظن مسلما يرضى لنفسه أن يكون مشابهًا لليهود بل لو قلت لأي واحد من المسلمين أنت يهودي لنفر من ذلك أشد النفور ولخاصمك على هذه الكلمة التي وصمته بها وقد بين رسول الله ﷺ الربا أين يكون وكيف يكون فقال ﵊ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربا) فهذه الأصناف الستة هي التي يكون فيها الربا إذا باع الإنسان جنسًا منها بمثله فإنه يجري فيهما ربا الفضل وربا النسيئة ولابد لتوقي هذين النوعين من الربا من التساوي بينهما وزنًا فيما يوزن وكيلا فيما يكال والتقابض قبل التفرق لقوله ﵊ (مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد) وإذا بيع جنس بآخر موافقا له في علة الربا فلا بد من شرط واحد وهو التقابض قبل التفرق لقوله ﵊ (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) أما إذا كان لا يوافقه في علة الربا كبيع البر بالذهب أو الفضة فإنه لا يجري الربا بينهما فلا يشترط فيهما تقابض ولا يشترط فيهما تماثل وعلى هذا يجوز أن تبيع صاعًا من البر بدرهم أو درهمين أو دينار أو دينارين وإن لم تقبض العوض لأنه لا ربا بين مكيل وموزون وعلى هذا يتنزل التبادل في العملات كالجنية السوداني والريال السعودي فانه لا باس أن يحصل التفاضل بينهما ولكن لا بد من التقابض في مجلس العقد قبل التفرق فإذا كان عند الإنسان السوداني في السعودية دراهم سعودية وأراد أن يحولها إلى جنيهات سودانية فإنه يذهب إلى أهل الصرف ويعطيهم الدراهم السعودية ويأخذ بدلها في الحال جنيهات سودانية ثم يرسلها إلى أهله أو يرسل دراهم سعودية إلى أهله وهم هناك يصرفونها إلى جنيهات سودانية ويأخذون العوض فورًا هذه هي الطريقة السليمة إما هذا وإما هذا وأما أن يعطي دراهم سعودية هنا ويأخذ عنها عوضًا جنيهات سودانية في السودان فإن هذا لا يجوز لأنه ربا نسيئة وقد قال النبي ﵊ (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) . ***
ما هو حكم الدين في استبدال أوراق نقدية في بلد ما بأوراق نقدية في بلد آخر بالزيادة أعطيكم مثالًا ألف دينار جزائري تساوي في البنك حوالي ألفًا ومائة فرنك فرنسي يقول إن كثير من المواطنين يستبدلون ألف دينار بثلاثة آلاف فرنك فرنسي هل هذا يعد ربا أم لا أرجو شرحًا وافيًا ودمتم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحمد لله من المعلوم أن هذه الأوراق النقدية حدث التعامل بها في الآونة الأخيرة نظرًا لخفتها وتيسر نقلها وسهولة العدد وغير ذلك مما هو معروف لهذه الأوراق النقدية وقد اختلف أهل العلم فيما يلحقونها به هل يلحقونها بالذهب أو بالفضة أو بالعروض والذي يترجح عندي أنها تلحق بالنقود لكنها تلحق بالنقود المختلفة نوعًا بمعني أننا نجعلها إذا اختلفت اختلاف كاختلاف الذهب والفضة فمثلًا ما ذكره السائل نقول إن الأوراق النقدية الفرنسية غير الأوراق النقدية المغربية أو الجزائرية أو التونسية أو ما أشبه ذلك ونجعل هذا الخلاف كالخلاف بين الذهب والفضة ونقول إذا بيع نقد من هذا بنقد من هذا فانه لابد فيه من التقابض في مجلس العقد أي قبل أن يتفرق المتصارفان ويكون يدًا بيدٍ، لكن التفاضل لا بأس به فإذا قدر أن قيمة هذا النقد ألفًا ألف ومائة وباعه يعني في البنك وباعه وتبايعه الناس فيما بينهم بألف ومائتين أو بألف وثلاثمائة أو بألف وخمسمائة أو بثلاثة آلاف كما ذكر السائل فانه لا باس به لأننا نرى أن الممنوع منه هو ربا النسيئة فقط بين هذه الأوراق النقدية أما ربا الفضل فليس ممنوعًا وذلك لأنها هي بنفسها ليست هي المعدن المعين الذي يجب فيه التساوي وإنما هي خاضعة وقابلة لزيادة النقد حسب العرض والطلب فالزيادة فيها والنقص فيها لا بأس به لأنه خاضع للعرض والطلب ولكن الممنوع هو التفرق قبل القبض. ***
كنت في أحد البلدان وعند سحبي مبلغًا من المال بعملة ذلك البلد من آلة السحب يحسبون صرف العملة وكذلك يحسبون مبلغًا آخر يقولون مقابل استخدام الآلة فهل يعتبر هذا من الربا فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان حقًا أن الآلة يعني تستهلك شيئًا وجعل هذا السحب في مقابل استعمال الآلة فلا بأس به لأنه كالأجرة وأما مسألة الصرف بأن يضع دراهم سعودية مثلًا ويأخذ جنيهًا استرلينيًا فهذا لا يجوز لأنه في المعاملات النقدية لا بد أن يكون التعامل يدًا بيد نعم لو فرض أن هذا الصندوق فيه دراهم سعودية وجنيه استرليني وأدخل البطاقة فهنا نقول إنه جائز لأنه سيكون يدًا بيد. *** بيع العملة الورقية بالمعدنية
المستمع ح. ب. ب. ويقول ما حكم فضيلة الشيخ بيع الهلل التسع بعشرة ريالات ورقية من أجل التكليم في التلفون والهاتف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه لا بأس بذلك وأن ربا الفضل بين العملات لا يجري وإنما يجري ربا الفضل فيما كان من جنس واحد لقوله ﷺ (إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) فإذا اشترى الإنسان ريالات من الحديد تسعة بعشرة من الورق وكان ذلك يدًا بيد أي أن كلًا منهما يقبض العوض في محل العقد فإن هذا لا بأس به أما لو تأخر القبض في أحدهما فإن البيع ليس بصحيح يعني بمعنى لو أعطاه عشرة في الضحى وقال ائتني في العصر أعطيك تسعة ريالات فإن هذا لا يجوز. ***
المستع من الدمام أ. س. ع. سمعت فتوى من أحد أهل العلم بأنه يجوز استبدال العملة الورقية بأخرى معدنية مع التفاضل والزيادة في أحدهما كأن يستبدل خمسين ريالًا ورقية بثمانية وأربعين معدنية فما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في هذا وإن كان هذا يجوز فأرجو توضيح العلة في ذلك أثابكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن هذا جائز ولكن بشرط التقابض في مجلس العقد فيجوز أن أعطيك عشرة ريالات ورقية بتسع ريالات معدنية أو خمسين ريالًا ورقيًا بثمانية وأربعين معدنية أو بالعكس بأن أعطيك عشرة ريالات ورقية بإحدى عشرة ريالًا معدنية لأنه أحيانًا تكون الرغبة في هذا وأحيانًا تكون الرغبة في هذا وذلك لاختلاف الجنس وإن كانت القيمة في نظر الحكومة واحد لكن الجنس مختلف والتقويم هذا تقويم نظامي ليس تقويمًا حقيقيًا بدليل أن الحكومة لو شاءت لجعلت بدل الريال الورقي ريالين من هذا الريال المعدني أو أكثر أو أقل فإذا كان هذا ثمنًا بحسب نظام الحكومة لا بحسب الواقع فإن التفاضل لا بأس به وهكذا نقول في جميع الأوراق النقدية إذا اختلف جنسها فإنه يجوز فيها التفاضل لكن بشرط التقابض في مجلس العقد وهذا الذي قلته قول وسط بين من يقول إنه لا بد من التساوي والتقابض وبين قول من يقول إنه لا يشترط التقابض ولا التساوي فهذا القول وسط أن ما عدا الذهب والفضة إذا اختلف جنسه فإنه يجوز فيه التفاضل ولكن بشرط القبض في مجلس العقد أما الذهب والفضة فإنه إذا بيع الذهب بالذهب فلا بد من أمرين التساوي وزنًا والتقابض في مجلس العقد وإذا بيعت الفضة بالفضة فلا بد من هذين الأمرين أيضًا التساوي وزنًا والتقابض في مجلس العقد وإذا بيع ذهب بفضة وإن كان كل منهما نقدًا كالدراهم والدنانير فلا بد من التقابض في مجلس العقد وأما التساوي فليس بشرط. ***
يوجد جوار الحرم المكي أشخاص عند كبينة الهواتف الموجودة في جوار الحرم وإذا طلب أحد الإخوة أن يصرف ريالات حديد للاتصال يقولون الريال الحديد بريالين من الورق أو ثلاثة ريالات حديد بخمسة ريالات من الورق أرجو من فضيلة الشيخ إرشادي في هذا هل هذا حرام أم حلال مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذا خلاف بين العلماء فمن العلماء من يقول إنه لا يحل أن يصرف تسعة ريالات معدنية بعشرة ريالات ورقية لأن قيمة هذا هي قيمة هذا وأنت لو ذهبت إلى السوق لتشتري شيئا قيمته ريال ورق لاشتريته بريال من المعدن والعكس بالعكس وإذا كان كذلك فإن الزيادة تكون من الربا ويرى آخرون من العلماء أن هذا لا بأس به وأنه يجوز أن يصرف عشرة ريالات بتسعة من المعدن لكن بشرط أن يكون ذلك يدًا بيد وهذا أصح لقول النبي ﷺ (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) وعلى هذا فيجوز أن تعطيه عشرة ريالات ورقية ويعطيك تسعة ريالات معدنية. *** فوائد البنوك الربوية
أمين سلمي مصري الجنسية يقول بإنه اقترض مبلغًا من البنك لعمل مشروع لمزرعة دواجن وهذا المبلغ بفائدة سنوية بضمان أرض ملك وعملت المشروع حيث إنه لم يكن الربح مجزئًا لسداد هذا الدين حتى اضطررت إلى للحضور للمملكة للعمل لكي أقوم بالسداد سؤالي هل هذا المبلغ يعتبر ربا وما هي الزكاة التي تدفع عن هذا المشروع أفيدونا لكي أريح ضميري وقلبي جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن مسألتين المسألة الأولى اقتراض الرجل من البنك بفائدة وهذا ربا بلا شك وذلك لأن بيع النقد بالنقد نسيئة لا يجوز فإن ضاف إلى ذلك ربح يجعل على كل سنة صار جامعًا بين نوعي الربا وهما ربا الفضل وربا النسيئة والربا ليس بالأمر الهين بل هو من كبائر الذنوب العظيمة التي قال الله فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وأخبر ﷿ إنه حرم الربا وقال (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) و(لعن النبي ﷺ آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) أي في اللعنة والعياذ بالله وقال ﵊ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد) وأخبر أن (من زاد أو استزاد فقد أربا) وقال (وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدًا بيد) فإذا استقرضت من شخص مالًا بفائدة فليس هذا بقرض في الحقيقة ولكنه بيع لأن القرض يقصد به الإرفاق والإحسان وهذا الذي جرى بينكما لا يقصد به الإرفاق والإحسان وإنما يقصد به المعاوضة والربح والتكسب فهو ربا وعليك أن تتوب إلى الله ﷿ من ذلك وألا تعود لمثله وأما وجوب الزكاة في هذا المشروع فكل ما كان مهيئًا للبيع من هذا المشروع فإن فيه الزكاة أما الآلات والأدوات الباقية التي تستعمل للإنتاج فإنه ليس فيها زكاة لأنها ليست عروض تجارة لأنها معدة للاستعمال وقد قال النبي ﵊ (ليس على المؤمن في عبده ولا فرسه صدقة) . ***
أخبركم بأنني محتاج جدا لشراء سيارة ولا أجد ما أشتري به فذهبت إلى أحد المصارف فقالوا نشتري لك هذه السيارة ولكن بعد أن توقع على التزامك بالشراء وبسداد المبلغ وعليه فوائد بأقساط شهرية وبعد ذلك نشتري لك السيارة فما الحكم في مثل هذه البيوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في مثل هذه البيوع أنها حرام لأنها حيلة واضحة على الربا فإن البنك بدل أن يعطيك خمسين ألف ريال نقدا تشتري بها السيارة ويقسطها عليك بستين ألفا بدلا من هذا يقول اختر السيارة التي تريد ثم نشتريها لك ثم نبيعها عليك وهل هذا إلا حيلة على رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والمسائل المحرمة إذا تحيل الإنسان عليها بما ظاهره الإباحة صارت أعظم إثما من انتهاك المحرم صريحا لأن منتهك المحرم صريحا يشعر بأنه مذنب ويكون لديه خجل من الله ﷿ ويحاول أن يتوب أما المتحيل فيرى أنه على صواب ويبقى في تحيله وكأنه لم يفعل شيئا محرما وليعلم أن المتحيلين على محارم الله يشبهون اليهود كما قال النبي ﷺ (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) واليهود لما حرم عليهم الصيد يوم السبت أعني صيد السمك صار السمك يأتيهم يوم السبت بكثرة ولا يأتيهم في غير يوم السبت فطال عليهم الأمد فجعلوا شباكا يوم الجمعة فيأتي الحيتان يوم السبت ويسقط في هذا الشباك ثم يأتون يوم الأحد ويأخذونه فماذا كانت العقوبة قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فجعلهم معتدين مع أن ظاهر حالهم أنهم لم يصيدوا يوم السبت لكن جعلهم الله معتدين ثم قلبهم إلى قردة لأن القرد أشبه ما يكون بالإنسان وكذلك الذين حرمت عليهم الشحوم فأذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم (قاتل الله اليهود إنه لما حرمت عليهم شحومها أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها) هذه الحيلة التي ذكرها السائل في المبايعة أقرب إلى الربا الصريح من حيل اليهود فعلى المؤمن أن يتقي الله ﷿ وأن يعلم أن الأمور معتبرة بمعانيها لا بأشكالها وصورها. ***
المستمع أحمد يقول استدان عمي من البنك مبلغًا كبيرًا ثم أعاده بعد مدة بفائدة تعود على البنك فهل على عمي إثم وعلى من يقع الإثم في مثل هذه الحالة فأجاب رحمه الله تعالى: نعم على من تعامل بالربا أثم كبير وعظيم وقد وعد من وقد ورد من الوعيد في الربا ما لم يرد على ذنب أخر سوى الشرك فقال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ومن الذي يرتضى أن يؤذن الحرب بين الله ورسوله قال تعالى (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله ﷾ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر عن رسول الله ﵌ أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) فأكل الربا داخل في لعنة الله وموكل الربا وهو الذي يدفعه بأخذه داخل في لعنة الله وشاهدا الربا داخلان في لعنة الله وكاتب الربا داخل في لعنة الله فعلى المرء المسلم أن يتوب إلى الله ﷿ وأن يتجنب الربا وأن يعلم أن رزق الله تعالى لا ينال بمعصيته وأن المال من كسب طيب ولو قل خير من المال من كسب خبيث ولو كثر وليعلم أن الكسب الخبيث إن تصدق به المرء لم يقبل منه وإن أنفقه لم يبارك له فيه وإن خلفه كان زاد له إلى النار فمادام الإنسان في مهلة وما دام في حياة فليتب إلى الله ليستغفر الله مما حصل منه من الربا وما سلف فنرجوا الله ﷾ أن يعفو عن عمّك وأن يوفقنا وأياه لسداد العيش وطيب المعشر إنه جواد كريم. ***
السائل محمد أ. أ. القصيم يقول إذا سافرت خارج المملكة وطلبت مبلغًا عن طريق بطاقة الصرف الآلي فإنها تعطيني مبلغًا بعملة ذلك البلد ولكنه لا يخصم من رصيدي إلا بعد عدة أيام هل في هذا تقابض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا تقابض لأنه تأخر القبض ومثل هذا إذا كان يحتاج إلى عملة البلد التي سافر إليه نقول اشتر عملة البلد الذي سافرت إليه في بلدك ثم سلمها للبنك وقل لهم حولوها على البلد الفلاني وبهذا تكون العملية سليمة أما أن تتفق معه على أنه يبدل العملة السعودية بعملة البلد الذي سيسافر إليه ويتأخر القبض فهذا ربا نسيئة لا يجوز. *** بيع الدين بالدين
السائل ع. م. ص فضيلة الشيخ ما تقولون فيمن يقول لرجل أبيعك هذه السيارة إلى العام القادم بستين ألف ريال وإذا لم تسدد المبلغ سيكون المبلغ سبعين ألف ريال في العام الذي يليه وهذا الكلام في بداية العقد فأرجو الإفادة في هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العقد حرام لأنه ربا وإذا كان البائع شاكًا في وفاء المشتري فليجعلها بالثمن الأعلى من البداية وإلى الأمد المتأخر من البداية فإن الإنسان إذا باع من يساوي ألفا في الحاضر بألفين إلى مدة سنتين لاحرج عليه لدخوله قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) أو باعه بألف وخمسمائة إلى سنة فلا شيء عليه أما أن يقول بعتك ما يساوي ألفًا بألف وخمسمائة إلى سنة فإن لم تسدد فبألفين فإن هذا حرام لا يحل لأنه ربا. ***
القرض
هل في القرض أجر وهل يجب كتابة ورقة عند القرض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرض وهو الذي يعرف عند عامة الناس بالتسليف سُنَّة وفيه أجر وهو داخلٌ في عموم قول الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ولا ضرر على المستقرض بطلب القرض فإن النبي ﷺ كان يستقرض أحيانًا فهو مباح بالنسبة للمستقرض وسنة بالنسبة للمقرض ولكن يجب على المقرض أن لا يحمل منةً على المستقرض فيمنّ عليه فيما بعد أو يؤذيه بذكر هذا القرض فيقول مثلًا أنا أحسنت إليك فأقرضتك وهذا ما تفعله بي وما أشبه ذلك لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) وأما كتابة القرض فإن كان القرض من مال المقرض فالأفضل الكتابة لعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وله أن يدع الكتابة لا سيما في الأمور اليسيرة التي لا يلتفت إليها الناس عادةً ولا يكتبونها عادة وأما إذا كان القرض لغيره كما لو كان بيده مال يتيم وهو وليٌ عليه واقتضت المصلحة إقراضه فإنه يجب عليه أن يكتبه لأن هذا من حفظ مال اليتيم وقد قال الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) . ***
إذا اقترضت مبلغا من أحد الأشخاص الذين يحصلون على المال بطرق غير مشروعة فما الحكم هل هذا القرض محرم إذا رددته فيما بعد بدون زيادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس محرما يعني يجوز للإنسان أن يتعامل مع شخص يتعامل بالربا لكن معاملته إياه بطريق سليم فمثلا يجوز أن يشتري من هذا الرجل المرابي أن اشتري منه سلعة بثمن ويجوز أن يستقرض منه ولا حرج فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم أكالون للسحت فقد قبل هديتهم وقد قبل دعوتهم وقد باع واشترى منهم ﷺ قبل هديتهم في قصة المرأة اليهودية التي أهدت إليه شاة يوم فتح خيبر وأجاب دعوتهم حين أجاب دعوة غلام يهودي في المدينة واشترى منهم فقد اشترى ﷺ طعاما لأهله من يهودي ورهنه درعه أي أعطاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم درعه رهنًا ومات ودرعه مرهونة والخلاصة أن من كان يكتسب الحرام وتعاملت معه معاملة مباحة لا حرج عليك فيها. ***
م ت ع يقول فضيلة الشيخ أقوم الآن ببناء منزل لي ولكن النفقة قليلة وأرغب في اقتراض مبلغ لا يزيد عن مائة ألف ريال وعندي ولله الحمد مقدرة على السداد على أقساط شهرية ولكنني متردد لما ورد من النصوص في شأن الدين فما نصيحتكم لي ولإخواني المسلمين مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لك ولإخواني المسلمين البعد كل البعد عن الاستدانة باستقراض أو غيره لأن الدين أمره عظيم حتى إن الشهادة في سبيل الله تكفر كل شي إلا الدين وحتى إن الرسول ﵌ كان لا يصلى على من مات مدينًا لا وفاء له حتى فتح الله وصار ﵊ يلتزم بقضاء الديون عن الأموات ولكن إذا كنت محتاجا حاجة ملحة في كمال بيتك وعندك ما يمكنك الوفاء منه ولكنه ليس حاضرًا في الوقت الحاضر واستقرضت من أحد قرض مؤجلا أو غير مؤجل فأرجوا أن لا يكون في ذلك بأس ولكن احرص كل الحرص على أن لا تستقرض ولا تستدين من أحد وسيجعل الله لك فرجًا ومخرجًا ***
يقول السائل أقرضت رجلًا مبلغًا من المال بعملة الدولار وقد اتفقت معه على أن يرد المبلغ بالدولار أيضًا إلا أن ثمن دولار اختلف عن ذلك اليوم الذي أقرضته فيه وذلك بالزيادة وأصبح هناك فرق في السعر كبير هل هذا الفرق يعتبر ربا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أقرض الإنسان شخصًا دولارات فإنه يثبت في ذمة المقترض دولارات فقط سواء اشترط ذلك أم لم يشترط وكذلك لو أقرضه دراهم سعودية فإنه يثبت له في ذمته دراهم سعودية سواء اشترط ذلك أم لم يشترط ولا يلزمه أي لا يلزم المقترض أن يوفي سواها سواء زادت قيمتها أم نقصت أم بقيت على ما هي عليها فإذا أقرضه الدولار وهو يساوي خمس ريالات مثلًا ثم زاد سعره حتى صار يبلغ عشرة ريالات فإنه يلزمه أن يوفيه دولارات ولو زادت عليه القيمة بالنسبة للريال السعودي ولو أقرضه دولارات وهي تساوي وقت القرض الدولار خمسة ريالات ثم نقص الدولار حتى صار لا يساوي إلا ثلاثة فإنه لا يلزمه إلا الدولارات المهم أن من اقترض شيئًا لم يثبت في ذمته إلا ما اقترضه فقط ولكن لو أراد المقترض أن يوفي المقرض من عملة أخرى واتفقا على ذلك فلا بأس ولكن بشرط أن تكون بسعر يومها وألا يتفرقا وبينهما شيء لحديث ابن عمر ﵄ قال (كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم وبالدراهم فنأخذ عنها الدنانير فسألنا رسول الله ﷺ عن ذلك فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) والخلاصة أنه لا يلزم المقترض الذي اقترض الدولارات إلا الدولارات سواء زادت قيمتها أم نقصت. وقوله هل هذا ربا يعني لو زادت القيمة أقول ليس هذا بربا وذلك لأن الواجب عليك هو أداء ما اقترضت سواء زاد أو نقص. ***
السائل من اليمن يقول إذا اقترض شخص من الناس مبلغا ثم تغير صرف العملة فهل يرجع المال بسعره القديم أم الجديد خاصة بأن هناك عملات تغيرت أسعارها بشكل كبير جدا وضحوا لنا ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اقترض شخص من آخر نقدا فإنه يرده إليه بجنسه يعني اقترض ريالات يمنية فإنه يردها ريالات يمنية سواء ارتفعت قيمتها أم انخفضت كما أنه لو اقترض صاعا من البر فإنه يرد صاعًا من البر سواء زادت القيمة أم نقصت ولو اقترض صاعًا من الرز فإنه يرد صاعًا من الرز سواء زادت القيمة أم نقصت وهكذا أيضا النقد إذا اقترض نقدا فإنه يرد مثله سواء زاد أم نقص نعم لو ألغي النقد بالمرة فإنه يرجع إلى بدله يعني لو ألغي النقد الذي استلفه ووُضِع بدله نقد آخر فإنه يرد بدله من هذا النقد الجديد ***
سافرت في إحدى المرات إلى إحدى البلاد واقترضت مبلغًا من المال من أحد الأشخاص ولكن فقدت ذلك المال وقد أخبرته بذلك فلم يصدق ولم يقتنع وأصر على أن أعطيه نقوده في وقت ضيق حدده هو فما العمل وهل يلزمني دفع ماله حتى لو كان سرق مني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا استقرضت مالًا من شخص فإن هذا المال يكون دينًا في ذمتك ويكون المال الذي استقرضته ملكًا لك وعلى هذا فإذا سرق أو احترق أو سقط وضاع فإنه على نصيبك وليس على نصيب المقرض بل المقرض ثبت حقه في ذمتك دينًا عليك فعيك أن توفيه إياه وعلى هذا فالذي يطالبك بما أقرضته يجب عليك أن تؤديه إليه لأنه كما قلت إذا كان قد أقرضك فأنت تملك المال المقرَض ويبقى سداده دينًا في ذمتك توفيه لصاحبه وكونه عينه لمدة معينة هو على ما اتفقتم عليه إذا كان قد أقرضك إلى شهر أو إلى سنة أو إلى أكثر أو أقل فإنه يكون على ما اتفقتما عليه ويتعجل بحسب التأجيل أو بحسب الأجل الذي اتفقتما عليه هذا هو الصحيح في هذه المسألة أن القرض يجوز تأجيله ولا يجوز للمقرض إذا أجله أن يطالب به قبل تمام الأجل وإن كان بعض أهل العلم ﵏ يقولون أن القرض لا يتأجل بتأجيله وأما المقرض لو أجله فله أن يطالب به قبل الأجل وأن الأجل عندهم لاغ والصواب أن الأجل إذا اتفق عليه ثابت لا تجوز المطالبة بالقرض قبل أن يتم.
فضيلة الشيخ: وهذا المال الذي سرق منه يضمنه لصاحبه حتى لو كان سرق من حرز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المال مال المقترض ما دام قرضًا فهو في ملك المقترض وثبت في ذمته نعم لو كان المال وديعة يعني قال له خذ هذا المال عندك وديعة أو خذ هذا المال أده إلى أهلي في البلد الفلاني فحينئذ إذا ضاع هذا المال بدون تفريط من هذا الذي أخذه وبدون تعدٍّ فإنه لا ضمان عليه أما إن فرط ووضعه في مكان ليس محرزًا أو تعدى فأنفقه لحاجته فإنه بذلك يكون ضامنًا فأما إذا لم يكن تعد ولا تفريط وكان المال لصاحبه وديعة عند هذا الرجل أو أعطاه إياه ليدفعه إلى شخص أو إلى أهله في بلد آخر وضاع بلا تعد ولا تفريط أو سرق فإنه لا شيء عليه. ***
عبد اللطيف رسلان من المدينة المنورة يقول سمعت في أحد البرامج الدينية التي تتحدث عن الربا أن الرسول ﷺ قال (كل قرض جر نفعًا فهو ربا) وكرر هذا القول على أنه حديث عن النبي ﷺ وحسب ما أعرفه من اطلاعي على بعض الكتب وبخاصة كتاب التاج الجامع لكتب السنة الصحيحة لم أر هذا النص مسندًا للنبي ﵇ وكل ما أعرفه أنه قاعدة فقهية فأرجو التكرم بإفادتي عن المرجع وراوي هذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف في عزوه إلى النبي ﷺ ولكن معناه صحيح وذلك لأن القرض إنما يقصد به الإرفاق ودفع حاجة المقترض فإذا تعدى إلى أن يشتمل على منفعة للمقرض مشروطة أو متواطأ عليها فإنه يخرج عن موضوعه الذي من أجله شرع وإلا ففي الحقيقة لولا أنه من أجل الإرفاق لكان يحرم أن تعطي شخصًا درهمًا ثم يعطيك بعد مدة عوضه درهمًا آخر لأن هذا في الحقيقة ربا نسيئة إذ هو مبادلة نقد بنقد مع تأخير القبض لكن لما تضمن الإرفاق والإحسان ودفع الحاجة أبيح بهذا الغرض فإذا جر منفعة إلى المقرض خرج عن موضوعه الذي من أجله أبيح وعلى هذا فكل منفعة يكتسبها المُقرض من هذا القرض فإنه إذا كان ذلك باشتراط أو مواطأة يكون محرمًا عليه هذا الأمر وكذلك أيضًا لو أن المقرض صار يأخذ بدون اشتراط ويقبل الهدية من هذا الرجل المقترض فإن أهل العلم يقولون إن كان من عادته أن يهدي إليه فليقبل وإن لم يكن من عادته أن يهدي إليه وإنما أهدى إليه من أجل القرض فإنه لا يجوز له قبول هذه الهدية إلا أن ينوي مكافأته عليها أو احتساب ذلك من دينه. ***
المستمع محمد نبيل الزرقاء مصري مقيم بحائل يقول احتجت في يوم ما إلى مبلغ من المال فأعطاني صديق ذهبا لكي أبيعه لسد حاجتي وطلب مني أن أرد له قدر وزن الذهب ذهبا آخر جديدا وأن أضيف للوزن عددا من الجرامات يعطيني قيمتها نقدا فمثلا أعطاني ذهبا مستعملا وزنه خمسين جراما على سبيل الدين وطلب مني أن أرد له هذا الوزن ذهبا جديدا وأن أضيف للوزن ثلاثين جراما وزنا جديدا وأعطيه قيمتها نقدا وقد اتفقت بدل أن أعطيه قيمتها نقدا أن ينقص قدرها من الذهب القديم فهل في مثل هذا التعامل إثم أم يجوز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن القرض من الإحسان فإذا أقرض الإنسان شخصًا محتاجًا فإن في ذلك إحسانًا إليه والله يحب المحسنين ولهذا كان مندوبًا إليه ولكن يجب في هذا القرض أن يتمشى مع أحكام الشرع فإذا أقرضك شيئًا فإنك ترد مثله إذا أقرضك حُليًا ذهبًا ترد مثله وإذا أقرضك ثوبًا ترد مثله من غير زيادة في العدد ولا في الكيفية فإذا شرط عليك المقرض أن ترد أجود منه أو أكثر منه كان ذلك محرمًا وربًا وذلك لأن القرض إرفاق وليس معاوضة وطمعًا فإذا عدل به عن جهة الإرفاق إلى جهة المعاوضة والطمع صار بيعًا ومعلوم أن بيع الذهب بالذهب لا يجوز إلا يدًا بيد مثلًا بمثل وعلى هذا فإن ما صنعته مع صاحبك في استقراض الحلي بهذا الشرط محرم ولا يجب عليك الآن إلا أن ترد له مثلما أخذته منه والذي اشترط عليك من الزيادة يعتبر شرطًا لاغيًا لا يجوز لك الوفاء به فضلا عن كونه يجب عليك الوفاء به فعليكما جميعًا أن تلتزما بما شرعه الله ورسوله ﷺ يقول (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق) فإذا كان هكذا فإن الواجب على المؤمن بالله ورسوله أن يتبع ما جاء به الشرع في عباداته ومعاملاته والخلاصة أنه إذا أعطاه هذا الذهب قرضا والمقترض هو الذي يبيعه لنفسه فإذن المقترض ثبت الآن في ذمته حلي ما ثبتت دراهم أما إذا كان هذا المقرض أعطاه هذا الذهب وقال خذ هذا بعه على ملكه هو فإذا بعته فقد أقرضتك ثمنه فمعنى هذا أنه اقترض الآن دراهم وليس ذهبًا وحينئذٍ فيرد عليه مثل الدراهم التي باع بها هذا الحلي أما إذا كان أقرضه نفس الحلي فإنه يرد عليه مثل حليه بوزنها وكيفيتها إذا أمكن أو بأقل إذا رجا المقرض لأنه إذا أعطاه دون حقه دراهم هذا لا بأس به وهو خير أيضا. ***
السائل محمد أ. أ. من القصيم يقول شرعت في بناء فيلا وأثناء البناء قال أحد الإخوان أريد أن أشتريها منك فوعدته بأني سأبيعه هذه الفيلا وطلبت منه الإشراف عليها مقابل أجرة له وبدأ يعمل وانتهت المبالغ التي عندي فبدأ يخرج من ماله الخاص وبعد نهاية العمارة بعتها وخصمت الدين الذي له هل هذا قرض جر نفعًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس قرضًا جر نفعًا لأن المنتفع هو المشتري أيضًا ولكن ليحذر الإنسان أن يبيع الفيلا أو الدار أو الشقة قبل تمام بنائها لأن مثل هذه الأمور لا يمكن إدراكها بالوصف فإذا بيعت بالوصف فقد لا يأتي الوصف على ما أراده المشتري ولهذا قال أهل العلم يشترط أن يكون المبيع معلومًا برؤيةٍ أو صفة في غير الدار ونحوها مما لا يمكن أن يحيط به الوصف. ***
سائل من جمهورية مصر العربية أ. أ. يقول اقترضت من زوجتي مبلغ ألف جنيه منذ عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين وهي الآن تريد أن أرجع ذلك المبلغ ألفي جنيه فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اقترضت من زوجتك ألف جنيه فثبت في ذمتك ألف جنيه فقط هي الآن تطالبك بألفي جنيه وليس لها الحق في هذا وليس لها إلا ما أقرضتك فقط وهو ألف جنيه وما زاد على ذلك فإنه لا يلزمك حتى لو اتفقت معها من قبل على أن تعطيك ألف جنيه بألفي جنيه فالاتفاقية لاغية باطلة لأنه ربا والربا في كتاب الله محرم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ملعونٌ فاعله وكل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. ***
ما رأيكم فيمن يقرض أخاه قرضا لأجل غير مسمى على شرط أن المقترض يدفع للمقرض كل يوم مائة ريال أو أكثر أو أقل من البضاعة التي يتاجر فيها فما حكم ذلك فتح الله علينا وعليكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أن هذا شرط فاسد ولا يحل للمقرض أن يكتسب شيئا من وراء هذا القرض لا مالا ولا عينا ولا منفعة ولا إجارة ولا شيئًا أبدا لأن القرض إحسان محض فإذا دخلته المعاوضة والمزايدة صار بيعا وصار ربا مثلا إذا أعطيتك عشرة ريالات قرضا ثبت في ذمتك عشرة ريالات تعطيني إياها متى تيسر لك ولو كان هذا بيعا لم يصح لو قال بعتك عشرة ريالات بعشرة ريالات ولم يحصل التقابض صار بيعا فاسدا لكن لما كان الإقراض إحسانا والإحسان مطلوب وفائدة الإحسان هذه عكس ما يريده المرابون أحله الشرع، أن تقرض بعشرة ويعطيك عشرة فإذا اشرطت عليه أن يعطيك اثنتي عشرة عن عشرة صار هذا معاوضة ودخل في باب البيوع فصار ربا ولهذا ذكر العلماء ﵏ في هذا قاعدة مفيدة وقالوا (كل قرض جر منفعة فهو ربا) . ***
هذا المستمع إبراهيم ناصر يقول فضيلة الشيخ ما الحكم إذا أعطيت شخصًا مبلغًا من المال مثلا خمسة آلاف ريال ثم قلت له بعد سنة ترجعها سبعة آلاف ريال هل هذا يجوز أم لا أفيدونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل يقول ما حكم ما إذا أعطيت شخصا خمسة آلاف ريال ويردها لي بعد سنة سبعة آلاف ريال هل هذا جائز أو لا؟ والجواب على ذلك أن هذا ليس بجائز بل هذا ربا جامع بين ربا الفضل وربا النسيئة ربا الفضل بما حصل من الزيادة وربا النسيئة بما حصل من تأخير القبض فهو حرام والربا خطره كبير وعقوبته وخيمة قال شيخ الإسلام ﵀ أعني به ابن تيمية قال إنه لم يرد في النصوص وعيد مثل ما ورد من الوعيد على الربا في ذنب دون الشرك أي أنه أعظم ما ورد في الوعيد مما دون الشرك فمن ذلك قوله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) فإن هذه الآية تدل على أن من تعاطى الربا أضعافا مضاعفة فإن وعيده النار وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) أي في اللعن لأنهم متعاونون على ذلك والنصوص في هذا كثيرة متعددة ولا يغرنك أيها الأخ المؤمن تهاون الناس في هذا الأمر وتكاثرهم عليه فإن الله تعالى يقول في كتابه (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وعليك باتباع الوحيين الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة فإن هذا هو الحق وليعلم أن ما حصل من زيادة من الربا فإنه في الحقيقة نقص، نقص في دين العبد ونقص في بركة مال العبد وإثم وعقوبة على العبد أما كونه نقصًا في دينه فلأن المعاصي تنقص الإيمان وتخرقه وربما تمزقه أشلاءً والعياذ بالله فإن المعاصي ولاسيما الكبائر كأكل الربا بريد الكفر كما قال ذلك أهل العلم لأن المعصية تؤثر في القلب فإذا جاءت الأخرى زاد التأثير وهكذا حتى يطبع على القلب فلا يصل إليه الخير ولاسيما كبائر الذنوب كالربا وأما كونه نقصا في مال العبد فلأن الكسب الحرام وإن زاد المال كمية به فإنه ينقص كيفية تنزع منه البركة ويلقى في قلب صاحبه الشح حتى لا ينتفع بماله والعياذ بالله فيخلفه إلى من بعده ويكون عليه غرمه ولغيره غنمه وهذا مشاهد ولهذا تجد أكثر الناس شحا وإمساكا هم الذين يتلقون ما يسمونه بالأرباح على وجه المحرم واستمع إلى قول الله تعالى (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ) وأما كونه عقوبة وآثاما فلما سمعت أيها المؤمن من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية فالواجب عليك أن تتوب إلى الله وتقلع عن الربا ولا تغتر بما يتكلم فيه الناس من أن هذا يفيد البلد اقتصاديا وأن فيه مصلحة للآخذ والدافع فإنه والله وإن زاد البلد اقتصاديا من حيث الكمية فإنه يزيده شرا وفسادا من حيث الآثار والعقوبات وإن شيئا قليلا من المال الحلال خير من أضعاف أضعافه من المال الحرام وفي الحديث عن النبي ﷺ (أن من كسب مالا من محرم فإنه إن أنفقه لم يبارك له فيه وإن تصدق منه لم يقبل منه وإن خلفه كان زاده إلى النار) وليحذر آكل الربا أو غيره مما حرمه الله ليحذر مما قاله النبي ﵊ فيه حيث ثبت عنه ﵌ أنه قال (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك) فاستبعد النبي ﷺ الاستجابة لآكل الحرام فهل ترضي أن تمد يديك إلى ربك يا رب يا رب ثم لا يقبل منك من أجل لقمة أكلتها حرمها الله عليك من أجل أنك تغذيت بالحرام فهو طعامك وشرابك ومسكنك فاتق الله يا أخي المسلم وتعامل بالمعاملات الجائزة المباحة ينزل الله لك البركة في كسبك وفي رزقك واتق الله وأجمل في الطلب فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها نسأل الله أن يحمينا وإخواننا مما يغضبه علينا وأن يرزقنا الاستقامة في ديننا والصلاح في ديننا ودنيانا. ***
المستمع علي القباطي يقول رجل اقترض مالًا من رجل ولكن المقرض اشترط أن يُعطى قطعة أرض زراعية من المقترض رهنًا بالمبلغ يقوم بزارعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يُرجع المدين المال كاملًا كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في مثل هذا القرض المشروط فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله ﷿ لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب وبالنسبة للمقترض جائز مباح وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه استسلف من رجل بكرًا ورد خيرًا منه) وإذا كان هذا العقد أعني القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحوَّل إلى عقد معاوضة وربح أعني الربح المادي الدنيوي لأنه بذلك يخرج عن موضوعه إلى موضع البيع والمعاوضات ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض فإنه في الصورتين يكون البيع حرامًا وربا لكن لو أقرضه دينارًا قرضًا وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزًا مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظرًا لوجود جانب الإرفاق وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعًا ماديًا فقد خرج بالقرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق فيكون حرامًا والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر منفعة فهو ربا وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضه ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهمًا من الزرع لأن ذلك جر منفعة من المقرض يخرج القرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق والإحسان. ***
لدي قطعة أرضٍ زراعية ولا أريد زراعتها وأنا محتاجٌ لمبلغٍ من المال فهل يجوز أن آخذ المبلغ من أحد الأشخاص على أن أرهن له الأرض ليزرعها لمدة ثلاث سنوات ثم بعد ذلك أدفع له ماله وآخذ أرضي فهل هذا جائزٌ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير جائز لأنه من الربا فإنك إذا استقرضت منه مالًا ومنحته أرضك صار هذا قرضًا يراد به المعاوضة وهو قرضٌ جر منفعةً وقد قال أهل العلم كل قرضٍ جر منفعةً فهو ربا فهذا الرجل لولا أنك أعطيته الأرض ليزرعها وينتفع بها ما أقرضك وحينئذٍ يكون القرض مقصودًا به المعاوضة لا الإرفاق وأصل جواز القرض أنه إرفاق وإلا لكان حرامًا ووجه ذلك أنك لو أردت أن تشتري من إنسانٍ درهمًا بدرهمٍ بدون قبضٍ في المجلس فإنه يكون ربا لكن إذا استسلفت منه درهمًا على وجه القرض وستعطيه له بعد مدة صار ذلك جائزًا لماذا لأنه لا يقصد بهذا القرض المعاوضة والاتجار والتكسب وإنما يراد به الإرفاق بالمحتاج فإذا خرج عن مقصوده الأصلى وهو الإرفاق إلى المعاوضة والمرابحة صار داخلًا في الربا لأن ذلك هو الأصل في إبدال الدراهم بالدراهم ومن ثم نقول كل قرضٍ جر منفعةً للمقرض فإنه ربا فهو حرامٌ ولا يجوز.
فضيلة الشيخ: ما هو الفرق بين هذه الحالة وبين الرهن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرهن يكون للراهن لا للمرتهن فالمرتهن غاية ما فيه أنه يتمكن من التوثق في حقه فقط وإذا حل الأجل ولم يوفِ بيع هذا الرهن ولم يأتِ المرتهن إلا مقدار حقه فقط يعني لا يأخذ أزيد فإذا رهنت هذا البيت أو هذا العقار بمائة ألف وحل الأجل ولم توفِ فإنه يباع ويستلم المرتهن مقدار ماله فقط والباقي يرده عليك فإذًا لم يحصل له إلا مجرد التوثقة في حقه. ***
إذا كان شخص عنده دين لشخص ما وأعطاه حاجة ثمنها يساوي هذا الدين الذي عنده هل هذا العمل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للدائن إذا أهدى إليه المدين شيئًا أن يقبل منه إلا إذا نوى احتسابه من دينه أو نوى مكافأته بمثله أو أحسن منه مثال ذلك لو كان لشخص على آخر مائة ريال ثم أهدى إليه المطلوب ما يساوي خمسين ريالًا فإنه لا يجوز له قبوله إلا إذا أراد أن يخصمه من دينه ويبقى على المدين خمسين ريالًا فقط أو إذا نوى مكافأته عليه بإعطائه ما يساوي خمسين أو أكثر أما أن يأخذ هذه الهدية التي تساوي نصف دينه ثم يطالب بدينه كاملًا فإن ذلك لا يجوز. ***
يقول السائل ماحكم من أخذ مبلغا من المال وقدره ما يقارب عشرين ألف ريال ثم أنكر هذا المبلغ وجحده حيث لا توجد ورقة ولا يوجد شهود وقال سوف أتحمل الضرب والسجن ولكن لن أدفع ريالًا واحدًا مع العلم بأن هذه سلفة وهل يعتبر السلف دينًا أم ماذا أفتونا في هذا السؤال وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإنسان أن يجحد ما يجب عليه لأخيه لا من قرض ولا من ثمن مبيع ولا من أجرة بيت أو سيارة أو غير ذلك فمن فعل واقتطع هذا المال بيمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان والعياذ بالله والسلف إحسان من المسلف إلى المستسلف أي من المقرض إلى المقترض وعجبا من هذا الرجل الذي قابل هذا الإحسان بالإساءة والعياذ بالله فأنكر فهذا إثمه أعظم من إثم من لا منة عليه بالدين الذي عليه وسؤال السائل هل السلف من الدين أم لا نقول نعم هو من الدين لأن الدين شرعا كل ما ثبت في الذمة فهو دين سواء كان ثمن مبيع أو أجرة أو قرضًا أو غير ذلك. ***
إذا مات المدين وهو لم يستطع سداد ما عليه من دين لأنه معسر هل يأثم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يبني على استدانته إن كان أخذ أموال الناس يريد أدائها فإنه لا يأثم ويؤدي الله عنه وإن كان أخذها يريد إتلافها فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ولذلك يجب على الإنسان إذا استدان شيئًا أن ينوي الوفاء والأداء حتى ييسر الله له الأمر حتى لو اشترى سلعة بثمن لم ينقده للبائع فإنه ينوي الأداء حتى ييسر الله له ذلك. ***
أبو طارق يقول أرجو أن تفتوني مأجورين عن الاشتراك في الجمعيات التي يدفع كل واحد فيها مبلغًا من المال في كل شهر كل واحد يدفع عشرة جنيهات ثم يأخذها واحد منهم بترتيب يتفقون عليه فأجاب رحمه الله تعالى: لا باس بهذا لأن هذا من باب التعاون وإقراض المحتاجين فمثلًا إذا كانوا عشرة واتفقوا على أن يبذل كل واحد منهم ألف ريال ويعطى واحدًا حصل لهذا الواحد إضافة تسعة آلاف على مرتبه وهذا قد ينفعه أحيانًا وهو من باب التعاون وسد حاجات الآخرين ولا حرج فيه إطلاقًا وأما ما توهمه بعض الناس من أنه قرض جر نفعًا فيقال أين النفع الرجل أقرض ألفًا وعاد عليه ألف فقط وحين إذن لم يكن القرض قد جر نفعًا إلى المقرض لأنه أقرض ألفًا واستوفى ألفًا والمسألة والحمد لله ليس فيها إشكال وإن اشتبهت على بعض الناس. ***
مجموعة من الأشخاص يشتركون في جمعية في آخر كل شهر يستلم كل شخص مبلغًا من المال يسمونها الجمعية فما رأيكم هل هذا يعتبر ربا أم حلال أرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صورة المسألة فيما نعلم عن هذه الجمعية أن يكون هناك جماعة موظفون يعطون كل واحد منهم ألف ريال من الراتب مثلًا فيعطون لرقم واحد كل واحد منهم يعطيه ألف ريال فإذا قدرنا أنهم عشرة صار هذا الواحد يأخذ في أول شهر عشرة آلاف ريال وراتبه ثم في الشهر الثاني يكون هذا للثاني إلى أن يتم العشرة وهذا جائز ولا إشكال في جوازه وهو من التعاون على البر والتقوى ومن سد حاجات الإخوان وليس هذا من باب كل قرض جر منفعة فهو ربا لأنه لم يجر للمقرض شيئا إذ أنه لم يأته أكثر مما أقرض فهو أقرض تسعة آلاف كل شهر ألف وسيأخذ تسعة آلاف فقط وأما كونه انتفع باجتماع العشرة آلاف في أول شهر عنده فهو حق كل إنسان يقرض شخصا ثم يستوفي منه سوف يحصل له الشيء مجموعًا في آن واحد ولا يضر على كل حال هذه المعاملة جائزة ولا إشكال فيها.
فضيلة الشيخ: وقد يتفقون يا شيخ محمد فيقول هذا الأول وهذا الثاني وهذا الثالث وقد يضعون قرعة في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اتفقوا على أن فلانًا هو الأول وفلان هو الثاني فالأمر واضح وإن اقترعوا في الشهر الثاني لا يدخلون الأول معهم في القرعة لأنه قد أخذ حقه. ***
سائل من الأحساء يقول بأنه مشترك في جمعية أي يضع المشتركون سهما من أموالهم ويكون السهم مثلا بألف ريال ليجمعوا مبلغًا يستلمه الشخص لقضاء حاجاته في نهاية كل شهر فلو كان مقدار الشهور اثنا عشر شهرا واستلم هذا الشخص حصته في الشهر الثاني عشر هل يكون في ذلك زكاة بعد أن أكتمل نصاب المال أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا هذه الجمعية أبين للأخ السائل أنه لا باس بها أي لا بأس أن يتفق الموظفون في جهة ما على أن يقتطع من رواتبهم من كل واحد ألف ريال ليعطوه واحدا والشهر الثاني يعطونه الآخر وفي الثالث وهلم جرا وليس هذا من باب القرض الذي جر نفعا لأن المقرض لم يأته أكثر مما أقرض والمصلحة للجميع فالذي انتفع بالجمعية الأول حرم في الثاني وصار الانتفاع للثاني ثم للثالث ثم للرابع وهلم جرا أما الزكاة فإنه يجب عليه أن يزكي ما قبضه إذا كان قد تم عليه الحول لأنه دين على موسر إذا أنه قد علم أن هؤلاء المشتركين سوف يوفون نصيبهم في كل شهر والدين على الموسرين تجب فيه الزكاة. ***
صلاح إبراهيم يقول استقرضت من البنك العقاري وعمرت لي مسكنًا ورأيت أن استقرض باسم ولدي لكي يكون عندنا أكثر من منزل لنستفيد من إيجاره، علمًا أن هذه المساكن ستكون لابني من بعدي هل يجوز لي ذلك أم لا أفيدوني أثابكم الله؟ في الحقيقة نرجو بسط الحديث عن عارية الاسم أو الوكالة وهي غير صحيحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن يؤسفنا كثيرًا أن يقع المسلمون في هذا التكالب العظيم على جمع الدنيا وهم يقرؤون قول الله ﷿ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) فإن هذه القضية العامة الكلية تدل بمنطوقها على حصول الفلاح لمن وقاه الله شح نفسه، وتدل بمفهومها على حصول الخسارة لمن لم يوق شح نفسه، وهذا هو الواقع، ويؤيد ذلك قول النبي ﷺ (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة)، تعس يعني هلك وخسر، فهؤلاء الذين عبدوا الدنيا وأرادوا أن يحصلوا عليها بكل طريق سواء أكانت هذه الطريق كذبًا وخداعًا أم صدقًا وبيانًا، أي أنهم لا يبالون، المهم أن يقع المال في أيديهم، هؤلاء والله خسروا الدنيا والآخرة لأنهم لا يمكن أن يخلدوا للمال، ولا أن يخلد المال لهم، ولا يدرون متى ينتقلون عنه فربما يصبحون ولا يمسون، أو يمسون ولا يصبحون، فيكون عليهم الغرم في جمع هذا المال، ولمن بعدهم الغنم، عليهم العار ولغيرهم الثمار، والواجب على المسلم أن يتقي الله ﷾ في معاملته ويتعامل بالصدق والبيان، ومثل هذه المعاملة التي ذكرها السائل جمعت بين أمرين الكذب، والخداع للمسؤولين، أما الكذب فإنه جعلها باسم ولده وهي له، وهذا كذب، فإن الذي له ليس لولده، وما يدريه لعل ولده يموت قبله ويكون ماله لأبعد الناس من عصباته، ثم على فرض أن يموت الأب قبله فقد يكون هناك أسباب تمنع ميراث الولد كما لو ارتد والعياذ بالله، والردة وإن كانت عملًا عظيمًا ولكنها مع الأسف في الوقت الحاضر صارت كثيرة والناس لا يشعرون بها فإن من أقسام الردة ترك الصلاة، فإن من ترك الصلاة فهو كافر، كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، لو مات أحد من ورثته وهو تارك للصلاة فإن هذا التارك لا يرث من ماله شيئًا ولا يحل له منه درهم واحد، لقول النبي ﷺ في حديث أسامة الثابت في الصحيحين (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم) فما يدريه لعل هذا الولد الذي يبقى بعده لا يرثه، إما لارتداده بترك الصلاة أو غيرها، حتى الاستهزاء بالدين أيضًا من أسباب الردة الذين يستهزئون بالدين بأصله أو شيء من فروعه الثابتة هم مرتدون كافرون، قال الله تعالى (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، أو وربما لا يرثه لغير هذا السبب كما لو قتله الولد خطأً، مثل أن يكون معه في السيارة والولد، هو الذي يقود السيارة، ثم يحصل حادث بسبب الولد، بسبب تفريطه أو تعديه فيموت الوالد فهنا لا يرث الولد من والده شيئًا على المشهور من مذهب الحنابلة وإن كان القول الراجح أنه يرث من أبيه ما عدا الدية، يرث من أبيه، من مال أبيه ما عدا الدية التي سوف يسلمها لبقية الورثة، المهم أن قوله أي السائل إن هذا البيت سيعود إلى ابني من بعدي أمر ليس بلازم، فقد لا يعود لابنه من بعده للأسباب التي أشرنا إليها، هذا أحد المحذورين في هذه المعاملة حيث قدم الطلب باسم ولده وهو له، وهو الكذب
فضيلة الشيخ: ينطبق أيضًا على الزوجة والأخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينطبق على كل أحد المحذور الثاني، الخداع للدولة التي ترعى مصالح الشعب، والحقيقة أني اسأل الله تعالى أن يعين الدولة والمسؤولين فيها على خداع بعض الناس وكذبهم وافترائهم وما أكثر ما نسأل عن مثل هذه الأمور في البنك العقاري، وكذلك في بنك التسليف الزراعي وغيرها يحصل من هذا شيء كثير، ويبررون هذه المحرمات بأعذار تافهة، ليست إلا كما قال إبليس عن نفسه (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، أعذار لا توجب ما فعلوه لأنه كذب وخداع، فخداع الدولة وتلبيس الأمر عليها ووضع الصورة أمامها على خلاف ما هي عليه، هذا من الأمر المحرم، فهذان المحذوران، هذا الكذب والخداع وهما خلقان من أخلاق المنافقين كما جاء به الحديث عن رسول الله ﷺ فلا يجوز له أن يعمل مثل هذا العمل، لا مع ولده، ولا مع رجل أجنبي كما نسمع أن بعض الناس الذي استفاد من البنك العقاري يشتري أرضًا لنفسه ثم يذهب إلى شخص ويستعير منه اسمه بعوض أو بغير عوض، ثم يكتب الأرض باسمه كذبًا وبهتانًا، ثم يذهب إلى البنك فيقدم الصك إليه باسم هذا الرجل الذي استعير اسمه كذبًا وبهتانًا، وطبعًا أصحاب البنك لا يعلمون الغيب يمشون على ما قدم لهم فيحصل بذلك من الضرر والمفاسد ما هو معلوم، والذي ننصح به إخواننا المسلمين أن يتقوا الله ﷾ في معاملاتهم وأن يكونوا دارجين فيها على ما رسمه الله ﵎ لهم في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ لأن ذلك هو الخير والصلاح، وكما أن الله ﷾ يشرع العبادات فلا يتقرب أحد إلى الله إلا بما شرعه الله ولا يقبل الله من أحد عبادة سوى ما شرعه، فكذلك أيضًا يجب عليهم أن يتمشوا في معاملاتهم على ما رسمه الله لهم لأنه ﷾ أعلم بمصالحهم وأعلم بما يصلح مجتمعهم وأحكم فيما شرعه، فالله تعالى لا يشرع لعباده منعًا أو إيجابًا إلا ما فيه مصلحتهم لأنه غني عنهم آمنوا أم كفروا، ولكن من أجل مصالحهم يشرع لهم الأحكام في العبادات والمعاملات ويحثهم ويرغبهم في تقواه ﷾ في هذه الأمور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فتجد أن الله ﷾ إذا شرع لعباده طريقًا في المعاملات تجده يأمرهم بتقواه سواء أكان ذلك في الأموال أم في الحقوق، واقرأ قوله تعالى (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.. إلخ) .
