Фетвы и Послания шейха Абдуль Раззак Афифи - Раздел Акыда
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرزاق عفيفي - قسم العقيدة
Жанры
أولا مباحث وفتاوى العقيدة
1 / 147
١ - علم التوحيد
١ - تعريف علم التوحيد:
التوحيد لغة: جعل المتعدد واحدا، ويطلق على اعتقاد أن الشيء واحد متفرد، ويطلق شرعا على تفرد الله بالربوبية والإلهية، وكمال الأسماء والصفات.
وعلم التوحيد يبحث عما يجب لله من صفات الجلال والكمال، وما يستحيل عليه من كل ما لا يليق به، وما يجوز من الأفعال، وعما يجب للرسل والأنبياء، وما يستحيل عليهم، وما يجوز في حقهم وما يتصل بذلك من الإيمان بالكتب المنزلة، والملائكة الأطهار، ويوم البعث والجزاء، والقدر والقضاء، وفائدة تصحيح العقيدة، والسلامة في العواقب، ونيل السعادة في الدارين، واسمه: " علم التوحيد، وعلم أصول الدين ".
٢ - بيان الحكم وأقسامه:
الحكم إثبات أمر لأمر، أو نفيه عنه، مثاله: محمد رسول الله ومسيلمة ليس برسول.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام: عقلي، وشرعي، وعادي.
فالعقلي إثبات أمر لأمر، أو نفيه عنه بناء على تفكير دون توقف على شرع، ولا تجربة أو تكرار. مثاله: الله موجود، لا إله إلا الله.
والشرعي إثبات أمر لأمر، أو نفيه عنه بناء على وحي من الله مثل الصلوات الخمس فريضة على المكلفين، ولا يجوز شرب الخمر.
والعادي إثبات أمر لأمر، أو نفيه عنه بناء على تجربة أو تكرار مثل: الأمطار تكثر بالشواطئ.
1 / 149
وينقسم الحكم الشرعي إلى تكليفي: كوجوب الزكاة، وتحريم القمار، واستنان ركعتي الفجر، وكراهية الأكل باليسار، وإباحة الطيبات من الطعام، والشراب، واللباس ونحوها.
ووضعي: كسببية دخول الوقت لوجوب الصلاة، وشرطية الطهارة لصحتها، وكمنع الجنون من وجوبها، والحدث من صحتها، ومن ذلك: الصحة، والفساد، والرخصة، والعزيمة.
وينقسم العادي إلى أربعة أقسام:
ربط وجود بوجود، كربط الشبع بالأكل، وربط عدم بعدم: كربط عدم المطر بعدم السحاب، وربط وجود بعدم: كربط البرد بعدم اللباس والغطاء، وربط عدم بوجود: كربط عدم الصحة بوجود ميكروب المرض.
وينقسم الحكم العقلي إلى ثلاثة أقسام: الوجوب، والاستحالة، والجواز.
فالواجب: هو الثابت الذي لا يقبل الانتفاء لذاته: كثبوت العلم، والقدرة، والمحبة، والرضا، والوجه، واليدين، ونحوها من الكمالات لله، فإنها صفات ثابتة له -تعالى- لا تقبل الانتفاء.
والمستحيل: هو المنفي الذي لا يقبل الثبوت: كشريك الباري، والجمع بين النقيضين، ورفعهما، والجمع بين الضدين.
والجائز: يقال له: " الممكن " هو ما يقبل الوجود والعدم: كالمخلوقات التي نشاهدها، فإنها كانت معدومة فقبلت الوجود، ثم بعد وجودها فهي قابلة للعدم. "وقد يطلق الواجب على الأمر الثابت من حيث تعلق علم الله بثبوته، وإن كان ممكنا في ذاته". ويسمى الواجب لغيره، كوجود إنسان على كيفية معينة في عصر معين، فإن وقوعه على تلك الصفة في ذلك العصر واجب، باعتبار تعلق علم الله به كذلك، وإن كان ممكنا في ذاته.
