Фетвы о алкоголе и наркотиках

Ибн Таймия d. 728 AH

Фетвы о алкоголе и наркотиках

فتاوى الخمر والمخدرات

Исследователь

أبو المجد أحمد حرك

Издатель

دار البشير والكوثر للطباعة والنشر

فتاوى

الخمر والمخدرات

لشيخ الإسلام

أحمد بن تيمية

(٦٦١ - ٧٢٨ هـ)

إعداد وتعليق

أبو المجد أحمد حرك

الكوثر للطباعة والنشر

توزيع دار البشير

ص.ب: 169 المعادي

1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

2

فتاوى

الخمر والمخدرات

3

الطبعة الأولى

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

الكوثر للطباعة والنشر

٥١ شارع العروبة المتفرع من شارع خاتم المرسلين
[ خفرع سابقاً] - العمرانية الغربية

4

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

بسم الله الرحمن الرحيم

(( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون . إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون )) ..

[ صدق الله العظيم ]

الآيتان : ٩٠ و ٩١ من سورة المائدة

5

-

6

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، لا أحصى ثناءاً عليه ، هو سبحانه كما أثنى على نفسه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الأسماء الحسنى ، سبحانه وتعالى عما يشركون ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ، الصادق الأمين ، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، وعلى آله وصحبه والتابعين أجمعين .. وبعد :

لقد خاضت الصين في تاريخها القريب المعروف حرباً لا أخلاقية مهينة شنتها عليها حكومة جلالة الملكة فيكتوريا صاحبة الإمبراطورية البريطانية العظمى ، فيما عرف واشتهر ( بحرب الأفيون ) .

وانتهت هذه الحرب الغريبة باستسلام الحكومة الصينية ، وبفرض تجارة وتعاطي الأفيون عنوة على شعب الصين المقهور ، الذي كان يفوق تعداده تعداد الإنجليز بأكثر من خمس عشرة مرة على الأقل ، وكان لابد لإحكام السيطرة عليه من سلب إرادته ، وتغييب وعيه ، وإلهائه ، وإغراقه بسموم المخدرات حتى الإدمان .

وبنفس المنطق شجع الإنجليز انتشار الأفيون والحشيش في مصر وفلسطين ، ومستعمراتهم الهندية في الشرق ، وحولت فرنسا الاستعمارية الجزائر المسلمة - التي كان فائض إنتاجها من القمح يكفي لإعالة مجموع الدول الأوروبية - إلى مزرعة كبرى للكروم ، تعتمد عليها مصانعها ومصانع أوروبا في إنتاج أشهر أنواع الخمور التي غزت بها العالم تصديراً وتسميماً ، وكان أول ضحاياها شعب الجزائر المسلم ، الذي لا يزال يعاني من آثار ذلك حتى الآن .

7

هكذا وظف المستعمرون سموم الخمر والمخدرات في استعباد الشعوب ، ولم يزل هذا السلاح الفتاك مشرعًا في وجه شعوبنا المخدرة سلفًا بالجهل، والموبوءة بدائها العضال: داء البعد عن دينها الحنيف وشريعتها الغراء.

وفي ظل هذا الوضع لا تجدي شيئًا حملات الضبط، وتشديد العقوبة، وإحكام المراقبة، مادام الوازع الديني الصاد عن هذه السموم متجاهلًا مستبعدًا، فواقع الحال أن ضخامة كميات المخدرات المضبوطة، وتنوعها الواسع، واستعمال شتى الوسائل المبتكرة والحيل في التهريب - حتى استعمال طائرات الهليكوبتر - كل ذلك إنما يدل دلالة قطعية على انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بشكل واسع، أكثر بكثير مما يبدو من النظرة السطحية الأولى، فلو لم يكن (الزبون) متوفرًا بالقدر الكافي لما استمات تجار ومهربي المخدرات في ترويج هذه السموم الفتاكة سعيًا وراء الثروة الحرام، من جيوب الضحايا وصحتهم، وعلى حساب الأخلاق والأمن في المجتمع بأسره.