فضيلة الشيخ: نعم، إنه لا يجوز للإنسان أن يقترض باسم مستعار لابنه أو زوجته وهو يريد أن يبني له شخصيًا، لكن نخشى أن يكون هناك لبس على بعض المستمعين، فلو مثلاُ اقترض باسم ابنه أو زوجته وهو نائب عنهم والمسكن لنفس الزوجة أو لنفس الابن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به، إذا كان النظام يسمح به فلا بأس من أن يهدي الأرض إلى ابنه، يهبه إياها هبة صحيحة ويطلب من البنك باسمه (باسم الابن)، لكن لابد أن يكون على وجه صحيح لا تحايل، يعني لا مانع من ذلك، ولابد أيضًا أن تراعى شروط الصندوق، هل يسمحون للولد أن يأخذ قرضًا وهو عند أبيه، ساكن معه أو لا يسمحون. ***
فضيلة الشيخ إذا كان للشخص والدٌ كبير وقادرٌ على العلم وحالته المادية طيبة وقال لابنه سأكتب هذه الأرض لك وأعطيك فيها شقة بعد أن أنتهي من بنائها وذلك بغرض أخذ القرض باسم الابن وبعد أن أخذ القرض وعمر عمارة أجرها ولها الآن ما يقارب من ثلاث سنوات يؤجرها علمًا بأن الابن لم يستلم من الإيجار شيئًا فهل يحل للأب في هذه الحالة الإيجار على ضوء الشريعة وهل للابن حقٌ فيه أم لا وأفاد الأب أنه سيكتب العمارة وقفًا فهل يحل له ذلك أم لا؟ علمًا بأن الابن فقير ومديون أفيدونا في أسئلتي هذه بجوابٍ شافٍ وكاف علمًا بأن الابن لم يقصر مع أبيه والأب ليس محتاجًا للعقار ويذكر أيضًا السائل ويقول بأن العقار له إيجار يقدر بمائة وخمسين ألف ريال سنويًا وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن هذا الأب إنما كتب الأرض باسم ابنه ليتحيل بذلك على أخذ قرضٍ من صندوق التنمية وهذا العمل الذي عمله محرم لأن فيه حيلةً على الحكومة حيث أظهر لها الأمر على خلاف ما هو عليه وهذا خيانة وخيانة ولاة الأمور محرمة والواجب على المؤمن أن يكون صريحًا في معاملاته وأن لا يخادع عباد الله وإذا كانت هذه نيته فقد فعل محرمًا وعليه أن يتوب إلى الله ﷿ مما صنع أما إذا كان يريد أن يمنحك هذه الأرض منحةً حقيقية فإنه لا يحل له أن يمنحك دون إخوتك لأن الإنسان لا يجوز له أن يفضل بعض أولاده على بعض في العطية لقول النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فأمر النبي ﵊ بالعدل بين الأولاد فإذا كان للإنسان أولاد ذكور وإناث فإنه إذا أعطى أحدًا منهم وجب عليه أن يعطى الآخر مثله إلا الأنثى فتعطى نصف الذكر لأن هذه قسمة الله ﷿ في الميراث وقسمة الله تعالى أعدل قسمة فإذا كان عند الإنسان أولاد من الذكور والإناث فإنه تكون عطيته إياهم بالسوية بالنسبة للذكور وبالسوية بالنسبة للإناث أما بالنسبة للذكور مع الإناث فإن للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا كان أبوك قد أعطاك إياها عطيةً حقيقة فإنه لا يحل له أيضًا أن يعطيك إياها عطيةً حقيقية إلا أن يعطي إخوتك كما أعطاك وحينئذٍ ينظر في الأمر خلاصة الجواب أنه إذا كان أبوك قد جعل هذه الأرض باسمك من أجل أن يتحيل على الأخذ من صندوق التنمية العقارية فهذا حرامٌ عليه لأنه كذب وخيانة للدولة وأما إذا كان أعطاك هذه الأرض عطيةً حقيقية فإنه إن كان لك إخوة أو أخوات فإنه لا يحل له أن يفضلك عليهم وإن لم يكن لك إخوةٌ ولا أخوات فهي لك أما ما صنعه أبوك بعد أن بنى عليها العمارة فإن جواب هذا لا يكون عندي وإنما يكون عند المحاكم الشرعية. ***
محمد العبد الله السبيعي وصنهات بن ردن الشلوي وعبد الرحمن الهذلي وزملاؤه يقولون نحن مجموعة من المواطنين أتيحت لنا فرصة الاقتراض من البنك العقاري ونريد أن نبيع أملاكنا التي قد رهنها البنك العقاري بشرط أن يلتزم المشتري بتسديد ما في ذممنا للبنك فهل يجوز لنا التصرف في البيع وإذا لم يجز فما هو المخرج أو الحل من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تتصرفوا فيها بالبيع بشرط أن يأذن لكم المسؤولون في صندوق التنمية فإذا أذنوا لكم فلا حرج أو بطريقة أخرى وهي أن توفوا الصندوق حتى يتحرر العقار من الرهن فإذا تحرر العقار من الرهن فلا بأس ببيعه حينئذٍ لأنه لا حق لأحد فيه أما إذا لم يأذن الصندوق بالتصرف فيه بالبيع ولم تفكوا رهنه بإيفاء فإنه لا يحل لكم أن تبيعوه أولًا لأنه مرهون والمرهون مشغول بحق الراهن ولا يجوز بيعه لأن ذلك يكون سببًا لمشاكل كثيرة ربما يضيع حق الصندوق بمثل هذا التصرف وثانيًا لأن الله ﷾ أمر بالوفاء بالعقود فقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود) وأمر بالوفاء بالعهد فقال (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) وأنت قد عقدت مع الصندوق عقدًا مقتضاه أن لا تتصرف في هذا الرهن بدون إذنه ثم إنه زيادة على ذلك قد اشُترط في وثيقة العقد مع الصندوق في إحدى المواد أن المستفيد لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره وهذا الشرط قد قبله الراهن صاحب العقار ووقع عليه والتزم به فيجب عليه أن يوفي بما التزم به فالوفاء للصندوق بما التزمت به شرطًا وبما يلزمك شرعًا أمر واجب عليك لأنك سوف تسأل عنه وأما من تساهل في ذلك وباعه بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضًا من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين: الوجه الأول: أن هذا الراهن قد التزم شرطًا على نفسه وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره فهو قد التزم بذلك ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض فإن هذا التزام شرط لا ينافي الكتاب ولا السنة وقد قال النبي ﷺ (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا) الوجه الثاني: أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحقيقة أن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال إذا كان على سفر ولم يجد كاتبًا ولا طريقة إلى التوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئًا ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضًا ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من اؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه لأنه قال (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فإذا كان كذلك فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه ثم إن عمل الناس عندنا على هذا فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه وبستانه بيده وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه والناس يعدون هذا رهنًا لازمًا ويرون أنه لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معينًا وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له هو رهن معين قائم فالرهن فيه لازم وإن كان تحت يد الراهن إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق. ***
يقول السائل توفي والدي وعليه بقية من قرض للصندوق العقاري فهل يسقط هذا الدين أم يلزمنا أن نسدده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدين من المعروف أنه مؤجل كل سنة يحل قسط منه فإذا كان الميت قد أدى جميع الأقساط التي حلت عليه وهو في حياته فقد برأت ذمته وباقي ما للصندوق موثقًا بهذا الرهن أعني رهن البيت ودليل ذلك (أن النبي ﷺ توفي وعليه دين ليهودي ثمن شعير اشتراه لأهله) وقد رهن النبي ﷺ عند هذا اليهودي درعه ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مات وذمته بريئة فإذا كان في الدين رهن يحرز ويكفي وكان ما حل من الدين في حياة الميت قد أوفي فإن ذمته تبرأ نظرًا لأن الدين موثق بهذا الرهن ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا قدم إليه الميت سأل (أعليه دين) أعني أعليه دين وليس له وفاء فإن قالوا نعم ترك الصلاة عليه فقدم ذات يوم إليه رجل من الأنصار ليصلى عليه فلما سأل (أعليه دين) قالوا نعم فتأخر صلوات وسلامه عليه وقال (صلوا على صاحبكم) فقام أبو قتادة ﵁ فقال يا رسول الله الديناران عليّ قال النبي ﷺ (حق الغريم وبرئ منه الميت) قال نعم فتقدم وصلى عليه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الميت إذا ضمن دينه وكان الضامن مليًا فإنه تبرأ ذمته بالكلية ولا يلحقه شيء من إثم الدين واستدل بهذا الحديث لكن في الحديث رواية تدل على أنه لابد أن يكون هناك أثر على الميت حتى يقضي الضامن ما تضمنه من دينه. ***
بيع السلم وبيع الأصول والثمار
فضيلة الشيخ يقوم بعض التجار بشراء الثمار قبل النضوج لمدة عام أو عامين فهل هذا جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: شراء الثمار قبل نضوجها بعام أو عامين ينقسم إلى قسمين الأول أن يشتري موصوفًا في ذمة البائع بأن يشتري منه مائة صاع من البر تحل بعد سنة أو سنتين بثمن مقبوض في مجلس العقد فهذا جائز وهذا هو السلم الذي كان الصحابة ﵃ يفعلونه في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما قال عبد الله بن عباس ﵄ كان الناس يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والثاني أن يشتري ثمر هذا النخل بعينه لمدة سنة أو سنتين فهذا حرام ولا يجوز لأنه بيع معدوم ومجهول وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع) فهذا هو حكم هذه المسألة. ***
عدنان من سوريا من دير الزور يقول البعض من الناس يشترون كيلو القمح قبل البدار بمبلغ ثمان ليرات لكن عند استلام المشتري للقمح في موسم الحصاد يكون سعر كيلو القمح الواحد إحدى عشرة ليرة ويأخذ مصاري بهذا فهل هذا حرام أم حلال وما شروط السلف أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المشتري قد حدد الوقت الذي يستلم فيه البضاعة فهذا لا بأس به مثل أن يقول أعطيتك مائة ليرة بعشرة أصواع بر تحل في محرم وهو الآن في رجب فلا بأس بهذا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة وجد الناس يسلفون في الثمار السنة والسنتين بمعنى أن الفلاح يأخذ الدراهم من التاجر بتمر بعد سنة أو سنتين فأقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك لكن بشروط قال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وبناءً على هذا نقول إذا اشترى الكيلو بثمان ليرات مؤجلًا إلى سنة أو نصف سنة أو ما أشبه ذلك ثم كان عند التسليم قد ارتفع سعره إلى أحدى عشرة فلا بأس. ***
السائل محمد أبو حمدي مصري مقيم بالسعودية يقول إذا اشترى تاجر من مزارع ثمرة قبل حصادها بمبلغ ثمانين ريالًا للوحدة التي تباع بها سواء كانت الكيلو أو المد أو نحو ذلك علمًا أن قيمتها بعد الحصاد أكثر فهل هذا البيع جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اشتد الحب وكمل فإنه يجوز بيعه لأن الخطر فيه حينئذ قليل وقد (نهى النبي ﷺ عن بيع الحب حتى يشتد) وإذا باعه فلا بأس أن يبيعه بالتقدير بمعنى أن كل صاع مثلًا بكذا أو أن يبيعه جملة جزافًا بأن يبيعه هذه القطعة من الأرض المزروعة أو من هذا الزرع على هذه القطعة من الأرض بكذا وكذا فإذا باعه بثمن ولو كان يباع بأكثر منه لو نُقَّى ثم بيع في السوق فلا حرج في ذلك. ***
محمد قاسم أبو إدريس سوداني يعمل باليمن يقول ما الحكم الشرعي في بيع المحصول قبل أن يظهر الزرع على وجه الأرض أو قبل ظهور الثمرة وبعد خروج الزرع على وجه الأرض هل جائز هذا أم محرم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا محرم، لا يجوز بيع المحصول حتى يبلغ نموه وحتى يشتد إذا كان حبًا وحتى ينضج إذا كان عنبًا أو نحوه المهم حتى يطيب أكله ويكون صالحًا للأكل فأما بيع المحصول قبل ذلك فإنه حرام أما بيع ما يجز في الحال فإنه إذا انتهى إلى جزه جاز بيعه كما لو كان هناك أعلاف تباع على أنها علف أو مزارع تباع على أنها علف فإنها تباع إذا آن جزها وقطعها ولا حرج في ذلك وإنما كان الأمر هكذا لأن النبي ﷺ (نهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه) وذلك لأنه أقطع للنزاع وأبعد عن الخصومات حيث إن المشتري حينما يشتريه ينتفع به بخلاف ما لو بيع الثمر من أجل الثمر قبل أن يبدو صلاحه فإنه قد تعتريه آفات يحصل بها النزاع والخصومات والمشاكل وهذه من حكمة الشرع أن نهى عن كل بيع يوجب الخصومات والعداوة والنزاع لأن كل شيء يوجب ذلك فإنه يحدث به من تصدع المؤمنين والتباغض والتباعد بينهم ما ينافي كمال الإيمان. ***
الرهن
أبو طارق يقول أرجو أن تفتوني مأجورين عن الاشتراك في الجمعيات التي يدفع كل واحد فيها مبلغًا من المال في كل شهر كل واحد يدفع عشرة جنيهات ثم يأخذها واحد منهم بترتيب يتفقون عليه فأجاب رحمه الله تعالى: لا باس بهذا لأن هذا من باب التعاون وإقراض المحتاجين فمثلًا إذا كانوا عشرة واتفقوا على أن يبذل كل واحد منهم ألف ريال ويعطى واحدًا حصل لهذا الواحد إضافة تسعة آلاف على مرتبه وهذا قد ينفعه أحيانًا وهو من باب التعاون وسد حاجات الآخرين ولا حرج فيه إطلاقًا وأما ما توهمه بعض الناس من أنه قرض جر نفعًا فيقال أين النفع الرجل أقرض ألفًا وعاد عليه ألف فقط وحين إذن لم يكن القرض قد جر نفعًا إلى المقرض لأنه أقرض ألفًا واستوفى ألفًا والمسألة والحمد لله ليس فيها إشكال وإن اشتبهت على بعض الناس. ***
هل تجوز الزيادة في الرهن مثلًا إذا اقترض مبلغًا من المال وطلب صاحب الدين رهنًا أكثر من القرض فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في هذا أي لا حرج على المقرض أن يطلب من المستقرض رهنًا أكثر من القرض فمثلًا إذا أقرضه عشرة آلاف وطلب رهنًا يساوي عشرين ألفًا أو أكثر فلا حرج كما أنه لا حرج أيضًا في أن يطلب رهنًا أقل من الدين مثل أن يقرضه عشرة فيطلب رهنًا يساوي خمسة. ***
محمد العبد الله السبيعي وصنهات بن ردن الشلوي وعبد الرحمن الهذلي وزملاؤه يقولون نحن مجموعة من المواطنين أتيحت لنا فرصة الاقتراض من البنك العقاري ونريد أن نبيع أملاكنا التي قد رهنها البنك العقاري بشرط أن يلتزم المشتري بتسديد ما في ذممنا للبنك فهل يجوز لنا التصرف في البيع وإذا لم يجز فما هو المخرج أو الحل من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تتصرفوا فيها بالبيع بشرط أن يأذن لكم المسؤولون في صندوق التنمية فإذا أذنوا لكم فلا حرج أو بطريقة أخرى وهي أن توفوا الصندوق حتى يتحرر العقار من الرهن فإذا تحرر العقار من الرهن فلا بأس ببيعه حينئذٍ لأنه لا حق لأحد فيه أما إذا لم يأذن الصندوق بالتصرف فيه بالبيع ولم تفكوا رهنه بإيفاء فإنه لا يحل لكم أن تبيعوه أولًا لأنه مرهون والمرهون مشغول بحق الراهن ولا يجوز بيعه لأن ذلك يكون سببًا لمشاكل كثيرة ربما يضيع حق الصندوق بمثل هذا التصرف وثانيًا لأن الله ﷾ أمر بالوفاء بالعقود فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وأمر بالوفاء بالعهد فقال (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) وأنت قد عقدت مع الصندوق عقدًا مقتضاه أن لا تتصرف في هذا الرهن بدون إذنه ثم إنه زيادة على ذلك قد اشُترط في وثيقة العقد مع الصندوق في إحدى المواد أن المستفيد لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره وهذا الشرط قد قبله الراهن صاحب العقار ووقع عليه والتزم به فيجب عليه أن يوفي بما التزم به فالوفاء للصندوق بما التزمت به شرطًا وبما يلزمك شرعًا أمر واجب عليك لأنك سوف تسأل عنه وأما من تساهل في ذلك وباعه بحجة أن جمهور العلماء يرون أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض وأن هذا العقار ليس مقبوضًا من قبل الصندوق لأنه بيد صاحبه فهذا التساهل فيه نظر من وجهين الوجه الأول: أن هذا الراهن قد التزم شرطًا على نفسه وهو أنه لا يتصرف فيه ببيع ولا غيره فهو قد التزم بذلك ولو فرضنا أن هذا ليس مقتضى الرهن المطلق إذا لم يُقبض فإن هذا التزام شرط لا ينافي الكتاب ولا السنة وقد قال النبي ﷺ (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ومفهومه كل شرط لا يخالف كتاب الله فهو حق وثابت وفي الحديث الذي في السنن المشهور (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا) الوجه الثاني: أن القول الصحيح في هذه المسألة أن الرهن يلزم ولو بدون القبض إذ لا دليل على وجوب قبضه إلا قوله تعالى (وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحقيقة أن هذه الآية يرشد الله فيها الإنسان إلى التوثق من حقه في مثل هذه الحال إذا كان على سفر ولم يجد كاتبًا ولا طريقة إلى التوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا برهن مقبوض لأنه لو ارتهن شيئًا ولم يقبضه لكان يمكن أن ينكر الراهن ذلك الرهن كما أنه يمكن أن ينكر أصل الدين ومن أجل أنه يمكن أن ينكر أصل الدين أرشد الله تعالى إلى الرهن المقبوض فإذن لا طريق للتوثق بحقه في مثل هذه الحال إلا إذا كان الرهن مقبوضًا ثم إن آخر الآية يدل على أنه إذا لم يُقبض وجب على من اؤتمن عليه أن يؤدي أمانته فيه لأنه قال (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) فإذا كان كذلك فإن المرتهن قد أمن الراهن بإبقائه عنده فإذا كان قد ائتمنه فإن واجب الراهن أن يؤدي أمانته وأن يتقي الله ربه ثم إن عمل الناس عندنا على هذا فإن صاحب البستان يستدين لتقويم بستانه وبستانه بيده وصاحب السيارة يرهن سيارته وهي في يده يكدها وينتفع بها وكذلك صاحب البيت يرهنه لغيره وهو ساكنه والناس يعدون هذا رهنًا لازمًا ويرون أنه لا يمكن للراهن أن يتصرف فيه بالبيع فالقول الصواب في هذه المسألة أن الرهن يلزم وإن لم يقبض متى كان معينًا وهذا العقار الذي استدين من صندوق التنمية له هو رهن معين قائم فالرهن فيه لازم وإن كان تحت يد الراهن إذن فلا يجوز لمن استسلف من صندوق التنمية أن يبيع عقاره الذي استسلف له إلا في إحدى الحالين السابقين أن يستأذن من المسؤولين في البنك ويأذنوا له أو أن يوفي البنك ويحرر العقار من الرهن والله الموفق. ***
سوداني مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول عندنا في السودان مشكلة رهن الأرض الزراعية وذلك بأن يقوم صاحب الأرض الذي يرغب في رهن أرضه الزراعية باستلام مبلغ من المال من المرتهن ثم يباشر المرتهن زراعة هذه الأرض ولا يعطي لصاحب الأرض شيئا من هذه الغلة ومتى أراد صاحب الأرض فك الرهن فإنه يعيد المبلغ إلى المرتهن وترد إليه أرضه وليست هناك مدة معينة باستعادة الأرض فقد يستمر الرهن عشرات السنين ونوعا آخر من الرهن يوجد عندنا أيضا وهذا تحدد مدته بسنة واحدة فيدفع المرتهن مبلغا لصاحب الأرض ثم يقوم باستثمارها لمدة عام واحد وهذا النوع يشبه النوع الأول من حيث أن صاحب الأرض لا يعطى شيئا من الغلة ويختلف عن النوع الأول من حيث أن النوع الأول لا تحدد فيه المدة التي ستعاد فيها الأرض لصاحبها ولكنه متى أراد استعادتها تعاد إليه فما حكم هذين النوعين من التعامل بالرهن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إعطاء الأرض لمن يستغلها له ثلاثة وجوه الوجه الأول أن يكون بجزء مما يخرج منها وهذه هي المزارعة مثل أن يقول خذ هذه الأرض وأزرعها ولي ثلث الناتج أو ربعه أو عُشره أو جزء مشاع منه على ما يتفقان عليه وهذه جائزة وقد (عامل النبي ﵊ أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) الوجه الثاني أن يعطيه الأرض يزرعها بأجرة معلومة منقطعة عن الخارج منها مثل أن يقول خذ هذه الأرض لمدة عشر سنوات كل سنة تعطيني ألف درهم فهذا أيضا جائز ولا حرج فيه وقد قال رافع بن خديج ﵁ حين ذكر المزارعة الممنوعة فقال (فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به) والوجه الثالث الصورة الشيء الثالث أن يعطيه الأرض منحة ينتفع بها الزارع بدون مقابل هذا أيضا جائز ولا بأس به وهو من الإحسان المندوب إليه فإذا كان هذا الذي أعطى الأرض منحة يأخذ من الزارع شيئا يؤمن به نفسه فإن هذا لا بأس به ولعل هذه المسألة الأخيرة هي التي يقصدها السائل وحينئذ تكون جائزة. ***
إننا نرهن كثيرًا من هذه النخيل ومنذ أكثر من خمسة عشر سنة ونحن نسقيها ونلقحها وعند الحصاد يأتي المرتهن ليأخذ الحصاد ويستمر الوضع وكذا حتى يستطيع الراهن أن يرجع النقود إلى المرتهن فهل هذا هو الرهن الشرعي وهل يأثم الراهن في ذلك إذا كان محتاجًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرهن الشرعي يقتضي هذا يعني يقتضي أن يكون المال تبعًا للرهن فيكون للمرتهن السلطة في بيعه والاستيفاء منه إلا إذا كان الراهن موثوقًا بحيث يأذن له المرتهن ببيعه وتصفيته ثم تسليم ثمنه إلى المرتهن. ***
هل يجوز للمرتهن أن يستفيد من الرهن كأن تكون مزرعة يقوم بإصلاحها المرتهن فهل يجوز له أن يأخذ ما يخرج منها دون أن يعطي الراهن شيئًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز ذلك والذي أذن فيه هو المركوب والمحلوب فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا) يعني اللبن إذا أخذ المرتهن البقرة أو الشاة وأنفق عليها فإنه له أن يشرب اللبن لكن بقدر النفقة فلو قدر أن اللبن قيمته أكثر من النفقة فالقيمة محفوظة للراهن مثال ذلك أنفق عليها كل يوم عشرة لكنه يبيع من لبنها كل يومٍ بعشرين فالعشرة الزائدة تحفظ للراهن وتكون رهنًا تبعًا لأصلها كذلك الظهر الذي يركب البعير والحمار يركب بنفقته إذا كان مرهونًا أي بقدرها وأما ما سوى ذلك فإن النماء يكون تبعًا للراهن أي يكون ملكًا للراهن لكنه يتبع الرهن في كونه مرتهنًا عند المرتهن. ***
المستمع علي القباطي يقول رجل اقترض مالًا من رجل ولكن المقرض اشترط أن يُعطى قطعة أرض زراعية من المقترض رهنًا بالمبلغ يقوم بزارعتها وأخذ غلتها كاملة أو نصفها والنصف الآخر لصاحب الأرض حتى يُرجع المدين المال كاملًا كما أخذه فيرجع له الدائن الأرض التي كانت تحت يده ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في مثل هذا القرض المشروط فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال إن القرض من عقود الإرفاق التي يقصد بها الرفق بالمقترض والإحسان إليه وهو من الأمور المطلوبة المحبوبة إلى الله ﷿ لأنه إحسان إلى عباد الله وقد قال الله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فهو بالنسبة للمقرض مشروع مستحب وبالنسبة للمقترض جائز مباح وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه استسلف من رجل بكرًا ورد خيرًا منه) وإذا كان هذا العقد أعني القرض من عقود الإرفاق والإحسان فإنه لا يجوز أن يحوَّل إلى عقد معاوضة وربح أعني الربح المادي الدنيوي لأنه بذلك يخرج عن موضوعه إلى موضع البيع والمعاوضات ولهذا تجد الفرق بين أن يقول رجل لآخر بعتك هذا الدينار بدينار آخر إلى سنة أو بعتك هذا الدينار بدينار آخر ثم يتفرقا قبل القبض فإنه في الصورتين يكون البيع حرامًا وربا لكن لو أقرضه دينارًا قرضًا وأوفاه بعد شهر أو سنة كان ذلك جائزًا مع أن المقرض لم يأخذ العوض إلا بعد سنة أو أقل أو أكثر نظرًا لوجود جانب الإرفاق وبناء على ذلك فإن المقرض إذا اشترط على المقترض نفعًا ماديًا فقد خرج بالقرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق فيكون حرامًا والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن كل قرض جر منفعة فهو ربا وعلى هذا فلا يجوز للمقرض أن يشترط على المقترض أن يمنحه أرضه ليزرعها حتى ولو أعطى المقترض سهمًا من الزرع لأن ذلك جر منفعة من المقرض يخرج القرض عن موضوعه الأصلى وهو الإرفاق والإحسان. ***
يسأل هذا السائل عن حكم التأمين في الإسلام وعن صوره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التأمين من عقود الغرر وكل عقد يتضمن غررًا فإنه باطل لحديث أبي هريرة ﵁ (أن النبي ﷺ نهى عن بيع الغرر) ولأن الغرر من الميسر وقد حرمه الله تعالى في كتابه فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ووجه كونه من الميسر أن الْمُؤَمِّنَ يدفع عوض التأمين ولنقل أنه خمس آلاف في السنة ثم قد يحصل عليه حادث يستوعب أكثر مما دفع مرتين أو ثلاثة وربما لا يحصل عليه حادث إطلاقا وربما يحصل عليه حادث يستغرق دون ما دفع فهو في الحقيقة عقد غرر ومخاطرة وليس بجائز فعلى المؤمن أن يتقي الله ﷿ وأن يبتعد عن هذه العقود الغررية التي أحدثها الرأسماليون من أجل ابتزاز أموال الناس. ***
هذا المستمع آدم شريف من بورسودان يقول نحن مجموعة من الإخوان في الله اتفقنا على إنشاء صندوق مالي بأن يدفع كل واحد منا كل شهر مبلغًا محددا من المال ويجمع في هذا الصندوق بغرض مساعدة أي من الأفراد المشتركين فيه في أي حالة شدة يتعرض لها ومن ذلك فلو توفي أحد أسرته فإنه يدفع له منه مساعدة وهكذا فهل في هذا مانع شرعي أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا مانع شرعي بل إن هذا من التعاون على البر والتقوى وتحديد ذلك بمبلغ معين لا يضر لأن المقصود به أن يكون هذا الصندوق منتظمًا إذ لو لم يقيد بمبلغ معين ما انضبط ولا حصل على المال الكافي ولكن ينبغي أن يكون هذا المال المعين أن يكون بالنسبة لا بالقدر المعين فيقال مثلًا يؤخذ من راتب العشر، نصف العشر، ربع العشر دون أن يقال على كل فرد مائة درهم مثلًا لأن الدخل يختلف فالأفضل أن يكون ذلك بالنسبة إلى ما يحصله المرء ثم إنه ينبغي أن يجعل هذا عونًا لمن حصل عليه حادث يعني حصل عليه ما لا يمكنه دفعه من كسر أو مرض أو ما أشبه ذلك وأما أن يجعل معونة لمن حصل منه الحادث فهذا لا ينبغي لأننا إذا وضعنا هذا الصندوق وجعلناه لكل من حصل عليه حادث أو منه حادث أوجب أن يتهور السفهاء ولا يبالوا بالحوادث التي تقع منهم لأنه حيث علم أن هناك صندوقًا يؤمن ما يلزمه من ضمان بسبب هذا الحادث فإنه لا يبالي سواء حدث منه الحادث أو لم يحصل لهذا أقول إن هذه الصناديق موجودة حتى في هذه البلاد السعودية ولكن ينبغي أن تكون هذه الصناديق التعاونية معونة فيمن حصل عليه الحادث الذي يحاج إلى مساعدة مالية لا من حصل منه الحادث للوجه الذي ذكرته وهو أن هذا يؤدي إلى التساهل والتهور وعدم المبالاة بالحوادث التي تقع من الإنسان وأما قول السائل إنه إذا مات أحد من عائلته أعانوه فهذا في النفس منه شيء ولا ينبغي أن يقيد ذلك بالموت لأنه قد يموت أحدٌ من الأسرة ويخلف مالًا كثيرًا يستغني به الإنسان عن المعونة فالأولى أن يكون أمر المعونة مقيد بالحاجة لأي سبب كان حتى لا يحصل نزاع فيما بينهم أو حتى لا تصرف الأموال في غير مستحقيها. فضيلة الشيخ: هل نقيس على حالة الصندوق هذه ما تفعله بعض شركات التأمين الحالية من استحصال مبلغ معين من كل شخص يريد أن يؤمن على مثلًا بضاعته أو سيارته أو نحو ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا نقيسه على هذا فإن شركات التأمين هذه لا شك أنها محرمة وأنها من الميسر الذي قرنه الله تعالى بالخمر وعبادة الأصنام والاستقسام بالأزلام كما قال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وذلك لأن هذا العقد غرر دائر بين الغنم والغرم وكل عقد هذه حاله فإنه من الميسر إذ أن الإنسان يكون فيه حاله دائرة بين أن يكون غانمًا أو غارمًا وأضرب لك مثلًا بأنه إذا كان عندي سيارة وأعطيت شركات التأمين مبلغًا من المال كل شهر مثلا لنفرض أنه مائة ريال فمعنى ذلك أنها ستطلب في السنة ألفا ومائتي ريال قد يحدث حادث على سيارتي يستهلك خمسة آلاف ريال لإصلاحها وحينئذ تكون الشركة غارمةً لأنه أخذ منها أكثر مما بذل لها وقد يكون الأمر بالعكس قد تمضي السنة والسنتان والثلاث ولم يحصل على سيارتي حادث وحينئذ أكون أنا غارمًا لأنه أخذ مني مبلغًا من المال بغير حق وهذا بعينه هو الميسر لأنه يشبه الرهان الذي قد يكون الإنسان فيه غانما وقد يكون فيه غارمًا ولأنه نفس ما قاله الرسول ﵊ حيث (نهى عن بيع الغرر) فإن هذا يشبهه إن لم يكن هو إياه ثم إن في هذا التأمينات في الحقيقة إضرارًا بالمجتمع وإخلالا بالأمن لأن هذا الذي قد أمن على حادث سيارته قد يؤديه هذا التأمين إلى التهور وعدم المبالاة بالصدم والحادث لأنه يرى أنه مؤمن له ولهذا ينبغي حفظًا لأمن المجتمع أن تمنع هذه التأمينات أو هذه الشركات فالذي أرى فيه هذا أنه يجب على كل مؤمن أن يجعل اعتماده على ربه ﷾ وأن يبتعد عن المعاملات المحرمة لأن هذا المال الذي بأيدينا هو عارية إما أن يؤخذ منا ويتلف في حياتنا وإما أن نؤخذ منه ونتلف ويبقى لغيرنا فالواجب على المؤمن ألا يجعل المال غاية بل يجعله وسيلة وليتذكر دائمًا قول الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ) وليتذكر دائمًا قول الله ﷿ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) أي لعلي أنفق مالي من جملة ما يدخل في هذه الآية لعلي أنفق مالي الذي تركته فيما يقربني إلى الله من الأعمال الصالحة فقال الله ﷿ (كلا) أي حقًا (إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فنصيحتي للمسلم ألا يتشبه بالكفار الذين يجعلون المال غاية لا وسيلة ويجعلون الدنيا مقرًا لأن مقر المؤمن هي دار الآخرة التي هي خير وأفضل وأعظم من هذه الدنيا بكثير كما قال الله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وليعلم أنه إذا اتقى الله ﷿ في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وولايته التي ولي عليها من أهله من زوجات وغيرهم فإن الله تعالى قد ضمن له وهو لا يخلف الميعاد أن يرزقه من حيث لا يحتسب (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) فأنت يا أخي المؤمن اصبر والرزق سيأتيك إذا سعيت له بالأسباب المشروعة غير المحظورة وقد قال النبي ﵊ (إنه ألقي في روعي إنه لن تموت نفس حتى أن تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطالب) ونسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من الربا والميسر وأن يسهل لهم معاملاتهم الطيبة التي يأكلونها رغدًا هنيئًا لا تبعة عليهم في الدنيا ولا في الآخرة لكن قد يقول قائل إذا ابتليت بهذا الأمر فقدمت إلى بلد أو كنت في بلد يرغموني على هذا التأمين فماذا أصنع هل أعطل سيارتي واستأجر أم ماذا أصنع أقول في هذا إنه إذا أرغمت على هذا التأمين فلا حرج عليك أن تدفع ما أرغمت عليه ولكن إذا حصل عليك حادث فلا تأخذ منهم إلا مقدار ما دفعت لا تأخذ منهم ما يكون بهذا الحادث إذا كان أكثر مما أعطيتهم وبهذا تكون خرجت من التبعة لأنك ظلمت في هذا العقد المحرم الذي أجبرت عليه وبدفع هذه الفلوس التي أجبرت على دفعها فإذا ظلمت فإنك تأخذ قدر مظلمتك باختيارهم هم لأنهم هم الذين سيدفعون إليك هذا بمقتضى العقد الذي أجبروك عليه فلا أرى بأسًا أن تأخذ منهم مقدار ما دفعت فقط على هذا الحادث الذي حصل لك وإذا كان الحادث أقل مما دفعت فهم لم يعطوك إلا بقدر الحادث وهذا لا شك أنك ستأخذه. ***
الأخت أم ع العنوان الأردن شمال مدينة اربد تقول في رسالتها ما هو التأمين على الحياة وهل هو حرام أو حلال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التأمين على الحياة ما أعرف معناه تمامًا ولكن ما أظن أحدًا يؤمن على الحياة لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولا ينفع فيه التأمين وإذا كان التأمين يراد به أن الإنسان يدفع دراهم في مقابل أنه إذا مات يُضمُن لورثته شيء معين من المال فهذا حرام لأنه من الميسر إذ أن الدافع مغامر فلا يدري أيكسب أكثر مما دفع أو أقل وكل معاملة تكون دائرة بين الغنم والغرم فإنها من الميسر المحرم الذي لا يجوز إلا ما استثناه الشرع في مسألة الرهان على الخف والنصل والحافر. ***
الحوالة
ما حكم تحويل ريالات سعودية من المملكة مثلًا إلى دولارات إلى خارج المملكة عن طريق الحوالات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة لها صورتان جائزتان: الصورة الأولى أن يصرف الدراهم السعودية في المملكة بدولارات ويأخذ الدولارات ثم يحول هذه الدولارات إلى بلده وهذا لا إشكال في جوازه لأنه صرف دراهم سعودية بدولارات مقبوضة. والصورة الثانية أن يحول الدراهم السعودية إلى البلد الثاني على أنها دراهم سعودية ثم هناك يتعاقد وكيله مع الجهة التي حولت إليها الدراهم السعودية على أن تبدل الدراهم السعودية بدولار بسعره في ذلك المكان فيصرف الدراهم السعودية إلى دولارات بسعرها في ذلك المكان وهذا أيضًا لا إشكال في جوازه. الصورة الثالثة فيها إشكال وهي أن يعطيه دراهم سعودية هنا ويقدر قيمتها من الدولار ويتم العقد بينهما ثم يحول الدولارات إلى البلد الثاني فهذه محل نظر لأنها مصارفة بدون قبض العوض لكني أقول إن شاء الله تعالى وأسأل الله أن يعفو عني إن أخطأت أقول إذا دعت الضرورة إلى هذا ولم يكن سبيل إلى إيصال الدراهم لبلد الصارف إلا بهذه الطريقة فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس لما في ذلك من التيسر على المسلمين وعدم وجود دليل قطعي يمنع ذلك. ***
المرسل م. م. ي من الرياض يسأل عن التحويل بواسطة النقود يقول ما حكم تحويل الدراهم عن طريق البنك بمعنى أن أدفع ريالًا سعوديًا هنا في السعودية، ويعطي لي درهمًا مغربيًا هناك بموجب الشيك يسلم إليّ وأبعثه إلى المغرب عن طريق البريد وبعد ذلك يستلم به المبلغ المبعوث هناك والمتفق عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فهمنا من هذا السؤال أنه يريد صرف نقد بنقد بدون قبض بمعنى أنه يصرف دراهم سعودية إلى دراهم مغربية بدون أن يقبض العوض هذا وجه، وجه آخر أنه يقبض الشيك الذي حول إلى دراهم مغربية وقد سلم دراهم سعودية، أما الأول فإنه ربا لأننا نرى أن التعامل في هذه الأوراق النقدية يجري فيه ريا النسيئة بمعنى أنه لا يصرف بعضها إلى بعض إلا يدًا بيد لأنها نقود اختلف نوعها فتكون بمنزلة الذهب والفضة، والذهب والفضة إذا بيع أحدهما بالآخر فلابد أن يكون يدًا بيد، وأما تحويله إلى شيك فهو أيضًا مثل الأول لأن الشيك يعتبر ورقة تحويل وليس قبضًا للعوض وبهذا لو فرض أنه لم يجد رصيدًا للجهة التي حول إليها بهذا الشيك يرجع به على الأول ولا يعتبر مستلمًا لما حول به، ما دام أن الشيك بيده حتى يقبض عوضه، فلا فرق بين أن يسلم شيكًا به أو يكتب معه كتاب ويبلغ به الجهة الأخرى هذا هو رأينا في هذه المسألة، هذه الأوراق النقدية اختلف فيها الناس اختلافًا كثيرًا على نحو ستة أقوال لأهل العلم لكن الذي يترجح لي هو ما أشرت إليه أنه يجري فيه ربا النسيئة دون ربا الفضل فنقول الآن الطريق السليم إلى هذا أن تشتري من هنا دراهم مغربية وتعطيها للبنك يحولها لك إلى المغرب مثلًا أو تشتري دولارًا أمريكيًا من هنا وتعطيه البنك يحوله لك في أمريكا وهكذا، وأما أن تعطيهم عملة سعودية ثم تقبض عوضها عملة أخرى في البلد الذي حولت عليه فلا يجوز هذا. فضيلة الشيخ: لو اشتريت مثلًا نقودًا مغربيًا ووضعتها في البنك لن تستلمها نفس العملة هناك وإنما تبقى أيضًا ورقة لتسلم هناك عملة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بارك الله فيك هذا لما اشتريت عملة مغربية صرفتها بعملة سعودية هذا هو الصرف صار يدًا بيد، ثم أعطى البنك هذه دراهم مغربية ليحولها إلى المغرب مثل ما إني أعطي البنك في الرياض دراهم سعودية ليحولها إلى القصيم دراهم سعودية ولكن هذا من باب البيع، هذا يسميه العلماء سفتجة بمعنى إنه يأخذ منك دراهم في هذا المكان ثم يحولها لك في المكان الآخر تقبض منه. ***
نحن نشتغل في المملكة وبعد فترة من الزمن نرسل مصاريف للأهل بالسودان مع بعض الاخوة السودانين ونقوم ببيع الريالات لهم مقابل الجنية السوداني ويقوم هؤلاء الناس بتسليم المبلغ بالجنيهات السودانية إلى الأهل فهل في ذلك ربا أرجو التوضيح مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الكلام في الجواب عن هذا السؤال أود أن أبين أن الله ﷾ حرم في كتابه الربا وقال الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) وجاء فيه من الوعيد الشديد ما لم يأت في ذنب سواه إلا الشرك فقال الله تعالى وتبارك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال الله ﷾ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وقال الله ﷾ (ف مَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وثبت عن النبي صلى الله علية وآله وسلم أنه (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء) فالربا أمره عظيم وشأنه خطير ومن نبت جسمه على الربا فقد نبت جسمه على السحت والعياذ بالله والمرابون من هذه الأمة يشابهون اليهود الذين قال الله فيهم (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ولا أظن مسلما يرضى لنفسه أن يكون مشابهًا لليهود بل لو قلت لأي واحد من المسلمين أنت يهودي لنفر من ذلك أشد النفور ولخاصمك على هذه الكلمة التي وصمته بها وقد بين رسول الله ﷺ الربا أين يكون وكيف يكون فقال ﵊ (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربا) فهذه الأصناف الستة هي التي يكون فيها الربا إذا باع الإنسان جنسًا منها بمثله فإنه يجري فيهما ربا الفضل وربا النسيئة ولابد لتوقي هذين النوعين من الربا من التساوي بينهما وزنًا فيما يوزن وكيلا فيما يكال والتقابض قبل التفرق لقوله ﵊ (مثلًا بمثل سواء بسواء يدا بيد) وإذا بيع جنس بآخر موافقا له في علة الربا فلا بد من شرط واحد وهو التقابض قبل التفرق لقوله ﵊ (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) أما إذا كان لا يوافقه في علة الربا كبيع البر بالذهب أو الفضة فإنه لا يجري الربا بينهما فلا يشترط فيهما تقابض ولا يشترط فيهما تماثل وعلى هذا يجوز أن تبيع صاعا من البر بدرهم أو درهمين أو دينار أو دينارين وإن لم تقبض العوض لأنه لا ربا بين مكيل وموزون وعلى هذا يتنزل التبادل في العملات كالجنية السوداني والريال السعودي فانه لا باس أن يحصل التفاضل بينهما ولكن لا بد من التقابض في مجلس العقد قبل التفرق فإذا كان عند الإنسان السوداني في السعودية دراهم سعودية وأراد أن يحولها إلى جنيهات سودانية فإنه يذهب إلى أهل الصرف ويعطيهم الدراهم السعودية ويأخذ بدلها في الحال جنيهات سودانية ثم يرسلها إلى أهله أو يرسل دراهم سعودية إلى أهله وهم هناك يصرفونها إلى جنيهات سودانية ويأخذون العوض فورا هذه هي الطريقة السليمة إما هذا وإما هذا وإما أن يعطي دراهم سعودية هنا ويأخذ عنها عوضا جنيهات سودانية في السودان فإن هذا لا يجوز لأنه ربا نسيئة وقد قال النبي ﵊ (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شيءتم إذا كان يدا بيد) . ***
مسألة كثيرة التداول الآن بين الناس، يأتي شخص ليسافر خارج المملكة ليسافر مثلًا إلى لندن أو إلى أمريكا أو إي جهة أخرى فيذهب إلى البنك مثلًا يأخذ منه شيكًا مقابل نقود يدفعها للبنك ويحوله البنك في هذا الشيك إلى إي بنك في الدولة الخارجية وربما أن البنك تصرف في النقود قبل أن يصل المسافر وهذا لا يعد قبضًا فهل هذا جائز أو غير جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نرى أن مثل هذه الحالة إذا كان صرفًا بمعنى أنه سيسلمه عملة حسب عملة البلد التي فيها البنك ثم البنك سوف يحولها إلى عملة البلد الذي سوف يسافر إليه فهذا في الحقيقة صرف ولا يجوز هذا العمل لأنه سيتأخر القبض، أما إذا أعطاه هذا الرجل من عملة البلد الذي سيسافر إليه وقال خذ هذه مثلًا مائة دولار وهو يريد أن يسافر إلى أمريكا حولها لي إلى مائة دولار بالبنك الأمريكي مثلًا هناك فهذا لا بأس به لأن هذا ليس ببيع، أنا ما بعت مثلًا نقدًا سعوديًا مثلًا بنقد أمريكي إنما أعطيته نقدًا أمريكيًا ليحوله إلى نقد أمريكي نفسه. ***
السائل طاهر حسن يقول أنا مقيم بالمملكة ولدي أولاد في بلدي مما يدعوني أن أرسل إليهم مصاريف إما عن طريق البنك أو عن طريق شخص يتعامل في التحويل أو تبديل العملات ويتم ذلك عبر الاتصال التلفوني ولم يكن هناك تقابض مع الطرف المحول فهل علي شيء في ذلك علمًا بأنني قرأت حديثًا في منهاج المسلم يخص الصرف قال رسول الله ﷺ (بيعوا الذهب بالفضة كيف شيءتم يدًا بيد) ومن شروط صحة جواز الصرف التقابض في المجلس وأنا يتعذر علي ذلك فهل علي شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أنه يمكن أن تحول الدراهم بالعملة التي في البلد الذي أنت فيه فإذا بلغت المحال عليه صرفها إذا شاء بسعر يومها في ذلك البلد مثال ذلك تحول عن طريق البنك الدراهم على أنها سعودية فإذا وصلت البنك في بلدك وأتى المحال له ليقبضها ويريد أن يحولها إلى عملة بلدك فليسأل كم السعر ثم يصارف البنك الذي حولت إليه في سعرها في وقتها ويقبض هذه طريقة لا بأس بها ولا فيها كلافة فليلزمها فإنها جائزة أما التحويل وصرفها إلى نقود البلد المحال عليه بدون قبض فهذا لا يجوز. ***
الصلح
المستمع أبو عبد الله يقول صدم رجل سيارة أحد الأخوان واتفقوا على أن تقدر الورشة قيمة الإصلاح للسيارة وبالفعل تم ذلك وأعطاه الرجل المبلغ المطلوب ولكن السيارة أصلحت بأقل فهل يلزمه رد الباقي للرجل علما بأن الحادث قد أثر على السيارة وقيمتها تنزل عند البيع فأرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المصالحة مصالحة مقطوعة منتهية ووجد من يصلح السيارة بأقل مما اصطلحا عليه فإن الزائد له لاسيما وأن الزائد ربما لا يفي بنقصان السيارة عن قيمتها لو لم تصدم لأنه ليست المسألة مسألة قطع الغيار بل قطع غيار وما حصل على السيارة من النقص بسبب الصدمة وهذا أمر ربما لا يتفطن له كثير من الناس وكل أحد يعرف الفرق بين قيمة السيارة المصدومة ولو كانت قد صلحت وبين قيمتها غير مصدومة والمهم أنه إذا كان الاصطلاح اصطلاح قطع نزاع وانتهاء فإن ما زاد مما اصطلحا عليه يكون لصاحب السيارة وأما إذا كان الصلح بينهما على إصلاح السيارة فإنه في هذا الحال يجب على صاحب السيارة إذا زاد المبلغ الذي أعطيه على إصلاحها أن يرده إلى صاحبه أو يستحله منه والفرق بين هذه والتي قبلها أن التي قبلها مصالحة على قطع نزاع ولكن هذا القطع أعني قطع النزاع مربوط بما يظن من قيمة الإصلاح وأما هذه فهي مصالحة على الإصلاح نفسه فيكون ما زاد من الدراهم التي أخذها صاحب السيارة لصاحب الدراهم يرد إليه. ***
بيننا وبين المسجد مزرعة ونذهب إلى المسجد مع وسطها ولم نستأذن أهلها لأنهم كثيرون ومتفرقون وقد استأذنا بعضًا منهم فهل يلحقنا إثم إذا مشينا معها إلى المسجد علمًا أن الطريق إلى المسجد بعيد جدًا وبعضنا كبير السن لا يستطيع الذهاب مع الطريق لبعده وازدحام السيارات فيه جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم بأس في العبور من هذه المزرعة بشرطين أن لا يحصل ضرر على ما تمرون به من الأشجار والزروع وأن لا يحصل أذى على أهل المرزعة فإن كان يحصل عليهم أذى يتأذون بمروركم عندهم أو كان في ذلك ضرر على الأشجار والزروع فإنه لا يحل لكم. ***
الحجر
وردتنا هذه الرسالة من القصيم ومن بريدة من المرسلة ط. م. ب. تقول عندنا ولد وبنت وهما في سن العاشرة والبنت عمرها إحدى عشرة سنة تقول ويأتيهما بعض النقود من الزوار الذين يأتون إلينا أو من أقاربنا ويشترون بهذه النقود التي تبلغ العشرة والعشرين إلى أن تصل إلى المائة هل يجوز لنا أن نحتال عليهم ونكذب لنأخذ هذه النقود منهم أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء صغار والصغار يجب على أوليائهم أن لا يمكنَّوهم من التلاعب بأموالهم لقول الله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) وقوله (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وحفظ الأموال أمرٌ واجب فهؤلاء هذا الولد وهذه البنت تؤخذ الأموال التي تُعطى إليهم إذا كانت كثيرة ويعطون منها ما تطيب به نفوسهم يشترون به ما يتلهون به مما يكون مباحًا لأمثالهم والباقي يُحفظ لهم هذا هو الواجب على أوليائهم وأما أن يُمكِّنوهم من التلاعب بالأموال فهذا حرامٌ على أوليائهم أن يمكنوهم منه. ***
هل لسن البلوغ عمر معين فإن كان ففي أي سنة يبلغ الرجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن البلوغ له سن معينة وهو تمام الخمس عشرة سنة واستدل أهل العلم على ذلك بحديث ابن عمر ﵄ أنه قال (عرضت على النبي ﷺ يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت فعدت إليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني يعني ورآني قد بلغت) فإذا تم الإنسان خمس عشرة سنة فقد بلغ وقد يبلغ الإنسان قبل أن يتم له خمس عشرة سنة وذلك بنبات العانة وهي الشعر الخشن الذي ينبت حول القبل وقد يبلغ قبل ذلك وذلك بنزول المني بشهوة فإنه متى نزل منه المني بشهوة يقظة أو منامًا صار بالغًا وإن لم يكن له إلا اثنتا عشرة سنة. ***
المستمع م. س. ع. يقول لي أختٌ توفيت وكان لديها مجموعةٌ من الحلي الذهبية وقد أنجبت ابنتين وابنًا واحدًا فقامت والدتي وأخذت رأي زوجها ووالدها في بيع الذهب وجعل قيمته لعدة حججٍ تعطيها لشخصٍ يقوم بالحج لأختي المتوفاة فوافق زوجها ووالدها على ذلك فقامت والدتي ببيعه وبقي منه ما قيمته عشرون ألف ريال فهل يجب أخذ رأي الأولاد علمًا أنهم قصر فلا يتجاوز عمر الكبرى من البنات خمس سنوات وجميعهم تحت كفالة والدتي التي هي جدتهم منذ توفيت أمهم وهل لهم الحق في المطالبة بما تركته أمهم من مالٍ بعد بلوغهم سن الرشد وهل يلحق والدتي إثمٌ على تصرفها ببيع الذهب وإنفاق شيء منه في الحج لأمهم وماذا عليها أن تفعل الآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن هذا التصرف لا يحل بالنسبة لميراث القصر لأن القصر لا يجوز لأحدٍ أن يتبرع بشيءٍ من مالهم حتى ولا للميت الذي خلف هذا المال فإن الله تعالى يقول (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وعليه فإنه يجب أن تضمن هذه الأم المتصرفة لأولاد المرأة القصر ما نقص عن ميراثهم لأنها هي التي أتلفته عليهم على وجهٍ لم يأذن به الشرع ويجب على إخواننا المسلمين أن لا يتصرفوا في شيء حتى يسألوا أهل العلم ليكونوا على بصيرةٍ من أمرهم فيتصرفوا تصرفًا يرضاه الله ورسوله وأما كون الإنسان يستحسن الشيء فيتصرف فيه مع تعلق حق غيره به فإن هذا لا يجوز ولا يحل. ***
المستمع خلوي غازي محمد المطيري من السر يقول توفيت زوجتي وكانت أوصت بثلث مالها لولدها حين يبلغ سن الرشد وقد حفظت ذلك الثلث إلى أن بلغ ولدها سن الرشد فدفعته ولكنه سيئ التصرف فيه ولا يعمل لتنميته وزيادته بل يصرف منه حتى يتناقص ودون عمل على زيادته وأنا أسأل أولًا هل مثل هذه الوصية صحيحة أم لا وهل أترك ولدها يتصرف كيف يشاء في هذا الثلث أم أسترده منه حتى أعلم منه حسن التصرف أفيدوني جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه وصية صحيحة ولكنها قالت في وصيتها أنه يكون في يدك حتى يبلغ ابنها سن الرشد ومعنى بلوغ ابنها سن الرشد أن يكون رشيدًا فلا يحل لك أن تسلمه إليه حتى تعلمه أنه قد صار رشيدًا في تصرفه ومادام الأمر قد وقع فإنه لابد أنه أن تُبلغ الأمر إلى المحكمة التي في بلدكم حتى تقوم بما يجب نحو هذا الموضوع. ***
لي والد كبير في السن وهو قد وصل إلى مرحلة التخريف وله أرض كبيرة ونرغب في تخطيطها وبيعها على شكل قطع سكنية ولكن يقول البعض من الأخوة ما دام الوالد على قيد الحياة فلا حق لكم في التصرف هل يجوز لي أن آخذ صك ولاية من المحكمة لأجل مصلحته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان تصرفه غير سديد فلا بد أن تبلغ بذلك المحكمة حتى تتخذ الإجراء اللازم. ***
الوكالة
ما هي شروط الوكالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: شروط الوكالة أن تكون فيما يملكه الموكل وفيما يجوز أن ينفذه الوكيل. ***
شخص يعمل أمين صندوق في إحدى المؤسسات ومدير المؤسسة وكيل لورثة أبيهم ويقوم هذا الوكيل وهو أخوهم بإصدار أوامره لأمين الصندوق بصرف مكافآت العمال وصدقات وتبرعات وقروض لدعم المحتاجين فهل على أمين الصندوق اثم فيما لو تعدى الوكيل الصلاحيات المتاحة له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تعدى الوكيل الصلاحيات الممنوحة له وأمين الصندوق يعلم بذلك فإنه لا يجوز له أن يصرف شيئًا من الصندوق لأن ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان وعليه أن ينصح الوكيل ويخوفه من الله ومن المعلوم أن الوكيل والأصح أن نقول إن الولي على مال القصار لا يحل له أن يتبرع بشيء من أموالهم ولا بالصدقة وأما القرض فإنه قد يجوز بشرط أن يكون المقترض مليًّا أو يقيم ضامنًا مليًّا أو يرهن رهنًا يمكن الوفاء منه وبشرط آخر هو أن يكون للمولى عليهم مصلحة في هذا القرض ولا أريد بالمصلحة الزيادة لأن الزيادة في القرض من الربا ولكن أريد مصلحة إذا كان قرضه لهذا الرجل يحميه من اعتداء الغير عليه ويحفظه فهذا مصلحة للمولى عليه فإن اجتمع هذان الشرطان الأول المصلحة والثاني انتفاء الخطر بإقامة ضامن بحيث يكون المستقرض مليًّا أو يقيم ضامنًا مليًّا أو يدفع رهنًا يحرز ويمكن القضاء منه فإن ذلك لا بأس به وحينئذٍ نقول تصرفات الولي في مال المولى عليه تنقسم إلى ثلاثة أقسام قسم جائز وهو ما كان فيه مصلحة كالبيع والشراء والاتجار إذا رأى المصلحة في ذلك وقسم ممنوع على كل حال كالصدقات والتبرعات وقسم جائز بشرط وهو القرض والشرط هنا أشرت إليه أولًا وهو أن نضمن هذا المال بحيث يكون المقترض مليًّا أو يقيم ضامنًا مليًا أو يدفع رهنًا محرزًا والثاني أن يكون في ذلك مصلحة. ***
الرسالة من الخبر في المنطقة الشرقية وردت لنا من المستمع ي ش س ي يقول أخذت من قوم سلعة باتفاق تم بيني وبينهم على أن أبيع سلعتهم وأخبرهم بقيمتها وأشتري لهم سلعة أكبر حجمًا وأكثر قيمة على أن يدفعوا لي الفلوس الزيادة وعلمت كل الذي طلبوه مني وأخذت وأخبرتهم بقيمة سلعتهم التي بعتها ووافقوا ورضوا بنفس الاتفاق السابق وعندما جئت لهم بالسلعة الجديدة رفضوا دفع المبلغ الزيادة وأرادوا تسعير سلعتهم بالسعر الحالي علمًا بأنه أضعاف ذلك اليوم أفيدونا ما الذي أعمله مع هؤلاء القوم هل أحاكمهم على الحق حسب الاتفاق أم أستلم منهم بخسارة علّيُ وهل يسكون ربا إذا أخذوا مني هذه الفلوس وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حق لك فإن شيءت فسامحتهم فلا حرج عليك وإن شيءت فحاكمتهم فلا حرج عليك ولكن لابد أن تثبت بأنهم وكَّلُوك في بيع هذه السلعة وأن تشتري لهم السلعة الحاضرة ولو زاد ثمنها على ثمن الأولى فإذا ثبت ذلك لزمهم ما التزموا به. ***
