قال: «صدقت. إنه واسع الصدر كبير العقل ورأيت منه انعطافا خصوصيا؛ لأنه أصبح يعدني من أهله. ورأيت قائده أيضا مثله.»
فتنحنح أبو حامد وقد ترجح ظنه في تغيير عزمه وقال: «أظنك أدركت الليلة خطارة الأمر الذي نحن عازمون عليه ...»
قال: «قد أدركت ذلك من قبل ... ألم تكن أنت مدركه أيضا؟»
قال: «كيف لا وقد دان لهذا الرجل الأمراء والقواد، وأصبح صاحب الكلمة النافذة؟ إن تنفيذ ما عزمنا عليه لا يخلو من الخطر طبعا.»
فاستمسك حمدون بهذا التصريح وتوهم ضعف العزيمة في أبي حامد، فقال: «هل ترى الخطر يربو على الأمل بالنجاح؟»
قال: «أراه أضعاف أضعافه، ولكن ما العمل وقد رأيتك عازما على استرجاع مجدك حتى فضلت الموت على التسليم.» فجعل السبب في تدبير المكيدة رغبة حمدون في استرجاع ملكه فهان على حمدون الانسحاب بنظام، فقال: «لكن الرجل العاقل ينبغي أن يقدر العواقب ويعمل بالرأي السديد وما لا يستطيعه اليوم قد يستطيعه غدا.»
فتحقق أبو حامد ما توسمه في صديقه من ضعف العزيمة فعمد إلى استطلاع ما دار في تلك الجلسة وهل أقبل الخليفة أن يحضر الاحتفال بالزفاف في معسكرهم، فقال: «هل وافقك على أن تزف لمياء من معسكرنا ويكون هو حاضرا؟»
قال: «لم أطلب منه طلبا إلا وافقني عليه، وقد وافق على هذا وأكثر منه؛ ولذلك قلت لك إنه جاملنا وأحسن وفادتنا. وهذا ما غير رأيي فيه.»
فعمد أبو حامد إلى المداهنة فقال: «بارك الله فيك ... إن المصلحة مشتركة بيننا، فإذا كنت قد رأيت ما أراه أنا أيضا من الخطر في هذا العمل الآن وأحببت أن تؤجله فإني أوافقك على تأجيله - ولكل أجل كتاب.»
فانطلت حيلة أبي حامد على حمدون وصدقه فقال: «يعجبني حزمك وتعقلك فأنا أرى التأجيل أقرب إلى الحكمة ريثما نتمكن من فرصة أبرك من هذه.»
Неизвестная страница