ولقد ساعد تنوع المخدرات على رواجها، وعلى صعوبة مراقبتها من طرف السلطات في بلادنا المسلمة، فانتشرت في أوساط الشباب أنواع عديدة من الحقن والأقراص والبودرة، وتعددت الأسماء من حشيش وأفيون إلى هيروين إلى مورفين إلى كوكايين إلى ماراجوانا إلى قات، إلى أسماء أخرى تشترك جميعها في تأثيرها المتلف على العقول والأجساد والأخلاق، ومساهمتها في إشاعة أنماط السلوك الإجرامي واللاأخلاقي في المجتمع.

لقد أثبتت الإحصاءات أن نسبة لا يستهان بها من جرائم الاعتداء على الغير، وعلى ممتلكات الآخرين، وأعراضهم، إنما تتم بسبب مباشر أو غير مباشر من تعاطي أنواع من الخمور والمخدرات. خاصة وأن إدمان الأنواع الحديثة منها باهظ التكلفة، ولا يكفي لإشباعه الدخل الشريف المحدود، مما يعتبر مزلقًا للسلوك الإجرامي والعنف، لاسيما بين الشباب والطلبة والفئات الدنيا من المجتمع.

8

وقد يلجأ بعض الشباب إلى البحث عن بدائل أخرى للمخدرات من المواد الشائعة الاستعمال في المجتمع، كالأدوية المحتوية على نسبة من الكحول: مثل الكينا، وأدوية المهدئات العصبية، والأدوية المضادة للاكتئاب والقلق، أو المنشطة للجهاز العصبي، حتى لجأ المدمنون إلى تزوير وصفات طبية (روشتات) لصرف الأدوية المخدرة من الصيدليات لهذا الاستعمال الآثم، كما أن البعض منهم قد يدمن استعمال مواد يصعب منعها لأهميتها في العمران، كأن يتعمد شم مادة (الغراء) بعمق، فيتخدر جزئياً، ويمكن أن يصل إلى إدمان ذلك، ومنهم من يدمن شم (البنزين)، فهو أيضاً حين يتم شمه بعمق يخدر، ومنهم من يتعاطى أنواعاً من (الكولونيا) بديلاً عن الخمر والكحوليات السائلة المخدرة، بل لقد تناهت الأخبار عن إدمان بعض الطلبة في البحرين شم الأقلام الكحولية المعروفة بأقلام (الفلوماستر)، وقد أدى شم هذه الأقلام واستنشاقها بعمق إلى تخدير جزئي لمن يفعل ذلك، وقد يتطور الأمر إلى الإدمان أيضاً.

وهكذا تؤكد الأيام أن القوانين، والعقوبات الرادعة، والمطاردات، والمراقبات، لا تصلح بديلاً عن الزاجر الداخلي في الإنسان، المتمثل في الوازع الديني لدى المسلم، وهو الوازع الذي رأيناه يريق الخمر في شوارع المدينة المنورة أنهاراً بمجرد أن تناهى إلى أسماع المسلمين نبأ تحريم الخمر، والأمر باجتنابها: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (١).

إن شعبنا المسلم أصيل في تدينه، جدير بكل خير نرجوه له، وننتظره منه، لو احتكمنا معه إلى تعاليم دينه، وبذل العلماء والمسؤولون عن وسائل الإعلام جهداً أميناً لتوعيته، وإقناعه بحرمة كل أنواع المخدرات المستحدثة، طالما تحققت وتأكدت مضارها، وتسببت في غياب العقل أو فتور الجسم ،

(١) الآيتان: ٩٠، ٩١ من سورة المائدة.

9

مع تبديد الصحة بالتدريج، وانفاق المال على صفة السرف المحرم بالنص الصريح.

إنني لأحسب أن التنبه إلى هذه الحقيقة كان أصلاً للتجربة الناجحة التي قامت بها الجمعية المركزية لمنع الخمور بمصر سنة ١٩٦٨م حين ضمت أحد علماء الدين إلى (فريق العلاج من الإدمان) في عيادتها بالقاهرة. وقد اتضح بالتجربة أن التعاليم الدينية كان لها كبير الأثر في علاج المدمنين، وامتد أثرها إلى زوارهم من الأهل والأصدقاء، فكان بذلك مظهراً هاماً لأسلوب ناجح فعال في محاربة تعاطي الخمر والمخدرات.