رجل وكلّ شخصًا ليبيع له عقارًا فوضع هذا العقار عند مكتب لبيعها ثم أتى إلى الوكيل شخص يطلب هذه الأراضي فهل إذا باعها عليه يأخذ السعي لوحده وهل لصاحب المكتب حق في السعي مع أن صاحب المكتب لم يبع هذه العقار أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة ترجع إلى عرف الناس فإن اقتنع كل من الوكيل وصاحب المكتب بما يقول صاحبه فذاك وإن لم يحصل اقتناع فإن مرجعه إلى المحكمة الشرعية. ***
الرياض رمز لاسمه بـ ع. أ. يقول بجوار بيتي أرض معروضة للبيع ولكن إذا علم صاحب الأرض بأنني أريدها رفع السعر أكثر فهل أكلم شخصًا يذهب إليه فإذا وافق على البيع حضرنا جميعًا وعندها لا يستطيع أن يرفع سعر الأرض أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج عليك إذا علمت أن صاحب الأرض لو علم أنك تريد شراءها لرفع السعر أن توكل شخصًا يشتريها منه وذلك لأن التوكيل في البيع والشراء من الأمور الجائزة ومن المعلوم أن الموكل قد يقيم وكيلًا عنه لأغراض متعددة وهذا الغرض من الأغراض المقصودة والعجب أن ما ذكره السائل قد يكون صحيحًا واقعًا وهو مما يؤسف له لأن الأولى إذا كان الجار هوالذي يريد شراء الأرض أن يكرمه صاحب الأرض وينزل له من القيمة ويفضله على غيره لقول النبي ﷺ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) . ***
توفي والدي يرحمه الله منذ ثلاث سنوات ونحن أكثر من عشرة من الوارثين كلنا قد بلغ سن الرشد ذكورًا وأناثًا فأود أن أعرف هل لأخي الأكبر حق شرعي في شراء أي شيء من أموالنا جميعًا باستثناء أموال جدي وجدتي هما أيضًا من ضمن الورثة فمثلًا إذا قام أخي بشراء سيارة كمصلحة للجميع علمًا بأن هذا الشراء يتم برضى الجميع وأخي هو المسئول عن إدارة أموالنا برضانا وتوكيل منا فهل لأحد أن يتدخل بهذا الشراء بحجة أن أخي يلعب بأموالنا ونحن طبعًا نرفض مثل هذا التدخل كما أن البعض ممن تدخل من الأهل يقول بأن السيارة لا بد أن تحسب من إرث أخي فقط فهل هذا صحيح ونحن جيمعًا لنا مصلحة في شراء هذه السيارة نرجو الافادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ماخلفه أبوك من الميراث فهو بينكم حسب ما فرضه الله ﷿ لذوي الفروض فروضهم والعصبة وهم الأبناء والبنات لهم ما بقي للذكر مثل حظ الانثيين وإذا كان كلكم بالغًا عاقلًا رشيدًا فالأمر إليكم وليس لأحد سواكم وإذا كنتم واثقين بأخيكم الكبير أن يفعل ما شاء مما يراه مصلحة فلا اعتراض لأحد عليكم والذي أرى ألا تسمعوا إلى أقوال الناس لأن الناس منهم أصحاب هوى ومنهم من هو مستعجل لا يتأنى في الأمور ومنهم من هو مغرض يريد أن يفرقكم ويلقي العداوة بينكم فما دام أخوكم قد أرضاكم ورأيتم حسن تصرفه فلا تلتفتوا إلى أحد بشيء والأمر في أموالكم إليكم ولا اعتراض لأحد فأنتم إذا كنتم بالغين عقلاء رشيدين أحرارًا في التصرف بأموالكم حسب ما تقضيه الشريعة الإسلامية. ***
الشركة
هل يجوز للمسلم أن يكون شريكًا لغير المسلم في التجارة أو الزراعة أو غير ذلك من وجوه الشركات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي أن يشارك غير المسلم لأنه لا يثق به وإن وثق به من حيث الأمانة فإنه لا يثق به من حيث العمل قد يتعاطى معاملات محرمة في الإسلام وهو لا يدري أو يدري ولكنه يقول إنه غير ملتزم بها ثم إن مشاركة غير المسلم توجب بمقتضى العادة الميل إليه ومحبته وإلفه وكل ذلك أمر ينقص من دين المرء فلا ينبغي للإنسان أن يشارك غير المسلم في تجارته أما التحريم فلا يحرم لأنه لا يتعلق بمسألة الدين بشرط ألا يكون له ميل إليه ومحبة له ومودة له. ***
يوجد شخصان اشتركا في تجارة منهم واحد يشرب الدخان فيقوم بأخذ ثمن السجائر من المال المشترك المشتركين فيه وهو رأس المال فما حكم أخذه لذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لأحد الشركاء أن ينفرد بالإنفاق على نفسه دون شركائه لأن المال مشترك وتصرف الإنسان بنفسه خاصة بالمال المشترك خيانة وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) ولكن الإشكال فيما لو استأذن من صاحبه أن يشتري من المال المشترك دخانًا يدخن به فهل يجوز لشريكه أن يأذن له لأنه إن أذن له شاركه في الإثم وإن امتنع فهذا هو المطلوب أن يقول له أنا لا آذن لك أن تشتري من المال المشترك بيننا لنفسك دخانًا لأن شرب الدخان حرام لما يترتب عليه من المضار الدينية والدنيوية المالية والبدنية. ***
هذه السائلة أ. ب. ت. من الدمام بعثت بسؤالٍ تقول فيه كان والدي وعمي شريكين في مكتبٍ تجاري توسعت أعماله ومساهماته حتى نالت المصانع والشركات وجزءٌ من رأس المال التأسيسي لمؤسسةٍ تتعامل بالربا وقد توفي عمي ﵀ ولكن والدي تولى الشركة والتي يقوم بإدارتها أبناء الشريكين وقد تقدمت لوالدي بالنصيحة في إلغاء أسهم تلك المؤسسة الربوية التأسيسية وقد انتقل والدي إلى رحمة الله من عهدٍ قريب ومنذ وفاته لم نتحدث مع إخوتي وأبناء عمي عن الميراث أبدًا وقد حضر إلينا كاتب العدل وقرأ علينا نموذج الصكوك المطبوعة والتي فيها البيع والشراء والمساهمات ومن ضمنها مساهمة تلك المؤسسات وبعد ذلك طلب منا الموافقة والتوقيع وأنا في نفسي تلك اللحظة أعرف تمام المعرفة أن المساهمة في مثلها والقرض والاقتراض منها أمر محرم ولكنني لم أستطع أن أقول أي شيء أمام كاتب العدل لأنني أحرص أشد الحرص على مشاعر إخوتي ولو أنني كنت أود أنهم قرؤوا علي هذا النموذج قبل حضور كاتب العدل لأناقشهم فيه فهل علي شيء وما هو الذي يجب علي فعله الآن إزاء هذا الموقف أرجو إفادتي وجزاكم الله عنا كل خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في هذا السؤال إنه تضمن أمرين أحدهما المساهمة مع شركةٍ تتعامل بالربا وهذا محرمٌ ولا يجوز فإن أي أحدٍ يتعامل بالربا لا يجوز المشاركة معه لأنه سيؤدي إلى إدخال الربا على مال هذه الشركة فيختلط الحلال بالحرام فلا يجوز ذلك وأما بالنسبة لما سألتي من عدم بيان الأمر أمام كاتب العدل فإن ذلك محرم والواجب عليك أن تجعلي تقوى الله تعالى مقدمة على كل شيء حتى على مشاعر إخوانك وغيرهم وأن تقولي الحق فإن الله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) ولكن وبعد أن وقع هذا الأمر يمكن أن تتخلصي منه بطلب القسمة وأن تأخذي نصيبك من هذا المال وأن تتصرفي فيه بانفراد أو تطالبيهم بإخراج هذه الشركة التي تتعامل فالربا عن الشركة في بقية المال فإذا لم يمكن هذا فلا بد أن تأخذي نصيبك من هذا المال المشترك وأن تتجري فيه على وجهٍ لا يكون فيه ربا وبهذا تتخلصين من هذا العمل. ***
المستمع ي س غ من جدة يقول لقد انتشرت في زماننا هذا الشركات التجارية بأنواعها المختلفة وكثر المساهمون فيها بأموالهم بحثًا عن الربح ولكن الذي يحدث أن بعض المساهمين يحصل على ربح ليس من عمل تلك الشركة ولكنه من المتاجرة بسندات الأسهم التي ساهم بها فيبيع السند الذي قيمته مثلًا مائة ريال يبيعه بمائتين أو أكثر حسب قيمة هذه السندات في وقته ذاك فهل هذا التعامل بهذه الطريقة صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التعامل صحيح إذا كانت الشركة التي ساهم فيها خالية من الربا فإن بيع الإنسان نصيبه من الشركة بربح جائز ولا حرج فيه لكن بشرط أن يكون معلومًا بين البائع والمشتري فيعرف أن له مثلًا عشرة أسهم، خمسة عشر سهمًا من كذا وكذا حتى لا يبقى الأمر مشكلًا فإذا كان معلومًا فإنه لا بأس به سواء كان ذلك في شركات أو في مساهمات عقارية أو غير هذا. ***
الطيب علي الصادق سوداني مقيم بالدوادمي يقول عندي مبلغ من المال أعطيته أحد الأخوان ليشتغل به في التجارة واتفقنا على أن الفائدة تكون بيننا فما الحكم في ذلك هل حلال أم حرام وأمرت أيضًا هذا الأخ الذي أعطيته المبلغ بأن يخرج لي زكاة هذا المبلغ كل ما يحول عليه الحول فالتزم لي بذلك ولكن مضت عليه سنتان لم أعرف عنه شيئًا هل أخرجها أم لا فما الحكم بالنسبة لي أنا إذا كان لم يخرجها هل يجب علي إخراجها أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن مسألتين المسألة الأولى هل هذه المعاملة صحيحة وهي أن تعطي شخصًا مالًا يتجر به وما حصل من الربح فهو بينكما والجواب على ذلك أن هذه معاملة صحيحة وهي جائزة بالإجماع وتسمى المضاربة وذلك لما فيها من المصلحة للطرفين فالعامل حصل له مصلحة بنصيبه من الربح وصاحب المال حصل له مصلحة بنصيبه من الربح وصاحب المال منه المال وذاك منه العمل فصاحب المال حصل له بماله هذا الربح مع راحته وعدم تعبه وذاك العامل حصل له نصيبه من الربح مع تعبه لكن بدون مال يشغله بهذه المعاملة والمهم أن هذه المعاملة جائزة ولا حرج فيها وأما المسألة الثانية التي تضمنها هذا السؤال فهي أنك وكلته بإخراج زكاتك كل عام وهذه الوكالة أيضًا صحيحة فإن التوكيل في إخراج الزكاة جائز وكذلك التوكيل في ذبح الهدي جائز في ذبح الأضحية كذلك جائز وإذا كنت قد شككت هل أدى الزكاة في السنتين الأخيرتين فاسأله إن كان قد أخرج الزكاة فقد أخرجها بوكالتك إياه ويكون إخراجه مجزئًا وإن كان لم يخرجها فأخرجها أنت. فضيلة الشيخ: إن أخرجها واتضح له بعد ذلك أن صاحبه هذا الموكل قد دفعها فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخرجها وتبين أن صاحبه قد أخرجها فإن ما أخرجه أخيرًا يكون تطوعًا لأن ذمته برئت بإخراج وكيله ويكون هذا المال صدقة حتى ينبغي أن نعرف قاعدة ذكرها أهل العلم وهي أن كل فرض أداه الإنسان يحسب أنه عليه فتبين أنه لم يكن فإنه ينقلب نفلًا ومن هذا لو أن الإنسان صلى قبل دخول الوقت ظانًا أن الوقت قد دخل فإنه إذا دخل الوقت يجب عليه أن يصلى في الوقت وتكون صلاته الأولى نفلًا وكذلك لو صلى ظانًا أنه أخل في صلاته بشيء يوجب عليه الإعادة ثم تبين له إنه لم يخل فإن صلاته الثانية تكون نفلًا. ***
لدي مبلغ من المال وأريد أن أستثمره أو أقوم بتشغيله لدى تاجر أدوية وهذا التاجر رفض أن أكون شريكه له في العمل بالمبلغ الذي ساهمت به وهذا المبلغ كبير ولكن سوف يضم مالي مع ماله ويشتغل به على أن يعطني نسبة من الأرباح شهريًا أو كل ثلاثة أشهر حسب الاتفاق بيننا فضيلة الشيخ هل تعد هذه النسبة من المال والربح الحلال والكسب المشروع من تجارة أو تعد مثل الفوائد البنكية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المعاملة معاملة صحيحة وهي من المضاربة والمضاربة أن يعطي الشخص مالًا لشخص آخر ويقول له اتجر به ولك من الربح كذا وكذا بالنسبة يعني لك من الربح نصفه أو ربعه أو ثلثه أو أقل أو أكثر وهي جائزة ولكن لو قال أعطني من الربح كل شهر مائة أو ما أشبه ذلك هذا لا يحل لأنه لابد أن يكون نصيبه من الربح نصيبًا مشاعًا ليشتركا في المغنم والمغرم ولا فرق بين أن يشتغل العامل الذي أعطي المال يتجر به لا فرق بين أن يشتغل بالمال منفردًا أو يضمه إلى مال له ويتجر بهما جميعًا. ***
عمر اليوسف ويقول هل يجوز إعطاء شخص مبلغًا من المال ليعمل به ويتم اقتسام المربح الخاص مناصفة أي نسبة كانت أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذه المعاملة التي سأل عنها السائل وهي أن يقوم شخص بدفع دراهم معلومة لآخر ويقول اتجر بهذه الدراهم فما حصل من الربح فهو بيننا أنصافًا أو لي ربعه ولك ثلاثة أرباع أو لي ثلاثة أرباع ولك ربعه حسب ما يتفقان عليه نقول إن هذه المعاملة لا بأس بها وهي جائزة وقد نقل بعض العلماء إجماع المسلمين على جوازها وهذه تسمى المضاربة مأخوذة من قوله تعالى (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) وفيها مصلحة الطرفين فصاحب المال ينتفع بالربح الحاصل من تشغيل ماله والعامل ينتفع بما حصل من الفائدة من هذه الدراهم التي كان لا يجدها لولا أن الله يسر له هذا الرجل ولكن يجب أن نعلم أن هذا العقد لابد أن يكون خاليًا من شبه القمار والميسر بمعنى أن يكون الغرم والغنم بين صاحب المال والعامل على السواء وذلك بأن يكون الجزء المشروط للعامل جزءًا مشاعًا معلومًا كالنصف والربع والثلث والثمن والعشر وما أشبهها وبناء على ذلك لو قال خذ هذه الدراهم اتجر بها لك ربحها في الشهر الأول ولي ربحها في الشهر الثاني فإن هذا لا يجوز لأنها قد تربح كثيرًا في الشهر الأول ولا تربح في الثاني وقد يكون العكس وكذلك لو قال خذ هذه الداراهم اتجر بها وربحها في مكة لك وربحها في المدينة لي فإن هذا أيضًا لا يجوز لأنها قد تربح كثيرًا في مكة ولا تربح في المدينة أو بالعكس وكذلك لو قال خذ هذه الدراهم واتجر بها وربحها من السيارت لك وربحها من الأقمشة لي فإن هذا أيضًا لا يجوز لأنها قد تربح كثيرًا من السيارات دون الأقمشة أو بالعكس وكذلك لو قال خذ هذه الدراهم اتجر بها لك ربحها ألف ريال والباقي لي أو لي من ربحها ألف ريال والباقي لك فإن هذا لا يجوز وذلك لأنها قد تربح ألف ريال فقط فيكون من له الألف رابحًا والثاني غير رابح وقد لا تربح ألف ريال وقد تربح عشرات الآلاف فهذا أيضًا لا يجوز وكذلك لا يجوز إذا قال خذ هذه الدراهم اتجر بها فما حصل من الربح فلك نصفه ولي نصفه وما حصل من خسارة فعليك نصفها وعلي نصفها فإن هذا لا يجوز أي أنه لا يجوز أن يشترط شيئًا من الخسارة على العامل بل الخسارة كلها على صاحب المال فلا بد من مراعاة هذه الأمور التي تفسد هذه المعاملة فإذا لم يكن فيها مانع يمنع من صحتها فإنها صحيحة ولا حرج فيها. ***
المستمع عبد الله أأ من الرياض يقول بأنه تشارك مع زميل له في عمل مشروع طيب تجاري، الزميل الأول دفع المال يقول وأنا بجهدي وعرقي وجدي وعلاقاتي هذا ما اتفقنا عليه ورضي كلٌ منا بالعمل والفكرة والمشروع وحيث إنه لم يعمل معي فأنا الذي أقوم بإدارة المشروع والتعقيب والشراء والبيع أما هو فكما ذكرت فلا يعمل شيئًا إلا إذا صفينا الربح آخر كل ستة شهور يعود إلينا ويأخذ ما كسبناه يقول ولكن بعد نجاحنا ومكسبنا الحلال خلال سنتين تغيرت النية حيث أفاد بأن يأخذ أكثر من نصف المربح نظرا لأنه مساهم بالمال واحترت أنا لأنني لم أكتب معه ورقة نظرا لالتزامه ودينه فبماذا ترشدونني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العقد الذي ذكره أخونا هو عقد مضاربة وعقد المضاربة عقد شرعي فإذا انطبقت الشروط صحة المضاربة عليه صار عقدا صحيحا والمضاربة أن يكون من أحد الشريكين المال ومن الآخر العمل كما في هذا السؤال ويكون بينهما الربح على ما اشترطاه قد يشترطان أن الربح بينهما نصفين وقد يشترطان أن الربح بينهما أثلاثا للعامل الثلث ولصاحب المال الباقي أو بالعكس المهم أن توزيع الربح يكون على حسب ما شرطاه فإذا اشترطا أن الربح بينهما نصفان فهو بينهما نصفان وإذا اشترطا خلاف ذلك فعلى ما شرطاه لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والأمر بإيفاء العقود يشمل أصل العقد ووصفه الذي هو الشروط ولقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) والعقد بين الطرفين عهد والتزام من كل واحد منهما للآخر بما يقتضيه العقد إلا أن عقد المضاربة من العقود الجائزة أي التي يملك كل واحد من المتعاقدين أن يفسخ العقد إذا لم يكن في ذلك ضررٌ على الآخر فإذا كان في الستة أشهر الماضية على أن الربح بينكما نصفين ثم طالب صاحب المال أن يكون حظه من المال أكثر فهو حر وأنت أيضا حر إن شيءت فوافق على ما طلب وإن شيءت فافسخ الشركة وإذا تفرقتما عن حسن نية فأرجوا الله ﷾ أن يغني كلًا من سعته وإن بقيتما على حسن نية فقد ثبت عن النبي ﵌ أن الله قال (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) وخلاصة الجواب أن العقد بينكما إن شيءتما استمررتما عليه على الشرط الأول وإن شيءتما عدلتما في الشروط حسب تراضيكما وإن شيءتما فسختم العقد لأن العقد عقد المضاربة من العقود الجائزة. ***
هناك شخص يعرض علي أن أعطيه رأس مالٍ لمشروعٍ تجاري أو شركة وحيث أنني ليس لدي أي خبرةٍ في التجارة وأخشى على مالي من الضياع ولكنه هو يريد التجارة فهو يقترح علي أن يجنبني الخسارة بمعنى أن يضمن لي نسبة ربحٍ ثابتة شهريًا وليس لي دخلٌ لا بالحساب الكلي لهذه التجارة ولا بالخسارة لو حدثت علمًا بأنه كأي مشروعٍ تجاري خالٍ من أي معاملاتٍ محرمة أو تجارة فيما لا يرضي الله فهل ما يقترحه علي بأن يجعل لي نسبة ربحٍ ثابتة شهريًا حلالٌ أم حرام وهل يدخل هذا تحت الربا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حرام ولا يجوز للإنسان أن يعطي ماله شخصًا يفرض عليه كل شهرٍ قدرًا معينًا سواءٌ ربح المال أم خسر لأن هذا من الميسر إذ أن المال قد يربح شيئًا كثيرًا يكون ما أعطاك بالنسبة إليه شيئًا قليلًا وقد يربح شيئًا قليلًا يكون ما أعطاك بالنسبة إليه كثيرًا وقد لا يربح شيئًا فيخسر هذا العامل من ماله ومثل هذا ما جاء به النهي في باب المزارعة من حديث رافع بن خديج قال (كان الناس يؤاجرون في عهد النبي ﷺ على الماذينات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك نهى عنه النبي ﵊ يعني كانوا يجعلون لصاحب الأرض شيئًا معينًا معلومًا إما أصوعًا معلومة من الزرع وإما جهةً معينة من الأرض وهذا محرم فهذا الذي ذكرت مثله ولكن الطريق السليم إلى ذلك أن تعطيه مالك يتجر فيه ويكون له من الربح نسبة معينة كنصف الربح أو ربعه أو ثلثه أو ما أشبه ذلك مما تتفقان عليه فيكون هو منه العلم وأنت منك المال والربح بينكما حسب ما تتفقان عليه وهذه هي المضاربة التي أجازها أهل العلم. ***
السائلة ن ف تقول عندي مبلغ من المال ما يقارب من ألفي ريال أعطيت هذا المبلغ لرجل يبيع ويشتري فيه وفي آخر العام أعطاني عشرين ألفًا وأنا لا أدري كيف أشتغل بها هل هذا حرام أم حلال فأرجو إفادتي في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حلال لا إشكال في جواز أخذه لأن الرجل الذي أعطى هذا المال لم يعطه إياه إلا على وجه الأمانة فلولا أن صاحب المال قد ائتمنه ورأى أنه أهل للائتمان لم يعطه المال وإذا كان كذلك فالأصل في تصرفات المسلمين أنها على الوجه الشرعي ولا ينبغي أن نسأل كيف تصرفت فيها لأن الأصل السلامة اللهم إلا أن يرد شبهة فحينئذ لا بأس أن نسأل وما دام لم ترد الشبهة فالأصل السلامة وهذا الربح الذي حصل للسائلة ربح حلال لا غبار عليه وبهذه المناسبة أود أن نبين أن هذا النوع من التصرف وهو إعطاء المال لشخص يتاجر به وكونه له نصيب من الربح يسمى عند العلماء المضاربة وفيه خير وبركة لا سيما حسن النية فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما) وهذا النوع من العقود فيه بركة كما قلت من بركته أنه ينمي المال لصاحب المال بلا تعب منه وأنه يفتح باب العمل والرزق للطرف الآخر الذي ليس عنده مال فيكون هذا مكتسبًا بعمله وصاحب المال مكتسب بماله فلو أن الناس سلكوا هذا وأعطوا من يثقون به دراهم يتجر بها ويكون الربح بينه وبين صاحب المال على حسب ما يتفقان عليه لحصل خير كثير لهؤلاء العاطلين الذين لا يريدون أن يعملوا بأبدانهم عند الناس كصناعيين أو بنائين أو ما شابه ذلك وليس عندهم مال يتجرون به فإذا أحسن إليهم أحد من الناس وقال خذ هذا المال تصرف به بالبيع والشراء وما أحل الله والربح بيننا كان في هذا خير كثير ومع النية الصالحة يبارك الله للشريكين في هذا المال. ***
يقوم بعض مدراء المدارس بجمع مبالغ نقدية من الطلبة للمساهمة في فتح ما يسمى بالمقصف لتقديم بعض المأكولات الخفيفة والمشروبات وبعض اللوازم المدرسية للطلاب على أن يوزع الأرباح في آخر العام بين الطلبة ولكن ما يثير شكي في هذا الموضوع أن بعضهم يحدد للطلاب ربحًا معينًا فيقول مثلًا الذي يدفع عشرة ريالات يأخذ آخر العام خمسة عشر أو عشرين فما الحكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه لا يجوز أن يحدد الربح لأن هذا المال يجب أن يكون ربحه قليلًا كان أو كثيرًا للذين بذلوه وساهموا في ذلك ولا حرج أن يجعل شيئًا من الربح للقائمين على ذلك ولكنه يكون شيئًا مشاعًا فيقال مثلًا للقائمين على هذا المقصف العاملين فيه لهم نصف الربح أو لهم الثلثان أو لهم الثلث أو الربع حسب ما يراه مدير المدرسة ملائمًا للعدل أو يجعل الربح كله للمساهمين ويجعل للقائمين على هذا المقصف أجرة شهرية معينة وأما أن يُجعل ربح معلوم بالتعين لا بالإشاعة للمساهمين فإن هذا لا يجوز وذلك لأن المقصف قد يربح بقدر هذا الجزء المعين وقد يربح أكثر وقد يربح أقل وهذه معاملة مبنية على الخطر وكل معاملة مبنية على الخطر فإنها تكون من الميسر الذي قال الله تعالى فيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . ***
المساقاة والمزارعة
السائل هادي ناصر يقول ما هي المساقاة والمزارعة وما حكمهما والحكمة من تشريعهما مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المساقاة والمزارعة نوعان من المعاملات التي أحلها الله تعالى ورسوله لعباده وليعلم أن الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه بخلاف العبادات فالأصل فيها المنع والتحريم إلا ما قام الدليل على مشروعيته وكون الأصل في المعاملات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه يدل على رحمة الله تعالى بعباده وحكمته لأن الناس يحتاجون إلى معاملات متعددة وربما تحدث أشياء لا يحيط بها الحصر ولو حصرت للناس لكان فيها تضييق ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل المعاملات حلالًا إلا ما قام الدليل على منعه ومن ذلك المساقاة والمزارعة المساقاة تكون على الشجر والمزارعة تكون على الأرض مثال ذلك إنسان عنده بستان فيه أشجارٌ من نخيلٍ وأعنابٍ وتين وبرتقال وغيرها فيتفق مع شخص على أن يقوم هذا الشخص بسقيها ومؤنتها وما يصلحها بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من ثمرتها فيقول مثلًا خذ هذا النخل قم على إصلاحه ولك نصف الثمرة أو ربع الثمرة أو ما يتفقان عليه ولا يحل أن يقول خذ هذا النخل أو البستان قم عليه ولك من ثمرته مائة صاع أو مائة كيلو أو لك الجانب الشرقي ولي الجانب الغربي أو لك الجانب الشمالي ولي الجانب الجنوبي وما أشبه ذلك لحديث رافع بن خديج ﵁ قال (كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن كراءٌ للناس إلا هذا فلذلك زجر عنه أي زجر عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأما شيء معلوم مضمونٌ فلا بأس به) والشيء المعلوم المضمون هو السهم المشاع وذلك لأنك إذا جعلت للعامل شيئًا مقدرًا غير مشاع أدى إلى الغرر العظيم إذ قد لا تنتج الثمار إلا هذا القدر الذي جعلته للعامل وحينئذٍ تبقى أنت بلا فائدة وقد تنتج الثمار شيئًا كثيرًا كان العامل يظن أن ما اشترطه لنفسه يساوي العشر مثلًا أو النصف فإذا صار الإنتاج كثيرًا صار لا يساوي إلا أقل مما قدر فيكون في هذا جهالة وكذلك إذا كان يساقيه على شيء معلوم بالمكان بأن يقول لك الشرقي ولي الغربي أو ما أشبه ذلك فإنه ربما يهلك الشرقي المشروط للعامل فيخسر بدون فائدة وربما يهلك الغربي المشروط لصاحب الأرض أو لصاحب النخل فيتضرر كذلك فلهذا لا تصح المساقاة إلا على سهم معلوم مشاع كنصفٍ وثلثٍ وربع وما أشبه ذلك واختلف العلماء ﵏ هل يجوز أن يؤجر النخل بأجرة معلومة كل سنة لصاحب النخل ويكون للعامل الثمرة كلها بأن يقول خذ هذا النخل لمدة عشرة سنوات لك ثماره وتعطينا كل سنة مائة ألف أو أقل أو أكثر فجمهور العلماء على أن ذلك ليس بجائز لاحتمال الغرر لأن النخل قد يثمر ثمراتٍ كثيرة وقد لا يثمر إلا قليلًا وقد لا يثمر أصلًا تصاب الثمرة بآفاتٍ تفسدها ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ أجاز ذلك وقال كما يجوز إجارة الأرض بأجرةٍ معلومة ويكون الزرع كله للمزارع فكذلك إجارة النخل ولا فرق واستدل لذلك بأثرٍ عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه ضمن بستان أسيد بن حضير ﵁ في قضاء دينٍ له وما قاله شيخ الإسلام ﵀ هو عندي أقرب إلى الصواب لعدم الفارق المؤثر بين إجارة الأرض للزرع وإجارة الأرض للاستثمار وعلى هذا فتكون المساقاة لها وجهان الوجه الأول أن يعطي الفلاح النخل يقوم عليه بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من ثمره كنصفٍ وربعٍ وما أشبه ذلك الوجه الثاني الإجارة بأن يقول خذ هذا النخل لمدة عشرة سنوات قم عليه ولك ثمره وتعطيني كل سنة عشرة آلاف ريال مائة ألف ريال حسب ما يتفقان عليه وأما المزارعة فإنها تكون على الزرع الذي ليس بشجر وهي أن يعطى الرجل أرضه لشخص يزرعها بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من الزرع كالثلث والربع ونحو ذلك فيقوم المزارع بزراعة الأرض ويكون ما يخرج من الأرض بينهما على حسب ما اشترطاه لكن لا بد أن يكون جزءً مشاعًا معلومًا فلو قال مثلًا لك من الزرع مائة صاع والباقي لي فإن ذلك لا يصح لأن الزرع ربما لا يكون إلا بمقدار مائة صاع فيخسر العامل وربما يكون أصواعًا كثيرة لم تكون في تقدير المالك فيخسر المالك وهذا شبيهٌ بالقمار ولذلك نهي عنه وهكذا أيضًا لو قال لك الزرع الشرقي ولي الزرع الغربي أو لك الشمالي ولي الجنوبي فإن ذلك لا يصح أيضًا لأنه ربما يهلك الجانب الذي لأحدهما فيكون الآخر مغبونًا والمزارعة على وجهين كالمساقاة هذا أحدها أن يعطيه الأرض بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ على ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع وما أشبهها والوجه الثاني أن يعطيه الأرض إجارة بأن يقول خذ هذه الأرض وازرعها لمدة عشر سنوات وكل سنة تعطيني كذا وكذا من الدراهم لا مما يخرج منها فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وإن كان هذا يسمى إجارة لكنه نوعٌ من المزارعة ***
هل يجوز السقي بأجرة وكيف تتم المساقاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يريد هل يجوز أن نستأجر شخصا يروي النخلة أو الزرع فهذا جائز كذلك المساقاة أن أدفع نخلي إلى شخص يقوم عليه بسهم من ثمره فلا بأس أو يقوم عليه بأجرة شهرية مقطوعة فلا بأس (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) . ***
سائل من الرياض يقول ما هي المساقاة وما هي المزارعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المساقاة هي أن يدفع صاحب النخل نخله إلى شخصٍ يقوم عليه بالسقي وغيره وتكون الثمرة بينهما أي بين صاحب النخل وبين العامل إما أنصافًا أو أثلاثًا ثلثٌ للعامل وثلثان لصاحب الأرض على حسب ما يتفقان عليه فإذا أعطى صاحب الملك هذا الفلاح نخله ليقوم عليه بجزءٍ مشاع معلومٍ منه فهذه هي المساقاة أما المزارعة فهي أن يدفع أرضه لشخصٍ يزرعها ويقوم على الزرع ويكون الزرع بينهما حسب ما يتفقان عليه أنصافًا أو أرباعًا او أثلاثًا ولكن لا بد أن يكون السهم جزءًا مشاعًا معلومًا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه عامل أهل خيبر حين فتحها بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع) ولا يصح في المساقاة ولا المزارعة أن يُشترط لأحدهما جزء معين بالقدر أو معينٌ بالمكان بمعنى أنه لا يصح أن يقول أعطيتك نخلي مساقاةً على أن يكون لي من ثمره طنٌ ولك الباقي أو في الزرع كذلك أو يقول لك زرع الجهة الشرقية من الأرض ولي زرع الجهة الغربية من الأرض أو يقول لك زرع الشعير ولي زرع البر أو يقول في المساقاة لك ثمر السكري ولي ثمر البرحي أو ما أشبه ذلك كل هذا لا يجوز لا بد أن يكون السهم جزءًا مشاعًا معلومًا للطرفين. ***
لي أرض زراعية وقد سلمتها إلى أحد الفلاحين ليزرعها لنفسه مقابل عشرين ليرة في المائة آخذها منه هل هذا جائز وبماذا يسمى هذا النوع من التعامل الزراعي شرعا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز هذا يجوز لك أن تعطي أرضك من يزرعها بسهم من منتوجها بسهم مشاع كعشرين في المائة وهو الخمس أو أربعين في المائة وهو الخمسان أو خمسين في المائة وهو النصف وهكذا وذلك لأنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه عامل أهل خيبر حين فتحها عاملهم بما بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) أي بنصفه فيجوز لمن عنده أرض أن يعطيها من يزرعها بسهم مشاع من منتوجها ويسمى هذا معاملة ويسمى أيضا مزارعة. ***
ما حكم مزارعة الكفار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة للمزراعة فإن شاركه كعامل فلا بأس به وقد ثبت عن النبي ﷺ (أنه عامل أهل خيبر بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع) وهم كانوا كفارًا فإذا كان أعطاه أرضًا ليزرعها أو يغرسها أو ما أشبه ذلك بجزء ما يخرج منها فلا بأس به ***
سائل من السودان يقول رجل عنده أراضٍ زراعية واتفق مع شخص آخر أن يزرع هذه الأراضي ويعطيه نسبة خمسة وعشرين في المائة من الإنتاج علما بأن الرجل الذي يزرع هذه الأراضي عليه جميع التكاليف الزراعية هل تصح هذه النسبة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تصح هذه النسبة يعني يجوز لرجل عنده أرض زراعية أن يعطيها لمزارع يزرعها ويتفق معه على نسبة معينة كخمسة وعشرين في المائة وهو الربع أو خمسين في المائة وهو النصف أو ثمانين في المائة وهو معلوم ولكن لا يصح ان يقول خذ هذه الأرض وازرعها ولي الجانب الشرقي منها ولك الجانب الغربي أو يقول خذ هذه الأرض ازرعها ولي الحنطة ولك الشعير أو يقول خذ هذه الأرض وازرعها فيكون الزرع سنة لك وسنة لي فهذه الصور الثلاث لا يحل فيها عقد المزارعة أما إذا كانت النسبة معلومة بجزء مشاع فإن ذلك لا بأس به وقد ثبت عن النبي ﷺ (أنه عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) . ***
أخذت أرضًا زراعية من شخص ما ودفعت له رهنا فيها قدره خمسة آلاف ريال لمدة ثلاث سنين وزرعتها تلك المدة وحصدت ثمارها لنفسي ولم أعطه شيئًا منها ورغم ذلك كان المحصول يعادل نصف قيمة الرهن فقط وبعد نهاية المدة استلم أرضه وأعاد إلى ثمن الرهن كاملًا فما الحكم الشرعي في هذا التعامل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بمفهوم كما ينبغي ولكن يبدو لي أنه قد اتفق مع صاحب الأرض على أن يعطيه شيئًا من المحصول وأن صاحب الأرض استوثق لنفسه بأخذ هذا الرهن وأنه لما انتهت المدة التي تمت بينهما لم يعطه شيئًا من محصول الأرض وأخذ الدراهم التي رهنها عند صاحب الأرض ثم انصرف فإذا كان الأمر كما فهمت من هذا السؤال فإنه يجب عليك الآن أن تذهب إلى صاحب الأرض وأن تعطيه نصيبه من الغلة التي أخذتها من هذه الأرض وأن تتوب إلى الله ﷿ من هذه المعاملة وأن تكون صريحًا في معاملاتك لا تخفي معاملة على أخيك المسلم الذي جرى بينك وبينه مثل هذه المعاملات. ***
الإجارة
يقول السائل ماحكم نقض الاتفاق بين الأجير وصاحب العمل استغلالا لحاجته بمعرفته بأنه سيرضخ لطلباته فقد حصل وأن اتفقنا مع هذا الكفيل على أن يعطينا راتباُ شهريًا ويتحمل هو مصاريف الأكل والشرب وبعد مضي مدة رجع في كلامه وقال تحملوا أنتم مصاريف أكلكم وشربكم فإن رضيتم وإلا فعودوا إلى بلدكم وتحت وطأة الحاجة والضرورة عندنا رضينا بذلك فهل يجوز له ذلك بعد أن وافق على شرطنا ونحن في بلدنا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لولا أني أخشى أن تكون هذه المعاملة السيئة موجودة مع غير كفيلكم ما أجبت عليها ولكني أقول إن هذا العمل عمل محرم وهو غير لائق بالمؤمنين وإن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ويقول ﷾ (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) وإذا كان الاتفاق بينكم وبين هذا الرجل على أن يقوم بما أديتموه ثم بعد ذلك يستغل الفرصة فيمتنع من إقامتهم فيقول إما أن تبقوا ويكون المصروف عليكم أو ترجعوا إلى بلادكم فلا شك أن هذا والعياذ بالله عمل محرم وخداع لا يليق بالمؤمن فنصيحتي له أن يخاف الله تعالى ويتقيه وأن يعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأنكم سوف تتعلقون به يوم القيامة مطالبين بحقكم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) وأن يعلم أن ما خلفه من هذا المال الذي وفره بهذه الطريق المحرمة فإنه يكون عليه نارًا والعياذ بالله يعاقب عليه يوم القيامة ويكون ثماره لمن يأتي بعده من الورثة إنني أؤكد عليه مادام في زمن المهلة وزمن الحياة أن يتقى الله ﷿ وأن يرد إليكم ما اتفقتم معه عليه وأن يتحللكم مما صنع بكم من هذا المماطلة وهذه المخادعة ونسأل الله لنا وله حسن الختام والعاقبة الحميدة. ***
م ع أالسعودية جدة مواطن عربي بالمملكة يقول إنني مواطن عربي أعمل بالمملكة العربية السعودية وإنني أعمل مع الكفيل السعودي على خير وجه ومنذ فترة جاءتني فرصة عمل خارجية أي بعيدًا عن المؤسسة ونتج عن عملي هذا أنني حصلت على أجر وهذا بغير علم الكفيل ويعلم الله أنني كنت محتاجًا إلى هذا المبلغ فإنني أتسأل هل هذا المبلغ الذي حصلت عليه حرام مع العلم أن هناك شرط من شروط التعاقد يقول بعدم العمل لدى الغير بأجر أو بدون أجر أفيدوني وفقكم الله إلى هداية المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول ما دام بينك وبين كفيلك شرط وهو أن لا تعمل عند غيره بأجر ولا بغيره فإنه لا يجوز لك أن تعمل عند غيره بأجر فإن فعلت فهو محرم عليك ويجب عليك في مثل هذه الحال أن تبلغ كفيلك بما فعلت لأن فعلك هذا منافٍ لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) والأمر بالوفاء بالعقود أمر بالوفاء بأصلها ووصفها وهو الشرط الذي اشترط فيها إذا لم يكن مخالفًا لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ فالواجب عليك إذن مراجعة كفيلك في هذا الأمر. ***
عبد المطلب سوداني مقيم بشقراء يقول ما توجيه فضيلة الشيخ إلى رجلٍ استأجر عاملًا براتبٍ اتفقا عليه فيما بينهم ولكن عند نهاية الشهر نقص من أجره بحجة أن عمله قليل أثابكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا استأجر الإنسان أجيرًا واستوفى حقه من الأجير كاملًا ونقص من أجره يعني لم يعطه الأجرة كاملة فإن الله تعالى خصمه يوم القيامة قال الله تعالى ثلاثة في الحديث القدسي (ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة رجلٌ أعطى بي ثم غدر ورجلٌ باع حرًا فأكل ثمنه ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) أما إذا كان الأجير قد نقص شيئًا من العمل المتفق عليه فهذا ينظر فيه قد يكون لعذر وقد يكون السبب المستأجر وقد يكون لغير عذر ولكنه متلاعب ولكل حالٍ حكمه. ***
لدي محلات دكاكين وأريد أن أقوم بتأجيرها على بعض صوالين الحلاقة فهل في ذلك حرج فأجاب رحمه الله تعالى: في ذلك حرج إذا أجرت الدكاكين للحلاقين فإنه من المعلوم حسب العادة أن الحلاقين يحلقون كل شيء يحلقون الرأس ويحلقون اللحية بل ربما كان حلق اللحى لديهم أكثر من حلق الرؤوس هذا هو العادة والغالب وعلى هذا فلا يجوز تأجير الدكاكين للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها اللحى فحينئذٍ لا بأس وإذا ثبت أنه حلق لحية في هذه الدكاكين كان لمؤجر الدكان أن يفسخ الإيجارة لأن المستأجر أخل بشرطٍ صحيح لم يوفِ به هذا هو الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة بمعنى أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقًا محرمًا كحلق اللحى ويدل لذلك أن تأجيرها إعانةٌ لهم على فعل هذا المحرم وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ويدل على تحريم أجرتها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر. ***
ما حكم الإسلام في خلو الرجل مثلًا هنالك شخص مؤجر دكان من آخر ومرت السنين وجاء صاحب الدكان إلى المؤجر لكي يُخلي له الدكان ولم يُطع المستأجر إلا بعد أن يدفع له صاحب الدكان مبلغًا من المال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إذا كان هذا المستأجر له مدة معينة وجاءه صاحب الدكان يطلب منه الخروج قبل انتهاء هذه المدة فلا حرج عليه أن يطلب عوضًا عن إسقاط حقه فيما بقي من المدة مثال ذلك أن يكون قد استأجر هذا الدكان عشر سنين ثم يأتيه صاحب الدكان بعد مضي خمس سنين ويطلب منه أن يُفرِّغ الدكان له فلا حرج على المستأجر حينئذٍ أن يقول أنا لا أخرج وأدع بقية مدتي إلا بكذا وكذا لأن هذا معاوضة على حق له ثابت بمقتضى العقد الذي أمر الله بالوفاء به في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أما إذا كانت المدة قد انقضت وكان بقاء المستأجر في هذا الدكان بمقتضى قانون من الدولة فإنه لا يجوز له أن يمتنع من الخروج إلا بعوض بمعنى أنه لا يجوز له أن يطلب عوضًا عن الخروج من هذا الدكان الذي قد تمت مدته بل يجب عليه أن يسلم الدكان إلى صاحبه بعد فراغ المدة ولا يأخذ منه عوضًا على ذلك لأن بقاءه في دكان بدون إذن مالكه مع انتهاء مدة الإجارة ظلم له والظلم محرم كما قال الله تعالى في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) . ***
لي مجموعة من العقار الشقق وأريد أن أؤجرها وعلمت من صاحب المكتب أن بعض هؤلاء الذين سيستأجرون هذه الشقق لا يصلى فما نصيحتكم لي مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي للإنسان إذا كان لديه عقار يؤجره سواء كان عمارة مشتملة على شقق كثيرة أو بيتا خاصا ألا يؤجره إلا لمن يُرضى في دينه وخلقه مساعدة لهذا المستأجر على مهماته وقضاء لحاجاته أما إذا كان المستأجر ممن عرف بالشر والفساد وترك الواجبات ولا سيما الصلوات فإنه لا ينبغي أن يؤجره لكني لا أجزم بالتحريم أي بتحريم تأجيره لأن هذا المستأجر لم يستأجر المكان ليختبئ فيه عن الصلاة لو كان الأمر كذلك لجزمت بالتحريم لكنه استأجره ليسكنه سكنا مباحًا فإذا عصى الله فيه فإن ذلك لا يقتضي تحريم تأجيره. ***
والدي أجّرَ عمارة على رجل لا يصلى ومكث ثلاث سنوات لا يؤدي الصلاة مع الجماعة هو وأولاده وبما أن المسجد قريب من العمارة لا يزيد عن خمسين مترًا انتهى العقد بيننا وبينه وهو مستأجر يرغب في تجديد العقد وقلت لوالدي لا تجدد عقد هذا الرجل لأنه لا يصلى فهل على والدي حرج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على الإنسان حرج إذا أجّرعلى من يترك واجبًا من الواجبات التي لا تخرجه من الإسلام وترك صلاة الجماعة لا يخرج من الإسلام لكن التارك آثم إلا أننا نشير على الأب إذا أراد تجديد العقد أن يشترط على المستأجر المحافظة على الصلاة مع جماعة لما في ذلك من المعونة على البر والتقوى ولما في ذلك من كف ألسن الناس عن القيل والقال فإن التزم بهذا الشرط فهذا المطلوب وإن لم يلتزم فالأفضل أن يؤجرها شخصًا تقيًا لله ﷿ فإن معاملة المتقين أفضل من معاملة غير المتقين. ***
فضيلة الشيخ رجل عنده أرض كبيرة واقترح عليه أحد الناس أن يبني عليها قصر أفراح ولكنه خشي أن يستخدم هذا القصر في بعض المحرمات كالغناء المحرم وغيره فهل ترون أن يقيم هذا القصر أم لا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أراء إذا كان هذا الرجل بإمكانه أن يقيم قصرًا يمنع فيه من الغناء والعزف وغير ذلك مما يصنعه بعض الناس في ليالي العرس أن يبني هذه الأرض قصرا لما في ذلك من الخير ودفع الشر أما إذا كان ليس في قدرته ذلك وأنه سيؤجر القصر مفلتًا يفعل فيه الناس ما شاؤوا فلا يبنِ هذا القصر وإني أقول له إذا بناه على النية الأولى أنه سيمنع المنكرات فيه فليبشر بالخير وليعلم أن الله سيهيئ له من يسرع إليه ليقيم حفل زواجه به لأن أهل الخير ولله الحمد كثير وإذا بناه لهذا الغرض وعرف الناس ذلك فأنهم سوف يقبلون إليه سراعا. ***
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية يقول نشاهد البعض في بلاد المسلمين يستأجرون قارئًا للقرآن الكريم هل يجوز للقاريء أن يأخذ أجرًا على قراءته وهل يأثم من يدفع له الأجر على ذلك وهل قراءة القرآن على الميت حرام إذا كانت للأجر نرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استئجار القارئ ليقرأ القرآن محرم ولا يجوز وذلك لأن قراءة القرآن من العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه وما كان من باب القربات فإنه لا يجوز أخذ العوض الدنيوي عليه ولا يجوز لأحد أن يعطي القارئ أجرًا فيعينه على إثمه لا سيما ما يفعله بعض الناس عند موت الميت يستأجرون قراءً ثم يعطونهم من تركة الميت وقد يكون في تركة الميت وصية وقد يكون له أيتام صغار وقد يكون عليه دين فتجدهم يأخذون من هذه التركة أموالًا طائلة من أجل أن يقرأ القارئ لميتهم وإني أقول لهؤلاء إن قراءة هذا القارئ ليس فيها أجر لأنه ما أريد بها وجه الله والشيء الذي لا يراد به وجه الله ليس فيه أجر وحينئذٍ لا يكون فيها إلا العناء وبذل المال في غير فائدة فالواجب على المسلم الحذر من هذا الشيء وعدم القيام به فالقارئ آثم والذي يعطيه الأجرة على قراءته آثمٌ أيضًا لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان وأما أخذ الأجرة على إقراء القرآن أي على تعليم القرآن فهذا مختلفٌ فيه والراجح أنه جائز لأن الإنسان يأخذه على تعبه وعمله لا على قراءته القرآن وقد ثبت عن النبي ﵊ أنه قال (إن أفضل ما أخذتم عليه أجرًا أو قال أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) وثبت عنه ﷺ أنه قال للرجل الذي لم يجد مهرًا قال (زوجتكها بما معك من القرآن) أي يعلمها ما معه من القرآن فتبين بهذا أن الاستئجار لقراءة القرآن محرم وفيه إثم وليس فيه أجر ولا ينتفع به الميت وأما الأجرة على تعليم القرآن فالصحيح أنها جائزة ولا بأس بها بقي أن يقال لو أن أحدًا من الناس قرأ للميت بدون أجرة فهل ينتفع الميت لذلك فنقول إن في هذا خلافًا بين العلماء فمنهم من يقول إن الميت لا ينتفع بأي عملٍ من الأعمال إلا ما جاءت به السنة فقط كالصدقة مثلًا والصوم عنه أو إذا مات وعليه حج نذر أو فريضة الإسلام وما لم ترد به السنة فإنه لا ينتفع به الميت لقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) وهذا العموم يخصص بما جاءت به السنة وما عداه فيبقى حكم العموم شاملًا له ولأن العبادات من الأمور التوقيفية فيوقف فيها ما جاءت به الشريعة ومن أهل العلم من قال إن الميت ينتفع بذلك لأن الأحاديث التي وردت عن النبي ﵊ قضايا أعيان فهي تدل على أن جنس هذا العمل أي العبادة نافعٌ لمن عمل له وهذا هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وهو المشهور من مذهبه وهو أرحج وقد ذكر الجمل في حاشيته على تفسير الجلالين على قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر من عشرين وجهًا كلها تدل على انتفاع الميت بعمل الغير له لكن مع هذا نقول إنه ليس من الأفضل أن تقرأ القرآن أو تصلى أو تتصدق وتهدي إلى الميت بل هو من باب الجائز لا من باب الأفضل المطلوب فالدعاء أفضل منه الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب له لأن الدعاء هو الذي أرشد إليه النبي ﷺ حين قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من عملٍ صالح أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فهنا قال (أو ولد صالح يدعو له) ولم يقل يعمل له مع أن الحديث في سياق العمل ولو كان العمل من الأمور المطلوبة لبينه رسول الله ﷺ. ***
المستمع فضل من السودان يقول هل يجوز أخذ أجر على قراءة القرآن وعلى الأذان وعلى الصلاة أم لا يجوز ذلك فأجاب رحمه الله تعالى: الإمام يشغل منصبًاَ دينيًا عظيمًا وإذا كان منصبه منصبًاَ دينيًا فإنه لا يحل له أخذ الأجرة عليه لأن أمور الدين لا تجوز المؤاجرة عليها وقد سئل الإمام أحمد ﵀ عن رجل قال لقوم لا أصلى بكم القيام في رمضان إلا بكذا وكذا فقال ﵀ نعوذ بالله ومن يصلى خلف هذا وأما أخذ الرَّزق من بيت المال على الإمامة فإن هذا لا بأس به لأن بيت المال يصرف في مصالح المسلمين ومن مصالح المسلمين إمامتهم في مساجدهم فإذا أعطي الإمام شيئًا من بيت المال فلا حرج عليه في قبوله وليس هذا بأجرة وكذلك لو قدر أن المسجد بناه أحد المحسنين وتكفل بجعل شيءٍ من ماله لهذا الإمام فإنه لا بأس بأخذه لأن هذا ليس من باب المؤاجرة ولكنه من باب المكافأة ولهذا لم يكن بين الإمام وصاحب هذا المسجد اتفاق وعقد على شيء معلوم من المال وإنما هذا الرجل يتبرع كل شهر بكذا لهذا الإمام وهذا ليس من باب المؤاجرة في شيء ***
المستمع للبرنامج رمز لاسمه بـ م. س. ل. مصري الجنسية يعمل بالرياض يقول عندي ولد يحفظ القرآن والحمد لله ومتفقه في الدين جيدًا ويعمل إمام جامع يخطب ويصلى لكنه يأخذ على ذلك أجرًا من صاحب المسجد هل هذا الأجر هو كل ما له عند الله من الأجر عن الإمامة لأنه أخذه من الدنيا أم يكون له أجر نرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العوض الذي يعطاه من قام بطاعة من الطاعات المتعدي نفعها للغير تنقسم إلى ثلاثة أقسام أحدها أن يكون ذلك بعقد الإجارة مثل أن يتفق هذا العامل القائم بهذه الطاعة مع غيره على عقد إجارة ملزمة يكون فيها كل من العوضين مقصودًا فالصحيح أن ذلك لا يصح كما لو قام أحد بالإمامة أو بالأذان بأجرة ذلك لأن عمل الآخرة لا يصح أن يكون وسيلة لعمل الدنيا فإن عمل الآخرة أشرف وأعلى من أن يكون وسيلة لعمل الدنيا الذي هو أدنى قال الله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) . القسم الثاني أن يأخذ عوضًا على هذا العمل على سبيل الجعالة مثل أن يقول قائل من قام بالأذان في هذا المسجد فله كذا وكذا أو من قام بالإمامة في هذا المسجد فله كذا وكذا فالصحيح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن ذلك جائز لأن هذا العمل ليس أجرة وليس ملزمًا. القسم الثالث وهو أن يكون العوض مبذولًا من بيت المال تبذله الدولة لمن قام بهذا العمل فهذا جائز ولا شك فيه لأنه من المصارف التي يصرف إليها بيت المال وأنت مستحق له بمقتضى هذا العمل فإذا أخذته فلا حرج عليك ولكن ينبغي أن يعلم أن هذه الأعواض التي تباح لمن قام بمثل هذه الوظائف لا ينبغي أن تكون هي مقصود العبد فإنه إذا كانت مقصوده حرم من أجر الآخرة أما إذا أخذها ليستعين بها على طاعة الله وعلى القيام بهذا العمل فإنها لا تضره وليعلم أن أخذ الأجرة على القراءة على المريض لا بأس بها لأنها ليست من هذا الباب وقد ورد في السنة على ما يدل على جوازها. ***
عثمان نوح صالح أبو جليلة يقول أنا أعمل في مصلحة حكومية ولكن راتبي الشهري الذي أتقاضاه لا يكفيني لأنني أعول أسرة كبيرة وأنا أعلم أولاد المسلمين كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة والتوحيد ولم أطلب من آبائهم أجرًا على ذلك لكنهم جعلوا لي خمسة عشر ريالًا عن كل تلميذ في الشهر الواحد نظرًا منهم لظروفي المعاشية فما حكم هذا المبلغ الذي أتقاضاه أفيدوني أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا المبلغ الذي تتقاضاه لا حرج عليك فيه لأنه جاء بدون شرط على أن القول الراجح أنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن بخلاف أخذ الأجرة على تلاوة القرآن فإنها محرمة وذلك لأن التعليم نفعه متعدٍ فإنه ينفع المتعلم فإذا أخذت أجرة على تعليم كتاب الله فلا حرج في ذلك وأما أخذ الأجرة على تلاوته فإن ذلك محرم لأن تلاوة القرآن لا تقع إلا قربة وعبادة وكل عمل لا يقع إلا قربة وعبادة فإنه لا يصح أخذ الأجر عليه لأنه يكون الإنسان مقدمًا للدنيا على الآخرة في مثل هذه الحال أما إن كنت تسأل عن هل الأولى أن تأخذ أو ألا تأخذ فإننا نقول لك الأولى أن لا تأخذ وأن تحتسب الأجر من الله ﷾ على تعليم كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ والتوحيد ولكن مع الحاجة كما وصفت عن نفسك لا بأس به لأنك تأخذ لدفع حاجتك واستعفافك عن الناس واستغنائك عنهم. ***
أنا أقرأ القرآن وهناك بعض الناس عندنا في القرية يأتون إلي بمبلغ من المال ويقولون خذ هذا المبلغ وأقرأ به من ما تيسر من القرآن الكريم على نية أحد الأقرباء من مات أو به مرض لعل الله أن يشفيه وأنا بدوري اقرأ من القرآن ما تيسر وأدعي لذلك المريض بالشفاء أو للميت بالرحمة قائلًا اللهم إني أسألك أن تشفي فلانًا أو ترحم فلانًا أفيدونا هل ما أخذته من مال في هذه الحالة حلال أم حرام مع العلم أنني لم آخذ هذا المال إلا لأنني بحاجة إليه وبماذا تنصحوني أن أفعل فأجاب رحمه الله تعالى: أخذك هذا المال محرم لأن الإنسان لا يجوز أن يأخذ مالًا على قراءة القرآن فإن قراءة القرآن من العبادات والعبادات يجب أن تكون خالصة لله تعالى لا يجوز للإنسان أن يريد بها عرضًا من الدنيا وعلى هذا فالمال الذي أخذته لا يحل لك ويجب عليك أن ترده إلى أهله إلا إن عفوا عنك وعليك أن تتوب إلى الله تعالى مما جرى منك وأما كونك محتاجًا فإنه لا يبرر لك أخذ هذا المال لأنه بغير حق وأما إذا ذهبت إلي المريض نفسه وقرأت عليه ما يرجى أن يكون فيه شفاء كفاتحة الكتاب فإن هذا لا بأس أن تأخذ شيئًا مما يعطونك إياه بل لا بأس أن تقول لا أقرأ على هذا المريض إلا بهذا الشيء المعين وذلك لأن هذه القراءة يستفيد منها المقروء عليه والعوض الذي تأخذه عوض على عمل لا على نفس القراءة. ***