1 / 150
وقد يطلق المستحيل على أمر معدوم يجوز أن يوجد لكنه امتنع وجوده لتعلق علم الله ببقائه على العدم، ويقال له: المستحيل لغيره.
والذي يحتاج إليه من أقسام الحكم في مباحث التوحيد، وعليه تدور مسائله، الحكم العقلي.
أما الشرعي: فيبحث عنه في علم الفقه، وأصوله، وفي الأخلاق، وآداب السلوك.
وأما العادي: فله اتصال وثيق بالكونيات، وسنن الله فيها، وما يجربه البشر عليها من التجارب، وما يستفاد منها بالتكرار.
ومعنى كون الوجوب والاستحالة والجواز حكما عقليا أنها لازمة لما حكم بها، لا تقبل التخلف عنه ولا الانفكاك، فقولنا: الله عليم وحكيم، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والضدان لا يجتمعان، قضايا لا تختلف أحكامها كما تختلف الأحكام العادية إكراما من الله لأوليائه، أو إثباتا لرسالة رسله، وكما تختلف الأحكام الشرعية الفرعية بنسخ أو استثناء، وليس المراد أنها تثبت بالعقل دون نصوص الشرع، فإن نصوص الشرع قد جاءت بأصول الدين، وكشفت للعقل عما خفي عليه، وقصر عن إدراكه من تفاصيل عقائد التوحيد، وسلكت به طريق الحق، وهدته إلى سواء السبيل.
ولولا ما جاء فيها من البيان لارتكس العقل في حمأة الضلالة، وقام للناس العذر، وسقط عنهم التكليف، وقال الله -تعالى-: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ . وقال: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ . وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى﴾ . بل جاءت الرسل بما تحار في إدراك حقيقته العقول، وتعجز عن فهم كنهه الأفكار: كسؤال الميت في
1 / 151
قبره، ونعيمه، وعذابه، وحياة أهل النار في النار، ولكنها لا تحيله، ولا تقوى على رده، ولا تجد لديها من الأدلة الصحيحة ما ينقضه، بل وصلت العقول بتيسير الله لها، وهدايته إياها إلى ما يصدق هذا، وأمثاله مما جاءت به الرسل، ووقفت بما أتاح الله لها من الوسائل، وسخرت لها من الكون، وهداها إليه من التجارب على حقائق سبق أن أنكرتها، وسخرت ممن تحدث بها، وربما رمته بالسحر، والكهانة، أو الخيال، والجنون.
وليس ذلك لشيء أكثر من أنها لم تقع تحت حسها، ولم تكن من إلفها، ومعهودها، فوجب أن تعترف بقصورها، وأن تقر بأن لإدراكها غاية لا تعدوها، وحدا تقف عنده، وتؤمن بما صح من وحي الله لرسله، وأن تسلم وجهها إلى الله، فإن اتهمت فلتتهم نفسها بالقصور والتقصير، دون أن تتهم الله ورسله، فإنها بذلك أولى، وهي به أقعد.
قال -تعالى-: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ .
فإن حجب الإنسان بعد ذلك ركوبه لرأسه، لجهالة، أو كبر، أو هوى في نفسه، حاول بالباطل ليدحض به الحق، غلب على أمره، ودارت عليه الدوائر، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .
وقال -تعالى-: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ .
1 / 152
مسائل في علم التوحيد
المسألة الأولى
إثبات أن العالم ممكن
إن ما شاهدناه في ماضينا من الكائنات، وما نشاهده منها في حاضرنا ممكن: أي جائز الوجود، والعدم؛ وذلك لأنا نراه يتحول من عدم إلى وجود، ومن وجود إلى عدم، وهذا التغير والتحول دليل إمكانه، إذ لو كان واجبا لما سبق وجوده على العدم، ولما لحقه فناء، ولو كان مستحيلا لما قبل الوجود؛ لأن المستحيل لذاته لا يوجد، وحيث إننا قد شاهدناه موجودا بعد عدم ثبت أنه ممكن.
