275
وَبَيْنَ الزَّخْرَفَةِ أَوْ الزَّخْرَفَةِ الْمُلْهِيَةِ عَنْ الصَّلَاةِ فَهِيَ الْمَكْرُوهَةُ أَمَّا التَّجْصِيصُ فَفِيهِ تَحْسِينٌ لِلْمَسَاجِدِ وَقَدْ فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ عُثْمَانُ ﵁ فَمَنْ بَعْدَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ، وَتَحْسِينُهَا مِنْ بَابِ اخْتِيَارِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَهُوَ صِفَةُ الْقُرْبَةِ وَقَدْ رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ " فَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَلَا يُكْرَهُ مِنْهُ إلَّا مَا يُشْغِلُ خَوَاطِرَ الْمُصَلِّينَ فَلَا شَكَّ أَنْ يُكْرَهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ.
(فَصْلٌ) هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَنَنْتَقِلُ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ دَارِ الْهِجْرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَنَقُولُ فِيهَا الْمَسْجِدُ وَالْحُجْرَةُ الْمُعَظَّمَةُ أَمَّا الْمَسْجِدُ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْمَسَاجِدِ فِي التَّحْلِيَةِ وَتَعْلِيقِ الْقَنَادِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيهَا وَقُلْنَا: إنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ ﷺ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا تُشَدُّ إلَيْهَا الرِّحَالُ وَمِنْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِنْ كَانَتْ الرِّحَالُ تُشَدُّ إلَيْهِ وَمِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ عِنْدَ مَالِكٍ ﵁ بِلَا إشْكَالٍ.
وَقُلْنَا: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِأَوْلَوِيَّتِهِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ مَكَّةَ أَيْضًا لِمَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا الْمَسْجِدُ الشَّرِيفُ مِنْ مُجَاوَرَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَلِذَلِكَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلْأَدَبِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَوُجُوبِ مُعَامَلَتِهِ الْآنَ كَمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ لَمَّا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَكَانَتْ عَائِشَةُ ﵂ تَسْمَعُ الْوَتَدَ يُوتَدُ وَالْمِسْمَارَ يُضْرَبُ فِي الْبُيُوتِ الْمُطِيفَةِ بِهِ فَتَقُولُ: لَا تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ ﷺ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَعِنْدَ مَالِكٍ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَا دُونَ الْأَلْفِ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَاخْتَلَفُوا إذَا وُسِّعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ هَلْ تَثْبُتُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ لَهُ أَوْ تَخْتَصُّ بِالْقَدْرِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ ﷺ وَمِمَّنْ رَأَى الِاخْتِصَاصَ النَّوَوِيُّ ﵁ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ «مَسْجِدِي هَذَا» وَرَأَى جَمَاعَةٌ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ وَأَنَّهُ لَوْ وُسِّعَ مَهْمَا وُسِّعَ فَهُوَ مَسْجِدُهُ كَمَا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا وُسِّعَ فَإِنَّ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ فِي حَيَاتِهِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَلَمْ يَزِدْ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ شَيْئًا وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَلَمْ يُغَيِّرْ صِفَةَ بِنَائِهِ، ثُمَّ زَادَ فِيهِ عُثْمَانُ

1 / 277