سؤاله الثاني يقول. يقول الله تعالى في سورة البقرة (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) ما معنى هذه الآية وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآيات الكريمة أن الله ﷾ توعد أولئك الذين يفترون عليه كذبًا فيكتبون بأيديهم كلامًا ثم يقولون للناس هذا من عند الله من أجل أن ينالوا به حظًا من الدنيا إما جاهًا أو رئاسة أو مالًا أو غير ذلك ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعًا على كتابتهم الباطلة وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة أما الذين يكتبون الحجب وهو ما يعلق على المريض لشفائه من المرض أو على الصحيح لوقايته من المرض فإنه ينظر هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها أو كتب فيها أشياء محرمة كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك فإن تعليقها لا يحل بكل حال وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم والراجح أنه لا يحل تعليقها وذلك لأن التعبد لله ﷾ بما لم يشرعه الله بدعة ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سببًا لم يجعل الله سببًا نوع من الشرك وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء لا من القرآن ولا من غيره ولا أن يعلق على الصحيح شيء لا من القرآن ولا من غيره وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك فإنه لا يجوز. ***
توجد أرض لشخص يقال إنه أخذها من واحد قال له إذا أنت ترغب في أخذ هذه الأرض ملكًا فيجب أن تقرأ كل يوم جزءًا من القرآن بعد صلاة الفجر وأخذ هذا الرجل الأرض بذلك الشرط والآن هذا الشخص يريد أن يسلم هذه الأرض لأنه عاجز عن الاستمرار في القراءة لكبر سنه وأولاده لا يقرؤون القرآن وهو يخاف أن يموت أو يحدث له أي مكروه بسبب ترك الأرض عند أولاده فيقول كيف يعمل في هذه الأرض لأن جميع الناس عندهم رفضوا أخذها بسبب شرط القراءة فكيف يتصرف فيها وما حكم أخذها وتملكها بذلك الثمن الذي هو القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصيغة على وجهين إن كان صاحب الأرض أراد أن يجعلها أجرة لمن يقرأ له هذا القدر كل يوم فإن هذه الأجرة لا تصح لأن القراءة من أعمال القرب وأعمال القرب لا يجوز أخذ الأجرة عليها وإن كان صاحب الأرض قد أوقفها على من يقرأ كل يوم جزءًا فيكون هذا قد أوقفها على القراء فمن لم يكن قارئًا فإنه لا يستحق منها شيئًا وعلى هذا أو على التقديرين كليهما لابد أن تسلمها إلى المحكمة الشرعية وهي التي تتولى أمرها والله الموفق. ***
الأخت ك. م. ع. من العراق محافظة البصرة تقول توفي رجل كان يتصف بالكرم وحسن الخلق ولكنه لم يكن يصلى ولا يصوم وبعد وفاته دفع أهله مبلغ ثلاثة آلاف دينار لشخص آخر لكي يصلى عنه قضاء ما فاته من صلوات ويصوم عنه فهل يصح ذلك شرعًا وما حكم أخذ المال عن ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل الذي توفي وهو لا يصلى ولا يصوم توفي والعياذ بالله على الكفر لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم والذي تؤيده نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ﵃ أن تارك الصلاة كافر أما جاحد الصلاة فإنه كافر ولو كان يصلى والنصوص الواردة إنما وردت في الترك لا في الجحود فلا يمكن أن نلغي هذا الوصف الذي اعتبره الشرع بأن نحمله على الجحود كما فعل بعض أهل العلم يحمل النصوص الواردة في تكفير تاركها على من تركها جحودًا فإن هذا الحمل يستلزم إلغاء الوصف الذي علق الشارع الحكم عليه واعتبار وصف آخر لم يكن مذكورًا كما أن هذا الحمل متناقض وذلك لأن الجاحد كافر ولو صلى حتى لو كان يصلى مع الجماعة ويتقدم إلى المسجد وهو يعتقد أن الصلوات الخمسة غير مفروضة عليه وأن ما يفعله على سبيل التطوع فإنه كافر تبين بهذا أن حمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جحودًا حملٌ غير صحيح وليس في محله وعلى هذا فيكون هذا الرجل الذي مات وهو لا يصلى يكون كافرًا يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف والعياذ بالله أما ما بذلوه لهذا الرجل ليصوم عنه ويصلى عنه فإن هذا ليس بصحيح لأنه لا يصح عقد الإجارة على أي عمل من أعمال القربة فلا يصح أن يقول شخص لآخر أؤجرك على أن تصلى عني أو تصوم عني وإنما اختلف العلماء في الحج على خلاف ليس هذا موضع ذكره وهذا المال الذي أخذه أخذه بغير حق فالواجب عليه أن يرده إلى أهله لأنه أخذه بغير حق والصلوات التي صلاها لا تنفع هذا الميت لأنه غير مسلم وغير المسلم لا ينفعه أي عمل من الأعمال حتى عمله هو بنفسه لا ينفعه لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) ولقوله تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) . فضيلة الشيخ: هذا لأنه غير مسلم فقط أم لأنه أيضًا لا يجوز الإجارة عن القرب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكرنا الوجهين حتى لو كان مسلمًا لا يجوز أن يؤاجر من يصلى عنه أو يصوم عنه. ***
المستمع فرج الحربي من جدة يقول والدي توفي وترك ميراثًا مع وصية بثلث مما يملك صدقة عنه لله وبعد وفاة الوالد وقبل تقسيم الميراث توفيت الوالدة تاركة وصية بثلث من ميراثها صدقة لله تعالى وبقي من الورثة أربع بنات وابنان ولم يتفقوا على كيفية قسمة الميراث مع الوفاء بوصيتي الأب والأم فكيف العمل في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما تركة والدكم فإنها يؤخذ منها الثلث أولًا من أجل صرفه إلى الوصية ثم يقسم الباقي فتأخذ والدتكم وهي زوجته إن كانت باقية في ذمته حتى مات تأخذ الثمن والباقي يكون بينكم للذكر مثل حظ الأنثيين يكون لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم واحد وأما بالنسبة لتركة والدتكم فإنها ينزع منها الثلث أولًا من أجل صرفه فيما أوصت فيه ثم يقسم الباقي وهو الثلثان بينكم أيها الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. ***
أنا مدرس أدرس القرآن وآخذ على ذلك أجرًا فهل علي فهل في ذلك شيء يا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في أخذ الأجر على تعليم القرآن شيء بل قال النبي ﵊ (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) وكما أن الإنسان يشتري المصحف ليقرأ فيه بالدراهم كذلك لا حرج عليه أن يؤجر شخصًا يعلمه القرآن لكننا نقول الأولى بالشخص إذا أغناه الله ﷿ أن لا يأخذ على تعليم القرآن أجرًا لأنه يكتسب من الأجر إذا علم القرآن بدون أجرٍ دنيوي يكتسب أجرًا عظيمًا لأن قاريء القرآن له في كل حرف عشر حسنات والمعلم الذي لم يدرك المتعلم القرآن إلا به لا شك أنه يؤجر بمثل أجر القارئ لأنه دل على خير والدال على الخير كفاعله ولهذا ننصح إخواننا الذي يعلمون الناس كتاب الله ﷿ سواء في حلق المساجد أو كان في بيوتهم إذا كان الله قد أغناهم ننصحهم أن لا يأخذوا على تعليمهم أجرًا من الدنيا ليتوفر لهم أجر الآخرة (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فعلى هذا ننصح إخواننا بما ذكرنا ولكن لو أخذوا على هذا أجرًا فلا بأس. ***
هل يجوز لشخص أن يقرأ الفاتحة وبعد إكمال التعزية يقبض مالًا من صاحب التعزية فهل المال يعتبر حلالًا أم حرامًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا يجوز للمرء أن يأخذ شيئًا على تلاوة القرآن وإنما يجوز الأخذ على تعليم القرآن لأن التعليم عمل يتعدى نفعه إلي الغير بخلاف القراءة المجردة هذا من حيث أخذ المال وعليه فيجب على أخينا السائل أن يرد ما أخذه على صاحبه وأما قوله عن قراءة الفاتحة عند التعزية فنقول له إن هذا من البدع فلم يكن رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه يقرؤون الفاتحة عند التعزية وإنما كانوا يعزون المصاب بالميت بما يليق بحاله أي بما يكون سببًا لتقويته على تحمل هذه المصيبة لأن التعزية معناها التقوية وقد عزى رسول الله ﷺ إحدى بناته بقوله لرسول أرسلته إلى رسول الله ﷺ قال (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) فمثل هذه الكلمات العظيمة لاشك أنها تؤثر على المصاب تأثيرًا بالغًا يتحمل به المصيبة ويصبر عليها حيث يؤمن بأنه إذا احتسب على الله ﵎ أجر الصبر على هذه المصيبة وفاه أجره بغير حساب وكذلك بأن لله تعالى ما أخذ وله ما أبقى فالملك ملكه يتصرف فيه كما يشاء وكل شيء عنده بأجل مسمى لا يتعداه ولا يتقدم عليه فلا فائدة من الجزع وإن كان الإنسان بلا شك سوف يحزن كما قال رسول الله ﷺ عند موت ابنه إبراهيم (القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) ولكن على المرء أن يصبر ولا يحدث قولًا ولا فعلًا ينم عن التضجر وعدم الصبر. ***
كيف يتصرف من أخذ بيتنا صبرة ولماذا سميت صبرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصبرة مأخوذة من الصبر وهو الحبس وذلك لأن الأرض المصبرة والبيت المصبر محبوس عند المتصبر والمتصبر في عرف الناس كالمالك في تصرفه في رقبة الملك المتصبر فتجده يحرث ويزرع ويدق المطاب للماء حفر الآبار للماء وإذا كان في أرض سكنية يبني عليها ويؤجرها ويتصرف تصرف الملاك مادامت الصبرة باقية بخلاف المستأجر فلا يملك أن يتصرف فيما استأجره من بيت أو أرض إلا على وفق الشروط التي تم عقد الإجارة عليها. ***
السائل س ع أمن جدة هل يجوز الأخذ من العمال الذين تحت كفالتي فائدة خمسة وعشرين في المائة أو آخذ شهريًا خمسمائة ريال لأنهم بالراتب الشهري لا يعملون بإخلاص أفيدونا جزاكم الله كل خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استجلاب العمال من الخارج إذا كان بين هذا المستجلب وبين الحكومة وفقها الله شروطا معينة فالواجب عليه أولًا مراعاة هذه الشروط لأن الله ﵎ يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ويقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ويقول تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) فالواجب على من استجلب هؤلاء العمال أن يراعي أولًا الشروط الواقعة بينه وبين الحكومة ولا يخرج عنها فإذا كانت الحكومة ترضى أن يتعامل الجالب مع هؤلاء العمال كما يريد فإنه لا بأس أن يتفق معهم على نسبة معينة بشرط أن يكون له أثر في هذا العمل الذي اتفق معهم على نسبة معينة فيه بأن يكون هو الذي يتقبل الأعمال من الناس ويكون له تأثير ويكون هو المطالب وهم المنفذون فإذا اتفق معهم في مثل هذه الحال على شرط معين أي على سهم معين فلا حرج فيه ولكن كما أسلفنا لابد أن يكون ذلك لا يخالف ما اتفق مع الحكومة عليه. فضيلة الشيخ: لكن لو أراد أن يعطيهم نسبة على العمل الذي يقومون به في مكانه أو في عمله أعطاهم نسبة حافزًا لهم على العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو أراد أن يعطيهم نسبة زائدة عن الأجور التي اتفق عليها فلا حرج في ذلك لأن هذه تعتبر مكافأة أو مجازاة على نشاطهم. ***
يقول السائل إذا استقدم الشخص عمالًا للعمل لديه وقد استغنى عن بعضهم في العمل وتركهم يعملون في السوق بموجب نسبة يأخذها منهم في الشهر أو مبلغ معين يأخذه منهم في السنة هل ذلك إثم وهل المبلغ الذي يأخذه منهم حلال أم حرام أفتونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أتى الإنسان بعمالٍ فزادوا عن حاجته فإنه بإمكانه أن يردهم إلى ديارهم إذا كانت المدة التي بينه وبينهم قد انتهت أو يتنازل لهم إلى كفيلٍ آخر حسبما يقتضيه النظام فإن لم يتمكن من ذلك فإنه لا يحل له أن يأخذ عليهم نسبة من أعمالهم التي ليس له فيها أثر وكثيرٌ من الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية ليس لهم همٌ إلا الطمع والجشع فتجدهم يستقدمون عمالًا كثيرين لا يحتاجون إلا إلى قليل منهم وربما لا يحتاجون منهم أحدًا أبدًا ويتركهم في الأسواق ويضرب عليهم ضريبة كل شهر سواءٌ عملوا أم لم يعملوا ولا شك أن هذا غلط مخالفٌ للأنظمة من وجه وظلمٌ لهؤلاء العمال من وجهٍ آخر لأنه ربما يحصل العامل هذه الضريبة التي ضربها عليه كفيله وربما لا يحصلها فيكون في هذا ظلمٌ له والواجب على المسلمين أن يتقوا الله ﷿ وأن يجملوا في الطلب وأن يطلبوا الرزق من أبوابه الحلال حتى يحصل لهم ما وعدهم الله به في قوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . ***
سعاد محفوظ من الشرقية تقول في رسالتها أنا مدرسة في المدارس المسائية وفي أحد الأيام تغيبت عن المدرسة بسبب المرض والنظام لا يسمح بغياب المدرسة مع العلم بأن مديرة المدرسة اقتنعت بالغياب ولم تعتبر هذا الغياب وتقاضيت أجر هذا اليوم أفيدوني عن ذلك الأجر هل هو حلال أم حرام وما العمل بذلك الأجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تخلف الإنسان عن العمل لعذر فإن أقام عنه من يقوم مقامه فإنه يستحق الأجر كاملًا وإن لم يقم غيره مقامه فإن ذلك يرجع إلى ما تقضيه الأنظمة أنظمة الحكومة التي يعمل فيها فإذا كانت الأنظمة تقتضي إنه إذا تخلف يومًا بعذر فإنه يستحق الأجر الكامل فلا حرج عليك بأن تأخذي الراتب كاملًا وإذا كانت الأنظمة تقتضي أن من تخلف ولو لعذر فلا حق له في ذلك اليوم فإنه يجب عليك أن تردي هذا إلى المدرسة. ***
رجل يعمل عند شخص آخر ولكن صاحب العمل أنكر عمل هذا العامل بقصد حرمانه من أجرته فتقدم العامل بشكوى إلى الجهة المسؤولة فطلبوا منه إحضار شهود على عمله ولكن الأشخاص الذين يعرفون عمله هم إما جيران له أو عمال عنده والجميع يجاملون صاحب العمل فرفضوا الإدلاء بشهاداتهم فما الحكم في صاحب العمل الذي يريد حرمان هذا العامل من أجرة تعبه وما الحكم في هؤلاء الأشخاص الذين كتموا شهادة الحق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الذين كتموا شهادة الحق سواء في هذا السؤال الذي سأل عنه مقدمه أو في غيره كل من كتم شهادة يعلم بها فإن الله يقول في حقه (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وإثم القلب والعياذ بالله مؤد إلى انحراف البدن لقول النبي ﷺ (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) وأما بالنسبة لصاحب العمل الذي أنكر الأجير حقه فإنه قد ورد عن النبي ﷺ أن الله يقول (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرًا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) فهذا الذي جحده سيكون الله تعالى خصمه يوم القيامة فمن كان الله خصمه فإنه مخصوم مغلوب فأنا أنصح صاحب العمل إن كان ما يقوله العامل صدقًا أنصحه بأن يتقي الله تعالى في هذا العامل وأن يؤديه حقه قبل أن يأخذه يوم القيامة من حسناته. ***
السائل يقول ن. ب. س. بأنني أعمل عند شخصٍ بمرتبٍ شهري ومع أنني أقوم بواجبي بشكلٍ كامل يقوم هذا الشخص بتأخير المرتب المستحق أكثر مما هو متعارفٌ عليه ثلاثة شهور أو أربعة شهور ويتذرع بأن ليس لديه ما يدفع مع العلم بأني سمعت من بعض العمالة عنده بأنه لا يعطي من هو مستحق في ذمته بشكلٍ كامل فهل يجوز أن آخذ أجري من دون علمه من باب الحيطة فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لإنسان إذا ظلمه أحد ولم يوفه حقه أن يأخذ من ماله بغير علمه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) وأخذه بلا علمه خيانة إلا في النفقة فقط فإن للذي له النفقة إذا لم يقم بها من تجب عليه أن يأخذ من ماله بغير علمه وذلك لأن هندًا بنت عتبة سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت إن أبا سفيان رجلٌ شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي أفآخذ من ماله بغير علمه فقال النبي ﷺ خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف. ***
هذا مستمع من بلجرشي رمز لاسمه بـ غ. ح. يقول فضيلة الشيخ هل تعاملي مع عامل استقدمته بمبلغ سبعمائة ريال مثلًا، وعند وصوله السعودية تعاملت معه بالنسبة علمًا بأنها أصلح من راتبه وأكثر، هل هذا جائز أم لا رغم أنني لا أتعب معه في شيء إلا بالكفالة وفي السكن نرجو من فضيلتكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة على هذا السؤال لا تتعلق بهذا البرنامج وإنما ترجع إلى النظم المرعية لدى الدولة فيرجع هذا السائل إلى الجهات المختصة فيما يتعلق بالعمال ويسأل فإذا أذنوا له في أن يعاملهم بالنسبة فلا حرج أن يعاملهم بالنسبة بشرط أن يكون هو المتقبل للعمل القائم بما يتطلبه العمل ويكون عليه هو شيء وعلى العمال العمل وتكون نسبة الربح بينه وبينهم على ما يشترطون، إنما لابد أن تكون الدولة قد علمت بهذا ووافقت عليه. ***
السائل جعفر من القصيم بريدة يقول إذا كان الرجل يشتغل في شركة وعمله هذا يتطلب التجول في المزارع وإصلاح الماكينات والآلات الزراعية وبعد الانتهاء من هذا العمل يعطيه صاحب العمل مبلغًا من المال غير محدد ولم يطلب العامل ذلك بل بالعكس يحاول عدم تناوله ولكنه يصر على إعطائه إضافة إلى راتبه من الشركة هل هذا يعد حلالًا أم لا يجوز له تناوله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الورع أن لا يقبل هذا الشيء وأن يدعه لأن النبي ﷺ بعث عاملًا على الصدقة يقال له عبد الله بن اللتبية فلما رجع بالصدقة قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فخطب النبي ﵊ وأنكر ذلك وقال (هلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيهدى له أم لا) فدل ذلك وهو قوله (هلا جلس في بيت أبيه وأمه) على السبب الذي من أجله حذر أصحاب الأعمال العامة من قبول ما يهدى إليهم فهذا العامل لو أنه جلس في بيته ما أهدى إليه صاحب البستان شيئًا فلولا أنه عمل ما أهدي إليه وعمله هذا له أجر مستحق على الشركة فلهذا ينبغي له أن لا يقبل منه شيئًا فإن هذا أسلم وأورع. ***
لو أعطي عامل في ورشة زيادة على أجرته وذلك لحسن عمله وخلقه فهل هذه الزيادة تكون للعامل أم لصاحب الورشة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكون للعامل لأنك إنما أعطيته إياها من أجل حسن معاملته أما صاحب الورشة فله الأجرة المعتادة. ***
بعض الزبائن يأتون إلى المكتب العقاري ويسألون عن سكن وإذا شاهدوا المحل دفعوا عربونًا لكي يكون على حظهم تقريبًا خمسمائة ريال سعودي ويذهبون إلى مكاتب أخرى ويبحثون في محل مثل الدور أو شقق أو الدكان وإذا وجدوا عقارًا أفضل لم يأتوا إلينا هل العربون الذي أخذناه حلال لنا أم لصاحب العقار المنزل وأحيانًا لا يأتون إطلاقًا نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العربون هو الذي يقدم عند عقد البيع أو الإجارة على أن المقدم لهذا العربون إن أتم العقد فهو من الثمن أو من الأجرة وإن لم يتم العقد فهو لصاحب العقار أو البائع فعلى هذا فإذا أعطاكم المستأجر خمسمائة ريال على أنها عربون ولم يحضر وأيستم من حضوره فهي لكم ولكنها تكون لصاحب العقار ولصاحب المكتب منها مقدار أجرته فإذا كان له على المائة خمسة ريالات فإنه يأخذ على هذا على هذا العربون نصف العشر. ***
السائل س. س. هـ. مصري مقيم بالمدينة المنورة بعث بهذه الرسالة يقول في سؤاله الأول هل يعتبر المتوفى في عملية جراحية بسبب المخدر أو خطأ من الطبيب هل يعتبر شهيدًا وماذا على الطيب الذي وقعت الوفاة تحت يده أو بسببه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعتبر هذا شهيدًا لأن هذا الموت حدث باختيار منه وبفعل منه وإن كان هو لم يقصده لكنه ليس كالحريق ولا الغريق ولا من مات بهدم ونحوه لأن أولئك الذين ماتوا بهذه الأسباب لم يكن ذلك ناشيءًا عن فعلهم وأما بالنسبة للطبيب الذي عالجه فإن كان الطبيب ماهرًا وكانت هذه الوفاة بسبب العملية نفسها دون خطأ من الطبيب فإنه لا شيء عليه وأما إذا كانت بخطأ منه أو كان غير ماهر فإنه يضمن لأنه إن كان غير ماهر فقد تعدى حيث لا يجوز لأحد أن يتطبب بشخص وهو لا يعلم الطب وإن كانت بخطأ منه فإن إتلاف الأموال والأنفس لا يعتبر فيه القصد بالنسبة للضمان ولهذا قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) وهذا بخلاف إذا مات من العملية نفسها فإن العملية نفسها إذا كانت من ماهر عارف بالجراحة ليس فيها خطأ وليس فيها تعدٍ فلا يكون الطبيب في هذه الحال ضامنًا. ***
السبق والمسابقات
فضيلة الشيخ ما حكم المسابقة على عوض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسابقة على عوض محرمة إلا فيما استثني شرعا وهذا مبين بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) أي لا عوض على المسابقة إلا في هذه الثلاثة النصل والخف والحافر أما النصل فهو السهام يعني المراماة بالبندق ونحوها، والخف الإبل، والحافر الخيل، وإنما استثنيت هذه الثلاثة لأن التمرن عليها والمسابقة عليها مما يعين على الجهاد في سبيل الله وعلى هذا فنقول المسابقة على ما يختص بالحرب من مركوب أو غيره بعوض جائزة قياسا على الإبل والخيل والسهام وعدى ذلك بعض العلماء إلى المسابقة في العلوم الشرعية قالوا لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله وعلى هذا فالمسابقة على الأمور الشرعية جائزة بعوض وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ وبناء على ذلك فالمسابقة بعوض على الأقدام لا تحل والمسابقة بعوض على المصارعة لا تحل والمسابقة بعوض على جودة الخط أو الإملاء لا تحل لعدم دخول ذلك في النص لفظا أو معنى وهناك مسابقة ثالثة وهي المسابقة على المحرم كالنرد والشطرنج ونحوها فإنها حرام بعوض أو بغير عوض وعلى هذا فتكون المسابقة ثلاثة أقسام القسم الأول حرام والثاني حلال بغير عوض حرام بعوض والثالثة حلال بعوض وبغير عوض فالثلاثة التي ذكرناها النصل والخف والحافر المسابقة فيها حلال بعوض وبغير عوض والمسابقة على الأقدام ونحوها مما هو حلال المسابقة عليها بعوض حرام وبغير عوض حلال والمسابقة على الشيء المحرم حرام بكل حال. ***
المستمع عبد الواحد بن خليفة حمد التونسي من مكة المكرمة يقول من الناس من يجيب على أسئلة مسابقة القرآن التي تذاع من الإذاعة أو بعض المسابقات الأخرى من إذاعات مختلفة تكون إذاعتها خلال شهر رمضان المبارك ثم بعد إجابته لها يكررها أو يكرر كتابتها عدة مرات ويكتب عليها أسماء أقاربه وربما أصدقائه فإذا فازوا أعطاهم شيئًا مقابل استخدام أسمائهم وهذا باتفاقه معهم على ذلك هذا صنف من الناس وهناك صنف آخر من يبحث عن الإجابة وهي جهود غيرهم ثم ينقلها ويرسلها فإذا فاز يأخذ هو الجائزة التي هي مقررة لمن استفاد بمعلومات تلك الأسئلة وصرف جهده ووقته فيها وهناك صنف ثالث قد يكون أكثر خطراُ وهو ما يحدث في بعض الدول الإسلامية بأن يجيب المرء عن الأسئلة ثم يصورها مرارًا ويبيع تلك الصور في الشوارع والأسواق كأوراق اليانصيب فيرسلها المشتري بعد نسخها بيده والفوز والجائزة له وقد يكون من بينهم غير المسلمين فما الحكم الشرعي فيما يحصل من مكافآت بهذه الطريقة أهي حلال أم حرام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذه الأسئلة الثلاثة أو على بيان أحكام هذه الأصناف الثلاثة أقول إنه يشكر البرنامج الذي يجعل هذه الجوائز للمتفوقين لما في العلم والفهم لا سيما إذا كان فيما يتعلق بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأحكام الشرع ولكن أخشى على الذين يدخلون هذه المسابقات أن يكون غرضهم من ذلك نفس المادة أو نفس المكافأة المادية فيضيع بذلك أجرهم فيما إذا كان من الأمور الشرعية بل يأثمون بذلك فإن طلبهم العلم الشرعي بهذا الغرض طلب غير صحيح وقد ورد عن النبي ﵊ أن من طلب علمًا وهو مما يبتغى به وجه الله لا يريده إلا لينال به عرضًا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة (وهذا خطر عظيم فلا يجوز للمرء أن يدخل في مسابقة شرعية من أجل الحصول على هذه المكافأة المادية لأنه جعل الأفضل والأكمل وسيلة لما هو أدنى فإن علم أحكام الله ﷿ وعلم معاني كلامه وكلام رسوله ﷺ أسمى وأعلى من أن يجعل وسيلة لينال الإنسان بها عرضًا من الدنيا وبعد هذا فإن ما ذكره الأخ من الأصناف الثلاثة كله محرم. أما الصنف الأول وهو أن يجيب بعدة أجوبة ويكتب على كل جواب اسم أحد من أقاربه أو أصدقائه فلأنه كذب وتزوير وخيانة للبرنامج ويكون سببًا لأكل المال بغير حق بل بالباطل وجمع ثلاثة أوصاف كل واحد منها يثبت به التحريم الكذب والخيانة وأكل المال بالباطل وعلى هذا فيكون هذا الفعل محرمًا. وأما الصنف الثاني وهو أن يأخذ أجوبة من الناس يكتبونها له ثم يقدمها فهو أيضًا محرم لأن هذا الرجل نقل الجواب من غيره فهو جواب غيره وليس جوابه وليس من هذا أن يبحث الرجل عن جواب هذه الأسئلة إما في الكتب أومن أفواه أهل العلم بذلك لأن المقصود من هذا البرنامج هو أن يصل الإنسان إلى العلم وليس كل أحد يكون عالمًا للشيء بنفسه بل لابد من المراجعة إما عن طريق الكتب وهو الأفضل والأولى وإما أن يستعين بأحد من الناس فهذا جائز لا بأس به ويدل لذلك أن الذين يقدمون هذه البرامج لا يحرمون أو لا يمنعون من أن يستعين أحد بأحد ولو كانوا يريدون ذلك لبينوه فكونك تأخذ الجواب مكتوبًا من غيرك وتقدمه هذا حرام وكونك تستعين بأحد من الناس بالبحث أو بالكتب فهذا لا بأس به ولا حرج فيه أما الصنف الثالث وهو أن يكتب الجواب ثم يبيعه في الأسواق فهو أيضًا حرام على المشتري لأن المشتري قدم جوابًا لغيره فيكون كذبًا وزورًا على هذه البرامج ثم إن فيه شيئًا من الغرر لأنك قد تشتري هذه الورقة المتضمنة للجواب ثم لا تربح فيكون فيه شي من الغرر والميسر وهذا حرام. فضيلة الشيخ: وآكل الثمن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: وآكل الثمن أيضًا آثم لأنه أعان على محرم وقد قال الله تعالى (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فضيلة الشيخ: مادام الاستعانة بين مجموعة هذا جائز لو حصل أن اجتمع مثلًا ثلاثة أو أربعة أشخاص وبحثوا جميعًا في حل هذه الأسئلة وبعث كل واحد منهم برسالة بعد أن توصلوا إلى الحل مثل هذا هل فيه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس في شي لأنه كما قلت المقصود من هذه الأسئلة أن يتحرك الناس ويبحثوا فيما بينهم أو في الكتب حتى يصلوا إلى العلم. ***
محمد التويجري من بريدة شارع دخيرة يقول ما حكم الرهان أو بعبارة أخرى الحق وهو عندما يحصل خلاف عند اثنين عند رواية قصة أو اختلاف بأشياء أخرى مثل أن يقول واحد للآخر إن صح ما أقول لك فعليك أن تدفع مبلغا من المال قدره كذا ذبيحة أو غير ذلك وإن لم يصح فأنا مستعد بدفع ما ذكر نرجو توضيح ذلك هذا ونسأل الله العزيز القدير أن يوفقنا وإياكم للحق والصواب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا رهان وقمار وميسر وليس بحق وتسميته حقًا عند بعض العوام لا يجعله حقًا كما أن تسمية الخمر بالشراب الروحي عند من يسميه بذلك لا يجعله حلالًا طيبًا فهذه المراهنة أو المغالبة بهذا العوض هي باطل وتسميتها حقًا لا يجوز أيضًا لأن معنى ذلك إلباس الباطل لباس الحق وهذا قلب للحقائق وتسمية للشيء بغير اسمه وهذه الطريق أو هذه المغالبة محرمة لا تجوز لأنها من الميسر والميسر محرم لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) وفي الحديث عن الرسول ﷺ أنه قال (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) والسبق هو العوض المأخوذ على المغالبة وعلى هذا فلا يجوز هذا العمل الشائع بين كثير من الناس إلا أن بعض أهل العلم قال إن المغالبة على مسائل العلم الشرعي بعوض لا بأس به لأن ذلك من الجهاد فإن الدين قام بالعلم وقام بالقتال فإذا كان قام بالعلم وبالقتال لتكون كلمة الله هي العليا فإنه يدل على أن المغالبة على مسائل العلم الشرعية بالعوض جائزة لا بأس بها ولكنه بشرط أن يكون مقصود كل المتغالبين مقصوده الوصول إلى الحق لا أن يكون مقصوده التغلب فقط لأن طلب العلم لأجل المغالبة من الأمور المنهي عنها. ***
الوديعة
المستمع عبد الله من السودان يقول بأنه يعمل في دكان ويأتي إليه البعض من الأقارب والأصدقاء ببعض المال على شكل أمانة ويدخل هذه الأمانة في أعماله ويستفيد منها وإذا طلبوها يدفع لهم نفس المبلغ الذي أودعوه له فقط فهل عليه شيء في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه شيء في هذا فإن الإنسان إذا أعطي دراهم على أنها أمانة عنده يعني وديعة فإنه لا يحل له أن يتصرف فيها بشيء فلا يحل له أن يدخلها في صندوق المعرض ولا يحل له أن يتصرف فيها لنفسه فإن فعل ذلك فهو خائن واقع في قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مخالف لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ولكن إذا كان يشق عليه أن يفرزها وحدها في مكان معين فإنه يقول لمن أعطاه إياها ائذن لي أن أجعلها في الصندوق مع عموم الدراهم التي عندي أو ائذن لي أن أتصرف فيها وحينئذٍ تكون قرضا يجب عليه رد مثلها إذا طلبها صاحبها. ***
راشد سليمان الصغير الوصابي وهو موجود في محطة الغنيمان بمفرق ثابت طريق سدير يقول أودع أحد الأصدقاء أمانةً لدي عبارة عن ذهب وأوراق وغيرها منذ ما يقرب من عام ثم سافرت لليمن وعند عودتي تفقدتها فوجدت أن ما في الأمانة من ذهبٍ قد فقد وضاع ويقدر ثمن الذهب المفقود حاليًا بحوالى ثمانمائة ريال تقريبًا وما زال صديقي لا يعلم عن فقد الذهب شيئًا فهل أشتري له بدلًا منه أم أصارحه بالحقيقة وأعطيه ثمنه نقدًا ولفضيلتكم الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صارحه بالحقيقة وأخبره بما وقع ثم إن كنت قد حفظت هذه الأمانة في حرز مثلها وأنك رأيت أن بقاءها عندك أحرز مما لو أعطيتها إنسانًا آخر فإنه لا ضمان عليك في هذه الحال لأنك قمت بما يجب عليك من الحفظ وأما إذا كنت قد فرطت ووضعتها في مكانٍ يكون عرضةً لأخذها فإنك تضمنها وعلى كل حال فصارح صاحبك حتى يتبين الأمر. ***
الديون والأمانات
لدينا صندوق خيري ونحن أبناء منطقة واحدة ونجمع كل شهر مبلغًا معينًا من المال ويوضع عند أمين الصندوق هل يحق لأمين الصندوق أن يأخذ من هذا المبلغ شيئًا إذا احتاج إليه ليسدده فيما بعد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لأمين الصندوق أن يأخذ منه شيئًا ليسدده فيما بعد وهكذا كل أمين على شيء كولي اليتيم والوكيل وغيرهما لا يحل لهم أن يأخذوا شيئًا لأنفسهم ولو كان بنية الإرجاع فيما بعد لأن الأمين مؤتمن فلا يحل له أن يتجاوز ما ائتمن عليه. ***
كان عندي أمانة مبلغ من المال لأحد الأشخاص ونظرًا لحاجتي الشديدة له تصرفت فيه وضيعته في استعمالي الشخصي وقلت لصاحبه بأنه ضاع ولكن الآن أريد أن أرد هذا المبلغ بعد فترةٍ طويلة ودون أن يعلم هذا الشخص فماذا أفعل مأجورين هل أتصدق به أم ماذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أولًا تصرفك فيه بدون إذن صاحبه حرامٌ عليك وأنت آثمٌ بذلك غير مؤدٍ للأمانة وقد قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) فعليك أن تتوب إلى الله ولن تقبل توبتك حتى ترد المال إلى صاحبه فعليك أن ترده إليه وأن تعتذر منه وتسترضيه ولا فكاك لك من ذلك إلا بهذا حتى لو تصدقت به أو أعطيته إياه بدون علمه فإن ذلك لا يكفي لا بد أن تعلمه وتقول له يا فلان إني احتجت ذات يوم وبناء على ما بيني وبينك من الثقة استقرضت المال وأدتني الحاجة إلى أن أكذب عليك وأقول إنه ضاع فالآن أرجو منك السماح وهذا مالك وإني أرجو من صاحبك أن يعذرك وأن يقبل عذرك لأن في هذا أجرًا وثوابًا عند الله تعالى. ***
إنني رجل غير مديون أي لا يطلبني أحد البتة لكن لي بعض النقود عند الآخرين فهل يلزمني كتابتها علمًا أني لو توفيت فأنا مسامحهم ولو توفى أحد منهم فأيضًا أنا مسامحه في ذلك فأجاب رحمه الله تعالى: أقول جزاك الله خيرًا على هذه الهمة العالية وما وجب لك من الحقوق على الناس فإن كتابته أولى وأحسن لأن في ذلك ردًا لمالك ولنفسك ولمن يأتي من بعدك ثم إن فيه ضبطًا لصاحبك الذي أنت تطلبه لأنه قد يأتيك يومًا من الدهر وقد نسي ما عليه فيقول لك ما هو الذي علي لك حتى أوفيك إياه فإذا لم يكن مكتوبًا قد تنساه أنت وينساه هو وحينئذٍ يقع في النفوس حرج من هذا الأمر وإن كان باب الصلح واسعًا ولله الحمد لكن الذي ينبغي للمرء أن يقيد ماله كما أنه يجب عليه أن يقيد ما عليه لا سيما إذا لم يكن فيه بينة قال النبي ﷺ كما صح في حديث ابن عمر (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده) . ***
طه عبد المقصود من مكة المكرمة يقول فضيلة الشيخ أعمل في محل حلوى أي بائع حلوى فيحدث أن يكون هناك بعض من الأخطاء في الحساب مع الزبائن بالنقص أحيانًا وبالزيادة أحيانًا أخرى فماذا أفعل علمًا بأنني لا أرى الأشخاص مرة أخرى فانصحوني ووجهوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما يحصل من الخطأ من الحساب وهو غير متعمد فلا إثم عليك فيه لكنني أشير عليك بأن ما حصل من نقص عليك أن تعفو عمن حصل منه هذا النقص لقول الله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وأما ما حصل من زيادة تدخل عليك فإن كنت تعلم صاحبها فالواجب عليك ردها إليه وإن كنت لا تعلم صاحبها أو تعلمه ثم نسيته أو بحثت عنه فلم تجده فهنا تصدق بالزيادة التي دخلت عليك عن صاحبها التي هي له والله ﷾ يعلم ذلك وبهذا تبرأ ذمتك وهذا الحكم أعني التصدق بما لا يُعلم من هو له أو علم ثم نسي أو بحث عنه فلم يوجد هذا الحكم عام في كل ما كان على هذا الوجه أن يتصدق به الإنسان عن صاحبه والله ﷾ عالم بصاحبه ويوصل إليه ثواب هذه الصدقة. ***
عندي نقود لرجل ولكنني بحثت عنه ولم أجده فماذا يجب علي أن أفعل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أيست منه ولم تعلم له وارثًا فتصدق بهذه الفلوس عنه ثم إن جاء يومًا من الدهر فخيره وقل له إني أيست منك وتصدقت بالدراهم فإن أجزتها فالأجر لك وإن لم تجزها فهذه دراهمك والأجر لي. ***
يقول عملت موظفًا في إحدى الشركات بوظيفة محاسب لعدة سنوات وكان المؤسس لهذه الشركة قد أصيب بمرض أقعده عن العمل وأصبح مختل العقل ولم يكن لديه قدرة على التفكير والتمييز فوكل أحد الورثة بجميع أعماله وكان هذا الوكيل يأمر بصرف الرواتب والمكافآت والأعطيات والصدقات وغيرها يقول وأيضًا فقد حصل تقصير مني في أداء العمل جهلًا ونسيانًا وكنت أظن بأن الوكيل يقوم مقام المالك في الأمر والنهي وبعد وفاة صاحب المؤسسة تحللت من الوكيل الشرعي وقد أباحني عن كل خطأ وتقصير إلا أنه لازال في نفسي شيء من الحزن والألم في التقصير الكثير الذي حصل مني فهل يلزمني أن أتحلل من جميع الورثة وماذا أفعل لتبرأ ذمتي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قد جرى منك تقصير عمدًا فإن عليك أن تتحلل ورثة مَنْ وكلك لأنك غير معذور بذلك وأما إذا كان الذي حصل منك خطأ وأنت حين التصرف تظن أنك مصيب وأنك على حق فإنه لا ضمان عليك ولا يلزمك أن تتحلل الورثة فانظر في أمرك إن كان الأمر كما قلت أولًا أي أنه حصل منك تقصير تعرف أنه تقصير ولكنك تهاونت فعليك أن تتحللهم وإن كان الأمر على غير ذلك وأنك عملت العمل ترى أنه عمل موافق مفيد فلا شيء عليك. ***
أعمل في أحد المؤسسات الخاصة الصغيرة وأعمل بائعًا في محل للجرد وأتحمل مسؤولية ذلك حيث إن صاحب المحل يتأخر كثيرًا في دفع رواتبي مثلًا يتأخر في دفع الراتب أكثر من ثلاثة شهور وهو يعلم جيدًا بأنني أتحمل مسؤولية أسرة في بلدي ومع ذلك لا يبالي مما اضطرني أن آخذ مبالغ من المال الموجود في عهدتي لكي ألتزم بالإنفاق على أسرتي في بلدي علمًا بأنني آخذ أقل من حقي لديه حتى يغطي جزء من المتأخر لدي من الرواتب والسؤال هل يجوز لي هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يأخذ من مال غيره ولو كان مدينا له إلا بإذنه وذلك أن الأصل في مال الغير أنه حرام محترم لقول الله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ولكننا نوجه النصيحة الخالصة لكفيلك الذي أنت تعمل عنده نحذره من المماطلة بحق الأجراء لأن المماطلة بحقهم ظلم لا يزداد به الإنسان إلا إثمًا ولا يزداد بها ماله إلا فشلا ونقصانًا قال النبي ﵌ (مطل الغني ظلم والظلم ظلمات يوم القيامة) والعجب لهؤلاء الكفلاء الذين يماطلون بحق العمال عندهم أنهم يعلمون علم اليقين أنهم لن يوفوا هؤلاء العمال أجرهم مرتين فلماذا يماطلون بهم هل المماطلة تقتضي أن ينقص من أجور العمال شيئاْ فليتقوا الله تعالى في هؤلاء الذين فارقوا بلادهم وأهليهم من أجل لقمة العيش ثم يماطل به هؤلاء الكفلاء لأن ذلك ضرر من وجهين الوجه الأول المماطلة والوجه الثاني أن هؤلاء العمال لهم عوائل في بلادهم يحتاجون إلى الإنفاق فيبقى هؤلاء الأهل متضررين لعدم دفع نفقاتهم من قبل عائلهم الذي موطل بحقه ويا سبحان الله كيف يرضى هؤلاء الكفلاء أن يماطلوا هؤلاء العمال الفقراء ويؤخروا أجورهم إلى شهرين أو ثلاثة أو أكثر وهم لو نقص العامل من عمله شيئًا يسيرًا لعاقبوه على ذلك إن قومًا هذا شأنهم لداخلون في قول الله تعالى (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) نسأل الله الهداية والتوفيق للخير لجميع المسلمين. ***
يقول أقرضت شخصًا مبلغًا من المال ولم أستلم منه وثيقةً تثبت هذا الدين في ذمته وقد مكث مدةً طويلةً عنده وعندما طالبته به أنكر ورفض إعطائي فهل يجوز لي أن أختلس من ماله بقدر مالي عنده بدون علمه وهل هذا يشتمل عليه معنى قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وإن لم يكن كذلك فما معنى الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك أن تختلس شيئًا من ماله بهذه الدعوى وإنما الواجب عليك إذا كنت تريد إثبات حقك أن تُشهد على صاحبك حتى إذا أنكر فإذا البينة عندك وإذا لم يكن عندك بينة وأنكر فإن الحكم في الشرع أن يوجه إليه اليمين فيحلف أنه ليس في ذمته لك شيء وحينئذٍ يبرأ براءةً في الظاهر حسب الظاهر للقاضي والباطن يحاسبه الله عليه يوم القيامة إذا كان كاذبًا فإنه والعياذ بالله يلقى الله وهو عليه غضبان كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله ﷺ (فيمن حلف على يمينٍ فاجرة يقتطع بها مال امرئٍ مسلم يلقى الله وهو عليه غضبان) ولكنه ظاهرًا قد برئ ولا يحل لك أن تختلس شيئًا من ماله لأنك تعتبر خائنًا حينئذٍ أو معتديًا وأما قوله تعالى (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) فهذا في الحقوق التي لا يبرأ منها من أنكرها أما هذا الرجل فإنه برئ منها بإنكارها وتوجيه اليمين عليه وحينئذٍ إذا حلف فليس لك عليه حقٌ في الدنيا أما في الآخرة فلك الحق ثم الآية الكريمة (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) ظاهرة في العدوان البين أما هذا فليس هناك عدوانٌ بيّن لأن الأمر بينك وبينه فلا يمكن أن يسلطك على ماله مع أن الشرع قد حكم ببراءته ظاهرًا. ***
حارس يعمل عند صاحب عمارة ويقول إن صاحب العمارة لم يعطه راتبه ووجد لصاحب العمارة ثلاثمائة ريال فأخذها فهل يجوز له أخذها أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة يعبر عنها أهل العلم بعنوان مسألة الظفر وهي على القول الراجح لا تجوز بمعنى أن الإنسان إذا كان له حق على شخص وهذا الإنسان لم يؤده حقه فهل يجوز أن يأخذ شيئًا من ماله إن قدر عليه بمقدار حقه نقول الصحيح أنه لا يجوز إلا إذا كان سبب الحق ظاهرًا مثل لو كان الحق نفقةً مثل الزوجة تأخذ من مال زوجها إذا لم يقم بواجب النفقة وكالقريب يأخذ من مال قريبه إذا لم يقم بواجب النفقة فهذا لا بأس به وكذلك الضيف يأخذ من مال من استضافه إذا لم يقم بواجب الضيافة فهذا لا بأس به لكن بشرط أن لا يكون في ذلك فتنة وألا يكون في ذلك سببٌ للعداوة والبغضاء والشجار وأما مسألة هذا السائل أنه يطلبه حقًا خاصًا ليس سببه ظاهرًا فإنه لا يجوز له أن يأخذ هذه الدراهم التي قدر عليها من ماله بل إنما الواجب أن يكف يده عما وجد ثم يخاصم صاحبه وأبواب المحاكم مفتوحة ولله الحمد. ***
هنالك شخص يطلب آخر مبلغا من المال ويخجل أن يطلبه منه لأنه قليل فهل يجوز له أن يأخذه على وجه الخفية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإنسان إذا كان له على شخص دين أن يأخذه منه بطريقة الخفية لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) ولم يرد أن يأخذ صاحب الحق حقه خفية إلا في باب النفقات فإن هند بنت عتبة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقالت إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني وبني فهل علي من جناح إن أخذت من ماله بغير علمه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك بالمعروف) فأذن لها النبي ﷺ أن تأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيها ويكفي بنيها وهذا يدل على أن من له نفقة على شخص وهذا الشخص يبخل عليه بالنفقة فله أن يأخذ من ماله بغير علمه ما يكفيه بالمعروف وألحق العلماء ﵏ في ذلك ما كان سببه ظاهرا كالضيف إذا نزل بشخص وامتنع من ضيافته فإن للضيف أن يأخذ من ماله ما يكفيه لضيافته بالمعروف من غير علمه لأن الحق في هذا ظاهر فإن الضيف إذا نزل بالشخص يجب عليه أن يضيفه يوما وليلة حقًا واجبًا لا يحل له أن يتخلف عنه أما الديون فإنه لا يحل للإنسان أن يأخذ من مال المدين بغير علم. ***
إذا باع الرجل سلعة إلى أجل فما هي الطريقة الشرعية لتوثيق الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الطرق ثلاثة الأول الرهن بأن يقول للمشتري أعطني رهنًا فيعطيه رهنًا إما نفس السلعة التي باعها عليه وإما عقارًا وإما سيارة المهم أن يأخذ به رهنًا فهذه توثقة إذا حل الدين ولم يوف فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه. الطريق الثاني الضمان ضمان المدين بأن يأتي برجل ثقة غني وفيّ ويقول هذا الرجل يضمنني بدين فإذا حل الأجل أجل الدين فإن لصاحب الحق وهو الدائن أن يطالب الضامن بما ضمنه له الطريق الثالث الكفالة وهي أن يكفل شخص المدين بإحضاره إلى الدائن حين حلول أجل الدين والفرق بين الضمان والكفالة أن الضمان ضمان الدين وأما الكفالة فهي ضمان إحضار المكفول فإذا أحضر الكافل المكفول بريء منه. ***
م خ ع مقيم بالكويت يقول بأنه شاب كان يعمل مع شخص وقتًا إضافيًا وكان في كل فترة يعطيه هذا الشخص الحساب كاملًا بعد أن يسأله عن عدد الأيام التي اشتغل معه فيها وبعد ذلك يقول اكتشفت بخطأ في المبالغ التي أخذتها بزيادة مع العلم بأن هذا المال أنفق في بناء منزل فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تبين الخطأ فالواجب الرجوع إلى الحق والواجب على هذا الذي أخذ أكثر مما لا يستحق أن يرد ما زاد على صاحبه فإن قدر أنه مات رده على ورثته لأنه ما زال باقيًا في ذمته ولا يبرأ إلا بتسليمه لمن هو له. ***
البائع الذي يخطئ في الحساب قد يعطي للزبون بالزيادة وبالأقل وبدون قصد هل يدفع الخسارة ويأخذ الزيادة نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجب على البائع إذا علم أن المشتري أعطاه أكثر مما له يجب عليه أن يرده إليه إن علمه فإن كان قد مات رده إلى ورثته فإن لم يعلمه وأيس من رجوعه فإنه يتصدق به عنه وأما إذا تبين أن المشتري أعطاه أنقص مما له فله أن يبحث عن هذا المشتري ويطالبه بالناقص لكن هل يقبل أو لا يقبل هذا أمر يرجع على المحكمة. ***
كنت أعمل عند صاحب مزرعة وعندما جاء ليدفع لي أجري أخطأ في الحساب وزاد لي وأنا الآن محرج جدًا أن أردها عليه علمًا بأنه قد خصم علي أيامًا دون وجه حق فماذا أفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تسلمها له وإذا سلمتها له فلن يقول لك شيئًا بل ربما يحمدك أن يزيد الشيء عندك وترده عليه وليس في هذا محذور إطلاقًا فالواجب أن تردها عليه وتقول إننا أخطأنا في الحساب وهذا زائدٌ فخذه ***
علي دين لرجل متوفى وهو مبلغ بسيط الآن لا يساوي شيئًا لكن في وقته كان يساوي ما يعادل الآن شراء ثوب هل يجوز لي أن أدفع هذا المبلغ لأحد أبنائه أم أتصدق به عنه فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب أن تسلمه لورثته من الأبناء والبنات والأم والأب والزوجة أو الزوجات لأنه لما توفي انتقل ملك ماله إلى ورثته فإما أن تسلمهم القيمة وإما أن تخبرهم وإذا سمحوا عنك برئت ذمتك. ***
حمد علي من السودان يقول تسلفت من شخص مبلغا من المال ووافته المنية قبل أن أرد له هذا المال وله أبناء صغار وكبار ماذا أفعل في هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توفي الإنسان وله أطلاب على الناس فإن هذه الأطلاب تنتقل إلى الورثة قَلَّت أو كثرت فهذا الرجل الذي أقرضك ثم توفي يكون المال الذي عندك لورثته فعليك أن تخبرهم به ثم تسلمه للجميع إلا أن يكون لهم وكيل خاص قد ثبتت وكالته شرعا فلك أن تعطيه إياه وحده وهو يقسمه بين أهل الميراث وهذا السؤال يجرنا إلى شيء آخر وهو أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يتهاون بالدين ويتهاون بقضاء الدين أما التهاون بالدين فإن بعض الناس يستدين لأمور كمالية لا حاجة له بها بل قد يستدين لأمور محرمة تلحقه بالمسرفين والله تعالى لا يحب المسرفين وهذا غلط سفه في العقل وضلال في الدين فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يرشد الرجل الذي طلب منه أن يزوجه ولم يكن عند هذا الرجل مهر فقال (التمس ولو خاتما من حديد) فقال لا أجد ولم يقل له استقرض من الناس وإنما قال له (هل معك شيء من القرآن) قال نعم قال (زوجتك بما معك من القرآن) هذا مع أن الزواج أمر ضروري وأمر مشروع فهو ضروري من حيث الفطرة مشروع من حيث السنة ومع ذلك لم يرشده النبي ﷺ إلى أن يستقرض وبعض الناس يستهين بالدين من حيث القضاء فتجده قادرا على الوفاء لكنه يماطل ويقول لصاحب الحق ائتني غدا وإذا جاء قال ائتني غدا وإذا جاء قال ائتني غدا حتى يمل صاحب الحق وربما يدع صاحب الحق حقه لكثرة الترداد على من عليه الحق وربما لا يتيسر له أن يرفع الأمر إلى المحاكم إما لكون الشيء زهيدًا أو لقرابة بينه وبين المدين يخشى أن تنقطع الصلة بينهما إذا رفعه إلى الحاكم أو لكون الحاكم لا يحكم إلا بالهوى فيضيع حقه ثم إن المتهاون بقضاء الدين إذا مات بقيت نفسه معلقة بالدين حتى يقضى عنه والمبادرة بقضاء الدين عن الميت في وقتنا هذا قليلة جدا أكثر الورثة والعياذ بالله إذا مات صاحبهم الذي ورثهم المال والمال كان ماله فإذا مات وعليه الدين تباطأ الورثة في قضاء الدين وتواكلوا كل يكل الأمر إلى الآخر فتنعموا بالمال وصاحبه شقي في قبره وهذا حرام عليهم ولهذا قال العلماء ﵏ يجب على الورثة الإسراع في قضاء الدين حتى قال بعضهم ينبغي أن يقضى دينه قبل أن يُصلى عليه (لأن النبي ﷺ كان قبل أن يفتح الله عليه بالمال إذا قدمت إليه الجنازة وعلى الميت دين ليس له وفاء تأخر عن الصلاة عليه فقدم إليه رجل ذات يوم فلما خطى خطوات قال (هل عليه دين) قالوا نعم يا رسول الله: ديناران فتأخر وقال (صلوا على صاحبكم) فقال أبو قتادة: يا رسول الله الديناران علي قال (حق الغريم وبرئ منه المدين، قال نعم يا رسول الله فتقدم وصلى عليه) وهذا يدل على أهمية الدين فنصيحتي لإخواني أولا ألا يتهاونوا بالدين ابتداء وأن يسددوا ويقاربوا وألا يحاولوا أن يكونوا كالأغنياء في مآكلهم ومشاربهم وملابسهم ومواطنهم ومراكبهم ليلغون الفرق بين الغني والفقير، وأن يقتصروا على ما تدعوا الضرورة إليه فيما يستدينونه من الناس وأقول على ما تدعو إليه الضرورة دونما تدعوا إليه الحاجة لأن الإنسان إما أن يستدين لحاجة أو لضرورة أو لإسراف فليجتنب الاستدانة للإسراف وللحاجة ولا يستدين إلا للضرورة ومرادنا بالاستدانة هنا ليس الدين المعروف عند الناس والذي هو تلاعب بأحكام الله ﷿ فيما يعرف عندهم بالدين ولكن المراد بذلك الدين الحلال والذي دلت السنة على جوازه فلا يستدن إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك وإلا فليستعفف وليقتصر على أدنى ما يسد ضرورته وإذا أغناه الله ﷿ فليفعل ما يليق بحاله فإنه أيضا من التطرف أن يكون الغني كالفقير في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومركبه ومن التطرف أيضا أن يكون الفقير كالغني يحاول أن يلحق بالغني فكلاهما محظور فإن الله تعالى يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه وفق الله الجميع لما فيه الخير. ***
استدنت مبلغًا من المال من بعض الأشخاص وقد أنفقت ذلك المبلغ ولا أملك المبلغ حتى أرده إلى هؤلاء الأشخاص لأنني رجل فقير وإني في حيرة من أمري لخوفي أن يدركني الموت قبل أن أتمكن من سداد الدين فما الحكم في ذلك إذا لم يسامحني هؤلاء الأشخاص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» فإذا كان هذا الفقير الذي استدان من الناس بنيته أنه سيوفي فإن الله تعالى سيوفي عنه إما أن ييسر له ذلك في الدينا قبل أن يموت وإما أن ييسر الله له من يوفي عنه وإما أن يوفي الله عنه يوم القيامة ولكن أنا أحب أن أقدم نصيحة لبعض الناس الذين يتهاونون بالدين ويستدينون لأشياء ليس لهم بها حاجة فضلًا عن أن يكون لهم به ضرورة فيثقلون كواهلهم بالديون من أجل الأمور الكمالية ولا يحتاجون إليها ولكن من أجل المباهاة وهذا خطأ منهم وتقصير فإذا كان الإنسان ليس عنده شيء فليقتصر على ما أعطاه الله فقط ولا يستدين من أجل أمور ليس له بها ضرورة فإن الدين شأنه عظيم فقد روي عن النبي ﷺ (أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وثبت عنه إذا أتى بجنازة عليها دين ولم يترك الميت وفاء لهذا الدين أنه لا يصلى عليه كما في حديث أبي قتادة ﵁ (أن رجلًا من الأنصار توفي وعليه ديناران ثم جاؤوا به إلى النبي ﷺ ليصلى عليه فخطا خطوات ثم قال هل عليه من الدين قالوا نعم يا رسول الله ديناران فتأخر وقال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة ﵁ الديناران عليّ يا رسول الله فقال ﵊ حق الغريم وبريء منه الميت قال نعم فتقدم وصلى) ثم لما فتح الله عليه بالفتوح صار ﵊ يقول أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم وصار يقضي الديون عن الأموات ويصلى عليهم وإذا كان هذا شأن الدين فلا ينبغي للعاقل فضلًا عن المؤمن أن يتهاون به.
