Фата́вā Кубра

Ибн Таймия d. 728 AH
100

Фата́вā Кубра

الفتاوى الكبرى

Издатель

دار الكتب العلمية

Номер издания

الأولى

Год публикации

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ: كَتَنَازُعِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ وَنُفَاتِهِ فِي اسْتِطَاعَةِ الْعَبْدِ، وَهِيَ قُدْرَتُهُ وَطَاقَتُهُ، هَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ، أَوْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْفِعْلِ؟ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَزِمَهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ عَبْدٍ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ قَدْ كُلِّفَ مَا لَا يُطِيقُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَغَيْرِهِمْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهِيَ الْمُصَحِّحَةُ لِلْفِعْلِ، لَا يَجِبُ أَنْ تُقَارِنَ الْفِعْلَ. وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا وُجُودُ الْفِعْلِ فَهِيَ مُقَارِنَةٌ لَهُ. فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾ [آل عمران: ٩٧] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِعِمْرَانِ بْنِ الْحُصَيْنِ: «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَجَّ وَالصَّلَاةَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ سَوَاءٌ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْفِعْلِ. وَالثَّانِيَةُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾ [هود: ٢٠]، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا﴾ [الكهف: ١٠٠] ﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠١]، وَهَذِهِ حَالُ مَنْ صَدَّهُ هَوَاهُ، وَرَأْيُهُ الْفَاسِدُ، عَنْ اسْتِمَاعِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَاتِّبَاعِهَا، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةُ هِيَ الْمُقَارِنَةُ لِلْفِعْلِ الْمُوجِبَةُ لَهُ. وَأَمَّا الْأُولَى: فَلَوْلَا وُجُودُهَا لَمْ يَثْبُتْ التَّكْلِيفُ، بِقَوْلِهِ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ [الأعراف: ٤٢]، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ الْمُفَرِّطُونَ وَالْمُعْتَدُونَ فِي أُصُولِ الدِّينِ إذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا سَمْعَ مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ فَهُمْ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ.

1 / 147