المسألة الثانية
الممكن محتاج إلى موجد ومؤثر
وحيث ثبت أن العالم ممكن، والممكن ما استوى طرفاه -الوجود والعدم- بالنسبة إلى ذاته، فوجوده ليس من ذاته، وعدمه بعد وجوده ليس من ذاته، إذن لا بد له من سبب يرجح وجوده على العدم، إذ لو وجد بدون سبب خارج عن ذاته وحقيقته للزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح، وهو باطل، ولو أوجد الممكن نفسه للزم من ذلك أن يكون متقدما على نفسه باعتباره خالقا لها، ومتأخرا على نفسه باعتباره مخلوقا لها، وتقدم الشيء على نفسه، وتأخره عنها محال بالضرورة لما فيه من التناقض الواضح، فثبت أن الممكن لا بد له من موجد غير ذاته وحقيقته، يوجده ويدبر شئونه في كل أحواله، هذا المغاير: إما المستحيل، وإما الواجد، ولا جائز أن يكون موجده هو المستحيل؛ لأن المستحيل غير موجود فلا يؤثر، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه. فثبت أن
1 / 153
موجده هو الواجب، وهو الله -تعالى-.
وقد أرشدنا الله -تعالى- إلى ذلك في كثير من آيات القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ .
فقد أنكر -سبحانه- أن يكونوا قد خلقوا بلا خالق، وأن يكونوا قد خلقوا أنفسهم، فإذن لا بد لهم من خالق موجود مغاير لهم وهو الله تعالى.
ومن ذلك يتضح اتفاق الفطرة، والعقل السليم والسمع، على أن العالم محتاج إلى صانع، ومستند إلى موجد أوجده.
المسألة الثالثة
إثبات وجوب الوجود لله ﷾
إن لفظ الوجود، ومعناه المطلق، يشترك فيهما كل من الممكن والواجب، والحادث والقديم الأزلي. فالله يوصف بأنه موجود، والحادث يقال له -أيضا- أنه موجود، ولكن للممكن وجود يخصه، فإنه حادث سبق وجوده عدم، ويلحقه الفناء، وهو في حاجة دائمة ابتداء، ودواما، إلى من يكسبه، ويعطيه الوجود، بل يحفظه عليه. ولله - تعالى- وجود يخصه، فهو -سبحانه- واجب الوجود لم يسبق وجوده عدم، ولا يلحقه فناء، ووجوده من ذاته لم يكسبه من غيره.
وذلك لأنه تعالى الغني عن كل ما سواه، وبذلك جاء السمع، وشهد العقل. أما السمع: فمنه قوله-تعالى-: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ .
وأما العقل: فبيانه أنه تعالى: لو كان مستحيل الوجود لم يصح أن يستند
1 / 154
إليه الممكن في حدوثه بداهة؛ لأن المستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ولو كان ممكنا لافتقر في حدوثه إلى من يرجح وجوده على عدمه لما تقدم، فإن استمرت الحاجة، فاستند كل في وجوده إلى نظير له من الممكنات لزم إما الدور القبلي، وإما التسلسل في المؤثرات إلى ما لا نهاية، وكلاهما محال، وإذا انتفى عنه الإمكان والاستحالة ثبت له الوجوب ضرورة؛ لأن أقسام الحكم العقلي ثلاثة، وقد انتفى اثنان، فتعين الثالث، وهو الوجوب فالله -تعالى- واجب الوجود.
1 / 155
وقد أرشدنا الله إلى ذلك في كثير من الآيات.
منها قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ .
وهذه الآية، وإن سيقت للاستدلال على توحيد الألوهية الذي تقدم قبلها في قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ . إلا أنها تدل دلالة قاطعة على توحيد الربوبية، فإن استحقاقه -تعالى- للعبادة، واختصاصه بها فرع عن وجوده، وانفراده بالخلق، والتدبير، والتصريف، والتقدير.
ومنها قوله -تعالى-: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ .
فهذه الآيات، وإن ذكرت لتنزيه الله -تعالى- وتقديسه عما ظنه به منكرو البعث، وسيقت لإثبات قدرته على المعاد. كما يرشد إليه ما قبلها من الآيات، فهي دليل -أيضا- على وجوب وجوده -تعالى - لاستناد ما ذكر في الآيات من المخلوقات إليه. وحدوثه، ولا يعقل ذلك إلا إذا كان واجب الوجود.
فمن نظر إلى ما ترشد هذه الآيات، ونحوها من سنن الله في العالم نظرا ثاقبا، وفكر في عجائب خلقها، وحسن تنسيقها، وشدة أسرها تفكيرا عميقا،
1 / 156
وبحث في أحكامها، وبديع صنعها بحثا بريئا من الهوى، والحمية الجاهلية، وأنصف مناظره من نفسه، فلم يمنعه من فهم ما عرض عليه من الحق، والإذعان له كبر يرديه، ولا عناد يطغيه، اتضح له طريق الهدى.
واضطره ذلك أن يستيقن النتيجة، ويؤمن من أعماق قلبه، بأن للعالم ربا خلاقا فاعلا مختارا حكيما في تقديره، وتدبيره أحاط بكل شيء علما، وهو على كل شيء قدير.
ومع قيام الدليل، ووضوح السبيل، تعامى فرعون موسى عن الحق، وتجاهل ما استيقنته نفسه، وأنكر بلسانه ما شهدت به الفطرة، ودل عليه العقل من وجود واجب الوجود، فأقام موسى عليه الحجة، بدلالة الأثر على المؤثر، والصنعة على الصانع، ووجود العالم، وعظم خلقه على وجود الخالق، وعظيم قدرته، وسعة علمه، وكمال حكمته، فغلبه بحجته.
وذلك بين واضح فيما حكاه الله عنهما من الحوار، والسؤال، والجواب:
قال -تعالى-: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ .
فانظر كيف وقف موسى موقف من يصدع بالحق، ويقيم عليه البرهان؟
وكيف وقف فرعون من موسى موقف السفهاء، لا يملك إلا الشتم، والسباب، والسخرية، والاستهزاء، والتهديد بأليم العذاب؟ !!.
وقال -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ .
1 / 157
وقال -تعالى-: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ .
وإن فرعون حينما أخذته الحجة، وانتصر عليه موسى، لم يبق بيده سلاح إلا التمويه على قومه، وإنذار موسى، ومن آمن به أن يذلهم، ويذيقهم العذاب الأليم.
وأنى له ذلك! والله من ورائهم محيط؟ ! وقد كتب على نفسه أن يجعل العاقبة للمتقين.
وقال -تعالى-: ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا﴾ .
وقد ورث ذلك الزيغ، والإلحاد أناس ظهروا في عصور متعاقبة بأسماء مختلفة، واشتهروا بألقاب متنوعة.
فتارة يسمون بالدهريين: وأخرى برجال الحقيقة، ووحدة الوجود.
وأحيانا بالشيوعيين، وأخرى بالوجوديين. (اللقب الجديد) وآونة بالبهائيين.
إلى غير ذلك من العبارات التي اختلفت حروفها ومبانيها، وائتلفت مقاصدها، واتحدت معانيها، فكلها ترمي إلى غرض واحد، وتدور حول محور واحد، هو أنه ليس للعالم رب يخلق ويدبر، وليس له إله يعبد ويقصد.
وبما تقدم من دليل حاجة الممكن إلى موجد، ودليل وجوب وجوده -تعالى- يظهر لك فساد مذهبهم، وخروجه عن مقتضى النظر، وموجب العقل، وما
1 / 158
يصدق ذلك، ويؤيده من أدلة السمع.
فإن زعم زاعم منهم بعد ذلك أن وجود العالم وليد الصدفة والاتفاق.
أو أنه نشأت أطواره عن تفاعل بين عناصر المادة، فتفرقت إلى وحدات بعد اجتماع، أو اجتمعت، وائتلفت بعد تفرق، واختلاف.