يقول السائل لي أخ متوفى وعليه دين ونحن مع ظروف الحياة لا نستطيع أن نسدد هذا الدين ونحن نعلم أيضا أن الميت لا يدخل الجنة إلا عند سداد دينه وللعلم صاحب المبلغ يطالب به فنرجو من فضيلتكم أن تفتونا في هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول السائل إننا نحن نعلم أن من عليه دين لا يدخل الجنة حتى يقضى دينه فهذا غير صحيح ولا أصل له لكن هناك حديث عن الرسول ﵊ (أن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه) ولكن في هذا الحديث مقالا فإن من العلماء من ضعفه وقال ها هو (النبي ﷺ توفي ودرعه مرهونة بدين كان عليه ﷺ ولكن يجب علي الورثة اذا مات مورثهم وعليه دين وله تركة يمكن قضاء الدين منها أن يبادروا بقضاء دينة من تركته لأنهم لا حق لهم في التركة إلا بعد الدين والوصية كما جاء ذلك في آيات المواريث (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ) (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) فلا حق للورثة في المال الموروث إلا بعد قضاء الدين وأما إذا لم يخلف تركة فان قاموا بالوفاء عنه فهم علي خير وهم مأجورون علي ذلك وان لم يوفوا عنه فإنه لا إثم عليهم أما الميت الذي لم نجد له تركة نوفي منها فإن كان أخذ أموال المال يريد أداءها فإن الله يؤدي عنه يوم القيامة ويرضي الغرماء وإن كان قد أخذها يريد إتلافها فان الله يتلفه كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني المسلمين من التهاون بالدين أخذا وقضاء فإن من الناس من لا يهمه أن يستدين لأمور ليس في حاجة إليها وإنما هي أمور كمالية لا تدعو الحاجة إليها ومن الناس من يستدين لأمور ضرورية ويكون عنده الوفاء ولكنه لا يوفي بل يماطل يقول لصاحب الحق غدا بعد غدٍ كلما جاء قال غدا بعد غدٍ فيأثم بذلك لقول النبي صلى الله علية وسلم (مطل الغني ظلم) . ***
ليلى تقول لي جد متوفى منذ عشر سنوات وله دين يصل إلى مبلغ كبير وله عدة زوجات ومنهن أبناء وبنات ولكن لم يسدد دينه حتى الآن مع العلم أن أبناءه ليس فيهم الاستطاعة لقضاء الدين ليس لصغرهم ولكن لعجزهم المادي فما مصير هذا الجد من ناحية الشرع هل عليه ذنب وهل على الأبناء ذنب وهل صحيح بأنه لا يحاسب على أعماله حتى يسدد ما عليه من دين وما العمل جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى:: إذا كان هذا الميت له مال يمكن الاستيفاء منه فإن الواجب على الورثة المبادرة بقضاء دينه وإذا لم يكن له مال فليس على الورثة شيء لقول الله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وأما الميت فإن كان أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه وإن كان أخذها يريد إتلافها أتلفه الله فهو على نيته إن كان الرجل أخذ أموال الناس بنية الأداء ولكن اخلفت الأمور فلم يتمكن فالله ﷿ يقضي عنه دينه ويرضي غرماءه ولا يلحقه في ذلك ذنب ولا إثم وإن كان سيء النية أخذ أموال الناس يتلاعب بها ولا يريد أداءها فإن الله تعالى يتلفه ويعاقبه على ذلك. ***
عبد الله من السودان يقول في سؤاله بأنه يعمل في دكان ويأتي إليه بعض الأقارب والأصدقاء ببعض المال على شكل أمانة ويدخل هذه الأمانة في أعماله ويستفيد منها وإذا طلبوها يدفع لهم نفس المبلغ الذي أودعوه له فقط فهل عليه شيء في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه شيء في هذا فإن الإنسان إذا أعطي دراهم على أنها أمانة عنده يعني وديعة فإنه لا يحل له أن يتصرف فيها بشيء فلا يحل له أن يدخلها في صندوق المعرض ولا يحل له أيضًا أن يتصرف فيها بنفسه فإن فعل ذلك فهو خائن واقع في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مخالف لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ولكن إذا كان يشق عليه أن يحرزها وحدها في مكان معين فإنه يقول لمن أعطاه إياها إئذن لي أن أجعلها في الصندوق مع عموم الدراهم التي عندي أو إئذن لي أن أتصرف فيها وحينئذٍ تكون قرضًا يجب عليه رد مثلها إذا طلب ذلك صاحبها. ***
مستمع للبرنامج من أبو ظبي أمير عثمان أحمد يقول ماذا يفعل من أخذ من إنسان شيئًا على أن يرده إليه ولكن قبل أن يرده إليه توفي ذلك الدائن فهل يتصدق بهذا المال أم ماذا يفعل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا استدان الإنسان من شخصٍ شيئًا أو أخذه منه على سبيل العارية أو على سبيل الوديعة أو على سبيل الرهن أو غير ذلك ثم مات صاحب الحق فإن الواجب على الآخذ أن يسلم ذلك إلى الورثة لأن الورثة هم المستحقون لمال مورثهم من بعده فإن كان لا يعلم الورثة أو كان هذا المستحق ليس له وارث فإنه يسلمه إلى بيت المال لأن بيت المال وارث من لا وارث له لكن فيما إذا كان له ورثة إلا أنه يجهلهم ينبغي أن يتصدق به عنهم لأن كل مال مجهولٌ صاحبه أي كل مالٍ جهلت صاحبه فإنك تتصدق به عنه ثم إن علمته بعد فخيَّره وقل له إنني تصدقت به عنك فإن شيءت أمضيت وإن شيءت منعت فإن أمضى فالأمر واضح يكون الأجر للمتصدَّق عنه وإن لم يمضِ فإن المتصدِّق يضمنه له ويكون الأجر للمتصدِّق. ***
توفي رجلٌ وله علي بعض النقود فماذا أفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب أن تبحث عن ورثته حتى تسلم نقود الميت إليهم لأن الإنسان إذا مات انتقل ماله إلى ورثته فإن عجزت عن معرفتهم فتصدق بها عن صاحبها أي انوها لمن هي له والله جل وعلا بعلمه وقدرته وسلطانه يوصلها إلى من هي له. ***
أخذت أشياء من أصحابها دون أن يعلموا وأنا أعلم أنهم يستحقون ذلك لأنهم لا يخافون الله والآن أنا لا أعلم أين أصبحوا حتى أخبرهم بذلك أو أقدر قيمة ما أخذته منهم وأنا لا أعرف لهم مكان فماذا أفعل أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان عند الإنسان مال لأحد وجهل صاحب هذا المال ولم يتمكن من العثور عليه ولا على ورثته إذا كان قد مات فإن طريق الخلاص منه أن يتصدق به لمن هو له والله ﷿ يعلم من هو له وبذلك يبرأ منه فإن كان عينًا فإنه يقدر قيمتها ويتصدق بها وإن كانت دراهم أو دنانير فإنه يتصدق بنفس الدارهم والدنانير. ***
سيف بن بدر أبو ظبي - يقول ما حكم الذي عليه دين لأحد من الناس ويريد أن يوفي الدين لأصحابه ولكن بعد البحث عنهم لم يجد أحدًا منهم فمنهم من سافر ومنهم من انتقل من مكانه القديم أي دكانه إلى جهة غير معروفة ماذا ينبغي عليه أن يعمل في هذه الفلوس التي عنده وهي حق هؤلاء الناس أفيدوني بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على هذا الذي في ذمته ديون للناس أن يبحث عنهم حتى لو انتقلوا إلى مكان آخر فالواجب أن يبحث عنهم في المكان الذي انتقلوا إليه وليبحث عن ورثته إن كانوا قد ماتوا لأن هذا حق آدمي معين فيجب عليه إيصاله إليه مهما كانت الكلفة والمشقة فإن أيس من العلم بهم ولم يَرْجُ العثور عليهم فإن في هذه الحال يتصدق به عنهم أو يجعله في مسجد من المساجد في عمارة المسجد أو شراء برادة له أو ما أشبه ذلك وينوي به أنه عن من يستحق هذا المال والرب ﷿ يعلم ذلك فيوصله إلى صاحبه وتبرأ منه ذمة المطلوب فخلاصة الجواب أنه إذا كان يمكنه ولو مع مشقة أن يوصله إلى أهله وجب عليه وإن لم يمكن وتعذر ولا يرجو أن يجده في المستقبل فإنه يتصدق به عنه. ***
مصطفى شعيب محمد سوداني يعمل بالمملكة يقول أنا أعمل بمهنة تصلىح الساعات ولكني أعاني من مشكلةٍ تضايقني كثيرًا جعلتني أفكر في ترك هذه المهنة وهي أن كثيرًا من الناس يحضرون ساعاتهم إلي لإصلاحها ثم أعطيهم موعدًا لأخذها بعد إصلاحها ولكن كثيرًا منهم لا يعود ويمضى وقتٌ طويلٌ على هذه الساعات وهي عندي فما الحكم في هذا وهل يجوز لي التصرف فيها ببيعٍ ونحوه أم لا فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذه المسألة إذا كنت لا تعرف الرجل الذي أعطاك هذه الساعة وأيست من رجوعه أن تبيع هذه الساعة ثم تتصدق بها وتقيد ثمنها عندك فإذا جاء صاحبها فخيَّره وقل له إني أيست منك وإني بعت الساعة وتصدقت بثمنها فإن شيءت فأمضِ هذا والأجر لك وإن شيءت ضمنتُ لك قيمة ساعتك والأجر لي فتخيره ولهذا ينبغي لك أيها الأخ إذا أتاك أحدهم بساعته لإصلاحها ينبغي لك أن تكتب اسمه وعنوانه ورقم هاتفه إذا كان له هاتف حتى إذا تغيب عنك يومًا من الدهر اتصلت به على عنوانه أو رقم هاتفه وبذلك تسلم من هذه المشكلة ويمكنك أن تؤدي الحق إلى صاحبه. ***
إذا مات شخصٌ وعليه دينً ولم يخلف مالًا بحيث يقضى هذا الدين منه فهل يجب على ورثته أن يؤدوا عنه ذلك الدين أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على ورثته أن يؤدوا هذا الدين عنه سواءٌ كانوا من الأباعد أو من الأقارب لكن إن كان هذا الميت والدًا فينبغي لأولاده أن يوفوا عنه لأن ذلك من بره وأما الوجوب فلا يجب لأننا لو أوجبنا هذا لكنا نؤثمهم بترك الوفاء وهذا يخالف قوله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ولأننا لو قلنا بوجوب وفاء الدين عن الميت الذي لم يخلف تركة لكان في هذا فتح بابٍ لهؤلاء الذين لا يبالوا بارتكاب الديون فيقول الواحد أنا سوف أتدين وإذا مت فإن أهلي أو ورثتي يقضون عنه الدين فلا يبالي بعد ذلك بما استدانه وألحقه ذمته ثم إني أقول إن الميت إذا مات وعليه دين فإن كان قد أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه فإن الله تعالى يؤدي عنه من فضله وكرمه فيرضي أهل الحق. ***
أحمد حمدان سوداني يعمل بالمملكة يقول أخذت من بعض الوافدين إلى بلادنا مبلغًا من المال وحضرت إلى هنا في المملكة العربية السعودية وعندما رجعت إلى بلادي وجدت ذلك الرجل قد توفي وسألت عن أقرب الناس إليه ولم أجد وأريد التخلص من دينه ذلك الذي علي فماذا أفعل به كي أبرئ ذمتي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما دمت قد جهلت ورثة هذا الرجل ولم تعلم له وارث وارثًا فإن هذا يكون لبيت المال لأن الرجل إذا مات وليس له وارث فإن ماله يدفع إلى بيت المال لكن بشرط أن يكون بيت المال منتظمًا ويتصرف فيه على حسب الشرع أما إذا كان ضائعًا فإن الأولى أن يتصدق به فإن قدر أن يأتي أحدٌ من ورثته بعد ذلك فإنك تخيرهم فتقول أنا تصدقت بهذا المال فإن شيءتم فهو لكم وأجره لكم وإن شيءتم أعطيتكم المال ويكون الأجر لي. ***
مرغني محمد أحمد معار بالجمهورية العربية اليمنية لواء قاعدة يقول عملت معلمًا بمدرستين في السودان فأسندت لي في كل مرة الشؤون المالية للمدرسة وكان ذلك بتفويض من لجنة المدرسة المكونة من الأباء والمعلمين ورغم مراعاتي للأمانة وحرصي إلا أنني أحسست أنني أتلفت جزء من هذه الأموال دون قصد فصار في ذمتي إلا أنني لا أعرف له قيمة محدودة كما أن لجان المدرسة تبدلت عدة مرات وتلاميذ تلك الفترة انتقلوا إلى مراحل أخرى فهل يجوز تقدير ذلك المبلغ وإعادته إلى المدرسة في شكل مكتبة مثلًا تحاشيًا للحرج وضمانًا لعودته لأصحابه بطريق غير مباشر أم ماذا ترون أرشدوني أثابكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال الأخ الذي ذكر أنه كان أمينًا ماليًا على مدرسة وأنه تصرف تصرفًا بغير قصد وهو الآن يسأل عن طريق الخلاص منه الحقيقة أن هذا السؤال مجمل ولا ندري كيف هذا التصرف الذي تصرف فنقول لا يخلو هذا التصرف من حالين إحداهما أن يكون تصرفه لمصلحة نفسه فيكون فهذا قد أخطأ خطأً عظيمًا وعليه أن يتوب إلى الله ﷾ وأن يعيد ما أتلفه على المدرسة في مصلحتها الآن حسب ما تبرع به المتبرعون سابقًا بمعنى إذا كانوا تبرعوا بمعاش الطلاب فليصرف لمعاش الطلاب وإذا كانوا تبرعوا للمصلحة العامة للمدرسة فليصرف للمصلحة العامة للمدرسة وهكذا وعليه مع ذلك أن يتوب إلى الله ﷾ أما الحال الثانية إذا كان هذا التصرف لمصلحة المدرسة ولكنه اجتهد ثم تبين له أنه أخطأ في اجتهاده فإنه في هذه الحال لا ضمان عليه لأنه غير متعدٍ ولا مفرط وإنما هو اجتهد وظن أن المصلحة في هذا العمل ثم تبين له بعد ذلك أن المصلحة في عدمه فهذا ليس عليه إثم وليس عليه ضمان لأن الأمين إذا لم يتعدَ ولم يفرط فإنه لا إثم عليه ولا ضمان عليه فنرجو من الأخ السائل أن يحقق في الموضوع هل هذا التصرف الذي ذكر خاص بنفسه أو عام لمصلحة المدرسة. فضيلة الشيخ: لو فرضنا أنه كما تفضلتم خاص بالحالة الأولى بمعنى أنه يخص الأعيان من الطلبة وغيرهم وكما يذكر بأنهم قد تفرقوا عن هذا البلد وربما بعضهم بعيد عنه فهل يحق له أن يصرف هذا المال في مشروع يعود على المدرسة بالنفع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يصرفه لما يعود لمصلحة الطلاب ما دام أنه صرف في الأول لمصلحة الطلاب كأرزاقهم ومعاشهم فليصرف لمصلحة الطلاب الحاضرين الموجودين لأن المقصود هو جنس الطلاب وليس أعيانهم حتى الذين تبرعوا فيما سبق ليسوا يقصدون أنهم فلان ابن فلان إنما يقصدون مصلحة الطلاب في هذه المدرسة فالمقصود الجنس. ***
إذا كان علي دين لناس فهل الأول يسدد الدين أم يوفي النذر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الدين سابقًا على النذر قدمه وإذا كان النذر سابقًا عن الدين قدمه لأن هذا يتعلق بالذمة وما كان متعلقًا بالذمة فإن انشغال الذمة بالأول فإنه يوجب أن تكون غير قابلةٍ بالانشغال بالثاني حتى يفرغ منه هذا إذا لم ينذر شيئًا معينًا بأن يقول هذه مثلًا لله علي نذر أن أتصدق بهذه الدراهم أو بهذا الطعام المعين فإنه في هذه الحال يقدم النذر لأنه عينه وصار هذا الشيء المعين مشغولًا بالنذر. ***
رجل عليه ديون كثيرة وعليه نذر أيهما الذي يقدم الأول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توفي الإنسان وعليه ديون لله ﷿ من نذر أو كفارة أو زكاة وديون للآدميين فإن القول الراجح في هذه المسألة هو المحاصَّة بين الديون التي لله ﷿ والتي للآدميين وكيفية المحاصة أن نحصي ما عليه من الدين ثم ننسب ما خلفه من المال إليه فإذا قدر أن نسبة ما خلفه من المال إلى الديون النصف أعطينا كل ذي دين نصف دينه وإذا كانت النسبة الربع أعطينا كل ذي دين ربع دينه وإذا كانت النسبة الثلثين أعطينا كل ذي دين ثلثي دينه وهكذا ***
اللقطة
من القصيم إذا وجد الإنسان لقطة في غير الحرم، وهو لا يريد أن يعرفها، فهل يأخذها أو يتصدق بها لصاحبها، أو يتركها في مكانها، وإذا تركها قد يأتي طفل ويأخذها وتذهب على صاحبها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يلتقط اللقطة وهو لا يريد أن يعرفها، بل الواجب أن يلتقطها ليعرفها ويحفظها لصاحبها، وحينئذ نقول إذا كان لا يريد تعريفها فليدعها، فربما جاء صاحبها فوجدها، وربما جاء من يأخذها فيعرفها، وربما جاء طفل فأتلفها، فالاحتمالات كلها موجودة وبراءة ذمته هو بتركها، فليتركها ولا يأخذها إذا كان لا يريد تعريفها. ولكن هناك شيء ينبغي أن نعرفه وهو أن الشيء اليسير الذي لا تتبعه همة الناس لا بأس أن يأخذه الإنسان لنفسه ما لم يكن عارفًا بصاحبه فيأخذه ويؤديه له، يعني في الخمسة والعشرة وما يساوي ذلك من الأغراض هذا إذا أخذه الإنسان لنفسه فله ذلك ما لم يكن عارفًا بصاحبه فيأخذه ويسلمه له ولو كان قليلًا. ***
ماحكم اللقطة إذا التقطها إنسان وبعد البحث عن أهلها لم يظهر لها أحد هل هي حرام أم لا أفيدونا بالحل أو عدمه وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الملتقط التقط هذه اللقطة وهي المال الضائع التقطها بنية أنه سيعرفها ويتطلب وصولها إلى صاحبها وعرفها سنة ولم يأت صاحبها فأنها تكون حلالًا له داخلةً في ملكه يتصرف فيها كما يشاء وأما إذا جاء صاحبها في أثناء الحول أو بعده ووصفها وصفًا منطبقًا عليها فإنه يجب أن يدفعها إليه فضيلة الشيخ: وإذا أكلها أو أنفقها ثم جاء صاحبها إليه ووصفها بما يوضحها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا لا يجوز أن يتصرف فيها قبل تمام الحول بل يجب عليه حفظها إلا إذا كانت مما لا يبقي إلى تمام الحول كبعض المأكولات مثلًا التي تفسد ببقائها أو كان بقاؤها يتطلب نفقات كبيرة فيبيعها الإنسان ليسلم من النفقات عليها فهذا لا بأس، بل يجب عليه حينئذٍ أن يتصرف، هذا التصرف لأنه من كمال شكره ولكن لا يتصرف حتى يعرف إثباتها فإذا جاء صاحبها قال له إن هذه اللقطة التي وجدتها تصرفت فيها بكذا وكذا لحفظها أو للوقاية من النفقات الكثيرة التي يتطلبها بقاؤها أما إذا تم الحول فهي ملكه يتصرف فيها بما يشاء ثم إذا جاء صاحبها وجب عليه أن يرد عليه مثلها أو يتفق معه على ما يتفقان عليه. ***
أبو عبد العزيز يقول في رسالته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخبركم يا فضيلة الشيخ أنني أحبكم في الله وأسأل الله ﷾ أن يجمعنا وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة فضيلة الشيخ سقط في الطريق قطعتان من الموكيت المستعمل من أحد المارة فقام عمال الشارع وأخذوا قطعة وأخذت الأخرى وقاموا بوضعها على الرصيف والتي معي وضعتها في المحل - الدكان - وهي سقطت في الساعة الخامسة والنصف مساءً تقريبًا حتى المغرب ولم يحضر صاحبها وفي اليوم الثاني قمت بإخراجها حول المحل وبشكلٍ واضح لكي يتعرف عليها صاحبها ولم أجد أحدًا يسأل عنها أكثر من أسبوع وأنا أخرجها كل يوم حتى المغرب وبعد ذلك قمت بإدخالها في المحل هل استعملها أم أدفع ثمنها وأنويها صدقة لصاحب هذه القطعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فعلى موجه السؤال السلام ورحمة الله وبركاته واسأل الله تعالى أن يحبه كما أحبني فيه وأقول له إنه إذا سقط من سيارة شيء فإن كان لا يؤبه له ولم يستطع العثور على صاحب السيارة فهو له أي لواجده كما لو سقط شيء يساوي ريالين أو ثلاثة أو عشرة فإننا في هذا الوقت الحاضر لا نأبه إذا ضاعت العشرة ونحوها من الفلوس وربما يكون في زمنٍ مضى ربما يكون العشرة يؤبه لها وتطلب ويسأل عنها لكن في زماننا هذا ولله الحمد ولكثرة ما في أيدي الناس من النقود صارت العشرة ونحوها لا يؤبه لها فإذا كان لا يساوي العشرة ولم تتمكن من معرفة صاحبها فهي لك ومع هذا لو تبرعت وتصدقت بها إن كانت مما يتصدق به أو قومتها بدراهم وتصدقت بالدراهم وأبقيتها هي عندك لكان هذا أحسن من تملكها بلا عوض وأما إذا كنت تعلم صاحب السيارة فإن الواجب عليك أن تخبره بها ولو كانت قليلة فلو سقط من صاحب السيارة مفتاح لا يساوي ريالين وأنت تعلم صاحب هذه السيارة فإن الواجب عليك إيصاله إليه أو إخباره بذلك بأنه سقط منك هذا المفتاح وهو عندي لأنه يفرق بين المعلوم وبين المجهول وأما إذا كان الساقط من السيارة شيئًا يؤبه له وتتبعه همة أوساط الناس فإن الواجب عليك أن تعرفه سنةً كاملة بمعنى أن تبحث عن صاحبه سنةً كاملة فإن جاء صاحبه فهو له وإن لم يأتِ فهو لك وهكذا يقال أيضًا فيما نجده في الأسواق من اللقط فإن الشيء الزهيد الذي لا يساوي إلا شيئًا لا تتبعه همة أوساط الناس يكون لواجده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى تمرة في السوق وقال (لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها) وأما إذا كان شيئًا تتبعه همة أوساط الناس ويبحث عنه الرجل الذي ضاع منه فإنه لا بد من تعريفه أي طلب صاحبه والسؤال عنه لمدة سنةٍ كاملة فإن جاء صاحبه وإلا فهو لواجده فأنت انظر إلى هذا الموكيت الذي وجدته فإذا كان لا يساوي إلا شيئًا يسيرًا زهيدًا فهو لك إذا تعذر عليك معرفة صاحب السيارة مع أن الأولى كما قلت أن تقوِّمه وتتصدق بثمنه لصاحبه أو تتصدق به على أحدٍ ينتفع به أما إذا كان مما يؤبه له وتتبعه همة أوساط الناس فلا بد من تعريفه لمدة سنةٍ كاملة لعل صاحبه يجده فإن لم يوجد فهو لك ومع هذا فنقول في هذه الحال الأولى أن تتصدق بقيمته عن صاحبه أو تتصدق به هو إذا كان مما ينتفع به. وإنما جعلنا الأولى أن يتصدق به أو يقومه فيتصدق بقيمته لأنه في الحقيقة ليس لقطةً محضة وليس معلومًا عين صاحبه فهو بين بين ولذلك نقول الأحوط والأولى أن يتصدق به أو يتصدق بقيمته ويتملكه. ***
إبراهيم يقول بأنه وجد ماشية في الطريق وأخذها وقام ببيعها بمائة ريال يقول قد كنت محتاجًا إلى النقود في ذلك الوقت والآن رزقني الله فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ هل أشتري ماشية وأقوم بتركها بدل الأولى أم أتصرف في هذه النقود وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من وجد ماشية أن يبحث عن أهلها ونعني بالماشية ما يجوز التقاطه كالغنم وأما ما يحرم التقاطه كالإبل فإنه لا يجوز له أن يتعرض لها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال (دعها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) ولكن إذا كانت الضالة غنما أو شبهها مما لا يحمي نفسه من صغار السباع فله أن يلتقطها ولكن بشرط أن يكون ذلك بنية ردها إلى صاحبها وأن ينشدها لمدة سنة كاملة فإن جاء صاحبها وإلا فهي له والسائل كما يتبين من سؤاله لم يفعل ذلك فهو لم ينشد هذه الضالة بل أخذها وباعها وأنفق ثمنها فالواجب عليه إذن أن يتوب إلى الله ﷾ وأن يتصدق بالثمن الذي باعها به وإن كانت تساوي أكثر مما باعها به فليتصدق بما تساوي وقت بيعها مع التوبة إلى الله ولينوي بهذه الصدقة عمن هي له والله ﷾ يعلم من هي له. ***
المستمعة م. ن. من الجوف تقول إذا وجدت شيئًا ضائعًا وصاحب هذا الشيء غير معروف أي لقطة مثل ذهب أو نقود أو أسورة صغيرة أو كبيرة هل أدفع عنه صدقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وجد الإنسان لقطة من دراهم أو حلي فينظر إذا كانت شيئًا يسيرًا لا يهتم به الناس إذا ضاعت منهم فإنها له ولا يحتاج أن يبحث عن صاحبها لكن إن علمه وجب عليه أن يعيدها إليه مثال ذلك وجد إنسان خمسة ريالات وخمسة ريالات لا يهتم بها الناس ولا يبحثون عنها في وقتنا هذا إذا ضاعت لأن الأمور ولله الحمد وافرة والخير كثير لكن إذا علمت صاحب هذه الخمسة فيجب أن تدفعها له سواء طلبها منك أو لم يطلبها أما إذا كان الذي وجدته مما يهتم الناس به ويبحثون عنه فإن الواجب عليك أن تبحث عن صاحبه سنة كاملة تعرف هذه اللقطة في الأسواق وحول المساجد لمدة سنة في أول الأمر تكرر هذا التعريف كل يوم ثم في الأسبوع مرتين ثم في الأسبوع مرة ثم في الأسبوعين مرة وهكذا حتى تتم السنة فإذا تمت السنة ولم يأت صاحبها فهي لك وإذا كان يبعد وجود صاحبها كالدراهم توجد في الطرق البرية فان العثور علي صاحبها قد يكون مستحيلا وذلك لان البلدان حولها كثيرة ففي أي بلد تعرفها فمثل هذا لو أن الإنسان تصدق به لكان خيرا أو يعطيه القاضي. والقاضي يتصرف فيه بما يراه موافقا للشرع. ***
عبد الله أبو شايع من الميدنة عبد الله أبو شايع من الرياض يقول أنا رجل أملك سيارة وانيت فركب معي رجل يحمل بضاعة تقدر بثمانمائة ريال فأوصلته إلى المكان الذي يريده وعندما نزل نسي حاجته وذهب وأنا أيضًا ذهبت دون علم بها وعندما وصلت إلى بيتي شاهدت بضاعة في السيارة فذهبت مسرعًا أبحث عن صاحبها لعلي أدركه فلم أجده فبحثت عنه مدة أسبوع ولم أجده أيضًا أرشدوني جزاكم الله خيرًا ماذا أفعل في هذه البضاعة التي بين يدي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك في هذه البضاعة أن تنشد عنها وتعرفها بوسائل الإعلام المتبعة في بلادك فإذا مضى سنة ولم يأت صاحبها فإنها لك لأن هذه حكمها حكم اللقطة لأنك تجهل صاحبها أما لو كنت تعلمه فإنه يجب عليك أن تعلم عن اسمه حتى يحضر إليك وتسلمه ماله. ***
س ج من سلطنة عمان يقول كنت مسافرًا أنا وولدي وعمره ست عشرة سنة في طلب المعيشة وذات يوم التقط ولدي حافظة نقود وجدها ملقاة على الأرض بأحد الشوارع وبداخلها ستمائة درهم ولا نعرف صاحب هذه الحافظة وقد صرفناها في شؤوننا الخاصة بجهلي بحكم مثل هذا فماذا نفعل الآن وماذا يترتب علينا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عليكم أن تتصدقوا بما يقابل هذه الدراهم بنية أنها لصاحبها تخلصًا منها ولعل الله أن يعفو عنكم وإلا فالواجب على من وجد لقطة تتبعها همة أوساط الناس وتتعلق بها أطماعهم فالواجب عليه أن يعرفها لمدة سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي له وأما كونه يصرفها في أغراضه الخاصة بمجرد وجودها فإن هذا لا يجوز فعليكم أن تتوبوا لله ﷾ وأن تتصدقوا بها لصاحبها ونسأل الله لنا ولكم المغفرة. ***
المواطن ع. م. أ. الجهمي يقول أفيدكم بأنني أحد سكان الرياض فقد خرجت من بيتي خامس العيد هذه السنة ١٤٠٠من الهجرة ذاهبًا لمصلى العيد فوجدت في الشارع العام مبلغًا من المال وقد حفظته عندي ولا أعلم ماذا أتصرف فيه أفيدوني جزاكم الله خيرًا ولأن المبلغ محفوظ عندي وأنا في انتظار جوابكم وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من وجد مبلغًا من المال كثيرا يهتم الناس بفقده أن ينشد عنه لمدة سنة فإن جاء صاحبه وإلا فهو له، أتمني لو وجد في كل بلد مكان خاص لهذه اللقط أعني الأشياء الضائعة من قبل الدولة تحفظ فيها لأجل أن يستريح الناس وينشطوا على أخذ هذه الضائعات لأن كثيرًا من الناس أهل الورع إذا رأى دراهم في السوق أو رأى متاعًا لا يأخذه خوفا من أن ينشغل بتعريفه لو كان هناك جهة مسئولة من قبل الدولة لكان يسهل على كل واحد أن يأخذه ويؤديه إلى تلك الجهة واتمنى لو يحصل ذلك فإنه مفيد جدًا ولعل الجهات المسئولة عن هذا الشيء تدرسه ليحصل المقصود بذلك. ***
ماحكم لقطة الحرم وغيره وما حكم أخذها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما لقطة الحرم فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) يعني لا تأخذ لقطة الحرم إلا إذا كنت ضامنًا على نفسك أن تبقى تبحث عن صاحبها إلى أن تموت وإذا مت فأوص بأن هذه لقطة الحرم تبحث عن صاحبها ومعلومٌ ما في هذا من المشقة إذًا لا تأخذها دعها فربما يرجع صاحبها ويجدها ونحن إذا قلنا لكل واحدٍ في مكة لا تأخذ اللقطة بقيت اللقطة حتى يأتيها صاحبها فتكون من جنس الإبل في غير مكة تترك ويأتي صاحبها ويجدها ولكن إذا قال قائل أنا إن تركتها أخذها من لا يبالي ولا يعرفها بل أخذها من يدخلها في جيبه متملكًا لها وحينئذٍ أيهما أولى أن أبقيها ويأخذها من لا يعرفها أو آخذها وأعرفها ثم إن لم أجد صاحبها تصدقت بها عنه في مكة أو أعطيتها القاضي الجواب الثاني يعني في هذه الحال نقول خذها وابحث عن صاحبها فإذا لم تجده تصدق بها عنه في مكة وإلا فأعطها القاضي. ***
ماحكم لقطة الحرم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لقطة الحرم يعني حرم مكة كغيره مما يلقط فتعرف سنة كاملة فإن جاء صاحبها وإلا فهي لمن وجدها هذا الذي عليه جمهور العلماء فيما نعلم وقال بعض أهل العلم إن لقطة مكة لا تملك بالالتقاط وأن الواجب على من التقطها أن يعرفها مدى الدهر لقول النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) وهذا الحكم حكم خاص في مكة ولو كان هو الحكم العام الذي يكون في مكة وغيرها لم يكن لتخصيصها بذلك فائدة وعلى هذا القول فإن الإنسان إذا وجد لقطة بمكة فإما أن يعرفها دائما حتى يجدها ربها وإما أن يدفعها إلى المسؤلين عن الضائع وإذا دفعها إليهم فقد برئت ذمته وقد رتب للُّقطِ التي حول الحرم رتب أناس يستقبلون هذه اللقط ويسمون فيما أظن لجنة حفظ الضائع أو كلمة نحوها. ***
إني شاهدت إنسانًا يلقط التباسي وفناجيل وبطاطين وجميع ما يخلفه الحجاج في منى وعرفات هل هذا جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي يلتقط ما بقي من الحجاج إذا كان الحجاج قد تركوه رغبة عنه فإنه لآخذه من أخذه ملكه لأن صاحبه تركه فليس ملكًا لأحد وأما إذا كان هذا المخلف تركه الحاج ناسيًا فإنه لا يجوز أخذه إلا على وجهين أحدهما أن يكون الأخذ من قبل الدولة لحفظه لأهله أو لتتصرف فيه بما تراه على حسب ما تقتضيه الشريعة أو إنسان آخر يأخذه لينشده دائمًا فإن لقطة الحرم لا تحل إلا لمنشد لأن النبي ﷺ قال في مكة (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) أي إلا لمعرف بها مدى الدهر وليست لقطة الحرم كغيرها تملك بعد سنة لأن لقطة الحرم لها من الحرمة ما ليس لغيرها ومن المعلوم أنه إذا كان الملتقط في الحرم لا يحل له الالتقاط إلا إذا كان يعرفها دائمًا فإن أحدًا لا يمكن أن يلتقطها فيشغل نفسه وذمته بها فإذا تركها ثم جاء الآخر وتركها والثالث الرابع وتركها بقيت في مكانها فعاد إليها صاحبها فوجدها وهذه هي الحكمة من هذا الحُكْم الذي بينه رسول الله ﷺ (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) حتى تبقى الأموال محترمة في أماكنها فيأتيها أهلها فيجدوها. فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة للوضع الحالي لو ترك هذا الذي يريد أن يستفيد بها لأتتها أمانة مكة المكرمة وذهبت بها إلى أمكنة إما للإحراق أو للدفن ومعروف أن عمال النظافة لم يخزنوا مثل هذه الأشياء وتضيع على المسلمين عامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول كما ذكرنا أنها لا تؤخذ إلا على وجهين الوجه الأول من قبل الدولة والدولة هنا تتصرف فيها على حسب ما تقتضيه الشريعة فمثلًا إذا كانت هذه المخلفات التي تأخذها الأمانة مما يمكن الانتفاع به فإنه لا يجوز إتلافه بل الواجب حفظه ويباع ويصرف في مصالح المسلمين أو يعطى لمن ينتفع به من الفقراء أما إذا كان لا يمكن الانتفاع به كما لو فرض أن المخلف نعلًا واحدة من نعليه فهنا لا يمكن الانتفاع به ويحرق أو يدفن فالمهم أن المسؤول عن هذا الأمر من قبل الدولة يجب عليه ألا يضيع المال بل إذا كان مما يمكن الانتفاع به فإنه يباع ويصرف ثمنه في المصلحة العامة أو حسب ما يقتضيه نظر ولي الأمر. فضيلة الشيخ: وغالبًا الحجاج على ما عرفنا من مشاهدتهم وكثرة أيضًا الاختلاط بهم أنهم يتركون هذه الحاجات لأنها لا تساوي قيمة نقلها إلى بلدانهم وعمومًا أنهم سينقلونها على أظهرهم وعلى أكتافهم فهم يتركونها لهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال إذا تركوها رغبة عنها فقد ذكرنا أنه يجوز لمن وجدها أن يأخذها وتكون ملكًا له. ***
وجدت سوارًا من الذهب في المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان وأخذته وعرضته للبيع وكان سعره ما يقارب من أربعمائة وعشرين ريالًا تصدقت بجزء منه وأخذت الباقي فما حكم الشرع في نظركم في عملي هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل خطأ لأنه الواجب على من وجد لقطة أن يعرفها يعرف نوعها وصفتها وجميع ما يحتاج إلى تعريفه ثم ينشدها لمدة سنة كاملة ليعرف صاحبها فإن جاء صاحبها فذاك وإلا فهي له، ولا يحل له أن يتصرف فيها أو يتملكها قبل تمام السنة إلا إذا كان التصرف لمصلحتها مثل أن تكون هذه اللقطة مما يفسد سريعًا فيبيعها من أجل الحفاظ عليها فلا بأس ولكن لا يتملكها قبل تمام السنة، وتصحيح الخطأ الذي وقع من هذه السائلة الآن أن تتصدق ببقية الثمن الذي باعت السوار به لأنه ليس ملكًا لها وتتوب إلى الله مما صنعت ومن تاب تاب الله عليه. ***
السائل هـ ح ط سوداني مقيم في المنطقة الشرقية يقول فضيلة الشيخ في حج عام أحد عشر وأربعمائة وألف هجرية وجدت مبلغًا من المال بما يقدر بمائة وعشرون ريالًا سعوديًا بالمشاعر المقدسة بمنى وقمت بتوزيعه هذا المبلغ على الفقراء والمساكين في المشاعر والحرم المكي ووزعت ذلك على خمسة ريالات وستة ريالات حتى انتهى فهل عملي صحيح أرجو التوضيح فأجاب رحمه الله تعالى: العمل هذا غير صحيح لأن لقطة الحرم لا تحل إلا لمنشد أي لا يحل أخذها إلا لمن أراد أن ينشد عنها مدى الدهر كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي ﵌ أنه قال وهو يتحدث عن أحكام مكة (لا تحل ساقطتها إلا لمنشد) فالواجب على من وجد لقطة في الحرم المكي الواجب عليه أن ينشدها مدى الدهر فإن قال إن ذلك لا يمكن لي قلنا أعطها ولاة أمر البلد كالقاضي أو نحوه وعليه فنقول إن هذا التصرف الذي تصرفته حينما وزعت هذه النقود التي وجدتها تصرف غير صحيح فعليك أن تتوب إلى الله ﷿ وأن تستغفره مما وقع منك وأن لا تعود لمثله وليس عليك ضمان هذا الدراهم لأنك أنفقتها على هذا الوجه باجتهاد منك وتبين خطأ فعلك ولم تدخل عليك هذه الدراهم بل هي خارجة منك ***
ما حكم من فقد حذاءه بالحرم ثم أخذ واحدًا مكانه من نفس النوع علمًا بأنه تحفظ أكثر من مرة وكان يشتري غيره إلا أن ذلك تكرر معه أكثر من مرة تقريبًا فاضطر إلى أن يأخذ غيره أرجو منكم الإفادة فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يأخذ غير نعاله إذا فقد نعاله في مجمع النعال في المساجد العادية أو في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي لأنه لا يتيقن أن النعال التي أخذها هي نعال التي أخذ نعاله فقد تكون هي نعل غير الذي أخذ نعاله لكن لو فرض أنه دخل المسجد رجلان ووضعا نعالاهما في مجمع النعال ثم خرج أحدهما قبل الآخر فأخذ نعل صاحبه ثم خرج الثاني ولم يجد نعله وإنما وجد نعل الذي أخذ نعله فحينئذٍ لا بأس أن يأخذ هذه النعال إذا أيس من رجوع صاحبها إليها وكيف يعلم ذلك يعلم هذا إذا مر هذا الوقت والوقت الثاني علم أن صاحبها لن يرجع إليها وقد يقال له أن يأخذ هذه النعال التي بقيت إذا كانت دون نعاله يعني أن نعاله جديدة وهذه قديمة أو ما أشبه ذلك يعني أقول قد يقال إنه يأخذها فورًا ولا يحتاج إلى أن ينتظر حتى ييئس من صاحبها. ***
ما حكم من وجد في مكان حذائه حذاء غيره هل يأخذه ويلبسه أم يتركه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يتركه ولا يجوز له أخذه لأنه من الجائز أن يكون نعله قد أخذه غير صاحب هذا النعل فيكون هذا قد أخذ ما ليس له نعم قال بعض العلماء إذا كان النعلان متشابهين أعني نعله والنعل الذي بقي فهنا لا حرج أن يأخذه لأن ظاهر الحال أن صاحب النعل قد غلط فأخذ نعله أي نعل هذا الذي ضاعت نعله يظنه نعل نفسه وهذا القول له وجه لا شك ولكن الورع أن لا يفعل بل يعتبرها لقطة فإن شاء أخذه وعرفه وإن شاء تركه. ***
الوقف
من الإمارات أبو حمد أأ يقول أيهما أفضل للمسلم الذي أنعم الله عليه هل يقوم ببناء المساجد أم يتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينظر إلى أيهم أحوج فإذا كان في الناس في مسغبة شديدة يحتاجون إلى المال فالصدقة عليهم أفضل لأن فيها فك رقاب وأما إذا كان الناس في خير وهم محتاجون إلى المساجد فالمساجد أفضل فينظر أيهما أحوج أن يبني المساجد أو أن يتصدق على الفقراء فدفع الحاجة مقيد بالشدة كلما كان الناس أشد حاجة إلى الشيء كان بذل المال فيه أفضل على أن المساجد فيها مزية وهي أنها من الصدقة الجارية لأن أجرها يستمر ما دام الناس ينتفعون بها. ***
الصدقة الجارية هل تصل إلى الميت والمال هل يصل إلى الميت في الأجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يسأل عن الصدقة الجارية يجب أن نعلم أن الذي قام بها هو الميت نفسه قبل أن يموت، كرجل بنى مسجدًا فهذا صدقة جارية ورجل أوقف برادة ماء هذا صدقة جارية، رجل حفر بئرًا يستقي به الناس هذا صدقة جارية، رجل أصلح طرقًا وعرة ليسهلها على الناس هذا صدقة جارية. أما الصدقة التى تكون من بعض الأقارب بعد موت الإنسان فهذه تصل إلى الميت لكن ليست هي المرادة بقول الرسول (صدقة جارية)، وحينئذ يبقى النظر هل الأولى والأفضل للإنسان أن يتصدق عن والديه أو يصلى عن والديه أو يصوم عن والديه بعد موتهما أو الأفضل الدعاء لهما. الجواب الأفضل الدعاء لهما استرشادًا بتوجيه الرسول ﵊ وذلك حين قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية،أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ***
صالح آدم من جدة يقول والدي متوفى وأنا إذا بنيت له مسجدًا وقلت يا ربي هذا المسجد لوالدي المتوفى هل يكون له صدقة جارية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يكون له صدقةٌ جارية لكنه ليس هو الذي أنشأها بل الذي أنشأها أنت فما دام هذا المسجد يصلى فيه وينتفع فيه فأجره لأبيك ولكنني سأدلك على خير من هذا وهو أن تدعو لأبيك وأن تجعل الأعمال الصالحة لك لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والمراد بالصدقة الجارية الصدقة التي أنشأها الميت قبل أن يموت وأما الولد فلم يقل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو ولدٌ صالحٌ يتصدق له قال (صالح يدعو له) فأرشد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الدعاء دون العمل فالذي أشير به على هذا الأخ وعلى من يسأل سؤاله أن يدعو للميت ويكثر من الدعاء له وأما الأعمال الصالحة فيخصها لنفسه. ***
ع ع ي من تعز يقول هناك امرأة قريبة لي كانت تسكن في بيتنا وعندها أملاك ورثتها عن والدها ووالدتها وزوجها وأولادها المتوفين وقد أمرتني أن أبحث لها عن موضعين يكون ريعهما وقفًا لإعادة بناء مسجد قديم مهدم وقد عينت الموقعين وحينما أرادت الذهاب لمشاهدتهما والتوقيع على المستندات الخاصة بذلك حصل لها حادث سيارة توفيت على إثره فهل يلزم ورثتها الوفاء بهذا الوقف ففيهم من يعارض ذلك وأشدهم معارضة زوج ابنتها فهل يملك ذلك وهل يلزم موافقتهم على إتمام الوقف أم يؤخذ من تركتها رغمًا عنهم وإن لم يكن لدي شهود على إيقافها آن ذاك أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حسب ما ذكره السائل أنه لم يتم الوقف حتى الآن وأن الوقف يتوقف على مشاهدتها للمكان وعلى تنفيذها له وهذا الأمر لم يحصل وعليه فإن ذلك يكون ملكًا للورثة إن كان قد تم شراؤه وإن لم يتم شراؤه فإن الأمر فيه واضح ولكن ينبغي للورثة في مثل هذه الحال أن يوافقوا على ما نوته هذه الميتة التي ورثوا المال من قبلها لأجل أن يكون النفع لها بعد مماتها فيما نوته من التقرب إلى الله تعالى بمالها أما إذا كانت المرأة هذه قد وكلته بالشراء والتوقيف فاشتراه ووقفه وتوقف الأمر على مشاهدتها للاطمئنان فقط فإن الوقف حين إذن يكون نافذًا ولا حق لأحد في المعارضة فيه لأنه قد تم بواسطة التوكيل لهذا الوكيل المفوض والذي أمضى ما وكل فيه إلا أنه أراد أن تطمئن هذه الموقفة على المكان الذي عينه ونفذ فيه الوقف. فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن المضي في إثبات الوقف كان يترتب على زيارتها تلك فوافق الورثة جميعهم ما عدا زوج هذه البنت هل يملك الحق في المعارضة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زوج البنت لا يملك الحق في المعارضة وذلك لأنه لا حق له في هذا المال وإنما الحق لزوجته لأنها ابنة المتوفاة وزوجته أيضًا لا يلزمها طاعته في هذا الأمر أي لو قال لها لا تنفذي هذا فإنه لا يلزمها طاعته فيه لأن الزوجة حرة في مالها وليس محجورًا عليها فيه بل هي تتصرف فيه كما شاءت إذا كانت رشيدة وإذا لم يثبت ما ذكر ببينة أي ما ذكره السائل من أن هذه المرأة وكلته على الحصول على أرض توقفها إذا لم يثبت هذا ببينة فإنه لابد من تصديق الورثة لدعوى هذا الوكيل فإن لم يصدقوه لم يثبت شيء. ***
أحمد صالح زيد يمني مقيم بالمملكة حفر الباطن يقول لقد أوقف جدي قطعة أرض زراعية يصرف ريعها في تلاوة للقرآن بكامله على رأس كل سنة يعود ثوابها له أي للواقف وجعل هذه المهمة إلى أكبر أبنائه سنًا وأرشدهم فكان أبي متوليًا ذلك بعد وفاة والده ولكن زوجة أبيه تطالبه بما يخصها من هذا الوقف فهل لها أو لباقي الورثة شيء من الوقف وما حكم الوقف بهذا الشكل وهل يبقى على هذا الحال أم يباع وتصرف قيمته في شيء آخر أما ماذا أرشدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول هذا الوقف الذي أوقفه جدك لا يخلو إما أن يكون وقفًا منجزًا في حال صحته أو يكون وقفًا موصىً به بعد موته أو يكون وقفًا حصل منه في مرض موته المخوف فإن كان وقفًا موصىً به أو في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث فقط أي إلا ما يقابل ثلث تركته فإذا كان هذا الوقف زائدًا على ثلث التركة فإن ما زاد عن الثلث يكون راجعًا إلى الورثة إن أجازوه إلا فلهم أن يبطلوا الوقف فيه وأما إذا كان الوقف في حال صحته فإنه ينفذ كله فلا حق لأحد من الورثة في الاعتراض عليه لأن الإنسان حر التصرف في ماله إذا كان في حال الصحة فهو حر التصرف فيه بالنسبة للورثة يتصرف به كما أذن الله به وأما ما ذكره جدك من كونه يوقف على من يقرأ ختمة على رأس كل سنة فإن الأولى أن يصرف إلى ما هو أفضل من ذلك يصرف في عمارة المساجد ويصرف في طبع الكتب النافعة ويصرف في الإنفاق على طلبة العلم الفقراء وما أشبه ذلك من طرق الخير التي هي أفضل مما ذكره هذا الواقف وصرف الوقف إلى جهة أفضل مما عينه الواقف جائز عند بعض أهل العلم استدلالًا بالحديث الثابت في قصة الرجل الذي قال يا رسول الله إني نذرت إن فتح عليك مكة أن أصلى ركعتين في المسجد الأقصى أو قال في بيت المقدس فقال له النبي ﷺ (صلِّ هاهنا) فأعاد عليه سؤاله فقال (صلِّ هاهنا) فأعاد عليه فقال (شأنك إذًا) فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يغير جهة البر إلى ما هو أفضل منها وإن كان قد عينها أي المفضولة من قبل وهذا القول هو القول الراجح إلا أنه في هذه الحال ينبغي أن يرجع في ذلك إلى المحكمة حتى لا يحصل تلاعب من نظار الأوقاف في الأوقاف. ***
إذا كان شخص حفر بئرًا أو اشتراها ليجعلها في سبيل لله لمن أراد أن يشرب أو من أراد أن يأخذ من هذا الماء فما حكم الشرع في نظركم فيمن يأخذ الماء من هذه البئر ويبيعها على الناس الآخرين إما ليشربوا وإما ليسقوا به مزارعهم أفتونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب فيما وُقِف أن يتصرف فيه الناس على حسب شرط الواقف فإذا كان هذا الواقف إنما وقفه لينتفع به الناس ويشربوا منه ما يحتاجون إليه فإنه لا يحل لأحد أن يأخذ من هذا الماء ليبيعه لا سيما إذا كان ماء البئر قليلًا بحيث إذا أخذه غوره على من بعده وأما إذا كان الواقف أراد بهذا البئر مطلق الانتفاع سواء انتفع الإنسان بشرب الماء من هذا البئر أو ببيعه فإن الأمر يكون واسعًا المهم أن الاشياء الموقوفة تستعمل على حسب شرط الواقفين. ***
من قطر يقول رجلٌ أوصى بثلث ماله وقفًا فضاعت الوصية وقسمت التركة وبعد فترةٍ من الزمن عثر على الوصية فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن يؤخذ ثلث نصيب كل وارث ثم ينفذ به الوقف على مقتضى هذه الوصية هذا إذا كان قد أوصى بوقف ثلث ماله أو أوصى بثلث ماله يصرف للفقراء أو ما أشبه ذلك أما إذا كانت الوقفية وقفًا ناجزًا وكانت في حال الصحة فإنه ينفذ الوقف كله فإذا كان عقارًا مثلًا رفعت أيدي الورثة عن هذا العقار لأنه تبين أنه وقف وكذلك إن كانت أرضًا أوقفها لتكون مسجدًا مثلًا فإن الأرض تنزع من أيدي الورثة وتصرف حيث شرطها الواقف وحينئذٍ يجب أن نعرف الفرق بين الوصية وبين الوقف الناجز فالوصية لا تثبت إلا بعد الموت فلو أوصى بوقف بيته مثلًا فإن الوصية لا تنفذ إلا بعد موته ولا تكون إلا في الثلث فأقل ولا تكون لأحدٍ من الورثة وللموصي أن يرجع فيها ويبطلها وله أن ينقص منها وله أن يزيد لكن بعد الموت لا ينفذ إلا ما كان بقدر الثلث فأقل أما الوقف الناجز فإنه ينفذ من حينه ولا يملك الموقف أن يتصرف فيه ولا يمكن للموقف أن يرجع فيه أيضًا وينفذ ولو كان يستوعب جميع المال إلا أن يكون في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا مقدار الثلث فقط أعني مقدار ثلث التركة. ***
توجد أرض لشخص يقال إنه أخذها من واحد قال له إذا أنت ترغب في أخذ هذه الأرض ملكًا فيجب أن تقرأ كل يوم جزءًا من القرآن بعد صلاة الفجر وأخذ هذا الرجل الأرض بذلك الشرط والآن هذا الشخص يريد أن يسلم هذه الأرض لأنه عاجز عن الاستمرار في القراءة لكبر سنه وأولاده لا يقرؤون القرآن وهو يخاف أن يموت أو يحدث له أي مكروه بسبب ترك الأرض عند أولاده فيقول كيف يعمل في هذه الأرض لأن جميع الناس عندهم رفضوا أخذها بسبب شرط القراءة فكيف يتصرف فيها وما حكم أخذها وتملكها بذلك الثمن الذي هو القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصيغة على وجهين إن كان صاحب الأرض أراد أن يجعلها أجرة لمن يقرأ له هذا القدر كل يوم فإن هذه الأجرة لا تصح لأن القراءة من أعمال القرب وأعمال القرب لا يجوز أخذ الأجرة عليها وإن كان صاحب الأرض قد أوقفها على من يقرأ كل يوم جزءًا فيكون هذا قد أوقفها على القراء فمن لم يكن قارئًا فإنه لا يستحق منها شيئًا وعلى هذا أو على التقديرين كليهما لابد أن تسلمها إلى المحكمة الشرعية وهي التي تتولى أمرها والله الموفق. ***
تقول السائلة لدي كمية من الذهب عاهدت الله تعالى أن أجمع عليه وأبني به مسجد وألا أبيع منه شيئًا إلا عند حلول موعد البناء لأبني به المسجد وكنت أزكي عليه كل عام ولكن علمت قريبا بأن الوقف لا زكاة فيه فلم أزك هذا العام فهل يعتبر ما لدي وقفًا لا زكاة فيه والشيء الآخر فضيلة الشيخ هل يجوز لي التصرف في هذا الذهب للمتاجرة فيه مثلا حتى يزداد لأنني قد تركت العمل لأسباب قهرية مما جعل وزن هذا الذهب كما هو عليه منذ سنتين أفتوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتطلب مني شيئين الشيء الأول الإجابة على نفس السؤال والشيء الثاني حكم المعاهدة مع الله ﷿ على الأعمال الصالحة وأبدأ بهذا أولا فأقول معاهدة الله ﷾ على الأعمال الصالحة هي النذر والنذر نهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال (إنه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء) وكثير من الناس ينذر لله ﷿ أو يعاهد الله ﷿ على فعل الطاعات ليحمل نفسه على فعلها فكأنه يريد إرغام نفسه على أن تفعل وقد نهى الله ﷿ عن مثل هذا في قوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) يعني عليكم طاعة معروفة أي أن تطيعوا الله ﷾ بنفوس مطمئنة غير مضطرة إلى فعل ما أمرت به ثم إن عاقبة النذر أحيانا تكون وخيمة إذا نذر الإنسان شيئا لله في مقابلة نعمة ثم حصلت تلك النعمة فلم يف بما عاهد الله عليه فإن العاقبة وخيمة جدا كما قال الله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) وما أكثر الناذرين الذين ينذرون أشياء في مقابلة نعمة من الله أو اندفاع نقمة ثم يندمون وربما لا يوفون تجد الإنسان إذا أيس من شفاء المرض قال لله علي نذر إن شفاني الله من هذا المرض أو شفى أبي وأمي أن أفعل كذا وكذا من العبادات بعضهم يقول أن أصوم شهرين بعضهم يقول أن أصوم يوم الاثنين ويوم الخميس وبعضهم يقول أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر بعضهم يقول أن أصوم سنة كاملة وما أشبه ذلك ثم إذا حصل ما نذر عليه ندموا وقاموا يطرقون باب كل عالم لعلهم يجدون الخلاص لهذا ننصح إخواننا المسلمين عموما وهذا السائل خصوصا ألا ينذروا شيئا لله ﷿ ونقول أطيعوا الله تعالى بلا نذر اشكروا الله تعالى على نعمه بلا نذر اشكروا الله على اندفاع النقم بلا نذر الأمر الأول الذي جعلناه أخيرا وهو الجواب عن السؤال فنقول إن هذه المرأة نذرت بمعاهدتها لله ﷿ أن تجعل ما يحصل لها من الذهب في بناء مسجد فيجب عليها أن تجمع ما يأتيها من الذهب لتبني به المسجد ولا يحل لها أن تتصرف بهذا الذهب تصرفا يخل بالنذر أما إذا كان تصرفا لمصلحة النذر مثل أن تتجر بالذهب حتى ينمو ويسهل عليها إنفاذ ما عاهدت الله عليه فهذا لا بأس به إذا كان يغلب على ظنها السلامة والربح وأما ما ذكرت من أن الوقف ليس فيه زكاة فهذا صحيح لكن هذا الذهب ليس وقفا الآن هي لم توقف الذهب ولكنها عاهدت الله أن تجمع لتبني به مسجدا فهو الآن في ملكها فعليها زكاته كما كانت تزكيه من قبل. ***
