وبعد هنيهة وصلتا إلى غرفة الخليفة، فبادر الحاجب إلى إلقاء التحية باحترام، فقالت أم الأمراء: «ألعل أمير المؤمنين وحده؟»
قال: «كلا يا سيدتي إنه في خلوة مع القائد جوهر.»
فأرادت أن ترجع وإذا بالمعز يناديها من الداخل: «إذا كانت لمياء معك ادخلي.»
فأجفلت لمياء عند سماع اسمها على هذا الأسلوب، وتصاعد الدم إلى وجنتيها فقالت لها أم الأمراء «ألم أقل لك أنه يسر برؤيتك، حتى أكثر من رؤيتي! وقد قال بصراحة أن لا أدخل إلا إذا كنت معي ...» وضحكت وهي تظهر المداعبة، ووسع لهما الحاجب فدخلتا.
وكان المعز جالسا على مقعد والقائد جوهر على وسادة بين يديه وعلى وجهيهما أمارات الاهتمام، فلما دخلت أم الأمراء أظهرت الاحتشام لوجود القائد فابتدرها المعز قائلا: «إن قائدنا كواحد منا فلا ينبغي الاحتشام من وجوده وأنت يا لمياء ابنتنا وهذا القائد أبوك أيضا.» وأشار إليهما بالجلوس وكان القائد قد وقف عند دخول أم الأمراء فأشار إليه الخليفة أن يجلس وقال له: «نحن في أمر هام نحب أن نشرك القادمتين به ... أنت تعلم تعقل أم الأمراء ... وهذه فتاتنا لمياء قد عرفت ذكاءها وغيرتها على مصلحتنا فلا بأس من دخولهما في الحديث ...»
فجلست لمياء وهي مطرقة حياء لهذا الإطراء، فقال لها الخليفة: «لا ينبغي التهيب يا بنية بين يدينا وقد أصبحت ذات شأن في أمورنا؛ لما تأكدناه من تعقلك وصدق محبتك لنا وقد شق علينا ما أصاب والدك ولكن ذلك أمر من الله لا سبيل إلى دفعه ... طيبي نفسا سنأخذ بثأره.»
فلما سمعت ذكر الثأر تغير وجهها وبان الاهتمام في عينيها ونظرت إلى الخليفة وابتسمت ابتسام الامتنان وقالت: «أشكر لك يا مولاي انعطافك نحوي، ولكني أرى الواجب الأول أن ننتقم لأمير المؤمنين؛ لأن ذلك الخائن أراد إيصال الأذى إليه. وقد حماه الله؟»
فابتسم وقطع حديثها قائلا: «وكان الفضل لك بذلك يا لمياء ... فهل يكثر علينا أن نثأر لوالدك - رحمه الله ؟»
فأطرقت وسكتت ثم رفعت بصرها إليه وقالت: «لكنني أرغب إلى أمير المؤمنين أن يدخلني في هذا الانتقام فإني موتورة.» قالت ذلك وقد قطبت حاجبيها وبان الغضب في عينيها.
فقال: «لم نكن لنكلفك شيئا من هذا يا لمياء، كفاك ما أصابك.»
Неизвестная страница