وصار لتلك الوحدات، أو المركبات من الخواص ما لم يكن لها قبل هذا التفاعل، وبذلك تجددت الظواهر، وحدث ما نشاهده من تغيير، وآثار مع جريانها على سنة لا تتبدل، وناموس لا يختلف، ولا يتغير.
قيل له: من الذي أودع تلك المادة طبيعتها، وأكسبها خواصها، فإنها إن كانت لها من ذاتها، ومقتضى حقيقتها لم تقبل التغير والزوال؛ لأن ما بالذات لا يتخلف ولا يزول، وقد رأيناها تتبدل، فلا بد لها من واهب يهبها، وفاعل مختار حكيم عليم يدبرها، ويضعها في محالها، وليس ذلك من المادة وحدها، ولا خواصها، أو طبيعتها القائمة بها، فإنها ليس لها من سعة العلم، وكمال الحكمة، وشمول المشيئة، وعظيم القدرة ما ينتظم معه الكون على ما نشاهد من إحكام تبهر العقول دقته وجماله، ومن إبداع يأخذ بمجامع القلوب ما فيه من شدة الأسر، وقوة الربط بين وحداته، كمال التناسب، والتكافؤ بين أجزائه، وقيام كل من الآخر مقام الخادم من سيده، والراعي من رعيته.
ألا إن الطبيعة صماء لا تسمع، بكماء لا تنطق، عمياء لا تبصر، جاهلة لا تعلم، مسخرة لمن أودعها المادة، خاضعة لتصريفه وتقديره، سائرة على ما رسم لها من سنن لا تعدوها، ونواميس لا تخرج عنها، فأنى يكون لها خلق وإبداع أو إليها تنظيم وتدبير أو منها وحي وتشريع؟ ! إنما ذلك إلى الله وحده -تعالى الله عما يقول الملحدون-: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾ .
1 / 159
﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ .
ولا يعيب الحق بعد ذلك أن يتنكب طريقه من مسخت فطرته، واتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علم، وختم على سمعه، وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، ولا يضير الدعاة إلى الحق أن عدل عن طريقه المستقيم من انحراف مزاجه، أو غلبته شهوته، فخشي أن تحد الشريعة من نزعاته الخبيثة، وتحول دون وصوله إلى نزواته الدنيئة، أو أطغاه كبره وسلطانه، وخاف أن تذهب الشريعة بزعامته الكاذبة، وسلطانه الجائر، فوقف في سبيلها، ولج في خصامها بغيا وعدوانا. فإن الله ناصر دينه، ومؤيد رسله، وأولياءه.
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ .
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ .
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ .
1 / 160
المسألة الرابعة
في أنواع التوحيد
أنواع التوحيد ثلاثة:
١ - توحيد الربوبية
٢ - توحيد الأسماء والصفات. ويقال له أيضا: توحيد الخبر، وتوحيد المعرفة والإثبات.
٣ - توحيد العبادة ويسمى -أيضا-: توحيد الإلهية، وتوحيد الإرادة والقصد، وتوحيد الطلب.
توحيد الربوبية
أما توحيد الربوبية: فهو توحيد الله -تعالى- بأفعاله. والإقرار بأنه خالق كل شيء ومليكه، وإليه يرجع الأمر كله في التصريف والتدبير.
فهو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو الذي يرسل الرسل، ويشرع الشرائع، ليحق الحق بكلماته، ويقيم العدل بين عباده شرعا وقدرا إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد، ولا تحط به العبارة. وهذا النوع من التوحيد قد أقرت به الفطرة، وقام عليه دليل السمع والعقل، ولم يعرف عن طائفة بعينها القول بوجود خالقين متكافئين في الصفات والأفعال.
ومن نقل عنهم من طوائف المشركين نسبة شيء من الآثار والحوادث لغير الله، كقوم هود، حيث قالوا فيما حكاه الله عنهم:
﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ . فإن ما نسبوه إلى آلهتهم إنما كان
1 / 161
لزعمهم أنها وثيقة الصلة بالله، وأنها شفيعة لمن عبدها، وتقرب إليها بالقرابين عند الله، في جلب النفع له، ودفع الضرر عنه.