هل يمكن أن نجري وقفًا بكتاب أو كتابين نافعين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تسأل تقول هل يجوز أن يوقف الإنسان كتابًا أو كتابين أقول نعم يجوز هذا وطلب العلم نوع من الجهاد وكما أننا نوقف الخيل والإبل على الجهاد في سبيل الله فكذلك نوقف الكتب الدينية على طلبة العلم قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خالد بن الوليد ﵁ لما قيل إنه منع الزكاة قال (أما خالد فإنكم تظلمون خالدًا فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) يعني وقفها فيجوز أن يوقف الإنسان الكتب النافعة على طالب العلم سواء على سبيل العموم أو على شخص معين من طلبة العلم فيقول هذا الكتاب وقف على فلان فإن مات فعلى فلان أو يقول على فلان فإن مات ففي المكتبة الفلانية وإذا لم يقل إن مات فعلى كذا فهذا يسمى وقفًا منقطع الانتهاء فإذا مات الرجل الموقوف عليه فالصحيح أنه يصرف في المصالح العامة للمسلمين يجعل في مكتبة يرتادها المسلمون وينتفعون بها. ***
لدينا أوقاف وهي لم تزرع ولم يعتنِ أهلها بها ويزرعون أراضيهم الأخرى ويتركونها ونخشى أن يكون ذلك سببًا لانقطاع المطر أرجو الإرشاد والنصح لمثل هؤلاء ودمتم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال هذه الأماكن الأوقاف لا يجوز للنظار عليها الذين يتولونها لا يجوز لهم أن يهملوها بل الواجب أن يرعوها حق رعايتها فإن كان يمكن استغلالها وفيه مصلحة فإنها تستغل وتؤخذ مساحتها وإلا فإنها تباع ويصرف ثمنها في أشياء ينتفع بها الموقوف عليهم والواقفون وأما تبقى هكذا هملًا فهو لا يجوز وهو خلاف الأمانة التي تجب علي من تولاها أن يقوم بها ثم إنه بهذه المناسبة أحب أن أبين لإخواننا المستمعين أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوقف شيئًا أن يجعله من الأشياء المستمر نفعها المعلوم كبناء المدارس وبناء المساجد وإصلاح الطرق وما أشبه ذلك مما يحصل به النفع المستمر الذي لا يوجب إشغال ذمة المتولين على هذه الأوقاف ولا يوجب أيضًا نزاعهم وخصومتهم كما نجد الأوقاف الخاصة التي توقف على الذرية وشبههم فإنه يحصل فيها من الخصومة والملاحاة والمحاكم أحيانًا مالا ينبغي أن يكون بين الأقارب لهذا نرى أن الأفضل للإنسان إذا أراد أن ينفع نفسه أن يبذل ما يقدر الله له في حياته في أمورٍ نافعة مستمرة كما أشرنا إليه أولًا من بناء المساجد والمدارس وإصلاح الطرق وطبع الكتب النافعة وما أشبهها. ***
إذا تعطلت مصلحة الوقف هل يجوز بيعه في مثل هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تعطلت منافع الوقف ومصالحه فإنه يجب بيعه وليس يجوز فقط بل يجب أن يباع ويصرف في عمل بر لكن في مثل هذه الحال لابد من مراجعة الحاكم الشرعي حتى لا يحصل تلاعب في الأوقاف. فضيلة الشيخ: في مثل هذه الحالة بعد وجوب البيع هل يجوز للواقف نفسه أن يشتريه أو ابنه مثلا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه المسألة أنه إذا أخرجت في مزاد علني وانتهت القيمة التي دفعت فيه فإنه لا حرج على ابن الواقف أن يشتريه أما الموقف نفسه فإنه لا يجوز أن يشتريه وذلك لأن أخرجه لله وما أخرجه الإنسان لله فإنه لا يجوز له أن يرجع فيه ولهذا لما حمل عمر بن الخطاب ﵁ على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي حمله عليه ثم أراد أن يبيعه قال عمر فظننت أنه يبيعه برخص فأردت أن أشتريه فسألت النبي ﵊ فقال له رسول الله ﷺ (لا تشترهِ ولا تعد في صدقتك) فما أخرجه الإنسان لله فإنه لا يجوز أن يرجع إلى ملكه بعقد اختياري أما لو رجع إلى ملكه قهرا مثل أن يتصدق على قريبه بشيء ثم يموت قريبه ويكون هو وارثًا لهذا القريب فإنه يتملك ما تصدق به عليه لأن الملك بالميراث ملك قهري لا اختياري. ***
في حال بيع الوقف هل تصرف قيمته للفقراء دفعة واحدة وينتهي الأمر أم تصرف في أشياء أو في صدقات جارية يستفيد منها المسلمون باستمرار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن يشترى بقيمة هذا الوقف ما يكون بدلًا عنه مثلًا عقار أو أرض أو شيء تجري منفعته ولا يجوز أن تصرف هذه القيمة في صدقة ناجزة عاجلة لأنه بذلك يتعطل الوقف. ***
عبد الله محمد الجنوبي من بيشة يقول بعد التحية لدي مشكلة وهي أنني عمرت مسجدًا في طرف بلادي ولدي جماعة تبعد بيوتهم عن المسجد المشار إليه خمسمائة متر ولا يصلون معي بحجة أن المسجد بعيد عنهم ويرغبون مني مشاركتهم في عمارة مسجد آخر يكون قريبًا منهم وأكون أيضًا إمامًا لهم فما هو رأيكم في المسجد الذي سبق وأن عمرته من مدة خمسة عشر سنة هل يجوز لي هجره أنا وأولادي أو هدمه أو أبقيه أفتوني جزاكم الله خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المسجد الذي عمرته لهؤلاء ولكنه صار بعيدًا عليهم ويرغبون أن تنقله إلى مكان يكون أقرب إليهم وليس ثمت أحد محتاج إلى المسجد الأول فإنه لا بأس أن تنقله إلى المسجد الذي يرغبونه ويكون المسجد الأول ملكًا لك تتصرف فيه كما شيءت لأن الصحيح جواز نقل المسجد من مكانه إلى آخر لمصلحة المصلىن كما أنك ذكرت في السؤال أنهم لا يتمكنون من الحضور إليه وعلى هذا فسيبقى المسجد مهجورًا لا يصلى فيه أحد إذا لم يكن أناس آخرون يصلون به وهذا مما يؤكد عليك أن تنقله إلى المكان الذي يمكن أن ينتفع المسلمون به ويصلون. ***
من القصيم شخص له أرض سبالة في شارع يمر عليها الناس فأرادت الشركات استثمار القريبة من الشارع والقيام بتعويضه عنها فأراد أن يسأل ما هو الأفضل يا فضيلة الشيخ ترك الأرض هذه السبالة وليمر عليها الناس وفي هذا توسعة للمسلمين أو إعطائها للشركة وأخذ التثمين والاستفادة منه في بناء مسجد أو مكتبة إسلامية أو مشاريع خيرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى في جواب هذا السؤال أن يعرض المسألة على القاضي الذي في بلده حتى ينظر وثيقة السبالة كيف وقفها صاحبها وحتى ينظر هل في الناس ضرورة أو حاجة في بقائها أو لا وحتى ينظر هل في بيعها ليصرف ثمنها إلى مسجد أو غيره من مصالح المسلمين مصلحة راجحة أو لا فعلى كل حال المرجع في ذلك إلى القاضي. ***
علي صالح حسن السلمي من جدة يقول أوقف رجلا أرضا لولي وقد جعل في كل سنة مولدا لذلك الولي الآن قد ترك عمل المولد والواقف توفي فهل يبقى هذا الوقف على ما كان عليه أو يصرف إلى أي جهة أخرى أو يقسم على الورثة أفيدونا ماذا علينا أن نعمل فيه بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يكون في شيئين الشيء الأول زكاة الأوقاف وما ينبغي للإنسان أن يجعل مصرفا لوقفه فالوقف لا ريب أنه مما يقصد به وجه الله ﷾ ولهذا قال أهل العلم إنه إذا كان على جهة عامة فلابد أن يكون على بر أي على طاعة وعلى هذا فإني أوجه إلى إخواني الذين يريدون أن يوقفوا شيئا من أموالهم أن يحرصوا على أن تكون جهة المصرف جهة مشروعة محبوبة لله ﷾ ليكون وقفهم وقف بر يثابون به عند الله ﷾ وأحذرهم من أن يوقفوا وقف جنف وإثم مثل ما يفعله بعض الناس يوصي بوقف في شيء من ماله على بعض ورثته والوصية لا تنفذ إلا بعد الموت من الثلث ولا تجوز لوارث وذلك لأن الوصية لوارث من تعدي حدود الله ﷿ حيث أنه ﷾ قدر لكل وارث ما يستحقه من تركة الموروث فلو أوصى لأحدهم بشيء صار في ذلك متعديا لحدود الله سبحانه ولهذا توعد الله من تعدى حدوده حين ذكر آية المواريث فقال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وإذا كان الأمر كذلك وهو أنه ينبغي للموقف أن يجعل وقفه في أمر يكون برا وطاعة فإن أحسن ما أرى أن توقف الأموال على المصالح العامة كالمساجد تعميرها وصيانتها وتوفير ما تحتاج إليه من فرش وبرادات ماء ومكيفات ونحو هذا أو في طباعة الكتب النافعة السليمة في العقيدة والمنهاج حتى يكون ذلك داخلا في الجهاد في سبيل الله لأن الجهاد في سبيل الله كما يكون بالسيف والسنان يكون كذلك بالقلم والبيان هذه مسألة أما المسألة الثانية في الجواب على هذا السؤال فإن الواقف لم يبين كيفية الوقف هل جعله خاصًا لمولد هذا الولي فقط أو أنه جعله وقف بر ويخرج منه شيء لهذا المولد فإن كان الأول فالوقف ليس بصحيح لأن الجهة التي صرفه إليها ليست جهة بر فإن أعياد الموالد ليست من الأمور المشروعة بل هي من الأمور البدعية التي لم يكن عليها رسول الله صلى الله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه ولا الأئمة المهديون من بعدهم وعلى هذا فلا يكون هذا الوقف صحيحا أمنا إذا كان الوقف على جهة بر وفيه هذا النوع مما يصرف إليه فإن الوقف يبقى صحيحا ولا يصرف في هذا النوع ويصرف في أعمال بر أخرى هذا هو الجواب على هذا السؤال. ***
علي محمد أحمد ناجي يذكر أن والده بنى مسجدًا له ولإخوته وهذا المسجد قديم ولكنه صغير وأخيرًا قامت الحارة عنده وكثر السكان ويريد أهل هذا الحي أن يهدموا المسجد وينقلوا أحجاره لبناء مسجد أوسع من ذلك، فهل يجوز بناء مسكن في مكان المسجد القديم الذي يراد هدمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تقررت المصلحة في نقل المسجد من مكانه إلى مكان آخر ونقل فإن حكم الأرض أعني أرض المسجد السابق يزول وذلك لزوال اسم المسجد عنها فيجوز أن تجعل بيتًا وأن تجعل محلًا للزراعة وأن يتصرف بها تصرفًا كاملًا لأنه انتقل عنها حكم المسجد. ***
مبروك العوفي من خليص يقول لدي قطعة أرضٍ ولها صكٌ شرعيٌ قديم ومكتوبٌ في الصك وقفٌ لله تعالى ومكتوبٌ عليه وقفٌ لله ملعونٌ بائعها وملعونٌ شاريها مع العلم بأني استقل هذه الأرض بالزراعة وآكل من دخلها فهل هو حلالٌ أم حرامٌ أم ماذا وهل يصح الوقف بهذا الأسلوب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوقف صحيح إذا كان من مالكٍ وتمت شروط الوقف ولكن ما ينبغي للموقف أن يستعمل مثل هذه العبارات باللعن إنه يكفي إذا أوقفها أن يثبت ذلك بطريقٍ شرعي ومن غير أو بدل فالإثم عليه سواءٌ قرن ذلك باللعنة أم لم يقرن وأما التصرف في هذا الوقف فإنه إذا تعطلت منافع الوقف جاز بيعه والتصرف فيه وتؤخذ قيمته وتجعل في مكانٍ آخر ينتفع به ولكن ينبغي أن يكون هذا التصرف بعد مراجعة المحكمة حتى تتبين الأمر وتتحققه ثم تأذن بنقله إلى مكانٍ آخر. ***
جابر عامر عسيري يسأل عن وقف موقوف من مدة لأجداده وهو وقف لله يقول وقد كنت أقوم بشيءونه حتى عام ٩١ ثم انتقلت عنه في وظيفة والآن أصبحت بعيدًا عنه وليس لدي إمكانية حتى أقوم بشغله وأفرّق الذي يخرج منه على المساكين الآن أصبح مهجورًا بدون شغل أرجو إفادتي عن ذلك ولكم الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الوقف لا يجوز أن يضاع بل الواجب على الناظر إذا كان لا يتمكن من مباشرة القيام عليه بالنظر، الواجب عليه أن يسنده إلى ثقةٍ عارف حتى يتمكن من إصلاحه وتصريفه حسب نص الواقف الذي لا يخالف الشرع فإذا لم يجد أحدًا يقوم به فإنه ينبغي أن يراجع المحكمة الشرعية ليأخذ إذنًا في بيعه ونقله إلى مكان يتمكن من النظر عليه فيه إذا رأت المحكمة ذلك. ***
جاهر موسى حسن في البارخين من بلاد أهل العدان يقول جاهر إن عند والده بعض الأغنام وقد كانت وقفًا وماتت الأغنام ويوجد عنده قطعة أرض وقفًا وقد مات والدي وأنا صاحب وظيفة وقد قسمت هذه الأرض وقامت فيها الأشجار ولم أجد أحدًا يحيي هذه الأرض لكي تستثمر ثمرتها هذا أرجو إفادتي ماذا افعل علمًا أنني قد وضعت فلوسًا لمن يحرثها ولكن للأسف لم أجد أحدًا يقوم بزراعتها نرجو التفصيل في ذلك وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحمد لله أما بالنسبة للأغنام الوقف التي تلفت فإنه لا يلزمه شيء بدلها إلا إذا كان تلفها بسبب تفريط منه أو تعدٍّ فإنه يجب عليه ضمانها، وذلك لأن الوقف إذا كان عينًا فتلفت بطل لفوات المحل وأما بالنسبة للأرض التي لم يجد لها زارعًا على الرغم من أنه وضع لها دراهم لمن يزرعها فلم يجد فإنها تعتبر من الأوقاف التي تعطلت منافعها ومثل هذا يجب أن ينظر فيه إلى الأصلح من استبداله بوقف آخر أو ضرب حكورةٍ عليه تستغل والمرجع في ذلك إلى المحكمة الشرعية. ***
من الطفل عبد الرحمن من المدينة المنورة يقول أنا طفل أبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة ومتمسك بالصلوات المكتوبة مع الجماعة وعندما نذهب إلى رحلةٍ في البر أبني مسجدًا صغيرًا على استطاعتي وأفرشه وأؤذن في كل فرض في المسجد الذي عملته وأصلى بإخوتي الأصغر مني سنًا في هذا المسجد وبعد الصلاة أحدث على أخوتي بما أعرفه من أحاديث نبوية وهكذا أعمل في كل رحلة إلي البر فأرجو منكم إفادتي بالحكم على عملي هذا علمًا بأني مولعًا جدا ببناء المساجد في أي مكان وأي وقت فأرجو إفادتي إذا كان يجوز هدم هذا المسجد الذي عملته وبناء أي مشروع محله علمًا بأنه صغير جدًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول نشكرك أيها الطفل على هذا العمل النبيل ونرجو لك التوفيق والثبات وهذا عمل طيب إذا كانت همتك تنصرف إلى بناء المساجد فإن من بنى لله مسجدًا بنىّ الله له بيتًا في الجنة وهذه المساجد التي تبنيها إذا كنت تبنيها على الطرق وببناءٍ مُحكمٍ مُعدٍ للبقاء فإنه لا ينبغي أن تهدمها بل تبقى حتى تنفع المسلمين وأما إذا كانت في جوانب بعيدة عن الطرق ولا ينتفع بها إلا من نزل بها أو عليها وهي غير مبنيةٍ ببناءٍ محكم فإنه لا حرج عليك أن تهدمها وإن أبقيتها فلا حرج أيضًا ما لم تكن الأرض مملوكة فإن كانت الأرض مملوكة للغير فإنه لا يجوز لك إحداث بناء فيها. ***
عبد الرحمن محمد الشهري من بيشة يقول لدينا مسجد ويوجد له أوقاف سابقة من عدة أشخاص وهذه الأوقاف عبارة عن أرض زراعية تزرع بمختلف أنواع الحبوب وكانت تصرف قيمتها بعد بيعها على المحتاجين الذين يسألون في شهر رمضان وحيث إنه هذه الأيام ولله الحمد لم يعد هناك من يتجول في الشوارع بحثًا عن هذه المادة إلا نادرًا أرجو إفادتي وتوجيهي بما ترونه في موضوع هذه الأوقاف هل يجوز تحويلها في مصالح أخرى للمسجد أو لمن كان محتاجًا من المواطنين ولو في غير شهر رمضان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الذي فهمت من السؤال في أوله أن هذه الأوقاف للمسجد كذا، فما دامت للمسجد فإنها تصرف في مصالح المسجد من أول مرة ولا يصرف للمساكين لا في رمضان ولا في غيره إلا ما فضل عن حاجة المسجد وذلك لأن الواجب في الأوقاف أن تصرف حيث شرطه الواقف إلا إذا كان هذا الشرط يشتمل على أمر محرم فإنها لا تصرف إليه أو إذا كان ناظر الوقف يرى أن صرفها في غير هذه الجهة أفضل وأنفع للمسلمين وأكثر ثوابًا لصاحبها فلا حرج عليه لأن القول الراجح أن صرف الوقف إلى ما هو أنفع وأفضل لا بأس به ولو خالف شرط الواقف ودليلنا على ذلك ما ثبت عن رسول الله ﷺ في رجل استفتاه فقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال (صلِّ ها هنا) فأعاد عليه فقال (شأنك إذن) فإذا كان النذر والنذر يجب الوفاء به إذا كان طاعة يجوز أن يغير إلى ما هو أفضل منه فكذلك الوقف يجوز أن يغير إلى ما هو أفضل منه وأنفع ولكن مع هذا نرى أنه إذا أراد الناظر أن يغيره فإنه يستأذن المحكمة لأجل أن يكون على بصيرة من أمره فهذا الرجل الذي عنده هذه الأوقاف إذا كان المسجد يحتاجها فإنه يصرفها في المسجد ثم إن فضل شيء بعد المسجد يصرفه في الفقراء سواء في رمضان أو في غيره وسواء كان الفقراء من حي هذا المسجد أو من أحياء أخرى من البلد. ***
فهد أبو نائف من الطائف يقول هناك وقف يسمى وقف الجحوف بالطائف وينص الوقف على أن تكون عائداته لأحفاد أربع نساء على شرط أن يكون مستحق هذا الوقف من أحفاد النساء الأربع فقراء معدمين لا يملك أحدهم قوت يومه وبما أن الله تعالى قد أنعم علينا من نعمته وفضله وأن العشر من دخل الوقف يقدر بمائتي ألف ريال في الوقت الحاضر يخصص بالكامل لناظر هذا الوقف مما يعني انتفاء شرط الفقر والعوز فما رأي الشرع في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يعلم أن شروط الواقف إذا حددها فإنه يعمل بها إلا أن تكون في معصية الله فإنه إذا كانت في معصية الله فلا حرج أن نصرفها إلى غير ما شرط الواقف بل يجب علينا ذلك لقوله تعالى (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ونفي الإثم لا يعني نفي الوجوب في محله أما إذا كانت شروط الواقف لا تتضمن معصية فإنه يعمل بحسب شرطه ولا حرج أن ينقل الوقف إلى جهة أصلح وأنفع لما ثبت في الحديث عن النبي ﷺ أن رجلًا قال له يوم الفتح إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس فقال (صل هاهنا) فأعاد عليه فقال (صل هاهنا) فأعاد عليه فقال (شأنك إذن) فهذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصرف ما نذره إلى ما هو أفضل وأولى ومثل ذلك أيضًا الوقف وحيث إن الواقف كما قال السائل شرط للاستحقاق أن يكون المستحق معدمًا فقيرًا لا يملك قوت يومه فإنه لا يجوز لمن يملك قوت يومه من أحفاد هذا الواقف أو من أحفاد بناته أن يأخذ شيئًا من الوقف لعدم استحقاقه حيث إن الواقف شرط هذا الشرط الذي لا ينطبق عليه فالغلة إذن تصرف إلى جهات أخرى من أعمال البر التي ينتفع بها الموقف. فضيلة الشيخ: للسائل بقية في سؤاله لم انتبه لها يقول بما أنني أقل المستحقين حيث إنني طالب وأعول أسرة وقد حرمت من ريع هذا الوقف بناءً على أمر ناظره فهل يحق له التصرف في هذا الوقف بهذا الشكل وحرماني من شيء منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت لا ينطبق عليك شرط الواقف فإنك لا تستحق شيئًا وتصرف الناظر المخالف لما يقتضيه الشرط والشرع عليه إثمه وأنت عليك أن تعرف أنك إذا لم تكن معدمًا لا تجد قوت يومك فإنك لا تستحق من هذا الوقف شيئا باعتباره وقفًا. فضيلة الشيخ: وما يأخذه الناظر حلال عليه هذا العشر الذي يبلغ مائتي ألف ريال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ينبغي أن يراجع فيها المحكمة. ***
أبو محمد يقول هل يجوز أخذ المصحف من المسجد ثم إرجاعه فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أخذ المصحف من المسجد ثم إرجاعه لأن المصاحف الموجودة في المساجد أوقاف على جهة عامة كل من دخل المسجد فإنه ينتفع به فإذا أخذها أخذ فإن هذا يقتضي اختصاصه بها وحجبها عمن سواه وهذا حرام ولا يحل له حتى وإن أبدلها بمصحف آخر فإنه لا يحل له فلتبق المصاحف في المساجد على ما هي عليه ومن أراد أن يقرأ فيها فليقرأ فيها وهي في نفس المسجد. ***
أخذ صديقي مصحفًا من الجامع ليقرأ فيه ثم أعطاه لي فماذا علي أن أفعل هل أعيده إلى المسجد أم أحتفظ به أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعلم أن الأوقاف التي في المساجد لا يجوز لأحد أن يخرجها من المسجد ولو للانتفاع بها فلا يجوز أن يخرج مصحفًا يقرأ فيه في بيته ولا أن يخرج أي كتابٍ موقوفًا في المسجد ليطالعه في البيت ولا أن يخرج آلة من آلات الكهرباء أو غيرها لينتفع بها في بيته فما خص للمسجد فإنه لا يجوز إخراجه منه وقد ظن بعض الناس أن المصاحف التي في المساجد لما كانت وقفًا عامًا لكل من دخل المسجد أنه يجوز للإنسان أن ينتفع بها وحده في بيته وهذا ظنٌ خطأ لأنك ربما تأخذها فيأتي أناس في المسجد يحتاجونها فتكون أنت حرمتهم منها حتى لو كثرت المصاحف فإنه قد يدخل المسجد أناس كثيرون وعلى كل حال فكل ما خص للمسجد فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يختص به في بيته بل ولا أن يختص به في المسجد بحيث يأخذ المصحف ويقرأ منه فإذا فرغ منه وضعه في موضعٍ خاص لا يطلع عليه أحد لأجل أن يقرأ منه إذا حضر إلى المسجد لأن الأشياء العامة يجب أن تكون للعموم أما بالنسبة لسؤال السائل الذي قال إن صاحبه أعطاه مصحف أخذه من المسجد فإن الواجب عليه أن يرد هذا المصحف في المسجد الذي أخذه صاحبه منه. ***
بالنسبة لأخذ الأشياء التابعة للمسجد مثل سلم المسجد حيث يأتي بعض الناس وعندهم أعمال في بيوتهم ويأخذون مثل هذه الأشياء من المسجد ويستخدمونها في احتياجاتهم هل على الإمام إثمٌ إذا أعطاهم هذه الأشياء أم يحق له الرفض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإمام ولا للمؤذن ولا لقيم المسجد ولا لأحدٍ من الجماعة أن يأذن في أخذ هذه الآلات والانتفاع بها خارج المسجد لأن هذه موقوفة للمسجد فلا يجوز أن تستعمل في غيره لا يجوز لأحدٍ أن يأخذها ويستعملها ولا يجوز لأحدٍ أن يأذن له حتى لو فرض أن المسجد ليس بحاجةٍ إليها مثل أن يكون هناك سلم قديم أو فرش قديمة فيأخذها بعض الناس ويستعملها لأن هذه للمسجد فإذا كان مستغنيًا عنها صرفت في مسجدٍ آخر وأما أن يستعملها الناس لأغراضهم الشخصية فهذا حرامٌ وفاعله آثم والعياذ بالله. ***
الأشياء الموقوفة في المسجد كالمصاحف والسجاد إذا فسدت وقل استعمالها هل يجوز إخراجها من المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز إخراجها من المسجد إذا أبدلت بخيرٍ منها فأما إخراجها ويبقى المسجد غير مفروش فلا يجوز لأن بقاءها وهي قديمة خيرٌ من عدمها أما إذا أخرجت من أجل أن يوضع بدلها شيء جديد فلا بأس وفي هذه الحال ينبغي إذا أخرجوها أن لا يخرجوها على وجه الإتلاف بل يتصدق بها على من يحتاجها من الفقراء أو المساجد الصغيرة التي يكفيها الشيء اليسير. ***
توجد عند والدي أرض يقال لها السبيل مسجد المذكور ووالدي يقوم بواجب هذه الأرض ويأخذ النصف مقابل القيام بها والنصف الآخر للمسجد يسجله عنده بعد تحديد القيمة ويظل المبلغ عنده رصيدًا دون أن يعمل به شيئا لصالح المسجد فهل يجوز ذلك أم يجب ترك هذا السبيل للمسجد بالكامل وهل على والدي شيء لعدم قيامه بأي عمل لصالح المسجد من المبلغ الموجود عنده وهل هو ملزم بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن جدك الذي أوقف هذا السبيل قد جعل له ناظرًا عليه من الذرية أو من غيرهم وإذا كان والدك هو الناظر عليه فإنه عليه أن يفعل ما هو أحسن لهذا الوقف من تنميته أو تنمية مغله وله أن يأخذ إذا لم يتبرع بقدر عمله لأنه لا يلزم أن يعمل بشيء بدون أجرة فله أن يأخذ ما يأخذه غيره بحسب العادة وحسب العرف وأما ما يحصل من المغل فالواجب عليه أن يصرفه في مصالح هذا المسجد ولا يعطله فإن كان المغل أكثر مما يحتاجه المسجد وكان المغل يتوفر كل سنة فإنه يصرف الفاضل عن حاجة المسجد إلى مسجد آخر ليكثر بذلك أجر الموقف ولا يعطل هذا المغل. ***
في قريتنا مسجد قديم ومندثر وقد عمل بعض الناس عندنا على تخريبه فهدموا جزءا منه ثم توقفوا وقاموا ببيع بعض الأخشاب التي هدمت ونظرًا لحاجتي إلى تلك الأخشاب فقد اشتريت بعضها وانتفعت بها في بناء بيت لي فهل علي شيء في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليك شيء في هذا ما دام المسجد قد هدم ليعاد بناؤه على وجه أكمل وأنفع وإن بيعه في مثل هذه الحال لا بأس به ولا بأس أن يشتري الإنسان منه ما يريد أما لو كان هدمه جناية للتخريب فقط فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه شيئًا لأن هذا الفعل غير مأذون فيه. ***
ما حكم بيع الأراضي الموقوفة وما حكم المشتري في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأراضي الموقوفة إذا تعطلت مصارفها ومنافذها بحيث لا ينتفع بها فإنها تباع ويصرف ثمنها في شيء ينتفع به وأما إذا كانت مصالحها باقية فإنه لا يجوز بيعها وتبقى على وقفها ولكن مع ذلك فالصورة الأولى التي يجوز بيعها لابد من مراجعة الحاكم الشرعي في هذا الأمر حتى لا يحصل تلاعب بالأوقاف فيدعي كل إنسان ناظر على أن هذا الوقف قد تعطلت منافعه ثم يبيعه لهوى في نفسه والحاصل أن بيع الأراضي الموقوفة إذا تعطلت منافعها جائز بل واجب حتى يمكن الانتفاع بالوقف وأما إذا لم تتعطل منافعها فإنها تبقى على ما هي عليه. ***
امرأة أوصت عند وفاتها بجميع ذهبها بأنه للمسجد وللماء البارد مع العلم بأن الماء البارد متوفر في هذا المسجد حيث يوجد هناك برادات هل يجوز بيع هذا الذهب وشراء مكيفات للمسجد مع العلم بأن الورثة لا يمانعون من تنفيذ هذه الوصية بكاملها وليس بالثلث حسب الشرع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا وافق الورثة على تنفيذ هذه الوصية فتنفذ كما قالت المرأة فإذا قدر أن المسجد مستغنٍ عن تبريد الماء بما فيه من البرادات فتصرف إلى مسجدٍ آخر يشترى له بذلك برادات لأن شرب الماء أفضل من المكيف ولكن لنحرص على أن يكون البديل مثل المسجد الأول مثل بكثرة الناس وانتفاعهم بالماء. ***
قمت مرة بطلب مساعدة لشراء مكبر صوت لمسجد القرية عندنا وحصلت على الفلوس من محبي الخير ثم ذهبت لشراء مكبر الصوت ولكنني جعلت نفقة الذهاب والرجوع من نفقة الفلوس التي جمعتها للمسجد علمًا بأن السفر كان بعيدًا وأنا ليس معي فلوس فهل هذا العمل جائز وماذا يلزمني إذا أخطأت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا العمل جائز ولا حرج فيه لأن هذا من مصلحة مكبر الصوت ولكن عليك أن لا تستعمل أفضل الرواحل إذا كان يمكن أن تستعمل ما دونها فمثلًا نقول لا تستأجر سيارة فخمة مع وجود سيارة دونها يحصل بها المقصود لأنك مؤتمن والأمين يجب عليه أن يسعى لحصول الشيء بأدنى كلفة. ***
الهدية والهبة والعطية
ما حكم أخذ الهدية وهل كان الرسول ﷺ يأخذ الهدية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبول الهدية من هدي النبي ﷺ حتى إن بعض أهل العلم قال يجب قبول الهدية إذا تمت الشروط، والشروط هي أن لا يكون هذا المهدي ممن عرف بالمنة أي أن لا يكون من المنانين لأن قبول هدية المنانين قد تجلب الأذية فقد يقوم هذا الشخص الذي أهدى بالكلام بين الناس بأني أهديت إلى فلان كذا وأهديت إليه كذا وما أشبه ذلك ففي هذا الحال للإنسان مناص في عدم قبول الهدية لئلا يتأذى بِمَنِّ ذلك الشخص ومنها أن يكون المهدي ماله حلال فإن كان ماله حرام فلا حرج على الإنسان أن يرد هديته اتقاء للمحرم وإن كان في ماله حرام وحلال فليقبل الهدية ولا حرج عليه لأن النبي ﷺ قبل الهدية من اليهود وهم معروفون بأخذ الربا وأكل السحت ثم إنه ينبغي لمن قبل هدية أن يكافئ المُهدي فقد كان النبي ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها وقال (من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) . ***
يقول السائل من ليبيا هل يؤجر الإنسان في إهداء الهدية وهل هي كالصدقة فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يثاب الإنسان على الهدية لأنها إحسان والله تعالى يحب المحسنين ولأنها سبب للإلفة والمودة وكل ما كان سببًا للإلفة والمودة بين المسلمين فإنه مطلوب ولهذا يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (تهادوا تحابوا) وقد تكون أحيانًا أفضل من الصدقة وقد تكون الصدقة أفضل منها والفرق بينها وبين الصدقة أن الصدقة ما أريد بها ثواب الآخرة والهدية ما أريد بها التودد والتقرب إلى الشخص قد يكون توددك إلى هذا الرجل فيه مصلحة كبيرة للمسلمين مثل أن يكون هذا ولي أمر المسلمين فتهدي إليه ما يناسب حاله ومقامه فيكون في ذلك جلب للمودة وقبوله للمناصحة منك ويحصل بهذا خير كثير والصدقة لا شك أنها إذا نواها الإنسان بإخلاص تقرب إلى الله ﷿ وتنفع المسكين فالهدية قد تكون أفضل من الصدقة وقد تكون الصدقة أفضل من الهدية بحسب النتائج التي تنتج عن هذه وهذه. ***
ما حكم قبول الهدية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبول الهدية سنة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقبل الهدية ولكن ينبغي لمن أُهدي له شيء أن يكافئ من أهدى إليه لقول النبي ﷺ (من صنع إليكم معروفا فكافئوه) فإن لم تكن المكافأة مناسبة فإنه يدعو له لقول النبي ﷺ (فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه) وهذا أعني قبول الهدية ما لم يخش الإنسان أن يكون من المُهدي مِنَّةٌ عليه في المستقبل بحيث يقطع عُنُقَهُ كلما حصلت مناسبة فيقول أنا فعلت بك وفعلت بك وأهديتك وصنعت إليك معروفا وما أشبه هذا ففي مثل هذه الحال لا ينبغي أن يقبل الهدية لما في ذلك من إذلال نفسه أو التعرض لذلك. ***
عندنا العادة عندما يريد شخص أن يتزوج يرسل بطاقات إلى من يريد أن يحضر من الناس إلى الزواج فيأتي هذا المدعو إلى يوم الزواج ثم يأكل من وليمة هذا المتزوج ثم يعطيه مائتي ريال علمًا بأن هذا يسمى الرفد ثم يأتي زواج هذا الذي دعي ويدفع مائتي ريال ثم يرسل له بطاقة كما أرسل له بطاقة حضور ثم يأتي للزواج ويأكل من وليمة المتزوج ثم يعطيه مائتي ريال كأن ذلك تبادل هل يجوز هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا مما جرت فيه العادة في بعض البلاد أن الرجل إذا تزوج رفده أصحابه وأقاربه ومعارفه بما يتيسر فإذا تزوج الرافد رفده هذا المتزوج الأول بما يتيسر أيضًا وهم لا يريدون بهذا المعاوضة ولذلك لو لم يتزوج الرافد لم يأخذ من الزوج شيئًا فالمسألة مسألة مهاداة جرت بها العادة وليس مسألة بيعٍ وشراء فعلى هذا يكون جائزًا لأن الأصل فيما يعتاده الناس الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في الأعيان الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليلٌ على أنها مشروعة فهذه القواعد الثلاث ينبغي لطالب العلم أن يحيط بها ويفهمها الأصل في العادات الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في الأعيان أي الأشياء الحل حتى يقوم دليلٌ على المنع والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليلٌ على أنها مشروعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) وفي لفظٍ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منا فهو رد) أما الأعيان فالأصل فيها الحل لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) وأما العادات فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ومفهومه أن ما كان في كتاب الله فليس بباطل وكذلك يروى عنه أنه قال (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا) والعادات نوعٌ من الشروط فهي أمورٌ سار الناس عليها واعتبروها سائرةً بينهم وسائدةً بينهم فإذا لم يدل دليل على منعها فهي جائزة. ***
ما حكم الهدايا التي تقدم للعروس أو للزوجة في صبيحة يوم الزواج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الهدايا لا شك أنها من الأمور المستحبة لأن الهدية توجب المحبة والإلفة ولا سيما إذا كانت العادة جارية بذلك فإننا تذهب عن الإنسان عار البخل هذا بالنسبة للمهدي أما بالنسبة للمهدى إليه وهي الزوجة فإن قبولها لهذه الهدية من هدي النبي ﵊ فإنه ﷺ (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) . ***
من أهديت له هدية فهل يجوز له أن يهديها لغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لمن أهدي له هدية أنه يهديها لآخر فإذا أهدى محمدٌ إلى عبد الله هدية جاز لعبد الله أن يهديها لعبد الرحمن لأنها ملكه يتصرف فيها كما يشاء. ***
ماحكم الضيافة عند رجل ماله مختلط حرام مع حلال حيث إنه يعمل في محل يبيع فيه الدخان مثلًا وأشياء محرمة وبعض الأشياء الأخرى الحلال كبيع كتب وكراسات وأقلام وغير ذلك ما حكم عمله في ذلك حيث أن هذا الرجل يهدي إليّ بعض الأشياء هل أقبلها أم أرفضها أفتونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم عمل هذا الرجل في هذا المحل جائز ولكن بشرط أن يبتعد عن المعاملات المحرمة كالربا وبيع الدخان وغيره مما حرم الله عليه ليكون كسبه طيبًا حلالًا وأما بالنسبة لهداياه إليك ونزولك عليه ضيفًا فإن هذا لا بأس به ولا حرج عليك في ذلك فقد ثبت عن رسول الله ﷺ (أنه قبل الهدية من المرأة اليهودية حينما أهدت إليه شاة في غزوة خيبر) و(أجاب النبي ﷺ دعوة يهودي دعاه في المدينة على خبز شعير وإهالة سنخة) وعامل اليهود بيعًا وشراء حتى إنه ﵊ مات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير اشتراه لأهله وهذا يدل على جواز معاملة من اختلط ماله بحرام لأن اليهود كما وصفهم الله تعالى (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) . ***
هل يجوز قبول الهدية من شخص نعلم أنه يتعامل بالربا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يقبل هدية مَنْ يتعامل بالربا ويجوز أن يبايعه ويشاريه ويجوز أن يجيب دعوته لأن النبي ﷺ قبل الهدية من اليهود واشترى من يهودي طعامًا لأهله إلا إذا علمنا أننا إذا كففنا عنه ولم نبايعه ولم نُشارهِ ولم نقبل هديته ارتدع عن الربا فحينئذ نفعل ذلك لا نبيع معه ولا نشتري ولا نقبل هديته لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى. ***
أهدي إلينا طعام من مال حرام - مال ربا - فرددناه إلى صاحبه فرده إلينا فاستحيينا وأخذناه فهل نعطيه للفقراء أم يجوز لنا أن نأكله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لكم أن تأكلوه وسبحان الله كيف يرد هذا السؤال لا تأكلونه وتعطونه الفقراء المهم أن من في ماله حرام إذا أهدى إلى أحدٍ شيئًا فقبول الهدية لا بأس به بدليل أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هدية من اليهود واليهود عامتهم يأكلون الربا والسحت ولم يردها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يستفصل كما أنه صلى الله عليه وعلى آله سلم بايع اليهود فقد مات صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرعه مرهونة بطعامٍ اشتراه لأهله مرهونة عند يهودي وهذه خذها قاعدة كل من اكتسب مالًا محرمًا فإنه حرامٌ عليه وحده أما على الآخرين إذا أخذوه بطريقٍ مشروع فليس حرامًا عليهم ما لم نعلم أن هذا مال شخصٌ معين فإننا لا نأخذه مثل أن يهدي إلينا السارق ما سرقه ونحن نعلم أنه سرقه فهذا لا يجوز لنا قبوله لأنه محرمٌ لعينه وهذه قاعدة إذا علمها الإنسان زالت عنه الإشكالات وتيسرت له الأمور. ***
من اليمن المستمع محمد عبد الله المستمع يسأل عن الهدية التي تهدى لرجل لك عنده معاملة ما حكم أخذ هذه الهدية وهناك حديث (تهادوا تحابوا) أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الهدية لا شك أنها تجلب المودة والمحبة والإلفة بين الناس وهذا أمر يشهد به الواقع ولكن إذا تضمنت مفسدة أكبر من مصلحتها فإن القاعدة الشرعية تقتضي أن تكون حرامًا ألا ترى إلى قول تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ولما كان إثمهما أكبر من نفعهما حرمهما الله ﷿ فالهدية إذا تضمنت محظورًا صارت حرامًا مثل أن تهدي إلى شخص موظف لدى الدولة وملزم بأن يقوم بعمل تلك المصلحة فتهدي إليه هدية ليقوم لك بالعمل الذي يقوم به بمقتضى وظيفته فإن الهدية هنا تكون حرامًا لأن قبول الهدية حرام وما كان سببًا للحرام فهو حرام وفي الصحيح في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ بعث عبد الله بن اللتبية عاملًا على الصدقة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي فأنكر النبي ﷺ ذلك وقال (هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا) وروي عن النبي ﷺ أنه قال (هدايا العمال غلول) فلا يحل لأحد قائمًا على عمل بالدولة أن يقبل هدية من له عنده معاملة لأن ذلك شبيه بالرشوة بل هو في الحقيقة رشوة لأن هذا المهدي إنما أهدى ليتوصل إلى حقه الذي يجب على المهدى إليه أن يقوم به خلاصة الجواب أنه يجب على من كان قائمًا على وظيفة من الوظائف أن يتقي الله في نفسه وأن يقوم بها على الوجه الذي تبرأ به الذمة وأن لا يمنع حقوق الناس من أجل أن يضطرهم إلى بذل المال له هذا من جهة المهدى إليه أما من جهة المهدي فإنه لا يحل له أن يهدي إلى أحد قائمًا على عمل من أجل أن يقوم بما يلزمه من العمل نعم لو فرض أن حقك لا يمكن أن يستخلص إلا بشيء فهنا قد نقول إنه لا حرج عليك لأنك تريد استنقاذ حقك ولكن الحرج والإثم على الآخذ. ***
مجموعة من المعلمات قمن بعمل حفلة تكريم للمديرة تقديرًا لجهودها في المدرسة وقدمن الهدايا لها في آخر العام هل في ذلك بأس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الدعوة فلا بأس -الدعوة العادية- وأما تقديم الهدايا فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر على الرجل الذي بعثه عاملًا على الصدقة فلما رجع قال هذا لكم وهذا أهدي إلي وقال (هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا) وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (هدايا العمال غلول) ولأن الهدية إلى العامل توجب أن يحابي هذا العامل من أهدى إليه فيتقاضى عن تقصيره أو يمنحه ما لا يستحق والحاصل أنه لا يجوز للمديرة أن تقبل هدايا المعلمات أما الدعوة فلا بأس بها. ***
ما حكم الهدية في مكان العمل مع أني لا أقصد من ورائها شيئًا بل الحب في الله فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من هذا السؤال أن الإنسان يهدي هدية إلى قائم بالعمل له به تعلق مثل أن يهدي الرجل إلى القاضي هدية بين يدي الحكومة يعني المحاكمة عند القاضي ومثل أن يهدي التلميذ هدية إلى أستاذه قرب الامتحان أو في غير وقت الامتحان من أجل أن يحابيه في التهاون معه في الواجبات أو يحابيه في إطلاعه على الأسئلة أو ما أشبه ذلك المهم أن الهدية لمن يكون بينه وبينه علاقة في العمل لا تحل ولا تجوز إلا إذا كان هناك عادة بينهما في التهادي فلا بأس لأن هذا يكون بناء على العادة. ***
ما ردكم على من تهدي علبة عطر لامرأة أخرى هل يجوز هذا علما بان المهدى إليها تذهب إلى الشارع وهي متعطرة بهذا العطر وهل يلحق صاحبة الهدية إثم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إهداء الطيب إلى المرأة لا بأس به في الأصل لأن الهديه تجلب المودة وتذهب السخيمة وللمهدي أجر وإذا استخدمتها المهدى إليها على وجه محرم فالإثم عليها لكن إذا كانت المهدى إليها قد عُرفت أنها تخرج إلى الأسواق متطيبة وأنها سوف تستعمل هذا الطيب لخروجها إلى الأسواق فإنه لا يجوز أن يهدى إليها شيء من الطيب لأن ذلك من باب المعونة على الإثم والعدوان وقد قال الله ﵎ (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . ***
طالبة بالمملكة من سريلانكا تقول في زماننا هذا كثر التبرع بالعين وربما بيعها ممن قد يئسوا من الحياة فأرجو إجابتكم على الحكم في الحالتين في التبرع والبيع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كما ذكرت السائلة حدثت أخيرًا في الأزمان المتأخرة واختلف أهل العلم فيها فمنهم من أجاز للإنسان أن يتبرع بأحد أعضائه التي يبقى له منها شيء ثم اختلف هؤلاء هل يجوز أن يتبرع فقط أو له أن يبيع ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقًا وقال لا يجوز لأحد أن يتبرع أو أن يبيع شيئًا من أعضائه حتى وإن كان قد أيس من حياته وذلك لأن بدنه أمانة عنده لا يجوز له أن يتصرف فيه فالإنسان مملوك وليس مالكًا وإذا لم يكن مالكًا لشيء من أعضائه وإنما هي أمانة عنده فإنه لا يجوز له أن يتصرف فيها ببيع ولا غيره وتبرعه بعضو في بدنه من جنسه قد يقوم البدن بدون ذلك العضو الذي تبرع به ولكنه لاشك أن الله تعالى لم يخلق هذين العضوين إلا لفائدة عظيمة وذلك بأن يتساعدا على المصلحة التي أوكلت إليهما ثم إنه إذا تبرع بأحد هذين العضوين لم يبق له إلا عضو واحد وفي هذه الحال ربما يتعطل ذلك العضو فيكون هذا المتبرع فاقدًا للمنفعة كلها ثم إنه إذا تبرع به لغيره فإن تحقق المفسدة فيه قد حصلت حيث فقد ذلك العضو وحصول المصلحة للمتبرع له به أمر محتمل لأن العملية قد لا تنجح فمثلًا لو أن أحدًا تبرع بكليته لشخص فإنها إذا نزعت منه فقدها وهذه مفسدة ثم إذا زرعت في المتبرع له فإنها قد تنجح وقد لا تنجح فنكون هنا قد ارتكبنا مفسدة لمصلحة غير متيقنة والذي يترجح عندي أنه لا يجوز أن يتبرع أحد بشيء من أعضاء بدنه وإذا لم يجز التبرع فالبيع من باب أولى وأما التبرع بالدم فإن التبرع بالدم للمحتاج إليه لا بأس به وذلك لأن الدم يخلفه غيره فإذا كان يخلفه غيره صار النقص الذي يحصل على البدن مفقودًا ويكون هنا فيه مصلحة إما متيقنة أو محتملة لكن بدون وجود مفسدة ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمنعه فالتبرع بالدم لمن احتاج إليه جائز بشرط أن يقرر الطبيب أنه لا ضرر على هذا المتبرع إذا تبرع بدمه. فضيلة الشيخ: هذا حكم البيع فما حكم الشراء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حرم البيع في شيء فإنه يحرم الشراء. فضيلة الشيخ: لو أردت أن أشتري من غير المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق في هذا بين المسلم وغيره. فضيلة الشيخ: إذا كنت مضطرًا لهذا العمل وربما أنقذ به حياة شخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قولك ربما تنقذ به حياة شخص غير متيقن ولهذا لو كانت المسألة من باب الأكل لا من باب زرع العضو في البدن الذي قد ينفر منه البدن ولا يقبله لو كانت المسألة أكلًا لكان يجوز لك أن تأكل ما له حرمة ولهذا اختلف العلماء ﵏ فيما لو اضطر الإنسان إلى الأكل وليس عنده إلا ميت هل يجوز له أن يأكل منه أو لا يجوز فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يجوز أن يأكل الحي شيئًا من الميت ولو أدى إلى موت الحي لاحترام الميت كاحترام الحي وذهب بعض أهل العلم إلى جواز أكل الحي من هذا الميت لدفع ضرورته قال لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت وهذا قول قوي بلا شك ولكن الأكل تندفع به الضرورة يقينًا ولهذا لما حرم الله الميتة أباح للمضطر أن يأكل منها لأن ضرورته تندفع بذلك يقينًا بخلاف الدواء والعلاج ومن ثم قال أهل العلم إنه لا يجوز التداوي بالمحرم ويجوز للإنسان أن يأكل المحرم لدفع جوعه ففرق بين شيء تحصل به المصلحة يقينًا وتندفع به المضرة وبين شيء لا يتيقن فيه ذلك فإنه لا يرتكب المحظور المتيقن لحصول شي غير متيقن. ***
هل يجوز للرجل أن يوزع ماله على ورثته وهو حي حسب القسمة الشرعية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال أهل العلم إنه يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته على حسب الميراث الشرعي ولو كان حيا ولكننا نرى أن لا يفعل ذلك وذلك لأن الأمور قد تتبدل فهو الآن يعتقد أنه في غنى عن هذا المال وربما يطرأ عليه حاجة توجب أن يكون لديه مال وكم من إنسان يفعل ذلك أي يقسم ماله بين ورثته ثم يطرأ عليه حاجات يتمنى لو أن ماله بيده ولكن قد فات الأوان ثم إننا نقول أنت قسمت الآن مالك بين ورثتك وربما تكون أنت الوارث لهم فلا يدرى من يموت أولا فالذي ينبغي للإنسان أن يبقي ماله حتى يقضي الله أمره فإذا مات وزعت التركة على حسب ما تقضتيه الشريعة. ***
ما حكم الشرع في نظركم في الشخص الذي يفرق بين الأولاد ويفضل البعض على البعض في الأعطية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذا محرم نهى عنه النبي ﷺ وقال بشير بن سعد الأنصاري وقد فضل ابنه النعمان في عطية قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (إني لا أشهد على جور) وتبرأ من الشهادة عليه وقال (أشهد على هذا غيري)، فلا يحل لأحد أن يحابي بعض أولاده دون بعض بل عليه أن يسوى بينهم في العطية بما قد سوى الله بينهم وذلك أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين هذا في العطية المحض أي التبرع المحض أما ما كان لدفع الحاجة فإن العدل بينهم أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج إليه سواء كان بقدر ما أعطى الأخر أو أكثر أو دون فمثلا إذا كان الابن الكبير يحتاج إلى كتب للدراسة وإلى أعمال أخرى للدراسة وأعطاه ما يشتري به الكتب والأعمال الأخرى ولم يعط الآخرين الذين لا يحتاجون مثله فليس ذلك من التفضيل بل هذا من العدل فإذا بلغ هؤلاء مثل ما بلغ الأول واحتاجوا مثل ما احتاج أعطاهم مثل ما أعطى الأول وهنا مسألة وهي أن بعض الناس يزوج أولاده الكبار الذين بلغوا النكاح في حياته ثم يوصي بمثل ما زوج الكبار للصغار الذين لم يتزوجوا يوصي لهم بعد موته بقدر ما أعطى الكبار وهذا حرام ولا يجوز تنفيذ هذه الوصية ويرد ما أوصى به لهؤلاء في التركة ويقسم بين الورثة قَسْم الميراث الشرعي. ***
والد موسر وله ولد وبنات كلهم قد تزوجوا ودائمًا الوالد ما يفرق بين الولد والبنات في النفقة سواء قبل الزواج أم بعده وقد اشترى للولد أرضًا وكتبها باسمه مما جعل البنات يجدن في أنفسهن من ناحية الأب شيئًا والأخ هذا له دلال فهل يأثم الوالد بهذه التفرقة مع العلم بأن هذا الوالد عالم بأمور دينه وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النعمان بن بشير ﵁ أن أباه بشير بن سعد نحله نحلة فقالت أمه أي زوجة بشير لا أرضى حتى تشهد النبي ﷺ على ذلك فذهب بشير إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليخبره ويرشده فسأله النبي ﷺ (هل أعطى أبناءه مثل ما أعطى النعمان) قال: لا قال: (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وكيفية العدل بين الأولاد في النفقة أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاج من النفقة سواء كان مماثلًا لإخوانه أو لا ومن المعلوم أن الأولاد يختلفون في الحاجة إلى النفقة فالغني منهم لا يحتاج إلى نفقة والفقير يحتاج والكبير الذي دخل المدرسة يحتاج إلى نفقة لكتبه ومقرراته ولباسه والصغير الذي لم يدخل المدرسة لا يحتاج إلى ذلك فيعطي الكبير ما يحتاجه وإن كان لم يعط الصغير مثله والبالغ الذي وصل حد الزواج يزوجه إذا كان لا يستطيع الزواج بنفسه ولا يعطي إخوانه مثل ما أعطاه من المهر ونفقة الزوجة وغير ذلك المهم أن العدل في النفقة أن يعطي كل واحد ما يحتاج سواء أعطى الآخرين مثله أم لا وهنا مسألة لا يتفطن لها كثير من الناس وهي أن الولد الكبير قد يحتاج إلى سيارة يذهب بها إلى المدرسة وقضاء حوائجه والصغار لا يحتاجون إليها فهل يشتري سيارة للكبير ويخصه بها لاحتياجه إليها أم ماذا نقول لا يشتري له سيارة بل يشتري السيارة له أي للأب ويعطيها للابن عارية لأن الابن لا يحتاج إلا إلى منفعة السيارة لا إلى السيارة فيمنحه منفعتها وإذا قدر أن مات الابن عادت إلى الأب وإذا قدر أن مات الأب عادت إلى تركة الأب أعني السيارة وبهذا يكون عادلًا بين الأولاد هنا مسألة أخرى أيضًا يكون لإنسان أبناء متعددون يحتاج أحدهم إلى الزواج فيزوجه والآخرون لم يصلوا إلى حد الزواج من الناس من يوصي بمقدار المهر لأبنائه الذين لم يتزوجوا في حياته ولم يبلغوا حد الزواج ولم يطلبوا الزواج وهذا حرام لأنها وصية لوارث وهي أيضًا باطلة فللورثة أن يبطلوا هذه الوصية وأن يضموا ما أوصى به إلى بقية التركة أما ما يتعلق بسؤال السائل فنقول إن تخصيص ولده بالأرض دون بقية الأولاد من بنين وبنات محرم ولا يحل له والطريق إلى ذلك إما أن يردها وإما أن يعطي البنين مثل ما أعطى هذا الابن والبنات نصف ما أعطى لأن التعديل بين الأولاد والبنات أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين كما هي قسمة الله تعالى في المواريث ولا قسمة أعدل من قسمة الله ﷿ هذه طريق إما أن يستردها أو أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل أو يقدرها عليه بقيمة أي بقيمة عدل بحيث تكون هذه القيمة قيمتها لو اشتراها غير الولد فإذا رضي الابن بذلك أي بأن تكون عليه بالشراء صارت بيعًا وليس فيها محاباة فإن قيل لو أن الأولاد سمحوا لأبيهم بذلك سواء كانوا بنين أو بنات لكن الأب يعلم أنهم إنما سمحوا بذلك حياءً فإن هذا السماح لا عبرة فيه وهو سماح وجوده كالعدم ولا يحل للأب أن يعتمد عليه أما إذا علم أن سمحوا من طيب نفس لما بين أفراد العائلة من المحبة والمودة فلا حرج عليه لأنه إنما خصه بهذه الأرض برضى من الجميع لكن ما في السؤال يدل على أن البنات لم يرضين بذلك وعلى هذا فلا بد أن يسلك واحدة من الأمور الثلاثة التي ذكرناها إما أن يرد الأرض وإما أن يعطي البنات نصف ما أعطى هذا الابن والبنين مثل ما أعطى هذا الابن وإما أن يبيعها عليه بثمن مثلها لو باعها على أجنبي. ***
