Фата́вā Кубра

Ибн Таймия d. 728 AH
18

Фата́вā Кубра

الفتاوى الكبرى

Издатель

دار الكتب العلمية

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

وَمِنْ هُنَا صَارَ بَعْضُ الْعَامَّةِ إذَا رَأَى الْمُنَجِّمَ قَدْ أَصَابَ فِي خَبَرِهِ عَنْ الْكُسُوفِ الْمُسْتَقْبَلِ يَظُنُّ أَنَّ خَبَرَهُ عَنْ الْحَوَادِثِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، فَإِنَّ هَذَا جَهْلٌ، إذْ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ إخْبَارِهِ بِأَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ، إمَّا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَإِمَّا لَيْلَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ، لَا يُخْرَمُ أَبَدًا، وَبِمَنْزِلَةِ خَبَرِهِ أَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ آخِرَ النَّهَارِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَمَنْ عَرَفَ مَنْزِلَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَجَارِيهِمَا عَلِمَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِلْمًا قَلِيلَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا كَانَ الْكُسُوفُ لَهُ أَجَلٌ مُسَمًّى لَمْ يُنَافِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَجَلِهِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ سَبَبًا لِمَا يَقْضِيهِ مِنْ عَذَابِ غَيْرِهِ لِمَنْ يُعَذِّبُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يُنَزِّلُ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ تَعْذِيبَ اللَّهِ لِمَنْ عَذَّبَهُ بِالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ، كَقَوْمِ عَادٍ، كَانَتْ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، وَهُوَ آخِرُ الشِّتَاءِ، كَمَا قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَقُصَّاصُ الْأَنْبِيَاءِ. وَكَانَ «النَّبِيُّ ﷺ إذَا رَأَى مَخِيلَةً، وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يُخَالُ فِيهِ الْمَطَرُ، أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا مَخِيلَةً اسْتَبْشَرُوا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ وَمَا يُؤْمِنُنِي، قَدْ رَأَى قَوْمُ عَادٍ الْعَذَابَ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ، قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا»، قَالَ اللَّهُ: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف: ٢٤] . وَكَذَلِكَ الْأَوْقَاتُ الَّتِي يُنْزِلُ اللَّهُ فِيهِ الرَّحْمَةَ، كَالْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَجَوْفِ اللَّيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هِيَ أَوْقَاتٌ مَحْدُودَةٌ لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ، وَيُنْزِلُ فِيهَا مِنْ الرَّحْمَةِ مَا لَا يُنْزِلُ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ جَاءَ بَعْضُ طُرُقِ أَحَادِيثِ الْكُسُوفِ، مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ إذَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ» .

1 / 65