ومن أجل هذه الشائبة من الشرك في الربوبية نبه الله على بطلانه، وأنكر على من زعمه، فقال -تعالى-: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ .
فبين -سبحانه- أنه لو كان معه إله يشركه في استحقاقه العبادة لكان له خلق، وملك، وقهر، وتدبير. إذ لا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، ليرجى خيره ونفعه، فيطاع أمره، وينفذ قصده، ويخشى بأسه وبطشه. فلا يعتدى على حدوده، ولا ينتهك حماه، ولو كان له خلق، وتدبير، وملك، وتقدير لعلا على شريكه، وقهره إن قوي على ذلك؛ ليكون له الأمر وحده، ولذهب بخلقه، وتفرد بملكه دون شريكه إن لم يكن لديه القوة والجبروت ما يفرض به سلطانه على الجميع. فإن من صفات الرب -تعالى- كمال العلو، والكبرياء، والقهر، والجبروت، وفي معنى هذه الآية قوله -تعالى-: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾ .
إذا كان المعنى المراد لاتخذوا سبيلا إلى مغالبته، وقيل: المعنى لاتخذوا سبيلا إلى عبادته، وتأليهه، والقيام بواجب حقه وابتغوا إلى رضاه سبيلا، كما قال -تعالى-: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ .
1 / 162
وقد استخلص بعض العلماء من ذلك دليلا سموه: دليل التمانع، استدلوا به على توحيد الربوبية. قالوا: لو أمكن أن يكون هناك ربان يخلقان ويدبران أمر العالم لأمكن أن يختلفا بأن يريد أحدهما وجود شيء، ويريد الآخر عدمه، أو يريد أحدهما حركة شيء، ويريد الآخر سكونه، وعند ذلك إما أن يحصل مراد كل منهما، وهو محال؛ لما يلزمه من اجتماع النقيضين، وإما أن يحصل مراد واحد منهما دون الآخر فيكون الذي نفذ مراده دون الآخر لعجزه، والعاجز لا يصلح أن يكون ربا.
1 / 163
توحيد الأسماء والصفات
وأما توحيد الأسماء والصفات: فهو أن يسمى الله ويوصف، بما سمى ووصف به نفسه، أو سماه، ووصفه به رسوله ﷺ من غير تحريف، ولا تأويل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
ومن تبصر في العالم، وعرف شئونه وأحواله تبين له كمال تعلقه خلقا وأمرا بأسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وارتباطه بها أتم ارتباط، وظهر له أن الوجود كله آيات بينات، وشواهد واضحات على أسماء الله، وصفاته.
وقد ذكر (ابن القيم) في: "مدارج السالكين" طريقين لإثبات الصفات:
الإحسان، والنفع، ووصول المنافع العظيمة إلى المخلوق يدل على رحمة خالقه، وإحسانه، ووجوده، وما فيه من آثار الكمال يدل على أن خالفه أكمل منه، فمعطي الكمال أحق بالكمال.
وخالق الأسماع، والأبصار، والنطق أحق أن يكون سميعا بصيرا متكلما.
وخالق الحياة، والعلوم، والقدر، والإرادات أحق بأن يكون هو كذلك في نفسه، فما في المخلوقات من أنواع التخصيصات هو من أدل شيء على إرادة الرب -سبحانه- ومشيئته، وحكمته التي اقتضت التخصيص، وحصول الإجابة عقيب سؤال الطالب على الوجه المطلوب دليل على علم الرب تعالى بالجزئيات، وعلى سمعه لسؤال عبيده، وعلى قدرته على قضاء حوائجهم، وعلى رأفته ورحمته بهم، والإحسان إلى المطيعين، والتقرب إليهم، والإكرام لهم، وإعلاء درجاتهم يدل على محبته ورضاه. وعقوبته للعصاة، والظلمة، وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهودة تدل على صفة الغضب. والسخط، والإبعاد والطرد، والإقصاء يدل على المقت، والبغض.