رجل تصدق على أبنائه الذكور ولم يعط شيئا لبناته هل تعتبر هذه الصدقة صحيحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانت هذه الصدقة لدفع حاجة الأولاد الذكور وكانت النساء مستغنيات إما بأموالهن أو أموال أزواجهن إن كن متزوجات فلا بأس بذلك لأن الإنفاق واجب على الأب لأولاده إذا كانوا فقراء وهو غني فإذا كان يعطي الأولاد من الصدقة ما تقوم به حاجتهم فلا بأس لأن هذا إنفاق فلا بأس أن يخص به المحتاج دون غيره أما إذا كانت هذه الصدقة تبرعًا محضًا فإنه لا يحل للرجل أن يعطي الذكور دون الإناث ولا أن يفضل بعض الذكور على بعض لأن بشير بن سعد ﵁ أهدى لابنه النعمان بن بشير أهدى له هدية إما غلاما وإما بستانا وإما الاثنين فأتى إلى النبي ﷺ ليشهده على ذلك فقال له النبي صلى الله وعليه وعلى آله وسلم (ألك بنون، قال: نعم، قال: أفعلت هذا بكل أولادك، أو كلمة نحوها، قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فرجع بشير بن سعد ﵁ فيما أعطاه لابنه النعمان وهذا دليل على تحريم التفضيل بين الأولاد في العطية إلا ما كان لدفع الحاجة فقد سبق بيانه ولكن لو فرض أنه لم يفعل ثم مات أعني الأب قبل أن يسوى بين الأولاد فهل يطيب لهذا الْمُفَضَّلْ فالجواب لا تطيب له ويجب عليه أن يردها في التركة وأن يرثها الورثة أجمعون. ***
أحمد سلمان مسعود العبدلي الفيفي من جبل فيفا يقول أنا رجل كبير طاعن في السن وقد تزوجت نساء كثيرات ولدي ثلاثة أولاد وثمان بنات ولي أموال من بيوت وأراضٍ وقد وزعت البيوت والأراضي على ورثتي على ثلاثة أقسام فجعلت للابن الأكبر من زوجة سابقة ولثلاث من أخواته ثلث المال وللابن الثاني الذي هو من زوجتي الحالية وثلاث من أخواته أيضًا ثلث المال الثاني وللابن الأصغر وهو أيضًا من الزوجة الباقية وأختي وأمي الثلث الأخير من المال فجعلت لكل ذكر وثلاث إناث ثلثًا ولكن الأولاد من الزوجة السابقة والتي هي ليست على ذمتي احتجوا على هذا فقالوا إن الأولاد الذين مع أمهم هم أكثر منا نصيبًا ذلك أنهم يرثون أمهم لو ماتت قبلهم ونحن ليس لنا غير هذا ولذلك فقد أصبحت في حيرة من هذه القسمة فأسأل هل هي صحيحة بهذا الشكل أم لا وماذا يجب عليَّ أن أفعل إن لم تكن صحيحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أود أن أنصح هذا وأمثاله ممن يقسمون أموالهم على ورثتهم في حياتهم أنصحهم ألا يفعلوا ذلك لأن الله تعالى إنما جعل هذا القسمة بعد الموت ولأن الإنسان قد يحتاج في المستقبل إلى ماله فيكون أخذه واسترداده منهم بعد أن أخذوه وملكوه يكون فيه شي من الصعوبة ولأنه قد يموت أحد من هؤلاء قبل موت هذا المورث الذي قسم ماله بين ورثته فلينتظر الإنسان وليبقِ ماله بيده فإذا ارتحل عن الدنيا ورثه من يرثه على حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية وأما بالنسبة لعمل هذا الرجل الذي وزع ماله أثلاثًا جعل لأحد الأبناء مع ثلاث من أخواته ثلثًا وللثاني مع الثلاث ثلثًا وللثاني مع اثنتين وزوجته ثلثًا أقول إن هذا التوزيع فيه نقص وهضم على الأخيرين وهما الزوجة ومن معها وهو الابن وأختاه فيه هضم لحقهم لأن حقهم أكثر من الثلث حقهم مع الأم أكثر من الثلث إذ أن هذه المسألة تقسم من ستة عشر سهمًا سهمان للأم لأنها زوجة والباقي أربعة عشرة سهما تقسم على الأولاد للذكر مثل حظ الانثيين فيكون للذكور الثلاثة ستة أسهم وثمانية أسهم للبنات لكل واحدة سهم وبهذا يتبين أن نصيب الزوجة مع الابن والبنتين أكثر من الثلث فإذا رضيت الزوجة ومن معها بذلك وكان من معها بالغين عاقلين فلا حرج وإلا فليعدل القسمة على حسب ما قلناه في هذه المسألة إذا كان يريد أن يقسم على حسب الفرائض التي قسمها الله ﷿ على أني أحب أن يعيد النظر في هذا المسألة وأن يبقي ماله في ملكه حتى يقضي الله عليه ما أراد فلا يدري ربما يطلق الزوجة أو تموت أو ربما يموت أحد من الأولاد من الذكور أو الإناث فتختلف المسألة. ***
محمد عبد الرحمن مصطفى مصري يعمل بالمملكة الخرج يقول والدي يملك قطعة أرض ويملك منزلًا نعيش فيه وقد قام بتقسيم هذه الأرض لي أنا وإخواني الذكور الأربعة لنتصرف فيها بما نشاء من بناء ونحوه والمنزل قسمه بين أخواتي الخمس وقد سافرت للعراق للعمل وحينما عدت وأردت الزواج وليس لي مسكن مستقل لكي أتزوج فيه فقمت بإصلاح بعض أجزاء البيت للسكن فيه رغم أن والدي قد كتبه باسم أخواتي فهل قسمة والدي هذه شرعية أم لا وإن كان أخواتي يردن أن يبعن البيت فهل لي حق الأولوية في الشراء من غيري؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القسمة إذا كانت قد وقعت برضى منكم وكان كل منكم بالغًا عاقلًا رشيدًا فلا حرج على أبيكم فيها وأما إذا كانت قد وقعت بغير رضى منكم فإنه لا يجوز للأب أن يتصرف هذا التصرف ويفضل بعض أولاده على بعض وذلك لأن النبي ﷺ قال حينما أخبره بشير بن سعد بأنه نحل ابنه النعمان نحلة قال له ﵊ (أفعلت ذلك بولدك كلهم) قال لا فقال النبي ﵊ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فعطية الأب لأولاده الذكور والإناث يجب أن تكون على سبيل العدل فإذا أعطى الذكر سهمين أعطى الأنثى سهمًا وإذا أعطاها سهمًا أعطاه سهمين أما أن يحابي أحدهم دون الآخر فإن هذا حرام عليه ولا يصح وإذا كانت وقعت هذه القسمة برضى منكم وإجازة ثم طلبت من أخواتك أن تصلح شيئًا من البيت لتستقر فيه أنت وزوجتك ورضين بهذا فلا حرج سواء على سبيل العارية أو على سبيل التمليك وأما إذا أردن بيعه فإنك أنت وغيرك سواء لأنك لا تملك منه شيئًا حتى نقول إنَّ لك حق الشفعة وإذا كنت لا تملك فأنت وغيرك سواء لكن لاشك أن من صلة الرحم إذا كان لك رغبة فيه أن يراعينك في هذا فلا يبعن إلا بعد مراجعتك ومشاورتك إن كان لك نظر فيه أخذته وإلا تركته. ***
السائل يقول نحن عدد من الإخوة ولنا أختان ووالدنا ﵀ قبل وفاته خصص ثلاثة من إخوتنا وكتب لهم خمسة أفدنة باسمه وهو يجهل الحكم الشرعي في ذلك فإذا ارتضينا نحن ذلك فهل على والدنا إثم وإذا كان كذلك فكيف نبرئ ذمة والدنا وإذا لم يقبل شخص منا فما العمل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوالد حيث كتب لهم ما كتب من الأفدنة جاهل بذلك فلا شيء عليه وبناء على هذا فإذا أجاز بقية الإخوة ما كتب والدهم لإخوتهم فلا حرج وهم بذلك مأجورون مثابون عند الله ﷿ لما في ذلك من موافقة أبيهم فيما يهوى ويريد ولما في ذلك من سد باب النزاع والعداوة والبغضاء بينهم وبين إخوتهم وأما إذا كان الوالد يعلم أن ذلك حرام ولا أظنه إن شاء الله يعلم أن ذلك حرام ويتجاسر عليه لكن إن فرضنا ذلك فإنه لا يطيب للإخوة الذين تبرع لهم والدهم أن يختصوا به دون إخوتهم إلا برضى الإخوة فإذا رضي الإخوة صار هذا حلالًا للذين تبرع لهم والدهم بذلك وإن لم يرضوا وجب رده في التركة. ***
رجل عنده الكثير من الأملاك ولقد سجل بعضًا من أملاكه باسم أولاده وليس بالتساوي فهل يجوز له ذلك الفعل أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يسجل شيئًا من أملاكه باسم أحد أولاده وإن فعل فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرد ما سجل باسم أولاده إلى ملكه أو يعطي الأولاد الآخرين مثل ما أعطى هؤلاء فيسجل لهم من أملاكه مثل ما سجل لمن سبقهم ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين. ***
ع أأ من الدمام يقول أنا أعمل في المملكة من مدة ست سنوات وكل ما أتحصل عليه من مال أرسله لوالدي بمصر وقام والدي بشراء قطعة من الأراضي الزراعية من المبالغ التي أرسلها له وبتشجيع مني مع العلم أننا ثمانية أخوة خمس بنات وثلاثة بنين وقام والدي بتسجيل الأرض المشتراة باسمه هو فأرجو الإفادة عما إذا كان لي حق في مطالبتي لوالدي بأن يسجل الأرض أو بعضًا منها باسمي علمًا بأن أخواتي البنات كلهن متزوجات والبنين صغار وهي مشتراة من المال الذي بعثته له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤالك أيها الأخ عن هذا المال الذي ترسله إلى والدك واشترى الأرض بتشجيع منك وسجلها باسمه نقول لك إنه لا حق لك في المطالبة أن تسجل هذه الأرض أو بعض منها باسمك لأن المال الذي تبعث به إلى والدك يأخذه بنية أنه له فهو ملكه ويدل لهذا أن أباك سجل هذه الأرض باسمه هو مما يدل على أنه تملك هذا المال لنفسه واشترى هذه الأرض لنفسه فحينئذٍ لا يجوز لك أن تطلب تخصيصك بشيء منها بل ولا يحل لأبيك أن يخصصك بشيء منها لأن النبي ﷺ يقول (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولو خصصك بشيء منها لم يكن ذلك من العدل لأن سبب الحديث هو أن بشير بن سعد خصص ابنه النعمان بن بشير بشيء من ماله إما بستان وإما غلام فقالت أمه لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ على ذلك فقال النبي ﵊ (إني لا أشهد على جور) وقال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وخلاصة الجواب أن هذه الأرض تبقى لأبيك فهي ملكه ثم إن قدر الله أن يموت أبوكم قبلكم فإنكم تأخذونها بالإرث حسب شريعة الله. فضيلة الشيخ: فيما لو أرسل نفس الباعث ما يثبت أن هذا المال خاص به ويكون أمانة عند والده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو أرسل هذا المال على أنه وديعة عند أبيه فهو له يخصه أو أرسله على أنه يطلب منه أن يشتري له به سلعة أرضًا أو غيرها فاشتراها بنية أنها لابنه فهو على ما نوى. ***
السائلة تقول أنا وحيدة أبي ووالدي ولله الحمد خيره كثير وفي بعض الأوقات آخذ من نقوده وهو لا يعلم ولا يسألني بذلك هل آثم بذلك مع أن له أولادا من زوجة ثانية مطلقة والأولاد يعيشون مع والدتهم في بيتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لأحد ان يأخذ من أحد شيئًا إلا بحق وهذه البنت إن كانت تأخذ من جيب والدها دراهم لحاجتها لذلك وأبوها إذا طلبت منه لا يعطيها فلا حرج عليها في هذا لان هند بنت عتبة سألت النبي صلى الله عليه واله وسلم بل شكت إلى النبي ﷺ زوجها بأنه لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك) أما إذا كان أبو هذه المرأة السائلة لا يمنعها شيئا إن سألته من ما تحتاج إليه فانه لا يجوز لها أن تأخذ من من جيبه شيئًا لا يعلم به ثم إنها إذا كانت لا تحتاج إلى شيء لا يحل لها أن تأخذ من جيب أبيها شيئا ولو علم بذلك إلا أن يعطي أولاده الآخرين ما يستحقون في مقابل هذه العطية وذلك أن الأب والأم يجب عليهما العدل في أولادهما فلا يعطيان أحدا دون الآخر فإذا كان أب عنده أولاد فانه لا يخص واحدًا منهم بشيء خارج عن حاجة النفقة دون الآخرين لحديث النعمان بن بشير من سعد ﵄ أن أباه منحه عطية فسأل النبي ﷺ ذلك أو فسألت أمه النبي ﷺ عن ذلك فقال عليه لصلاة والسلام (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والعدل بين الأولاد يكون بما حكم الله به في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين فإذا أعطى الذكر ألفا أعطى الأنثى خمسمائة وإذا أعطاه خمسمائة أعطى الأنثى مائتين وخمسين هذا هو العدل ولا يحل أن يفضل أحدًا على أحد إلا على الوجه الشرعي كما ذكرت آنفا بأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين أما في النفقة فيعطي كل إنسان ما يحتاج ولو لم يعط الآخر مثله إذا كان لا يحتاجها فإذا قدرنا ان أحد الأولاد يحتاج إلى كتب وإلى دفاتر وإلى أقلام والولد الآخر لا يحتاج إلى ذلك فإنه إذا أعطى الأول ما يحتاجه لم يلزمه عنوة أن يعطي الآخر مقابل ذلك وإذا كان أحد الأولاد محتاجًا إلى الزواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطاه من المهر لأن هذا من باب دفع الحاجة لكن إذا بلغ الآخرون وأرادوا أن يتزوجوا فليزوجهم كما زوج الأول وهاهنا مسألة يجب التنبه لها وهي أنه قد يحتاج أحد الأبناء إلى سيارة للمدرسة أو لغيرها مما تتعلق به مصالحه والآخرون لا يحتاجون إليها فهل يشتري له سيارة ويعطيها إياه ويكتبها باسمه أو يشتري سيارة باسم الأب ويعطي الابن هذه السيارة ويقوم بها علي حاجاته الجواب الثاني، الثاني هو الواجب يعني أن يشتري السيارة باسمه أي باسم الأب ويعطيها الابن يقضي بها حاجاته ولا يكتبها باسم الابن لأنه إذا قدر أنه مات الأب فإن السيارة سترجع إليه أي إلى الأب وتقسم في التركة بخلاف ما لو ملّكها إياه تمليكا نعم لو قال الابن أنا أريد أن تكون ملكا لي لا عارية عندي ففي هذا الحال نقول تكتب على الابن بقيمتها وتكون قيمتها قرضا في ذمة الابن إذا رغب في ذلك ولا يجوز لأبيه أن يحابيه في هذه الحال بأن يقيدها عليه بعشرة آلاف وهي تساوي اثني عشر ألفا أو أكثر مثلا ويبيعها عليه بل يبيعها عليه أو يقيدها عليه بقدر ما تساوي لو اشتراها غير الابن. ***
المستمع مشعل يقول بأن والدي يثق في وأنا في خدمته وأحيانًا تبقى معي نقود قد حصلت عليها من العمل في سيارة والدي وهي تانكي سيارة نقل الماء ثم إني أحيانًا أشترى بالنقود أغراضًا منزلية لبيت والدي وأحيانًا أشتري بها وقودًا للسيارة أو لسيارة والدي وأحيانًا تبقى معي وأتصرف فيها فهل علي في ذلك اثم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما تنفقه من هذه الدراهم في حاجات بيت الوالد أو حاجات سيارته فإنه لا بأس به وإن كان الأفضل أن تستأذن منه وأما ما تنفقه في سيارتك وفي نفقاتك الخاصة فإنه حرام عليك ولا يحل لوالدك أن يأذن لك في ذلك إذا كان لك إخوة لأن النبي ﷺ قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) نعم لو اتفقت مع والدك أنك تستعمل سيارته في الأجرة على أن يكون لك نصف الأجرة مثلًا وكان هذا الجزء هو الجزء الذي يشترط لغيرك لو استعمل السيارة فهذا لا بأس به لأنك أخذت هذا واستحققته بسبب العمل في سيارة والدك أما إذا كنت تعمل في سيارة والدك على أنك متبرع وعلى أنه من بر والدك فإنه لا يحل لك أن تأخذ في مقابل ذلك أجرًا.
من الأردن إربد المستمع رمز لاسمه بـ أ. أ. أ. يقول هل يجوز لرب الأسرة أن يفضل بعض الورثة على بعض نرجو من فضيلتكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يفضل بعض ورثته على بعض إذا كان هذا التفضيل في حال صحته إلا في أولاده لأنه لا يجوز أن يفضل بعضهم على بعض إلا بين الذكر والأنثى فإنه يعطي الذكر ضعف ما يعطيه الأنثى لقول النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فإذا أعطى الإنسان أحد أبنائه مائة درهم مثلًا وجب عليه أن يعطي الأبناء الآخرين على مائة درهم ويعطي البنات على خمسين درهمًا أو يرد مائة الدرهم التي أعطاها لابنه الأول أي يأخذها منه نعم لو فرض أن أولاده كلهم من الذكور والإناث كانوا قد بلغوا الرشد وسمحوا له بالتفضيل فإن هذا لا بأس به وهذا الذي ذكرناه في غير النفقة الواجبة أما النفقة الواجبة فيعطي كلًا منهم ما يستحق فلو قدر أن أحد أبنائه احتاج إلى الزواج وزوجه ودفع المهر لأن الابن لا يستطيع دفع المهر فإنه في هذه الحال لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى هذا الذي احتاج إلى الزواج ودفع عنه المهر لأن التزويج من النفقة وبهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها بعض الناس جهلًا يكون عنده أولاد قد بلغوا النكاح فيزوجهم ويكون عنده أولاد آخرون صغار فيوصي لهم بعد موته بمثل ما زوج به البالغين النكاح وهذا حرام ولا يجوز لأن هذه الوصية تكون وصية لوارث والوصية لوارث محرمة قال النبي ﷺ (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فإن قال أوصيت لهم بهذا المال لأني قد زوجت إخوتهم بمثله فإننا نقول إن بلغ هؤلاء الصغار النكاح قبل أن تموت فزوجهم كما زوجت إخوتهم وإن لم يبلغوا فليس واجبًا عليك أن تزوجهم أرجو أن ينتبه الإنسان لهذا. ***
ما حكم الشرع في نظركم في عدم إنصاف الوالدين لأبنائهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العدل بين الأولاد واجب لقول النبي ﵊ فيما ثبت عنه من حديث النعمان بن بشير ﵁ وعن أبيه (أن أباه نحله نحلة يعني أعطاه عطية فذهب إلى رسول الله ﷺ ليشهده عليها فقال النبي ﷺ ألك بنون قال نعم فقال أعطيتهم كلهم مثله قال لا فقال ﵊ أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ثم قال اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) في هذا الحديث أن ترك العدل بين الأولاد جور وأن العدل واجب فيجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده ولكن يفضل الذكر على الأنثى فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين لأنه لا قسمة أعدل من قسمة الله ﷿ وقد قال الله تعالى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) وهذا في عطية التبرع أما في العطية التي يراد بها دفع الحاجة فالعدل في هذه أن يعطي كل إنسانٍ منهم ما يحتاجه فإذا قدر أن الرجل له أولاد منهم من بلغ سن الزواج وطلب الزواج وزوجه أبوه فإنه لا يجب عليه أن يعطي إخوانه الآخرين مثل المهر الذي أعطاه هذا الولد بل لا يجوز له ذلك لأن هؤلاء الآخرين لم يحتاجوا إلى المهر حتى يعطيهم وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه إلى حالٍ أو إلى أمرٍ يفعله بعض الناس وهو أنه يزوج أولاده الكبار الذين بلغوا سن الزواج وطلبوه ويكون له أولادٌ صغار فيوصي لهم بشيء من المال يكون مهرًا لهم إذا احتاجوا إلى الزواج يوصي لهم بعد موته فإن هذه الوصية حرام ولا تصح لقول النبي لقول النبي ﷺ (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) وهؤلاء الأولاد الذين لم يتزوجوا إن أبقاه الله حتى أدرك سن زواجهم وقدر أن يزوجهم زوجهم وإلا فإن أمرهم إلى الله ويتزوجون بالمال الذي يحصل لهم من الميراث أو الذي يكتسبونه من جهاتٍ أخرى. ***
المستمعة اعتدال تقول أنا سيدة مصرية ومتزوجة منذ ثلاثين سنة وما زلت مع زوجي ولي بنت وولد البنت تزوجت والولد سيتزوج إن شاء الله ولي منزل بثلاثة أدوار بست شقق وأنا سيدة مؤمنة بالله لم أترك الصلاة فرضًا واحدًا وأعبد الله بجميع ما أمرني الله به من عبادة ولي موضوع أرجو أن تفيدوني فيه أريد أن أكتب المنزل لابنتي وابني وأحرم زوجي من الميراث فسألت بعض الناس فمنهم من قال ربما تموتين قبل زوجك فسيرث ويمكن سيتزوج من بعدي والتي سيتزوجها سترث فيه وأصبح واحدة غريبة ستأخذ الحصة التي كان أولادك سيأخذونها والبعض قال حرام بعد وفاتك سيطرد من المنزل والذي سيتسبب في طردهم الغرباء وهو زوج ابنتك وزوجة ابنك أرجو الإفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لي ملاحظات على ما جاء في سؤال هذه المرأة منها أنها قالت أنا سيدة وكررت هذا مرتين وكلمة سيدة أصبحت الآن وصفًا عامًا لكل امرأة حتى وإن كانت لا تستحق من السيادة شيئًا وأصبحت عرفًا مرادفة لكلمة امرأة وهذا فيما أظن متلقى من غير المسلمين لأن عبارات المسلمين التي أخذت من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ لم يكن فيها التعبير عن المرأة بسيدة وإنما حدث هذا أخيرًا فالذي أرى أن تسمى المرأة بالمرأة أو بالأنثى أو بالفتاة أو بالعجوز إذا كانت كبيرة وما أشبه ذلك وأما أن ينقل لفظ السيدة الدال على السؤدد والشرف والوجاهة فيسمى به كل امرأة فإنه أمر لا ينبغي ومن الملاحظات أنها وصفت نفسها بوصف يدل على التزكية حيث قالت إنها امرأة تطيع الله في كل ما أمر به والله ﷿ يقول (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) وأما الجواب عن سؤالها وهي أنها تريد أن تكتب منزلها لأولادها دون زوجها فإن كان هذا الكتاب وصية أي أنها تريد أن توصي بهذا المنزل لأولادها بعد موتها فإن ذلك حرام لأن النبي ﷺ قال (لا وصية لوارث) وفرض الله ﷾ المواريث وقال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وإذا أوصى شخص لأحد ورثته بزائد على ميراثه فقد تعدى حدود الله أما إذا كتبت المنزل لأولادها في حياتها بأن وهبته لهم في حياتها دون زوجها فإن هذا لا بأس به إذا كانت حين الهبة صحيحة غير مريضة مرض الموت المخوف فإن هبتها لأولادها منزلها دون زوجها هبة صحيحة. ***
زائد غرم الله الشهري من النماص يقول لي والدة وقد ورثت نصيبها من بعد أبيها المتوفى فأعطته لأخيها الشقيق علمًا أن لها ثمانية أولاد بين ذكور وإناث فهل تجوز مثل هذه الهبة شرعًا وما مقدار نصيب أولادها من إرثها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة كما قال السائل ورثت من أبيها ثم أعطت أخاها جميع ما ورثته من أخيها وأحد أبنائها يسأل هل هذه العطية جائزة فنقول إذا كانت هذه العطية في حال صحتها فإنها جائزة فلها أن تتصرف في مالها بما شاءت غير أنها لا تفضل أحدًا من أولادها على أحد أما أن تعطي أخاها أو أحدًا من أقاربها سوى أولادها فلها الحق في ذلك ولا أحد يمنعها منه وأما سؤاله ما نصيبه من إرثها فإن أراد ما نصيبه من إرثها من أبيها فليس لهم حق فيه مادامت الأم على قيد الحياة وإذا ماتت فإن إرثها يقسم على حسب ما تقتضيه الشريعة في وقت موتها ولا يمكن الحكم عليه الآن أما إذا كانت أعطت أخاها هذا الميراث التي ورثته من أبيها في مرض موتها المخوف أو ما في حكمه فإنه لا ليس لها أن تتصرف فيما زاد على الثلث فإن كان إرثها من أبيها أكثر من ثلث مالها فإنه يتوقف على إجازة الورثة وأما إذا كان أقل من ثلث مالها عند موتها فإن عطيتها تامة. ***
عندي ولدان أحدهما في المدرسة والثاني صغير أعطي الأكبر مصروفًا يوميًا للمدرسة لإفطاره فهل يلزمني أن أعطي الأصغر مثل ذلك لتحقيق العدل نرجو الافادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن العدل بين الأولاد واجب في العطية لحديث النعمان بن بشير (أن أباه نحله نحلة فقالت أمه لا أرضى حتى تشهد النبي ﷺ فذهب ليشهد النبي ﷺ على ذلك فسأله النبي ﵊ هل فعل هذا بجميع بنيه فقال لا فقال النبي ﷺ اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فرد بشير ﵁ هذه النحلة التي نحلها ولده فدل هذا على أنه يجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية والتعديل بين الأولاد يكون بأحد أمرين إما اما برد مافضّل به من فضّل وإما بإعطاء الآخرين مثله ولكن مامعنى التفضيل - التفضيل أن يفضل بين الاولاد فيما تقتضي الحال التسوية بينهم فيه وليس أن يعطي أحد الاولاد مايحتاجه لأن إعطاء أحد الأولاد ما يحتاجه إذا كان الآخر لا يحتاج مثله لايعد تفضيلا ولايعد جورًا وبناء على ذلك فإن الجواب على هذا السوال أن نقول للسائل إن إعطائك الولد الذى يدرس مايحتاجه في المدرسة لا يعد تفضيلا ولايلزمك أن تعطي الابن الصغير مثله بل لا يجوز لك أن تعطي الابن الصغير مثله لأنك لو أعطيت الابن الصغير مثله لأعطيته أمرًا فاضلًا عن حاجته فيكون في هذا جور وأبلغ من هذا أن أحد الأولاد احتاج الى زواج فزوّجه فإنه لايلزمه أن يعطي الآخرين مثل ما أعطي هذا المتزوج وقد ذهب بعض الناس إلى عمل يظنه صوابًا وهو خطأ فتجده يكون له أبناء صغار وكبار فيزوج الأبناء الكبار ثم يوصي بشيء من ماله لتزويج الأولاد الصغار الذين مات عنهم وهم صغار وهذا لا يجوز لأن هذا من باب الوصية للوارث وقد قال الله ﷿ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال النبي ﵊ (لا وصية لوارث) فالأولاد الصغار الذين لم يبلغوا سن الزواج لا يجوز لوالدهم أن يوصي لهم بشيء من ماله نظير ما زوج به الكبار بل نقول انتظر حتى إذا بلغ هؤلاء الصغار مبلغ النكاح فزوجهم وبهذا تكون عادلًا ولهذا أمثلة كثيرة إذا كان الأولاد يختلفون في كبر الأجسام فمن المعلوم أنك إذا كسوت كبير الجسم لا يلزمك أن تضيف إلى كسوة صغير الجسم شيئًا من المال مقابل ما زاد على أخيه بل تعطي كل إنسان ما يحتاجه والخلاصة أن العدل بين الأولاد أن يعطي كل واحد منهم ما يحتاجه وإذا أعطى أحدًا بلا حاجة فحينئذٍ يكون مفضلًا فعليه أن يرد هذا التفضيل أو أن يعطي الآخرين مثله. ***
السائلة أم عبد العزيز من الرياض تقول لديها ثلاثة أولاد كل واحدٍ منهم في بيتٍ مستقل وهي تعيش مع أكبرهم وهو بارٌ بها ويقوم على توفير سبل المعيشة ويتكفل في طعامها وعلاجها أما الثاني والثالث فهم يصرفون عليها فقط يقومون بالسلام عليها تقول وأنا أقوم بإعطاء الكبير الذي أعيش معه أكثر نقودًا وميلًا منهم حيث إنه يقوم على رعايتي ويهتم بي ويحج بي ويعتمر بي فهل عليه شيء في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ميلها إلى الكبير لكونه يحسن إليها فهذا أمرٌ طبيعي فإن النفوس ميالةٌ إلى من يحسن إليها وأما تفضيله بدراهم فهذا لا يجوز لأن بره ثوابه الأجر عند الله ﷿ فلا يحل لها أن تخصه بشيء من المال من أجل بره بها بل تدعو له بالخير والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة وفي هذا كفاية. ***
يوجد عندي أولاد فيهم واحد قائم بخدمتي ويقف معي في كل حاجة والآخرون لا يسألون عني فأما الكبير فلا يرد عليَّ تحية الإسلام مع العلم بأنه يسكن بجواري وأما الصغير فعمله في مدينة أخرى ولا يقوم بزيارتي في السنتين سوى مرة واحدة ويوجد عندي أراضي فهل يجوز أن أختص أو أخص الذي معي بشيء من هذه الأراضي مقابل خدمته لي ووقفته معي وسؤاله عني حيث لا يسأل عني سواه بعد الله ﷿ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يعمل معك فإن كان متبرعا يريد بذلك ثواب البر فلا تعطه شيئًا وأما إذا كان يتشوف إلى أن تجعل له شيئا فهنا لا حرج أن تجعل له أجرة بقدر ما يعطاه غيره فمثلا لو قدر أن هذا الولد أجنبي ليس ولدا لك وأجرته في الشهر خمسمائة ريال فأعطيه خمسمائة ريال ولا حرج ما دام يعمل عندك أو أعطه سهما من الربح بقدر ما يعمل به من المال كمضارب أجنبي أما الآخران اللذان ذكر عنهما ما ذكر فإني أنصحهما أن يتوبا إلى الله ﷿ وأن يبرا بوالدهما أخشى عليهما من العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ومن بر بأبيه بر به أبناؤه. ***
إذا كان شخص عنده ولد واحد فقط وبنات أكثر من أربعة ولديه مال وقد باع هذا المال على الولد دون البنات أو وهبه دون البنات فهل هذا جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما هبته للولد دون البنات فإن هذا حرام ولا يجوز لأن النبي ﷺ يقول (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وأما بيعه على الولد فإن باعه بثمن المثل أي بما يساوي لو باعه على غيره فهذا لا بأس به لأنه ليس في ذلك هبة ولا محاباة وأما إذا باعه بأقل من ثمن المثل فإن ذلك حرام ولا يجوز لأن ذلك من باب تفضيل بعضهم على بعض. فضيلة الشيخ: لو باعه فهل يعتبرهذا الثمن تركة يستحقها الجميع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا باع الثمن لأبيه فإذا مات أبوه وبقي عنده منه شيء فهو يكون تركة. ***
سليمان عيسى من تشاد يقول أنا الآن أعمل بدولة تشاد في التجارة وقد قدمت من السودان بعد أن سافر والدي إلى المملكة العربية السعودية وكان عنده قطعة أرض في السودان وكان عنده أيضًا منزل وقد كلفني ببيع الأرض والذهاب بثمنها له في السعودية وقد بعت الأرض فعلًا وبعد مدة سافرت إليه في المدينة المنورة حيث يقيم وفي ذلك الوقت وهب لي المنزل الموجود في السودان وللعلم فإن لي أختين وحين عودتي من السودان بعت المنزل وسافرت بقيمته إلى دولة تشاد واستقريت فيها واشتريت لي منزلًا هناك وكونت تجارة مما بقي معي من ثمن المنزل الذي بعته في السودان فهل هذه الهبة لي من والدي صحيحة أم إن لأختي حقًا في تجارتي ومنزلي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تخصيص والدك إياك بهذا البيت بدون أختيك حرام ولا يجوز لأن النبي صلى الله علي وسلم قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وعلى هذا فإنه يجب على والدك الآن أن يسترد ما أعطاك أو أن يستسمح أختيك أو أن يعطيهما مثل ما أعطاك لكل واحدة منهما نصف ما أعطاك لأن العطية يكون فيها للذكر مثل حظ الأنثيين هذا هو العدل إذ لا قسمة أعدل من قسمة الله ﷿ وقد جعل الله تعالى للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين وعلى هذا فنقول لوالدك إذا أراد أن يتخلص من هذا الأمر لك واحد من ثلاثة طرق فإما أن تأخذ من ولدك الذي خصصته بهذا البيت ما أعطيته منه وإما أن تستسمح البنتين حتى يسمحا بذلك وإما أن تعطي كل بنت نصف ما أعطيت الولد وبذلك تبرأ ذمتك وإلا فإنك آثم وهذا من الجور الذي قال فيه الرسول ﵊ (لا أشهد على جور) . فضيلة الشيخ: لو لم يتمكن والده من فعل أحد هذه الأمور الثلاث بسبب بعده عنه ولكن نفس الولد الذي هو السائل أشرك أختيه في تجارته ومنزله بهذا القدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو فعل هذا لكان جيدًا وتبرأ به بذلك ذمة الوالد. ***
مبارك فائز عوض من جمهورية مصر العربية بعث بهذا السؤال يقول والدي متوفى يرحمه الله وقد كان متزوجًا من امرأتين إحداهما هي والدتي التي أنجبتني وله منها تسعة أولاد وهو متزوج من امرأة أخرى وله منها ثلاثة أولاد وفي حياته قام بتقسيم أملاكه خوفًا من الخلاف بين الأولاد ولكنه قام بتقسيم تلك الأملاك عندما كان له من الزوجة الأولى ثلاثة أولاد ومن الثانية ست أولاد فقط ثم بعد التقسيم أنجبت الثانية ثلاثة أولاد والآن هو متوفى فماذا علينا أن نفعل من بعده وهل عليه أثم في قسمته تلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قسمة ماله بين أولاده لا حرج عليه فيها مادامت القسمة على مقتضى العدل بأن يكون الذكر مثل حظ الأنثيين ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يفعل لأنه إذا قسم ماله بينهم أخرجه عن ملكه وربما يحتاج إليه في حياته ثم إنه قد يحدث له أولاد جدد كما في هذا السؤال فالذي ينبغي للإنسان أن لا يقسم ماله على ورثته في حياته حتى وإن قدر أنه لا يرجو أولادًا في المستقبل وذلك لما أشرنا إليه من كونه قد يحتاج إلى ماله ويكون قد أخرجه من ملكه وأما قوله أنه قسم ذلك لئلا يكون بين الأولاد خلاف بعد موته فهذا سوء ظن والله سبحانه تعالى قد جعل الميراث يقسم بعد موت المورث قد لا يليق بالإنسان أن يقسم ماله على ملكه فإذا توفاه الله ﷿ فإن الأمر معلوم لا يمكن أن يقع به اشتباه لأن الله تعالى بين المواريث بيانًا كافيًا شافيًا كما قال الله تعالى في آخر آية من آيات المواريث (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . ***
عبد الفتاح السباعي السيد مصري مهندس زراعي يعمل بالأردن يقول في رسالته نحن ثلاثة إخوة ولنا أخ من والدي أي أن والدته متوفية وكان هذا الأخ عاقًا لوالده أي والدي وكان يتشاجر معه كثيرًا وقد ساعده أبي منذ مدة في شراء منزل له وفي إحدى المرات التي تشاجر معه فيها قرر والدي أن يكتب المنزل الذي نقيم نحن فيه مع والدنا قرر أن يكتب هذا المنزل لنا خوفًا من أخي أن يتشاجر معنا بعد وفاة والدي وهذا مقابل أنه ساعده في شراء منزل له كما قلت سابقًا وشاء الله أن مات أخي هذا وله أولاد بعضهم متزوج ووالدي ما زال حيًا وسؤالي هل تعتبر ذمة والدي الآن بريئة منه على الرغم أنه كان عاقًا له أو ندفع نحن لأولاده مقدارًا من المال مقابل كتابة والدي المنزل لنا أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أبين أنه يجب على المرء أن يعدل بين أولاده في العطية والهبة وألا يفضل منهم أحدًا على أحد لأن النبي ﷺ قال لبشير بن سعد حين أعطى ولده النعمان ما لم يعط إخوته قال له النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال له (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) والتسوية بين الأولاد في العطية تكون كما قسم الله تعالى لهم في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين وهذا في غيرما يكون دفعًا للحاجة فأما ما كان دفعًا للحاجة فإنه يعطى كل إنسان مقدار حاجته فإذا قدر أن للإنسان أولادًا واحتاج أحدهم إلى النكاح وكان الآخرون صغارًا فزوج هذا الكبير الذي احتاج إلى الزواج فإنه لا يلزمه أن يعطي الصغار مثل ما دفع لهذا من المهر أو ما أعطاه من مؤونة النكاح لكن إذا بلغوا ما بلغه هذا واحتاجوا إلى الزواج لزمه أن يزوجهم كما زوج الأول ولقد كان بعض الناس إذا زوج أولاده الكبار وكان له أولاد صغار يوصي لهم أي للصغار بشيء من ماله مقابل ما زوج به الكبار وهذا حرام ولا يجوز ووصيته في مثل هذه الحال باطلة لأنها وصية لوارث وقد قال النبي ﷺ (لا وصية لوارث) بعد هذا نجيب على السؤال فنقول إن مساعدة والدك لأخيكم من أبيكم في شراء منزل له من باب الجور والحيف وكان الذي ينبغي أن يجعل ما ساعده به قرضًا في ذمته ومن الواجب عليه لما ساعده في منزله أن يعدل بينكم بأن يعطى كل واحدًا منكم مثل ما أعطاه هذا بالنسبة للذكور ونصف ما أعطاه بالنسبة للإناث وحيث إنك ذكرت أنه كتب منزله لكم فينظر إذا كان ذلك بقدر ما أعطى أخاكم فقد برئت ذمة الوالد وحل لكم ما أخذتموه ولا يلزمكم أن تعطوا أولاد أخيكم شيئًا وأما إذا كان البيت الذي كتبه لكم نصيب كل واحد منكم أكثر مما أعطى أخاكم فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يعطي أولاد أخيكم حتى يساويه بكم وذلك لأنه كان واجبًا عليه أن يعدل عليكم في حياة أخيكم وحق أخيكم لا يسقط بموته فيكون لورثته من بعده. ***
رجل له أولاد بلغوا سن الرشد وكل واحد منهم متزوج واحد منهم يكاتفه ويعاونه في أعماله ويطيعه ويتفقد شيءون والده في مزرعته أو عماراته وما أشبه ذلك أما البقية فيصدون عن مثل هذه الأعمال وكل واحد يقوم بحاله الخاصة ولكن الوالد جعل لهذا الولد الذي يساعده حق زائد على إخوانه أنه يسكنه معه بدون مقابل أجرة أما البقية يستأجرون في عمارات أخرى أفيدونا في مثل هذه القضايا وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم قبل الاجابة على هذا السؤال أن رسول الله ﷺ قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وذلك حين جاءه بشير بن سعد الأنصاري يخبره بأنه نحل ابنه النعمان بن بشير نحلة فقال له رسول الله ﷺ أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا فقال ﷺ (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فتبرأ النبي ﷺ من الشهادة عليه وقال إني لا أشهد على جور وهذا يدل على أن الرجل إذا أعطى أحدًا من أولاده مالم يعط الآخرين فإنه جائر والجور حرام مخالف للعدل ولهذا قال رسول الله ﷺ في نفس الحديث (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وكيفية العدل أنه إذا كان في نفقة واجبة فإنه يعطي كل واحد ما يحتاجه في نفقته قل أو كثر فلو قدر أن له أولادًا ثلاثة أحدهم قد بلغ سن الزواج ويرغب أن يتزوج والثاني دون ذلك والثالث دونه لكن الثاني يدرس في كلية أو ثانوية يحتاج إلى كتب يراجعها والثالث دونه ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الثاني من الكتب فهنا نقول العدل أن تزوج الأول ولو خسرت عليه ما خسرت من الدراهم ولا يلزمك أن تعطي الاثنين مثله والعدل في الثاني أن تعطيه ما يحتاجه للكتب وإن كنت لا تعطي الثالث مثله لأن الثالث لا يحتاجها وتعطي الثالث ما يحتاج إليه فلو قدر أن الثاني حاجته من الكتب تبلغ خمسمائة ريال فاشتر له كتبًا بخمسمائة ريال والثالث لا يحتاج إلا خمسين ريالًا فاشتر له كتب بخمسين ريالًا والأول الذي كان يتزوج يحتاج إلى عشرين ألفًا للزواج زوجه بعشرين ألفًا ولا يعد هذا جورًا لأن هذا قيام بما يجب من النفقة لكن بعض الناس يقول أنا سأوصي لولدي الذي لم يتزوج بمقدار المهر الذي ساعدت به أخاه الذي تزوج فنقول هذا لا يجوز لأن النبي ﷺ يقول (لا وصية لوارث) لكن إن أدرك الصغير سن الزواج فزوجه وإن لم يدرك ومتَّ قبل أن يدرك ذلك فلا حرج عليك لأن الزواج من النفقة فيعطى كل واحد منهم ما يحتاج إليه فقط أما إذا كانت العطية تبرعًا محضًا لا لحاجة فإنه يجب التعديل بينهم ولا يُعطى أحد دون الآخر وكيفية التعديل على القول الراجح أن يعطى الذكر مثل حظ الانثيين فإذا كان عنده ابن وبنت وأراد أن يعطيهم منحة تبرعًا لا في مقابل واجب النفقة فإنه إذا أعطى الولد ألفين يعطي البنت ألفًا فقط وبعد هذا نجيب على سؤال السائل الذي ذكر أن له ثلاثة أولاد وأن أحدهم يعمل مع أبيه في مزرعته وفي تجارته وفي عقاره وأنه يسكنه مجانًا وأن إخوته الآخرين يسكنون بالأجور من عند أنفسهم فنقول إنه لا حرج عليه أن يسكن ولده بإحدى بيوته مجانًا بشرط أن تكون أجرة هذا البيت تساوي أجرة عمله مع أبيه فإذا قدر أنه لو كان عاملًا أجنبيًا لاستحق كل شهر ألف ريال وكانت أجرة البيت تساوي اثني عشر ألفًا ريالًا فإن هذا لا بأس به لأن السكنى بمقدار أجرة عمله أما لو قدر أن أجرة البيت أكثر مما يستحق مثل أن يكون استحقاقه لو استأجره عشرة آلاف ريال وأجرة البيت باثني عشر ألفًا فإنه لا يجوز أن يسكنه مجانًا بل لا بد أن يأخذ منه ألفي ريال وهي الزائدة على ما كان يستحقه لو كان أجيرًا اللهم إلا إذا كان الابن فقيرًا لا يملك أن يدفع الزيادة فإنه حينئذٍ يكون تسكينه من باب الإنفاق عليه ولا حرج وعلى هذا فنقول إذا كان أحد الأولاد قائمًا بتجارة أبيه وأراد أبوهم أن يجعل له أجرة شهرية تقدر بأجرة الإنسان الأجنبي الذي ليس ولدًا له فإن هذا لا بأس به ولا يعد ذلك جورًا ولا تفضيلًا لهذا الولد. ***
علي بسيوني مصري نحن أربعة إخوة نعيش مع والدنا في مسكن واحد بحكم العادات القروية في القرية المصرية وكل ما نكسبه خلال يومنا من عمل في الأرض نعطيه لأبينا الذي يقوم بالصرف على الأسرة كلها حتى أولادنا وزوجاتنا ولنا أختان متزوجتان ومن خلال كسبنا الحلال والحمد لله وفر والدنا مبلغًا من النقود اشترينا به قطعة أرض أصر والدنا أن يكتبها لنا نحن الذكور فقط وقال إنها من تعبكم ولم يذكر شيئًا لأخواتنا الإناث هل ما فعله والدنا حلال يا فضيلة الشيخ أرجو منكم إفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه يجب على المرء أن يعدل بين أولاده لقول النبي ﷺ (اتقو الله واعدلوا بين أولادكم) ولا يحل له أن يخص أحدًا منهم بعطية إلا فيما تقضيه ضرورة ذلك المعطى كما لو احتاج أحدهم لعلاج أو لزواج فإنه يعطيه والقضية التي ذكرها السائل إذا كان والدهم وهم يعطونه كسبهم نوى أنه قرض في ذمته ثم بعد ذلك اشترى لهم به هذه الأرض وأعطاهم إياها فلا حرج عليه في ذلك لأن هذا هو مالهم وأما إذا كان يأخذ المال منهم على أنه ملكه ثم بعد ذلك أعطاهم هذه الأرض دون بقية إخوتهم أو أخواتهم فإن هذا من التفضيل الذي لا يجوز وقد ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن أباه بشيرا نحله نحلة فقالت له أمه عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ فلما ذهب ليشهده سأله النبي ﷺ هل أعطى بنيه مثل ذلك فقال لا فقال النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وبهذه المناسبة أود أن أذكر مسألة يكثر السؤال عنها وهي أن بعض الناس يكون له أولاد ذكور فيبلغ كبارهم سن الزواج ويزوجهم ثم يوصي في ماله بعد موته بشيء من المال ليزوج به الصغار بعد موته لأنه زوج الكبار في حياته وهذا لا يجوز لأنه لا وصية لوارث فإن الورثة قد قسم الله بينهم تركة مورثهم بمقتضى علمه وحكمته فلا يجوز أن تتعدى حدود الله ﷾ في ذلك وهؤلاء الصغار الذين توفي أبوهم قبل أن يبلغوا الزواج ليس عليه أن يزوجهم قبل أوانه وإذا لم يكن عليه أن يزوجهم قبل أوانه فإنهم إذا بلغوا أوان الزواج بعد موته يزوجون من نصيبهم من تركة أبيهم. ***
م. ح. م. من الخبر المملكة العربية السعودية يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ اشتريت من والدي قطعة أرض بسعرٍ رمزي هل يجوز ذلك وخاصةً أن لي عشرة إخوة من الأب أرجو إفادتي مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي ﷺ من حديث النعمان بن بشير ﵁ أنه قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولما أراد بشير بن سعد أن يُشهد النبي ﷺ على عطيةٍ نحلها ولده النعمان قال له النبي ﷺ (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وهذا يدل على أنه لا يحل لأحدٍ أن يفضل بعض أولاده على بعضٍ في العطية وأن ذلك من الجور الذي أبى النبي ﷺ أن يشهد عليه وقال في تحقيق التبرؤ منه (أشهد على هذا غيري) وعلى هذا إذا كان أبوك قد منحك أرضًا أو باع عليك أرضًا بثمنٍ رمزي فإن هذا البيع ليس بصحيح ولا يحل له أن يبيعك أرضًا إلا كما يبيعها على غيرك بثمن المثل المعتاد في ذلك المكان وفي ذلك الزمن وتصحيح هذا التصرف الآن أن تقدر الأرض بقيمتها حين باعها عليك في ذلك الوقت وأن تجرى عليك بتلك القيمة إلا إذا أعطى أبوك إخوتك مثل ما أعطاك فلا بأس بذلك لأن النبي ﷺ لما أتى بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان قال (ألك بنون) قال نعم قال فسأله هل أعطى جميعهم مثل ما أعطى ابنه النعمان قال لا فرد بشير بن سعد ﵁ هذه العطية إذًا فتصحيح هذا الأمر إما أن تُرد الأرض إلى الوالد أو تُقَوَّم بقيمتها في ذلك الوقت أو يعطي إخوانك مثل ما أعطاك عطية الأولاد تكون كما قسم الله ﷿ في كتابه للذكر مثل حظ الانثيين وهاهنا أمرٌ يجب التفطن له وهو أن العدل في الإنفاق يكون بإعطاء كل واحدٍ منهم ما يحتاج إليه فإذا كانت الأنثى تحتاج إلى حليٍ يلبسه مثلها فاشترى لها أبوها حليًا لتلبسه فإنه لا يلزمه أن يعطي مثل قيمته للأبناء لأنه إنما أعطاها لدفع حاجتها وكذلك لو احتاج أحدهم أحد الأولاد إلى علاجٍ فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثلما أنفق على علاج هذا الولد الذي احتاج إليه وكذلك لو احتاج أحدهم إلى زواج فزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مثل المهر والنفقات التي زوجها زوج بها الولد ولكن العدل في ذلك أنه إذا بلغ الثاني مبلغ الزواج فإنه يزوجه وقد كان بعض الناس إذا كان له أولادٌ كبار فزوجهم وأولادٌ صغار لم يبلغوا سن الزواج يوصي لهم بمثل المهر بعد موته وهذا خطأٌ ولا يجوز لأن الوصية للوارث محرمة لأن الله ﷿ لما قسم المواريث قال (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) فأخبر ﷿ أن هذا القسم الذي تولاه ﷾ بنفسه فريضة صادرٌ عن علمٍ وحكمة وغايةٌ محمودة وقال تعالى في الآية الثانية (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) لما ذكر المواريث قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال النبي ﷺ (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) فهؤلاء الأولاد الصغار الذين زوج الوالد إخوتهم الكبار الذين بلغوا الزواج لا يجوز له أن لا يجوز لوالدهم أن يوصي لهم بمثل المهر ولكن إذا بلغوا الزواج في حياته فليزوجهم وخلاصة القول أنه يجب على الإنسان أن يعدّل أو أن يعدل بين أولاده في العطية وكذلك يجب عليه أن يعدل بينهم في النفقة والعدل في النفقة أن يعطي كل واحدٍ منهم ما يحتاجه من النفقة قل ذلك أو كثر والنقطة الأخيرة التي نبهنا عليها هي أن بعض الناس إذا زوج أولاده الصغار في حياته أوصى بمثل ما زوجهم به للصغار من بعد موته وهذا لا يحل ولا يجوز لأنه وصية لوارث والوصية للوارث محرمة باطلة لا يجوز تنفيذها وقد علم السامع ما استدللنا به من القرآن والسنة في هذا الباب. ***
عندما كانت والدتي على قيد الحياة وهبت لي ولأخي الأكبر مني قطعة أرض مساحتها ما يقارب من عشرين قيراطًا لكنها اشترطت أن ندفع لأخواتنا وهن أربع من النساء مبلغ ستمائة جنية مصري وعندما توفيت دفعنا لكل واحدة مائة وخمسين جنيهًا كما اشترطت والدتنا فهل هذا الإجراء صحيح أم أنه مخالفٌ للشريعة علمًا بأن الأختين الكبيرتين كانتا موافقتان على هذا الإجراء نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إنه لا يجوز للإنسان أن يهب أحدًا من أولاده أكثر من ما وهب الآخر أو أن يخصه بعطيةٍ دون الآخرين وأمكم قد خصتكم بعطيةٍ دون أخواتكم فيجب عليكم التحلل من أخواتكم وأن تعطونهن ما تطيب به نفوسهن لأن النبي ﷺ قال للبشير بن سعد حين نحل ابنه النعمان بن البشير نحلةً لم يعطِ إخوانه مثلها قال ﵊ (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) فسماه النبي ﷺ جورًا والجور ظلمٌ لا يجوز للإنسان أن يستمر عليه فمن بركم لأمكم أن تتفقوا مع أخواتكم وأن تتحللوا منهن ولا يكفي أن تبذلوا لكل واحدةٍ منهن مائة وخمسين جنيهًا بل لا بد أن ترضونهن بما تطيب به نفوسهن إذا كنتم تريدون إبراء ذمة والدتكم وإنني بهذا المناسبة أقول إنه لا يجوز للإنسان أن يعطي أحدًا من أولاده أكثر من الآخرين ولا أن يخصه بعطيةٍ دون الآخرين هذا في التبرع المحض أما في الأمر الذي يكون من باب سد الحاجة والنفقة فإن العدل أن يعطي كل إنسانٍ ما يحتاجه فمثلًا البنت تحتاج إلى حلي والولد يحتاج إلا غترة طاقية ومعلومٌ أن الحلي أكثر قيمةً من الغترة والطاقية فإذا أعطى البنات حليًا ولم يعطِ الأولاد الذكور ما يقبل ذلك فإنه لا حرج عليه لأن ذلك من باب النفقة وسد الحاجة وكذلك لو احتاج أحد الأولاد الذكور إلى زواج فأعطاه من ماله وزوجه فإنه لا يلزمه أن يعطي الآخرين مقابل ما أعطاه هذا المتزوج وإنما يلزمه إذا بلغ الآخرون سن الزواج أن يزوجهم كما زوج أخاهم الكبير وقد ذهب بعض الناس إلى عملٍ محرم ويظنه جائزًا وهو أنه يوصي لأولاده الذكور الصغار إذا زوج الأولاد الكبار يوصي للصغار بشيء يتزوجون به بعد موته وهذا حرامٌ عليه إلا إذا أجازها بقية الورثة لقول النبي ﷺ (لا وصية لوارث) فإذا قال أنا قد زوجت الأبناء الكبار قلنا نعم أنت زوجتهم في وقت تزويجهم وأما الصغار فإنه لم يحن وقت تزويجهم فإعطاؤك إياهم أو وصيتك لهم بمثل ما زوجت به الكبار يعتبر تبرعًا لا يحل فهذه النقطة أود من إخواني المستمعين أن ينتبهوا لها فإنهم إذا أوصوا للصغار بشيء صاروا آثمين وإن لم يوصوا به بشيء لهم كانوا سالمين من الإثم. ***