لقد اختير مسجد الإمام أبي العزائم في القاهرة بعد ذلك لتطوير التجربة، وتم بنجاح كبير مساعدة المدمنين على التماس العلاج النهائي مما هم فيه، وذلك بالاحتكاك القريب بهم، وبدعوتهم في صبر وإخلاص إلى التوبة وإلى طاعة الله، مع توضيح تعاليم الإسلام حول المسائل الأساسية المتعلقة بالخمر والمخدرات. فالوازع الديني لم تزل له اليد الطولى في إيقاظ الغافلين وإثارة حماس التائبين عن تبصرة وروية، طالما كانت الجائزة رضوان الله تعالى، بديلاً عن سخطه وغضبه والعياذ بالله.

إن الاعتقاد الراسخ في صحة هذا المسلك هو ما دفعني الآن إلى تقديم فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية في الخمر والمخدرات ميسرة مرتبة، لينقطع بها جدل المعاندين في حرمة الخمر أو المخدرات، مع توضيح أحكام التعامل مع شارب الخمر ومتعاطي الحشيش والمخدرات عموماً، وما ورد في ذلك من النصوص الكثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة واجتهادات العلماء.

وشيخ الإسلام، وحجته الدامغة، الإمام أحمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم ابن تيمية (٦٦١ - ٧٢٨ هـ) (١٢٦٣ - ١٣٢٨ م) في غنى عن التعريف والتقديم، فقد كتبت في مناقبه المؤلفات، وتهادت بأنوار علمه الزاخر وتقواه الأخبار، ومجمع القول فيه ما ذكره المرحوم الأستاذ محمد رشيد رضا عنه وعن فتاويه حين قال:

10

((ويعلم من كل فتوى منها أنه رحمه الله تعالى قد جمع من العلوم النقلية، والعقلية، والشرعية، والتاريخية، والفلسفية، ومن الإحاطة بمذاهب الملل والنحل، وآراء المذاهب، ومقالات الفرق: حفظًا وفهمًا ما لا نعلم مثله عن أحد من علماء الأرض، قبله ولا بعده، وأغرب من حفظه استحضاره إياها عند التكلم والإملاء أو الكتابة، وأعظم من ذلك ما أتاه الله من قوة الحكم في إبطال الباطل وإحقاق الحق في كل منهما بالبراهين النقلية، والعقلية، ونصر مذهب السلف في فهم الكتاب والسنة على كل ما خالفه من مذاهب المتكلمين والفلاسفة وغيرهم ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (٢). ))(٣). وحين قال أيضًا: ((رحم الله (شيخ الإسلام) وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فوالله إنه ما وصل إلينا من علم أحد منهم ما وصل إلينا من علمه: في بيان حقيقة هذا الدين، وحقيقة عقائده، وموافقة العقل السليم وعلومه للنقل الصحيح: من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل لا نعرف أحدًا منهم أوتي مثل ما أوتي من الجمع بين علوم النقل، وعلوم العقل بأنواعها، مع الاستدلال والتحقيق، دون محاكاة وتقليد)) (٤).

لقد ولد شيخ الإسلام ابن تيمية في العاشر من ربيع الأول سنة ٦٦١ هـ في أسرة عريقة مباركة، توارث فيها العلم الأحفاد عن الآباء عن الأجداد، وكان أبوه عالمًا تقيًا تعهد ابنه بالتعليم والرعاية، ثم فر به إلى دمشق عام ٦٦٧ هـ إثر قدوم التتار إلى الشام، وفي دمشق لمع نجم أحمد بن تيمية حتى صار من الأئمة الأعلام، وتسببت صراحته ومواقفه في خصومات ومسائلات ومحن، استدعي فيها إلى مصر حيث جرب الحبس والإطلاق، حتى سافر إلى دمشق سنة ٧١٢ هـ، حيث اعتقل أيضًا سنة ٧٢٠ هـ، وأطلق، ثم أعيد، ومات معتقلًا في قلعة دمشق، فخرجت دمشق

(٢) الآية ٢١ من سورة الحديد.

(٣) من تقديم الأستاذ يوسف ياسين، المجلد الأول من مجموع فتاوى شيخ الإسلام - مكتبة المعارف بالرباط - صفحة د.

(٤) نفس المصدر السابق، نفس الصفحة.

11

كلها في جنازته. وأثنى عليه بعد موته العلماء والفقهاء، وأصبح تراثه زخراً لمن بعده، وقد جاء في الدرر الكامنة (٥) أن تصانيف أحمد بن تيمية ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة، وفي فوات الوفيات (٦) أنها تبلغ ثلاث مئة مجلد.

