فلما سمع حمدون ذلك الطلب أطرق هنيهة يفكر، ثم أبرقت أسرته ليس رغبة في الشرف الذي سيناله من مصاهرة أكبر قواد المعز الفاطمي ولكنه توسم من ذلك عونا على أمر قام في نفسه فقال: «إن مثلى يا مولاي لا يطمع بمثل ذلك فكيف بأكثر منه.»
فأثنى جوهر على قبوله وقال له: «لكنني زيادة في رفعة قدرها أحب أن يكون العقد عليها في منزل أم الأمراء زوج أمير المؤمنين؛ وخصوصا لأن لمياء يتيمة الأم هل ترى بأسا من ذلك؟»
فنهض وهو يظهر الامتنان وقال: «أي بأس أرى فيه؟ إنه شرف عظيم.»
قال: «إني مرسل الساعة غلامي إليك في الفسطاط، فترسل معه لمياء إلى دار أمير المؤمنين .»
قال: «سمعا وطاعة.» وخرج وقد أدهشه توفيقه إلى فرصة طالما تمناها وسار توا إلى صديقه أبي حامد فقص عليه ما دار بينه وبين جوهر وأظهر أنه يستشيره فصاح فيه: «يعرض عليك أن تكون لك يد وعينان في قصر المعز وقائده وتستشيرني؟ اقبل ...» قال ذلك وهو يحك ذقنه ليخفي ما خامره من الفرح بتلك البشارة وله في ذلك غرض يشبه غرض حمدون فقال حمدون: «لم أتردد في قبول ذلك الطلب لحظة. ولكنني توقفت أولا؛ لأن ولدنا سالما أولى بها و...»
فقطع أبو حامد كلامه قائلا: «دع سالما الآن إنه بعيد ولا ندرى متى يعود.»
فاطمأن حمدون؛ إذ ظهر له من ذلك القول أن سالما لا يزال حيا، وكان يحسبه قتل، فقال: «وأين هو سالم الآن؟»
قال: «ليس هو قريبا ... وسأخبرك بمكانه. أما الآن فلا ترفض ما عرضه عليك القائد الفاتح ...» وتنحنح.
فذهب حمدون للحال وقص الخبر على ابنته وحسن لها الذهاب، فامتنعت في بادئ الرأي؛ لأنها عالقة القلب بسالم فأكد لها أن سالما قتل أو هرب ولا أمل برجوعه. ونظرا لما يعلمه من تعلقها بأهل البيت ضرب لها على وتر الدين فقال: «إنك تكونين هناك قرب أمير المؤمنين ابن بنت الرسول.»
فرضيت وذهبت مع الرسول إلى المنصورية حتى أتت قصر المعز.
Неизвестная страница