مصطفى أ. أ. يقول نحن أربعة من الإخوان نعيش مع والدنا الذي أكرمه الله ﷾ بالنعمة ونحمد الله على ذلك إلا أن الوالد يفضل ويكرم ويعطف على أخ لنا أصغر لأنه من زوجة ثانية وقد كتب له بعض الأملاك باسمه فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن عليكم أن تقوموا ببر الوالد وتصبروا على ما حصل منه من جور لأنكم مأمورون ببر الوالدين أما بالنسبة لوالدكم فإنني أحذره من هذا العمل وأقول له اتق الله واعدل بين أولادك ويجب عليه أن يرد ما كتبه لابنه من الأملاك وما آثر به ابنه من الأمور الأخرى إلا إذا سمحتم بذلك فلا حرج عليه أن تبقى هذه الأملاك عند ابنه الذي آثره عليكم أما مع عدم السماح فيجب عليه أن يرد ما أعطاه لأن بشير بن سعد الأنصاري ﵁ لما وهب ابنه النعمان بن بشير هبة أمره النبي ﷺ فردها رد ما وهب ابنه حيث قال له الرسول ﵊ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) . ***
محمد عوض سوداني يقول في هذا السؤال لدي أبناء وبنات وأهدي لهم بعض النقود ولكن ليس بالتساوي هذه الهدية على حسب مستواهم أفيدوني بعملي هذا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان في إعطاء أولاده من ذكور وإناث أن يُعَدِّلَ بينهم فيعطي الذكر مثلي ما يعطي الأنثى يعني إذا أعطى الأنثى عشرة أعطى الذكر عشرين هكذا قسم الله تعالى بين الأولاد في الميراث فقال تعالى (يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ولا قسمة أعدل من قسمة الله ﷿ هذا في غير الحاجة أما ما أعطاهم من أجل الحاجة والنفقة فكل إنسان يُعطى ما يحتاجه فإذا قدرنا أن الأنثى تحتاج إلى مائة في اللباس والذكر لا يحتاج إلا إلى خمسين أعطى الذكر خمسين وأعطى الأنثى مائة وإذا كان الأمر بالعكس فإنه يعطي كل واحد منهم ما يحتاجه فصار الجواب إذا كانت الهدية تبرعا محضا فلا بد من التعديل بأن يعطي الذكر مثلي ما للأنثى وإذا كانت للنفقة فإن التعديل بينهم أن يعطي كل إنسان ما يحتاجه لنفرض أن عنده ابنين أحدهما صغير لا يحتاج إلى كتب ولا قرطاس ولا أقلام ولا غيرها والآخر يدرس فيحتاج إلى كتب وقرطاس وأقلام فيعطي هذا الدارس ما يحتاجه للمدرسة وذاك لا يعطيه شيئا وولعلنا في هذه المناسبة نذكر بعض إخواننا الذين يكون لهم أولاد متعددون فيكبر بعضهم ويزوجهم ويبقى الصغار فتجده يوصي لهم بشيء من ماله يتزوجون به بعد موته وهذا حرام عليه لأن الزواج من النفقة فمن احتاجه قام بحاجته فيه ومن لم يحتاجه فإنه لا يجوز له أن يعطيه شيئا وعلى هذا فإذا كان للإنسان ثلاثة أبناء وزوج اثنان منهم في حياته وبقي الصغير لم يصل إلى حد الزواج ثم إن هذا الأب أوصى للصغير بمقدار المهر الذي أعطاه أخويه فإن ذلك حرام والوصية باطلة فإذا مات فإن هذه الوصية ترد في التركة إلا أن يسمح عنه بقية الورثة لقول النبي ﷺ (لا وصية لوارث) . ***
إذا رضي الأولاد بعطية أبيهم لأخيهم فهل يحل له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا رضي الأولاد وهم بالغون مرشدون بما فضل به والدهم لأخيهم فإن هذا لا بأس به لأن الحق لهم. ***
من ليبيا مستمع للبرنامج يقول ابني الكبير لديه منزل من عمله في التجارة فهل لابني الآخر أحقية في هذا المنزل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا المنزل الذي لدى ابنك من عمله هو من كسبه هو فليس لأخيه حقٌ فيه لأن كل إنسانٍ له ماله الخاص وأما إذا كان هذا البيت مما تفضلت به عليه فإن الواجب عليك أن تتفضل على بقية إخوانه بمثله فإن لم تفعل فالواجب عليك أن ترده وأن تجعل هذا البيت من مالك وإذا قدر عليك الموت صار ميراثًا بعدك. ***
الأخت ف. ن. ت. من حائل تقول بعد وفاة والدنا ترك لنا مزرعة في مدينة حائل اتفقنا على بيعها نحن الورثة وفعلًا قمنا ببيعها وتقاسمنا وأخذ كلٌ ما يخصه من الإرث حسب الشريعة الإسلامية السمحاء ولكنه ترك أيضًا مسكنًا عبارةً عن فيلا من دورين بمدينة الرياض اشتراها قبل وفاته بعدة أشهر بمبلغٍ يساوي قيمة المزرعة التي قمنا ببيعها بعد وفاته وقد كتب ورقةً بحيث تكون الفيلا وقفًا بيد أخي الأكبر ويد أخي من الزوجة الثانية ولهما حرية التصرف بها بعد أخذ قيمة الضحايا منها وصدقةٍ وغيرها والتي لا تكلف إلا مبلغًا يسيرا وقد كتب أيضًا في حالة احتياج أحدٍ من أولاده لهذه الفيلا فلا يحرم منها ولكن للأسف الآن لها ما يقارب ثمانية سنوات وهي تؤجر بمبلغ ثمانين ألف ريال وكل واحدٍ منهما يأخذ سنويًا أربعين ألفًا ولا نرى منها شيئًا أبدًا نحن بقية الأولاد والبنات ولا يقومون بالصدقة ما عدا قيامهما كل سنة بالأضحية بعدد أربعة ضحايا فقط وقد طلبنا منهما إعطاءنا من تلك الأجرة أو بيعها وتقسيم قيمتها على الجميع وبعد أخذ الثلث منها لعمل شيء خيريٍ له في الدنيا والآخرة ولكنهما امتنعا وقالا ليس لكم أي شيء في هذه الفيلا وجعلاها كأنها موهوبةً لهما من والدنا فهل يجوز لهما هذا التصرف وما هي الطريقة السليمة والأصلح لمثل هذا مع العلم أن البنات متزوجات فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الجواب هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بعينه لأن كل مسألةٍ يكون فيها حكومة أي خصومة بين طرفين فإن هذا المنبر ليس منبر حلٍ لمشكلتهم لأن مشكلتهم تحل عن طريق القضاء في المحاكم الشرعية ولكن نحن نقول بصفةٍ عامة إنه لا يجوز للإنسان أن يوقف شيئًا من ماله على بعض أولاده لأن هذا من الجور وقد قال النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) فلا يجوز مثلًا أن يقول هذا وقف على ابني فلان وفلان أو بنتي فلانة وما أشبه ذلك لأن هذا تخصيصٌ لبعض أولاده بهذا الوقف وهو محرمٌ عليه سواءٌ كان ذلك بعد وفاته أو كان ذلك في حياته وأما ما يقفه الإنسان فإن كان وصية بحيث أوصى بوقفه بعد موته فإنه يعتبر من الثلث بمعنى إنه إن زاد على ثلث ما خلف فإنه لا ينفذ ما زاد عن الثلث إلا بإجازة الورثة المرشدين وأما إذا وقفه في حياته وهو صحيحٌ شحيح فإنه لا بأس أن يكون كله وقفًا ولا خيار للورثة فيه إلا أنه كما قلت لا يجوز أن يخصص به بعض أولاده دون البعض وهذا المسألة أعني مسألة تخصيص الأولاد من الأمور التي يتهاون بها بعض الناس مع أنها من الجور والإثم العظيم فعلى المرء أن يتقي الله ﷿ فكما أنه يحب أن يكونوا له في البر سواء فيجب أن يكونوا أيضًا في بره هو سواءً. ***
ما حكم أخذ راتب الولد والاستفادة منه لوالديه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأب فله أن يأخذ من مال ولده ما شاء بشرط أن لا يتضرر الولد بهذا فللوالد أن يأخذ من راتب ولده ما لا يتضرر به الابن وأما الوالدة فليس لها أن تأخذ من مال ولدها إلا ما أعطاها والذي ينبغي للوالدين أن يدعوا الأولاد ورواتبهم إلا عند الحاجة أو إذا رأوا من تصرفات الابن ما ينبغي أن يؤخذ منه المال وفي هذه الحال يكتب المال المأخوذ على أنه لصاحبه لا للأب أو الأم ويكون محفوظًا له إذا رشد وعرف قدر المال. ***
إذا أخذت من مالك لأرض قطعة الأرض على أن أزرعها بدون مقابل إلا أنه أخذ مني مبلغًا كرهن في حالة تسليمه أرضه يعيد لي ذلك المبلغ دون أن يشاركني فيما أحصد منها فهل هذا جائز شرعًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو جائز شرعًا أن يمنحك أرضًا تزرع عليها ويكون الزرع لك فهذا محسن إليك بهذه المنحة وأما أخذه رهنًا من أجل أن تعيدها عليه فهو أيضًا لا بأس به على القول الراجح لأن هذا توثيق له وإن كان في الواقع ليس في ذمتك دين له لكن في يدك عين وهي هذه الأرض وعندي أنه لا يحتاج إلى هذا الرهن يكفي بدلًا عنه أن يكتب وثيقة بينكما لأن هذه الأرض منحة لك لمدة سنة أو سنتين حسب ما يريد أن يمنحها لك وأما الرهن فلا داعي له حين إذن إنما لو فعل فلا بأس به. ***
خليل فرج من مكة المكرمة يقول في السؤال إن لي إخوانًا من الأم ولديهما ورشة من والدهما هل يحق للأخ الذي من الأم أن يأخذ منها شيئًا هذا إذا أُعطي من قبل الإخوان أم لا يأخذ منها شيئًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الورشة إذا كانت للأب ولكنه أعطاها الولدين من أجل العمل فيها فقط فإنه لا يحل لأخيهما ولا لغيره أن يأخذ منها شيء لأنها ليست ملكًا لهما وأما إذا كان والدهما قد أعطاهما هذه الورشة على سبيل التمليك وأنها ملك لهما وهما ممن يجوز تصرفه وتبرعه فتبرعا بشيء منها لأخيهما من أمهما أو لغيره من الناس فإن هذا لا بأس به لأنهما مالكان جائزا التصرف والتبرع. ***
مات رجل وله أولاد وبنات وترك أرضًا وعندما قسموا الأرض سمح البنات لأخيهن الأكبر بنصيبهن ولهن إخوان غيره فما الحكم في هذا وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه لا بأس به لأنه لا يجب على الأخ أن يعدل في العطية بين إخوته وإنما الواجب العدل في العطية إذا كانت من الوالد لولده وأما من الأخ لأخيه فلا حرج،يجوز أن تعطي أحد إخوانها وتحرم الآخر وأن تعطي أحدهم أكثر من الآخر لعدم وجوب المساواة. ***
هل يحق لمن وهب هبة أن يرجع فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى:: إذا وهب هبة وقبضها الموهوب له فإنه لا يحل للواهب أن يرجع فيها ولو رجع لم يُمِكِّنْ من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شبه العائد في هبته بأقبح تشبيه إلا أنه استثنى من ذلك مسألة واحدة وهي الوالد إذا وهب ولده الذكور أو الإناث شيئا فإن له أن يرجع في ذلك إلا أن يكون حيلة مثل أن يهب ولديه الاثنين كل واحد مائة ثم يرجع في هبة أحدهما من أجل أن يفضل الثاني عليه فإن الحيلة على المحرم حرام ولا تنفع والخلاصة أن من وهب هبة وأقبضها للموهوب له، فإنه لا يحل له أن يرجع فيها إلا الأب فيما يعطي ولده ويشترط في رجوع الأب فيما يعطي ولده ألا يكون ذلك على سبيل الحيلة فإن كان على سبيل الحيلة كان حراما. ***
من محافظة الحسكة من عمودة من سوريا الأخ وليد محمد يقول فيها إن أحد أقاربه قال عن بنت عمي بأن لها علاقة مع شخص ولكنها كانت بهتانًا هل إذا قاطعت هذا الإنسان أكون قاطع رحم مع العلم أن الذي قال عن بنت عمي هذا البهتان هو ابن خالي ثم إنه قبل أن يقول بهذا البهتان كنت قد أهديته مصحفًا صغيرًا وكتابًا علميًا ومع العلم أيضًا أن هذا الإنسان لا يصلى ولا يصوم إلى آخره وعندما حدث ذلك أخذته منه ولا أتكلم معه منذ ذلك اليوم ما حكم إرجاع الهدية من المهدي وأخذها من المهدى إليه وخاصة في مثل هذا الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مجرد معصية القريب لا تسوِّغ لقريبه أن يقطع رحمه بل قد قال الله تعالى في الوالدين (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وكذلك القريب لا تنقطع صلته بمعصيته لكن هذا السائل ذكر أن ابن خاله ارتد عن الإسلام والعياذ بالله لعدم صلاته وصيامه والمرتد لا يجوز إبقاؤه على قيد الحياة إلا أن يعود إلى الإسلام وعلى هذا فمقاطعته لا بأس بها لأنه لا حق له في الوجود فضلًا عن أن يوصل بالموجود ولكن مع هذا نرى أن من الواجب عليك معاجلة هذا الداء الذي هو مهلك له بأن تذهب إليه وتدعوه إلى الله ﷿ وتنصحه بالنصيحة الواجبة أما عودك في هديتك فإنه لا يجوز لك لأن رسول الله ﷺ يقول (العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيه) وهذا القريب الذي أهديت له ما أهديت ملك ما أهديته بالقبول والقبض فصار من جملة ماله فإذا رجع إلى الإسلام فملكه باقٍ على ماله وإذا بقي مرتدًا وقتل على ارتداده فإن ماله يكون لبيت مال المسلمين وعلى كل حال حرام عليك أن ترجع في هديتك في مثل هذا الحال. ***
الوصايا
لماذا منع الإسلام الوصية للوارث فأجاب رحمه الله تعالى: منع الإسلام الوصية للوارث لأنه تعدٍّ لحدود الله ﷿ فإن الله تعالى حدد الفرائض والمواريث بحدودٍ قال فيها (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) فإذا كان للإنسان بنت وأخت شقيقة مثلًا فمن المعلوم أن للبنت النصف فرضًا وللأخت الشقيقة الباقي تعصيبًا فلو أوصى للبنت في مثل هذه الحال بثلث ماله مثلًا لكان معنى ذلك أن البنت ستأخذ الثلثين والأخت ستأخذ الثلث فقط وهذا تعدٍ لحدود الله وكذلك لو كان له ابنان فإن من المعلوم أن المال بينهما نصفين فلو أوصى لأحدهما بالثلث مثلًا صار المال بينهما أثلاثًا وهذا من تعدي حدود الله لذلك كانت حرامًا لأنها لو أجيزت ما كان لتحديد المواريث فائدةٌ لكان الناس يتلاعبون فكلٌ يوصي لمن شاء فيزداد بذلك نصيبه من التركة ويحرِم من شاء فينقص نصيبه. ***
المستمع رمز لاسمه ش. ع. م. المينيا جمهورية مصر العربية يقول هل تصح الوصية لوارث وهل تجوز الوصية مشفاهة أمام محامي وبعض الورثة الموصى إليهم نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوصية للوارث وصية باطلة غير صحيحة ولا يجوز تنفيذها ولبقية الورثة الذين لم يوصَ لهم أن يبطلوا هذه الوصية ودليل ذلك من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ المبينة له ففي القرآن الكريم لما ذكر ميراث الأصول والفروع قال (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) فأفاد قوله فريضةً من الله أنه يجب التمشي بمقتضى هذا التقسيم الذي تولاه الله تعالى بنفسه وقال ﷾ في آيات المواريث الزوجين والإخوة من الأم قال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) فبين الله تعالى أن هذه الفرائض حدود الله ﷿ وتوعد من تعدى هذه الحدود وقال تعالى في آية الحواشي الأخوة الأشقاء أو لأب قال في آخرها (يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم) وهذا يدل على أن من خالف هذه القسمة فهو ضلال وأما السنة فقال النبي ﷺ (إن الله أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث) لكن يوصي الإنسان لأقاربه الذين لا يرثون لقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) فبين الله تعالى أنه فرض الوصية للوالدين والأقربين وأن ذلك حق وأنه من علامات التقوى ولكن خرج من هذه الوصية من كان وارثًا من الوالدين أو الأقربين فإنه لا يوصى لهم وبقي من سواهم على حكم هذه الآية الكريمة والوصية لمن لا يرث من الأقارب أفضل من الوصية في أعمالٍ أخرى لأن بعض أهل العلم قال في هذه الآية الكريمة إنه إنها لم تنسخ وإنما هي مخصصة فقط وأن حكمها باقٍ على الوجوب في الأقارب والوالدين غير الوارثين ويمكن ويتصور أن يكون الوالدان غير وارثين فيما لو وجد مانعٌ من موانع الإرث بين الولد والوالد أو الوالدة المهم أن الورثة لا تجوز الوصية إليهم أبدًا وأما غير الورثة من الأقارب فالوصية إليهم مستحبة بل واجبة على قول بعض أهل العلم استنادًا إلى الآية الكريمة. ***
لماذا منعت الوصية بأكثر من الثلث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: منعت الوصية بأكثر من الثلث لأن حق الورثة يتعلق بالمال فإذا أوصى بزائدٍ على الثلث صار في ذلك هضمًا لحقوقهم ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رسول الله ﷺ أن يوصي بثلثي ماله قال (لا) قال فالشطر قال (لا) قال فالثلث قال النبي ﷺ (الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس) فبين الرسول ﵊ بل أشار في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد على الثلث ولهذا لو أوصى بزائدٍ عن الثلث وأذن الورثة في هذا فلا بأس به. ***
إذا أوصت المرأة بنصف أموالها أن تنفق في سبيل الله فهل تأثم في ذلك مع العلم بأن وارثيها ليسوا بحاجة إلى أموالها أي أنهم ليسوا بفقراء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للرجل ولا للمرأة أن يوصي بأكثر من الثلث وذلك لأنه ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ عاد سعد بن أبي وقاص من مرض كان به فقال له (يا رسول الله إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال أتصدق بالشطر أي بالنصف قال لا قال أتصدق بالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من إن تذرهم عالة يتكففون الناس) ولهذا يحرم على الإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث فلو قُدِّرَ أنه فعل إما جهلًا وإما تهاونًا وتساهلًا فإن للورثة من بعده أن يأخذوا ما زاد على الثلث ولا ينفذوا إلا الثلث فقط وعلى هذا فنقول لهذه المرأة إياك أن توصي بأكثر من الثلث أوصي بالثلث وفيه خير ولهذا قال النبي ﵊ (خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) فالذي يحب أن يتصدق، يتصدق وهو صحيح شحيح قبل أن يُمْرَضْ وقبل أن يموت ويسلم من التبعة من وجه وتطمئن نفسه إلى أنه وُضِعَ المال فيما يريده لأنه ربما يوصي بشيء ويتهاون الورثة بهذا ولا يؤدونه كما يريد الموصي. ***
ش م من العراق الموصل تقول كنت أقوم بخدمة والدي في صحته ومرضه أكثر من أي أحد في العائلة وأثناء مرض وفاته قال له أحد إخوتي إن زوجتك ستخرجنا من الدار إذا توفيت لا سمح الله ولما اشتد به المرض أوصى بثلث الدار لي بموجب سند مصدق من قبل الجهات الرسمية ومؤيدًا بتقرير طبي يؤكد بأن يؤكد بأنه بكامل قواه العقلية يذكر في الوصية بأنه يوصي بثلث داره بمحض إرادته ورغبته إلى ابنته التي هي السائلة لقاء خدمتها وأتعابها واهتمامها به ولم يكره أحد على ذلك وبعد وفاة والدي بفترة تزوجت بموافقة إخوتي وبعد زواجي أخذ بعض إخوتي وزوجة والدي يطلبون مني التنازل عن الوصية وعدم تنفيذها قائلين لي لو كنت متزوجة قبل وفاة والدك لما أوصى لك بما أوصاه ولما تزوجت الآن فلا يحق لك ذلك وإذا نفذت الوصية فإن والدك يحاسب أمام الله ويعذب نتيجة وصيته هذه وأنت تفقدين أجرك على خدمته أفيدوني رجاءً هل عمل والدي مخالف للشرع وإذا نفذت الوصية فهل يحاسبه الله على وصيته هذه ويأثم على ذلك أفيدونا جزاكم الله خيرًا وأثابكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: وصية الرجل لأحد من الورثة محرمة لأن الله ﷾ فرض المواريث وبيَّنها وقال (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ) في ميراث الأصول والفروع وقال في ميراث في الأزواج والإخوة من الأم (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال في إرث الإخوة والأخوات في آخر سورة النساء (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقال النبي ﷺ (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فهذه الوصية وصية أبيك لك في مقابل خدمته وصيه جائرة لا يجوز تنفيذها ولكن إذا كان الورثة قد وافقوا بعد موت والدك عليها فإنها تعتبر نافذة بسبب إجابتهم لها وحينئذٍ لا يحق لهم الرجوع بعد ذلك ومطالبتك بأن تردي هذه الوصية ولكن أنت إذا رأيت من المصلحة أن تتنازلي دفعًا لما قد يحصل من الحرج والبغضاء بينك وبين إخوتك فإن هذا من الأفضل والأطيب. ***
هـ ي من العراق محافظة نينوى تقول توفي شخص وترك خمسة أولاد وثلاث بنات منهم ابن وبنت من زوجة أخرى وقد ترك للجميع ميراثًا وترك لهذين الابن والبنت من زوجة أخرى وقد ترك للجميع ميراثًا وترك لهذين الابن والبنت قدرًا باسمهم يعادل ثلث المال علمًا بأن عمرهما لا يتجاوز الخمس سنين وترك هذا المال وديعة عند ابن أخيه فقام أحد أولاد المتوفى الكبار ونقض الوصية المتروكة مع هذا المال بحجة أنه يعرف حديثًا عن الرسول ﷺ يقول فيه (لا وصية لوارث) وقد سألوا أحد العلماء عندهم فقال يجب أن يبقى المال عند المودع حتى يبلغ الصغار وسألوا آخر فقال يجب أن يضم هذا الثلث إلى جميع الميراث وتوزع على جميع الورثة فما هو الحكم الشرعي في هذا وماذا يفهم من الحديث الشريف (لا وصية لوارث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الوصية غير صحيحة وهي باطلة لأن الله ﷾ قسم الميراث وقال (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) هكذا ختم آية ميراث الأصول والفروع ومنه هذه المسألة التي ذكرها السائل فالله تعالى قد فرض للأولاد ميراثهم فلا يجوز لنا أن نتعدى ما فرض الله ﷾ والنبي ﷺ أكد ذلك في قوله (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فهذه الوصية التي أوصى بها الأب لابنيه الصغيرين دون بقية أولاده هي وصية باطلة محرمة نعم إن ثبت أن هذا المال قد حصل لهذين الابنين بطريق آخر غير طريق الأب كما لو كانا قد ورثاه أو أهدى لهما بالذات إذا ثبت هذا فهو لهما وليس وصية من قبل أبيهما لكن إذا كان وصية من قبل الأب يستحقانه من مال الأب المتروك فإنها وصية باطلة ولبقية الورثة الحق في إبطال هذه الوصية ورد هذا المال إلى التركة ليقسم بينهم على كتاب الله تعالى ولكني أرى أن من الأحسن أن ينفذ وصية والدهما لا سيما أن أخويهما هذين صغيران فهما محل الرحمة لأنهما إذا كانا صغيرين فهما يتيمان والله تعالى قد أوصى باليتامى خيرًا فرأيي أن بقية الورثة ينبغي لهم أن يمضوا هذه الوصية ليكون في ذلك بر للوالد حيث وافقوا مراده ولأن ذلك إحسان إلى هؤلاء اليتامى. ***
السائل حامد عبدوش تاجر في السودان يقول هناك رجلٌ له أرض واسعة وفي الأرض جنينة فيها نخيل وثمار وعنده ذرية رجال ونساء ولما كبر وتقدم عمره ترك وصية وقال إن أرضي وجميع ما فيها هي وقف لأولادي الذكور ولذريتهم أما بناتي فلا حق لهن في الوقف ولا يرثون وفعلًا هذا الرجل توفي ونفذ ابنه هذه الوصية وحرم البنات وذريتهن فهل يصح هذا الوقف وهل يأثم هذا الرجل نرجو التكرم بالإجابة على هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح من أقول أهل العلم في هذه المسألة أنه لا يجوز أن يخص أحدًا من ورثته بشيء من الوصية وان هذه الوصية باطلة وأنه يجب أن تردّ في الميراث ويرثها الورثة على حسب ما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ. وذلك لأن الله ﷾ تولى بنفسه قسمة الميراث بين مستحقيه وأخبر أنه تعالى فرض ذلك فريضة وأنه لا يعلم أحد منا أيهم أقرب لنا نفعا وفي الحديث عن رسول ﷺ (إن الله أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) . ***
المستمعة اعتدال تقول أنا سيدة مصرية ومتزوجة منذ ثلاثين سنة وما زلت مع زوجي ولي بنت وولد البنت تزوجت والولد سيتزوج إن شاء الله ولي منزل بثلاثة أدوار بست شقق وأنا سيدة مؤمنة بالله لم أترك الصلاة فرضًا واحدًا وأعبد الله بجميع ما أمرني الله به من عبادة ولي موضوع أرجو أن تفيدوني فيه أريد أن أكتب المنزل لابنتي وابني وأحرم زوجي من الميراث فسألت بعض الناس فمنهم من قال ربما تموتين قبل زوجك فسيرث ويمكن سيتزوج من بعدي والتي سيتزوجها سترث فيه وأصبح واحدة غريبة ستأخذ الحصة التي كان أولادك سيأخذونها والبعض قال حرام بعد وفاتك سيطرد من المنزل والذي سيتسبب في طردهم الغرباء وهو زوج ابنتك وزوجة ابنك أرجو الإفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لي ملاحظات على ما جاء في سؤال هذه المرأة منها أنها قالت أنا سيدة وكررت هذا مرتين وكلمة سيدة أصبحت الآن وصفًا عامًا لكل امرأة حتى وإن كانت لا تستحق من السيادة شيئًا وأصبحت عرفًا مرادفة لكلمة امرأة وهذا فيما أظن متلقى من غير المسلمين لأن عبارات المسلمين التي أخذت من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ لم يكن فيها التعبير عن المرأة بسيدة وإنما حدث هذا أخيرًا فالذي أرى أن تسمى المرأة بالمرأة أو بالأنثى أو بالفتاة أو بالعجوز إذا كانت كبيرة وما أشبه ذلك وأما أن ينقل لفظ السيدة الدال على السؤدد والشرف والوجاهة فيسمى به كل امرأة فإنه أمر لا ينبغي ومن الملاحظات أنها وصفت نفسها بوصف يدل على التزكية حيث قالت إنها امرأة تطيع الله في كل ما أمر به والله ﷿ يقول (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) وأما الجواب عن سؤالها وهي أنها تريد أن تكتب منزلها لأولادها دون زوجها فإن كان هذا الكتاب وصية أي أنها تريد أن توصي بهذا المنزل لأولادها بعد موتها فإن ذلك حرام لأن النبي ﷺ قال (لا وصية لوارث) وفرض الله ﷾ المواريث وقال (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وإذا أوصى شخص لأحد ورثته بزائد على ميراثه فقد تعدى حدود الله أما إذا كتبت المنزل لأولادها في حياتها بأن وهبته لهم في حياتها دون زوجها فإن هذا لا بأس به إذا كانت حين الهبة صحيحة غير مريضة مرض الموت المخوف فإن هبتها لأولادها منزلها دون زوجها هبة صحيحة. ***
المستمع صالح صلاح مصلح من صنعاء الجمهورية العربية اليمنية يقول أنا رجل متزوج ولله الحمد وعندي مال وليس لي إلا بنت واحدة فقط ولي أخ وأخت من أبي وبنتي حالتها المادية ميسورة وتريدني أن أسجل كل ما يخصها من التركة لعمها الذي هو أخي وأختي كذلك تريد نفس الشيء تسجيل ما يخصها لأخيها مع العلم بأنني متزوج بامرأة غير أم البنت ولم تنجب شيئًا ولكنهم يكرهونها وأنا لا أريد أن أفرط في نصيبها وفي نفس الوقت أخشى لو سجلتها لأخي أن يخرجني أنا وزوجتي من البيت فأرجو إرشادي إلى العمل الأصلح بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العمل الأصلح أن تبقي مالك بيدك ولا تكتبه لأحد لأنك لا تدري ماذا يعرض لك في حياتك وأنت إذا قدر الله عليك فمت ورث الورثة من مالك بقدر ما جاء في شريعة الله ﷾ ثم إنك كيف تكتبه لهؤلاء باسم أنهم ورثتك مع أنك لا تدري فقد يموتون قبلك وتكون أنت الوارث لهم فالمهم أننا ننصحك بأن تمسك عليك مالك ولا تكتبه لأحد ودعه في يدك تتصرف فيه كما شيءت في الحدود الشرعية وإذا قدر الله على أحد منكم أن يموت ورثه الآخر بحسب ما حدده الله ورسوله. ***
راشد الناصر من الرياض حريملاء يقول كان لي أخ وأتى إليّ بقصد الزيارة لأني كنت أشتغل في مدينة غير التي نحن فيها وعائلتنا وأعطيته مبلغًا من المال على سبيل المساعدة ولم أكن أقصد أنها قرضة ولم أطالبه بها في يوم من الأيام وهو كان يعرف ذلك وأخذ المال وعاد إلي بلدتنا حيث يقوم هو وأهلنا واستعان بهذا المبلغ على زواجه وعاشت زوجته معه مدة من الزمن وفيما بعد نشزت الزوجة بعد أن حصل بينهما خلاف وبعد ذلك كتب أخي وصية ومن ضمنها ذلك المبلغ كدين عليه لي وأشهد على ذلك شهودًا وعاش بعد ذلك مدة من الزمن ثم توفاه الله ولما عدت بعد وفاة أخي أبلغت بالوصية وطالبتني زوجته بإبراز حصتها من التركة وطالبتها بالوصية التي أوصى بها لي أخي وهو المبلغ الذي سبق وأن أعطيته على سبيل الإحسان وفعلًا قامت بتسليم نصيبها من الوصية من الدين الذي أوصى به أخي واستوفيته منها واقتسمت حصتها من التركة بعد ذلك فهل يجوز لي هذا التصرف مع أنني أخشى أن يكون الدافع لأخي لكتاب هذه الوصية هو الإضرار بزوجته الناشز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مادمت قد بذلت مالك السابق على أنه مساعدة ومعاونة لأخيك وهو قبضه على هذا الوجه فإنه لا شي لك عليه في ذمته وعلى هذا فالوصية به لاغية لأنه لا حق لك عليه وما ذكرت من خوف الإضرار بهذه المرأة التي نشزت عنه وأتعبته فهو وارد والذي أرى أن ترد ما أخذت من المرأة إليها إبراء لذمتك وإبراء لما يخاف من وصية أخيك عليه وهذا أولى وأحوط والذي يظهر أن حالك والحمد لله ميسورة وأنك لست في حاجة إلى هذا بل ولو كنت في حاجة إلى هذا فإني أرى أن ترد إلى المرأة ما أخذت منها. ***
ما رأيكم فيمن يوصي إذا مات أن يدفن في المكان الفلاني هل تنفذ هذه الوصية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا لابدّ أن يسأل لمذا اختار هذا المكان فلعله اختاره إلى جنب ضريح مكذوب أو إلى جنب ضريح يشرك به مع الله أو غير ذلك من الأسباب المحرمة فهذا لايجوز تنفيذ وصيته ويدفن مع المسلمين إن كان مسلمًا أما إذا كان أوصى بغير هذا الغرض بل أوصى بأن ينقل إلى بلده الذي هوعائشٌ فيه فهذا لاحرج في أن تنفذ وصيته إذا لم يكن في ذلك إتلاف للمال فإن كان في ذلك إتلاف للمال بحيث لاينقل إلا بدراهم كثيرة فإنها لاتنفذ وصيته حينئذٍ وأرض الله تعالى واحدة مادامت الأرض أرض مسلمين. ***
المستمع خالد بكر محمد يقول إنه يريد أن يحج ومحمل عدة وصايا يقول إنه قد طلب منه مجموعة من الناس أن يأتي لهم بشيء من مكة والمدينة مثل حجر أو ماء أو قليل تراب أو ما شابه ذلك فكيف أصنع وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الوصايا التي أشار إليها أن يأتي إلى من أوصوه بتراب أو ماء أو أحجار من الحرم لا يلزمه أن يفي بها وله أن يردها عليهم ولو كانت وصاياهم بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر لكان ذلك أولى وأجدر إذا استبدل هذه الوصايا بأن يدعو الله لهم في هذه المشاعر بما فيه خيرهم في دينهم ودنياهم كان ذلك أولى وأجدر وأحسن. ***
امرأة أوصت عند وفاتها بجميع ذهبها بأنه للمسجد وللماء البارد مع العلم بأن الماء البارد متوفر في هذا المسجد حيث يوجد هناك برادات هل يجوز بيع هذا الذهب وشراء مكيفات للمسجد مع العلم بأن الورثة لا يمانعون من تنفيذ هذه الوصية بكاملها وليس بالثلث حسب الشرع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا وافق الورثة على تنفيذ هذه الوصية فتنفذ كما قالت المرأة فإذا قدر أن المسجد مستغنٍ عن تبريد الماء بما فيه من البرادات فتصرف إلى مسجدٍ آخر يشترى له بذلك برادات لأن شرب الماء أفضل من المكيف ولكن لنحرص على أن يكون البديل مثل المسجد الأول مثل المسجد الأول بكثرة الناس وانتفاعهم بالماء. ***
خلوي غازي محمد المطيري من السر يقول توفيت زوجتي وكانت أوصت بثلث مالها لولدها حين يبلغ سن الرشد وقد حفظت ذلك الثلث إلى أن بلغ ولدها سن الرشد فدفعته ولكنه سيئ التصرف فيه ولا يعمل لتنميته وزيادته بل يصرف منه حتى يتناقص ودون عمل على زيادته وأنا أسأل أولًا هل مثل هذه الوصية صحيحة أم لا وهل أترك ولدها يتصرف كيف يشاء في هذا الثلث أم أسترده منه حتى أعلم منه حسن التصرف أفيدوني جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه وصية صحيحة ولكنها قالت في وصيتها أنه يكون في يدك حتى يبلغ ابنها سن الرشد ومعنى بلوغ ابنها سن الرشد أن يكون رشيدًا فلا يحل لك أن تسلمه إليه حتى تعلمه أنه قد صار رشيدًا في تصرفه ومادام الأمر قد وقع فإنه لابد أنه أن تُبلغ الأمر إلى المحكمة التي في بلدكم حتى تقوم بما يجب نحو هذا الموضوع. ***
يقول السائل اشترى ثلاثة أشقاء منزلًا بمالهم وكتب أحدهم وصية يقول فيها إذا توفيت وانتقلت إلى رحمة الله فإنني أترك التركة لإخواني الأشقاء ولا نصيب لزوجتي في هذا الميراث ما حكم الشرع في نظركم في هذا العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل محرم لأنه يتضمن الوصية لبعض الورثة وحرمان بعضهم وهو من تعدي حدود الله ﷿ فإن الله تعالى جعل للزوجة نصيبها إن كان لزوجها أولاد فلها الثمن وإن لم يكن لها أولاد فلها الربع وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) هذه الوصية وصية جائرة والموصي آثم وعليه أن يمزقها إن كان حيا وعلى ورثته أن يقسموا ماله على فريضة الله ﷿ فيعطوا الزوجة نصيبها كاملا ويعطي هؤلاء نصيبهم كاملا. ***
خليفة جاسم الجمهورية العربية السورية عين العقبة يقول في رسالته هل يجوز للمسلم أن ينفذ وصيته قبل مماته وهل يجوز نقل زكاة المال من بلد إلى بلد ثانٍ في نفس البلاد أفيدونا مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا نفذ الإنسان ثلث ماله في حياته فإن ذلك لا يعد وصية بل هو تبرع والإنسان ما دام حيًا صحيحًا فله أن يتبرع بما شاء من ماله ولا حجر عليه إذا لم يتعلق بماله حق لأحد من الناس كما لو كان مدينًا وكان تبرعه يضر بالغرماء وما أشبه ذلك والمهم أن ما ينفذه الإنسان في حياته لا يعد وصية بل هو تبرع نفذه لكن إذا كان هذا التنفيذ في مرض موته المخوف وما ألحق به فإنه يعتبر من الثلث فأقل لغير وارث لأن العطية في هذه الحال حكمها حكم الوصية في أنه لا يجوز أن يتبرع بزائد على الثلث ولا لأحد من الورثة بشيء وأما نقل الزكاة من بلد إلى آخر فإن الصحيح جوازها لاسيما إذا كان في ذلك مصلحة كما لو نقلها من بلد إلى بلد أهله أحوج أو نقلها من بلد إلى بلد لأن له فيها أقارب مستحقين للزكاة فإنه جائز ولا بأس به. ***
توفي رجلٌ دون أن يكتب وصيته نظرًا لأنه كان أميًا لا يعرف القراءة أو الكتابة ولكنه دائمًا يوصي شفويًا لأولاده وزوجته بما يملك في فترة حياته ويقسم ذلك بينهم فهل تقبل هذه الوصية بشهادة الأبناء أم أنه كان يجب عليه أن يملي وصيته في يوم وفاته أو أثناء موته أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعلم أن الوصية لا تصح لأحدٍ من الورثة إلا أن يوصي لكل وارثٍ بمقدار حقه فهذا من باب التأكيد وليس وصية مستقلة فإذا وقع مثل هذه الوصية التي ذكرت في السؤال أوصى شفويًا بدون أن تكتب وبدون أن يشهد عليها واعترف الورثة بها بعد موته فإنهم ينفذونها لأنهم يقرون على أنفسهم والمقر على نفسه مأخوذٌ بإقراره مؤاخذٌ بإقراره إذا كان أهلًا للإقرار وعلى هذا فمن علم منهم أي من الورثة بالوصية فإنه ينفذها إلا إذا زادت على الثلث فإن ما زاد على الثلث يرجع إلى اختيار الورثة فإن شاؤوا نفذوه وإن شاؤوا منعوه. ***
ع ب الطويلة تقول في هذا السؤال أم لديها بنت معاقة وليس لهذه البنت مصدر مالي فأوصت لها الأم بجزء من مالها تحصل عليه بعد وفاة الأم فهل الأم ظلمت بقية الأبناء والبنات بهذه الوصية فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأم إذا أوصت لهذه البنت بشيء من مالها فإن وصيتها حرام وباطلة فإن أجازها الورثة فيما بعد نفذت وإن لم يجيزوها فإنها لا تنفذ والبنت المعاقة وليها الله ﷿ فنحن علينا أن نتقي الله تعالى فيما أمرنا به وهي وأمر هذه البنت المعاقة يكون إلى الله ﷾ لكن لو أوصت أولادها الذكور والإناث أن يرحموا هذه البنت المعاقة وأن يحرصوا عليها وأن لا يجعلوا عليها قاصرا في النفقة فهذا عمل طيب تثاب عليه ويثاب عليه أولادها من بنين أو بنات إذا نفذوا هذه الوصية. ***
من الكويت ن. ع. تقول في هذا السؤال أصاب جدي مرض السرطان وبعد أن استفحل المرض فيه سافر مع خالي إلى لندن إلى العلاج وفي سفره قال جدي لأحد أقاربنا إنه يوصي بثلث ماله لخالي وعند ما رجع إلى الكويت لم يذكر شيئًا عن هذه الوصية حتى توفي بعد خمسة عشرة يومًا وتحولت القضية إلى المحكمة للنظر فيها حيث قامت والدتي جدتي وخالاتي بالموافقة على إعطاء الثلث لخالي أمام القاضي إلا أن خالي قال إن البيت الذي يعتبر سكنًا لجدي وأبناء جدي من ضمن الثلث وسؤالي هل تصح هذه الوصية وماذا على الورثة أن يفعلوه وهل يعتبر البيت الذي نسكن فيه أي الورثة من ضمن الوصية نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في هذا الجواب هي أنه ما دامت المسألة رفعت إلى المحكمة فلتتم المحكمة ما يتعلق بهذه القضية من جميع النواحي فإذا أحب الورثة ألا يرفعوا الأمر إلى المحكمة مرة أخرى وأرادوا الصلح بينهم فلا حرج عليهم في الصلح فيما يتفقون عليه إذا كانوا بالغين رشيدين وإذا لم يتصالحوا فإن وصية جدك من أمك لخالك وصية غير صحيحة إلا ما أجاز الورثة منها لأنه أعني خالك من الورثة وقد قال النبي ﷺ (لا وصية لوارث) فعليه نقول إن البيت الذي يسكنه الورثة أو بعضهم تحت أمر الورثة إذا لم يكن صلح فإن أجازوا الوصية لشريكهم في الإرث وهم بالغون رشيدون نفذت هذه الوصية في هذا البيت وأعطي الموصى له ثلثه وإن لم يجيزوها فالأمر إليهم وخلاصة الجواب أني أقول إن المحكمة كما بدأت القضية فلتتمها فإن لم يحصل فالصلح حسب ما يتفقون عليه إذا كانوا بالغين رشيدين فإن لم يصطلحوا على شيء فإن الوصية لوارث لا تصح إلا بإجازة بقية الورثة فإذا لم يُجز الورثة دخول البيت في الوصية فلا حرج عليه ويكون البيت مشتركًا بينهم شركة إرث. ***
المستمع من السودان عبد الحكيم يقول رجلٌ له خمسةٌ من الأولاد منهم ولدٌ كبير في السن وأما الباقين فهم أطفال في المدارس الابن يعمل موظفًا ويقوم بمساعدة والده في تربية إخوانه قام الوالد بتسجيل التركة باسم هذا الولد الكبير لأنه يساعده في تربية الأطفال والدهم ما زال على قيد الحياة فهل له الحق في هذا التخصيص نرجو التوجيه والنصح مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أنه لا يجوز لهذا الوالد أن يكتب التركة باسم ولده الأكبر لأن هذا يتضمن وصيةً لوارث وقد حدد الله ﷿ للورثة نصيبهم بعد موت مورثهم وقال في آيةٍ من آيات المواريث (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله إن الله كان عليمًا حكيما) وقال في الآية الثانية بعد ذكر المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال في الآية الثالثة بعد ذكر مواريث الإخوة الأشقاء أو لأب (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقال النبي ﷺ (لا وصية لوارث) وعلى هذا فلا يحل لهذا الوالد أن يكتب تركته باسم ولده الأكبر بل ولا يحل له أن يخصص ولده في حياته بشيءٍ دون إخوته لأن بشير بن سعد ﵁ نحل ابنه النعمان بن البشير نحلة فقالت له أم النعمان لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ فذهب بشير بن سعد إلى النبي ﷺ ليشهده فقال النبي ﷺ (أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) وقال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وعلى هذا فلا يجوز لهذا الوالد أن يخصص ولده الأكبر بشيء لا في حياته ولا بعد مماته نعم لو فرض أن ولده الأكبر تفرغ للعمل معه في تجارته فله أن يجعل له أجرة شهرية على حسب أجرة المثل وله أن يشركه معه في الربح فيعطيه نصف الربح أو ثلث الربح أو ما أشبه ذلك بالنسبة لما جرت العادة بمثله أما بالنسبة لهذا الابن الأكبر الذي أعان والده في تربية إخوانه فإن له أجرًا عند الله ﷿ أجرًا من وجهين من جهة البر بوالده ومن جهة صلة الرحم بإخوانه وهذا خيرٌ من الدنيا وما فيها وإنني بهذه المناسبة أود أن أشير إلى مسألةٍ نبهت عليها من هذا المنبر كثيرًا وهي أنه بعض الناس يكون له أولاد صغارٌ وكبار فيبلغ الأولاد الكبار سن الزواج فيزوجهم الأب ثم يكتب وصية للأولاد الصغار الذين لم يبلغوا سن الزواج في حياته فيكتب لهم وصية بقدر المهر الذي أعطاه المتزوج لكل واحد وهذا لا يجوز وذلك لأن الزواج من جملة الإنفاق فيعطى كل واحدٍ من الأولاد ما يحتاجه وإذا كان هؤلاء الأولاد الصغار لم يحتاجوا ذلك في حياة والدهم فإنه لا يحل له أن يوصي لهم بشيء فإن فعل فقد أوصى لوارث وقد قال النبي ﵊ (لا وصية لوارث) . ***
أحمد وداعة علي مقيم بمنطقة الباحة يقول سألت أحد العلماء عن مدى جواز تخصيص زوجتي بنصيب من تركتي فقال لي إن كنت أريد ذلك بقصد مكافأتها على خدمتها وعشرتها الطويلة فلا حرج في ذلك ولكن إذا أرت ذلك بقصد الإضرار بباقي الورثة فإن هذا لا يجوز وفي تقديري مع ضعف علمي أن المرأة نصيبها معروف حسب ما قرره الشرع وقول هذا يتعارض في نظري مع ما ورد في الكتاب والسنة فما رأيكم في ذلك وإن كان كلام العالم صحيحًا فهل يمكن أن نقيس على ذلك أنه يمكن أن أخص أحد أولادي بنصيب من التركة بين أخوته بدعوى أنه وقف معي مواقف جيدة دون أخوته وخدمني أكثر منهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على السؤال أحب أن أحذر من أن يتكلم الإنسان بغير علم فيما شرعه الله تعالى لأن المتكلم حينما يقول معبرًا عن الله ورسوله فعليه أن يحترز وأن يتحرى الصواب بقدر ما أمكن قبل أن يتكلم والجرأة على الفتيا ليست بالأمر الهين فإن الإنسان سوف يسأل وربما يساهل الإنسان في فتيا من الإفتاءات فضل بها كثير من الناس وقد قال الله تعالى في محكم كتابه (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال جل ذكره (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وقد جعل الله تعالى في الأمر سعة بأن يقول من استفتى ولا علم عنده يقول لا أعلم فيما لا يعلمه لأن ذلك أبرأ لذمته وأعز له وأرفع له عند الله ﷿ فإن من قال فيما لا يعلم إنه لا يعلم فقد تواضع ومن تواضع لله رفعه وبهذا يثق الناس من علمه واستفتائه لأنه إذا عرفوا أنه يقول فيما لا يعلم لا أعلم وثقوا منه وعرفوا أنه لا يقدم على الفتوى إلا عن علم وما أفتى به في هذه المسألة من أنه يجوز أن توصي لزوجتك بشيء من مالك نظرًا لمعاملتها الطيبة معك فإنها فتوى معارضة لما دل عليه الكتاب والسنة فإن الله تعالى فرض لزوجة من مالك بعد موتك شيئًا محدودًا (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) وقد قال الله تعالى في آيات المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) الحد الذي حده الله للزوجة بعد موت زوجها من ماله إما الربع وإما الثمن لا زيادة على ذلك وقد قال النبي ﵊ إن الله أعطى كل ذي حقًا حقه فلا وصية لوارث وعلى هذا فإذا كنت تريد أن تبرّ امرأتك بشي نظرًا لمعاملتها الطيبة معك فبإمكانك أن تبرها في حال صحتك فتعطيها ما تكافئها به من مالك أما بعد موتك فإن الأمر محدود مقدر من قبل الشرع لا يجوز أن يتعدى فيه الإنسان وأما بالنسبة لما ذكرت أنه يمكن أن يقاس علي الوصية لأحد من أولادك بشيء حيث كان يبرك أكثر من إخوانه فإن هذا كما عرفت من بطلان الأصل وإذا بطل الأصل بطل الفرع أي أنه إذا بطل المقيس عليه بطل المقاس على أن الأولاد يختصون بخصيصة أخرى ولو أنه إذا كان هذا الولد البار له إخوة فإنه لا يجوز أن تعطيه شيئًا زائدًا على إخوانه ولو كان ذلك في حياتك لأن النبي ﷺ لما أتاه بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان بن بشير قال له ﵊ (أكل ولدك نحلت مثل ذلك) قال (لا) قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولم يستفصل الرسول ﵊ حيث أعطى بشيرٌ ابنَه النعمانَ هل النعمان يبره أكثر من غيره لا فإذن لا يجوز للوالد أن ينحل أحدًا من أولاده دون الآخرين ولو كان أبر منهم وبر هذا البار أجره على الله ﷿ والحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي لزوجته بأكثر من ميراثها نظرًا لقيامها بواجبها نحوه ولا يجوز لأحد أن يخص أحدًا من أولاده بشي دون إخوته نظرًا لكونه أبر منهم بل يجب عليه العدل بين أولاده والعدل هو أن يؤتي كل إنسان ما يحتاجه وليس معناه أن يسوي بينهم فإذا أعطى هذا عشرة أعطى الآخر عشرة مثلًا لا قد يحتاج هذا الإنسان حاجة تبلغ ألفًا والثاني يحتاج حاجة تبلغ مائة فإذا أعطى كل واحد منهما حاجته فقد عدل بينهما وإن كان هذا تبلغ حاجته ألفًا والثاني تبلغ مائة والمهم أنه القيام بالواجب مثل الأولاد عدل ولو كان واجب أحدهم يتطلب أكثر من الآخر. فضيلة الشيخ: هذا في حال الحياة أما بعد الموت فكل ذلك يدخل تحت عموم (لا وصية لوارث)؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ***
عبد الله بن سليمان الخريف من الرياض يقول إن شخصًا توفي ولم يكن له ذرية فأوصى أن البيت ضحية له ولوالديه وأنه قال ملعون بائعه وشاريه إلى أنْ يَرثَ الله الأرض ومن عليها والبيت الآن طايح منذ سنين أي أنه خرابة لا يساوي شيء وأن المتوفى له أخُ كبير في السن فماذا يعمل لكي يبرئ ذمته من هذه الوصية وهي موجودة معه الآن وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا وصيته ببيته كاملًا وله وارث محرمًُ عليه ذلك الفعل وهذا أخوه وارث له إذا لم يكن وارث أولى منه في الميراث وإذا حصلت منه هذه القضية بأن أوصى الإنسان بجميع ما يملك وله ورثة فإن للورثة الخيار بين أن يجُيبوا هذه الوصية وبين أن يمنعوا ما زاد على الثلث منها وعليه فإنه إذا لم يكن أخوه قد أقر تلك الوصية فإن له أن يمنع منها ما زاد على الثلث أما إذا كان قد أقرها فإن الوصية تنفذ كما قال الموصي ولكن إذا تعطلت منافع البيت فإن الواجب على الوصي الذي له النظر على هذا البيت الواجب عليه أن يبيعه ويستبدله بما يكون له نفع وريع حتى تنفذ الوصية على المطلوب. ***
من قطر يقول رجلٌ أوصى بثلث ماله وقفًا فضاعت الوصية وقسمت التركة وبعد فترةٍ من الزمن عثر على الوصية فما الحكم في ذلك مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن يؤخذ ثلث نصيب كل وارث ثم ينفذ به الوقف على مقتضى هذه الوصية هذا إذا كان قد أوصى بوقف ثلث ماله أو أوصى بثلث ماله يصرف للفقراء أو ما أشبه ذلك أما إذا كانت الوقفية وقفًا ناجزًا وكانت في حال الصحة فإنه ينفذ الوقف كله فإذا كان عقارًا مثلًا رفعت أيدي الورثة عن هذا العقار لأنه تبين أنه وقف وكذلك إن كانت أرضًا أوقفها لتكون مسجدًا مثلًا فإن الأرض تنزع من أيدي الورثة وتصرف حيث شرطها الواقف وحينئذٍ يجب أن نعرف الفرق بين الوصية وبين الوقف الناجز فالوصية لا تثبت إلا بعد الموت فلو أوصى بوقف بيته مثلًا فإن الوصية لا تنفذ إلا بعد موته ولا تكون إلا في الثلث فأقل ولا تكون لأحدٍ من الورثة وللموصي أن يرجع فيها ويبطلها وله أن ينقص منها وله أن يزيد لكن بعد الموت لا ينفذ إلا ما كان بقدر الثلث فأقل أما الوقف الناجز فإنه ينفذ من حينه ولا يملك الموقف أن يتصرف فيه ولا يمكن للموقف أن يرجع فيه أيضًا وينفذ ولو كان يستوعب جميع المال إلا أن يكون في مرض موته المخوف فإنه لا ينفذ منه إلا مقدار الثلث فقط أعني مقدار ثلث التركة. ***
أحمد سعد قائد من آل حيدري يمني مقيم بجدة يقول توفي والدي يرحمه الله وكان قد أوصى في حياته أن يؤدى عنه الحج وخصص قطعة أرض من أملاكه لمن يحج عنه وبعد أن بلغنا سن الرشد أنا وأخي قدمنا إلى هنا في المملكة إلى عمل واتفقنا مع شخص أن يحج عن والدنا مقابل مبلغ ألفي ريال ولم ندفع إليه قطعة الأرض التي جعلها والدي لمن يحج عنه فهل الحج صحيح وهل علينا شيء في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأب الذي أوصى بهذه القطعة للحج بها عنه يجب صرفها جميعا في الحج إذا كانت من الثلث فأقل وإن كانت أكثر من الثلث فما زاد عن الثلث فأنتم فيه بالخيار لكن إذا علمتم أن مقصود والدكم هو الحج فقط أي أن المقصود أن يؤتى له بحجة وأنه عين هذه الأرض من أجل التوثق فإنه لا حرج عليكم أن تعطوا دراهم يحج بها دراهم يحج بها وتبقى هذه الأرض لكم فالمهم أن هذا يرجع إلى ما تعلمونه من نية أبيكم إن كنتم تعلمون أن من نية أبيكم أن تصرف هذه الأرض كلها بالحج عنه فعلى ما سمعتم تنفق كلها في الحج عنه ولو كانت عدة حجات إذا كانت لا تزيد عن الثلث وما زاد على الثلث فأنتم فيه بالخيار وإذا كنتم تعلمون أن والدكم يريد الحج ولو مرَّة لكن عين هذه الأرض من أجل التوثقة فإنه لا حرج عليكم أن تقيموا من يحج عنه بدراهم وأن تبقوا هذه الأرض لكم. فضيلة الشيخ: والحج الذي أدي لعله صحيح إن شاء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم الحج الذي أدي صحيح بكل حال لكن يبقى إن كان الوالد يريد أن تصرف كل الأرض في الحج عنه فإذا كان ما بذلوه من ألفي ريال أقل من قيمة الأرض يصرفون لحجة أخرى ثم أخرى حتى تستكمل قيمة الأرض ***

16 / 2