1 / 164
فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل، ولهذا دعا -سبحانه- عباده إلى الاستدال بذلك على صفاته، فهو يثبت العلم بربوبيته، ووحدانيته، وصفات كماله بآثار صنعته المشهودة، والقرآن مملوء، فيظهر شاهد اسم الخالق من المخلوق نفسه، وشاهد اسم الرازق من وجود الرزق، والمرزوق، وشاهد اسم الرحيم من شهود الرحمة المبثوثة في العالم، واسم المعطي من وجود العطاء الذي هو مدرار لا ينقطع لحظة، واسم الحليم من حلمه على الجناة، والعصاة، وعدم معاجلتهم بالجزاء، واسم الغفور، والتواب من مغفرة الذنوب، وقبول التوبة، ويظهر اسم الحكيم من العلم بما في خلقه، وأمره من الحكم، والمصالح، ووجود المنافع.
وهكذا كل اسم من أسمائه الحسنى له شاهد في خلقه وأمره. يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله. فالخلق، والأمر من أعظم شواهد أسمائه وصفاته. وكل سليم العقل، والفطرة يعرف قدرة الصانع، وحذقه على غيره، وتفرده بكمال لم يشاركه فيه غيره من مشاهدة صنعته فكيف لا تعرف صفات من هذا العالم العلوي والسفلي، وهذه المخلوقات من بعض صنعه، وإذا اعتبرت المخلوقات، والمأمورات وجدتها بأسرها كلها دالة على النعوت، والصفات، وحقائق الأسماء الحسنى، وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى، ومكابرة، ويكفي ظهور شاهد الصنع فيك خاصة، كما قال -تعالى-: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ .
فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب ﷻ ونعوته، وأسمائه، هي كلها تشير إلى الأسماء الحسنى، وحقائقها، وتنادي بها وتدل عليها، وتخبر بها بلسان النطق والحال كما قيل:
1 / 165
تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملك الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملتها ... ألا كل شيء ما خلا الله باطل
تشير بإثبات الصفات لربها ... فصامتها يهدي ومن هو قائل
فلست ترى شيئا أدل على شيء من دلالة المخلوقات على صفات خالقها ونعوت كماله، وحقائق أسمائه، وقد تنوعت أدلتها بحسب تنوعها فهي تدل عقلا، وحسا، وفطرة، واعتبارا. ا. هـ.
1 / 166
توحيد الإلهية
وأما توحيد الإلهية: فهو إفراد الله بالعبادة: قولا، وقصدا، وفعلا، فلا ينذر إلا له، ولا تقرب القرابين إلا إليه، ولا يدعى في السراء والضراء إلا إياه، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، إلى غير ذلك من أنواع العبادة.
وهذا النوع هو الذي من أجله بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وبدأ به كل رسول دعوته، ووقعت فيه الخصومة بينه وبين أمته.
وهو الذي من أجله شرع الجهاد، وقامت الحرب على ساقها بين الموحدين والمشركين.
والطريق الفطري لإثبات توحيد الإلهية الاستدلال عليه بتوحيد الربوبية. فإن قلب الإنسان يتعلق أولا بمصدر خلقه، ومنشأ نفعه وضره، ثم ينتقل بعد ذلك إلى الوسائل التي تقربه إليه، وترضيه عنه، وتوثق الصلات بينه وبينه، فتوحيد الربوبية باب لتوحيد الإلهية.
من أجل ذلك احتج على المشركين، وأرشدهم رسوله إلى هذه الطريقة، وأمره أن يدعو به قومه، قال -تعالى-:
﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ .
فقد استدل بتفرده بالربوبية، وكمال التصرف، وحمايته ما يريد أن يحميه على استحقاقه وحده للعبادة، ووجوب إفراده بالإلهية قال -تعالى-:
1 / 167