أما الفتاوى التي أشرع الآن بعون الله في إعدادها للنشر فقد اعتمدت في استخراجها على (مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية) التي جمعها المرحوم عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، وتم طبعها بمكتبة المعارف بالرباط في المغرب في سبع وثلاثين مجلداً على نفقة المغفور له خالد بن عبد العزيز آل سعود ملك السعودية السابق.

وقد تناثرت فتاوى وأحكام الخمر والمخدرات على صفحات متعددة في عدد واحد وعشرين مجلداً من السبع والثلاثين، وهذه المجلدات هي: المجلد السابع (الإيمان) ، المجلد الثامن (القدر) ، المجلد التاسع (المنطق) ، المجلد العاشر (علم السلوك) ، المجلد الحادي عشر (التصوف) ، المجلد الرابع عشر (التفسير، جزء ١) ، المجلد الخامس عشر (التفسير، جزء ٢) ، المجلد السابع عشر (التفسير، جزء ٤) ، المجلد التاسع عشر (أصول الفقه، جزء ١) ،المجلد العشرون (أصول الفقه، جزء ٢) ، المجلد الحادي والعشرون (الفقه، جزء ١) ، المجلد الثاني والعشرون (الفقه، جزء ٢) ، المجلد الثالث والعشرون (الفقه، جزء ٣) ، المجلد الرابع والعشرون (الفقه، جزء ٤) ، المجلد الثامن والعشرون (الفقه، جزء ٨) ، المجلد التاسع والعشرون (الفقه، جزء ٩) ، المجلد الثلاثون (الصلح إلى الوقف) ، المجلد الثاني والثلاثون (النكاح) ، المجلد الثالث والثلاثون (الطلاق) ، المجلد الرابع والثلاثون

(٥) الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لابن حجر العسقلاني. انظر (الأعلام) لخير الدين الزركلي، الجزء الأول. صفحة ١٤٤، دار العلم للملايين - بيروت - ١٩٨٠ م.

(٦) فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي، طبع بمصر ١٢٩٩ هـ. انظر (الأعلام) نفس الصفحة السابقة.

12

(الظهار إلى قتال أهل البغي)، والمجلد الخامس والثلاثون (قتال أهل البغي إلى نهاية الإقرار).

وقمت بحمد الله وتوفيقه باستخراجها، وتنسيقها، وترتيب موضوعاتها، وتخريج الأحاديث العديدة بها، من الصحيحين وكتب أئمة الحديث، والآيات البينات من الكتاب الكريم. وقدمت تراجم مختصرة لجمهور الأعلام الوارد ذكرهم في كل ذلك.

وحرصت على أن أجمع هنا كل ما يتعلق بالخمر والمخدرات مما ذكره شيخ الإسلام حتى ولو لم يكن متحدثًا عن ذلك أصلاً، فقد يعرج أثناء حديثه في أحد الموضوعات على الخمر والمخدرات، تشبيهًا أو تمثيلاً، أو قياسًا، فأثبت ذلك طالما وجدت في إثباته وجمعه إفادة.

وقسمت المادة كلها إلى قسمين: القسم الأول جعلته بعنوان: أحاديث متفرقة فيما يتعلق بالخمر والمخدرات لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمعت فيه ما ذكره شيخ الإسلام في غير ما موضع مما يتصل بأحكام الخمر والمخدرات، وجعلت ذلك مقدمة للقسم الثاني الذي تضمن فتاويه على المسائل التي عرضت عليه في الخمر والمخدرات، أو في غير ذلك، طالما تعرض شيخ الإسلام في إجاباته عليها إلى حكم من أحكام الخمر والمخدرات، بشيء مما يدخل في صلب الفائدة المرجوة من هذا المجموع المختار، الذي أدعو الله أن ينفع به، وأن يجعله في صحائف أعمالنا الطيبة يوم العرض عليه، والله ولي التوفيق.

أبو المجد أحمد حرك.

13

-

14

القسم الأول

أحاديث متفرقة

فيما يتعلق بالخمر والمخدرات

لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله

15

-

16

اولا :

قطوف فى تحريم الخمر والمخدرات

● قال رحمه الله في حد الشرب (٣٣٦ - ٣٤١ / ٢٨):

وأما حد الشرب: فإنه ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين، فقد روى أهل السنن، عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب الرابعة فاقتلوه)(١)، وثبت عنه أنه جلد الشارب غير مرة، هو وخلفاؤه والمسلمون بعده.

والقتل عند أكثر العلماء منسوخ. قيل: هو محكم. يقال: هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين. وضرب أبو بكر(٢) رضي الله عنه أربعين، وضرب عمر(٣) في خلافته ثمانين. وكان علي(٤) رضي الله عنه، يضرب مرة أربعين، ومرة

(١) رواه الترمذي والنسائي والحاكم، ومعناه عند أبي داود وابن حبان.

(٢) هو أبو بكر الصديق: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر. أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن من الرجال. ولد بمكة وتوفي بالمدينة، له في كتب الحديث ١٤٢ حديثا، عاش ٦٤ عاما (٥١ ق هـ - ١٣ هـ).

(٣) هو أبو حفص أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي (٤٠ ق هـ - ٢٣ هـ) ثاني الخلفاء الراشدين، تم في عهده فتح الشام والعراق والقدس ومصر وسائر الجزيرة، اشتهر بالعدل والحزم والاجتهاد، له في كتب الحديث ٥٣٧ حديثا.

(٣) هو أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وربيبه، وزوج ابنته فاطمة الزهراء، اشتهر بالشجاعة والفطنة والورع، رابع الخلفاء الراشدين، نازعه معاوية على الخلافة فكانت الفتنة الكبرى، قتله أحد الخوارج عام (٤٠ هـ).

17

ثمانين. فمن العلماء من يقول: يجب ضرب الثمانين. ومنهم من يقول: الواجب أربعون، والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة، إذا أدمن الناس الخمر، أو كان الشارب ممن لا يرتدع بدونها، ونحو ذلك.

فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب فتُكفى الأربعون. وهذا أوجه القولين، وهو قول الشافعي (٥) وأحمد (٦)، رحمهما الله، في إحدى الروايتين عن أحمد.

وقد كان عمر رضي الله عنه - لما كثر الشرب - زاد فيه النفي وحلق الرأس مبالغة في الزجر عنه، فلو غُرِّب الشارب مع الأربعين لينقطع خبره، أو عُزِل عن ولايته كان حسناً، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه عن بعض نوابه أنه تمثل بأبيات في الخمر فعزله.

والخمر التي حرمها الله ورسوله، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد شاربها، كل شراب مسكر من أي أصل كان، سواء كان من الثمار كالعنب، والرطب، أو التين، أو الحبوب، كالحنطة والشعير، أو الطلول كالعسل، أو الحيوان، كلبن الخيل. بل لما أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر، لم يكن عندهم بالمدينة من خمر العنب شيء، لأنه لم يكن بالمدينة شجر عنب، وإنما كانت تجلب من الشام، وكان عامة شرابهم من نبيذ التمر، وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه رضي الله عنهم أنه حرم كل مسكر، وبين أنه خمر.

(٥) هو أبو عبد الله: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، مؤسس المذهب الشافعي، أحد الأئمة الأربعة، ولد في غزة (١٥٠ هـ) ونشأ في مكة، وزار بغداد مرتين قبل التوجه إلى مصر (١٩٩ هـ) حيث توفي بها (٢٠٤ هـ). اشتهر بالورع وسعة العلم وحدة الذكاء، من أشهر مؤلفاته (الأم) في الفقه.

(٦) هو الإمام المحدث: أحمد بن حنبل الفقيه صاحب الشهرة. إليه ينسب الحنابلة، فهو أحد أئمة المذاهب الأربعة. سافر في طلب العلم طويلاً، له المسند، المشتمل على ثلاثين ألف حديث، خالف المعتزلة فتعرض للامتحان والتعذيب، ولد في بغداد وتوفي في (١٦٤ - ٢٤١ هـ).

18

وكانوا يشربون النبيذ الحلو، وهو أن ينبذ في الماء تمر وزبيب، أي يطرح فيه - والنبذ الطرح - ليحلو الماء، لاسيما كثير من مياه الحجاز، فإنه فيه ملوحة، فهذا النبذ حلال بإجماع المسلمين، لأنه لا يسكر، كما يحل شرب عصير العنب قبل أن يصير مسكراً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد نهاهم أن ينبذوا هذا النبيذ في أوعية الخشب، أو الجرى. وهو ما يصنع من التراب، أو القرع، أو الظروف المزفتة (٧)، وأمرهم أن ينبذوا في الظروف التي تربط أفواهها بالأوكية (٨): لأن الشدة (٩) تدب في النبيذ دبيباً خفيفاً، ولا يشعر الإنسان، فربما شرب الإنسان ما قد دبت فيه الشدة المطربة، وهو لا يشعر، فإذا كان السقاء موكأ انشق الظرف، إذا غلا فيه النبيذ، فلا يقع الإنسان في محذور، وتلك الأوعية لا تنشق.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص بعد هذا في الانتباذ في الأوعية، وقال: ((كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا، ولا تشربوا المسكر)) (١٠). فاختلف الصحابة ومن بعدهم من العلماء. منهم من لم يبلغه النسخ أو لم يثبته، فنهى عن الانتباذ في الأوعية. ومنهم من اعتقد ثبوته وأنه ناسخ فرخص في الانتباذ في الأوعية. فسمع طائفة من الفقهاء أن بعض الصحابة كانوا يشربون النبيذ فاعتقدوا أنه المسكر، فترخصوا في شرب أنواع من الأشربة التي ليست من العنب والتمر، وخصوا في الطبوخ من نبيد التمر والزبيب إذا لم يسكر الشارب.

والصواب ما عليه جماهير المسلمين: أن كل مسكر خمر، يجلد شاربه. ولو شرب منه قطرة واحدة، لتداو أو غير تداو، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يتداوى بها، فقال: ((إنها داء وليست بدواء، وإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) (١١).

(٧) الظروف المزفتة: الأوعية المعالجة بالزفت.

(٨) الأوكية: مفردها وكاء: الخيط الذي تشد به الصرة أو الكيس وغيرهما.

(٩) الشدة: يراد بها هنا غليان النبيذ بالتخمر.

(١٠) رواه ابن ماجه، ومعناه عند كثير غيره.

(١١) رواه الشيخان وأحمد وابن حبان ومعناه عند أبي داود والترمذي.

19

والحد واجب إذا قامت البينة، أو اعترف الشارب، فإن وجدت منه رائحة الخمر، أو رؤى وهو يتقيؤها ونحو ذلك. فقد قيل: لا يقام عليه الحد، لاحتمال أنه شرب ما ليس بخمر، أو شربها جاهلاً بها، أو مكرهاً ونحو ذلك، وقيل: بل يجلد إذا عرف أن ذلك مسكر. وهذا هو المأثور من الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة: كعثمان (١٢)، وعلي، وابن مسعود (١٣) وعليه تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يصلح عليه الناس، وهو مذهب مالك (١٤) وأحمد في غالب نصوصه، وغيرهما.

والحشيشة المصنوعة من ورق العنب حرام أيضاً، يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة (١٥)، وغير ذلك من الفساد، والخمر أخبث، من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة، وكلاهما يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة.

وقد توقف بعض الفقهاء المتأخرين في حدها، ورأى أن آكلها يعزر بما دون الحد: حيث ظنها تغير العقل من غير طرب، بمنزلة البنج، ولم نجد للعلماء المتقدمين فيها كلاماً، وليس كذلك، بل آكلوها ينشون عنها (١٦)،

(١٢) هو ذو النورين: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ولد بمكة سنة ٤٧ قبل الهجرة، وصارت إليه الخلافة سنة ٢٣ هجرية، جمع القرآن، وله ١٤٦ حديثاً، وقتل بالمدينة سنة ٣٥ هجرية.

(١٣) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي. صحابي جليل من أوائل السابقين إلى الإسلام، ومن أقربهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عنه عمر: وعاء ملىء علماً، له ٨٤٨ حديثاً.

(١٤) هو الإمام أبو عبد الله: مالك بن أنس الأصبحي الحميري - إليه ينسب المذهب المالكي، ولد في المدينة (٩٣ هـ) واشتهر بعلمه وتقواه، من أشهر تصنيفاته (الموطأ)، توفي بالمدينة (١٧٩ هـ).

(١٥) الخنث: اتصاف الرجل بأوصاف النساء. والدياثة: فقدان الغيرة والخجل.

(١٦) ينشى: أي يعاود مرة بعد أخرى، وذلك غير النشوة: التي هي أول السكر.

20