وعدوه اللدود في ذلك الحين ابن الفرات الوزير، وكان يعقوب يخافه، على الخصوص إذا مات كافور؛ لأنه كان يحسده على منزلته عند كافور وينافسه على النفوذ. أما كافور وهو أمير مصر فكان يقرب يعقوب ويكرمه وقد جعله موضع ثقته. فلما أشارت لمياء إلى أمر سالم ورغبتها في استطلاع حقيقته رأى أن يسهل عليها ذلك وأن يطلعها على الأحوال من حيث السياسة وأحزابها فقال: «أظنك تعنين أمر ذلك الخائن.»
وعلمت أنه يعني سالما فأجفلت ولم تطق أن تسمع تلقيبه بهذا اللقب مع أنها حكمت عليه بالخيانة من تلقاء نفسها، لكن ما رسخ في قلبها من حبه لا يزال له صدى في خاطرها ريثما تتحقق الأمر فقالت: «اسمح لي يا سيدي أن أعترض على ما ذكرته عن سالم؛ فإنه يشق علي أن أسمعه وإن كان صحيحا. وزد على ذلك أني لم أتحققه بعد.»
فقال: «أما أنا فقد تحققته كما ذكرت في كتابي إلى المعز لدين الله.»
قالت: «أليس من سبيل إلى تحقيق ذلك بنفسي؟»
وكانا قد خرجا من الزقاق واقتربا من منزله وسمعا المؤذن في جامع عمرو يؤذن صلاة الظهر. فقال يعقوب: «هذا وقت الغداء فلندخل إلى منزلنا نتغدى ثم ننظر في هذا الأمر.»
دخل منزله وهي في أثره فأمر غلامه أن يهيئ المائدة في المندرة ولم يحضر معها أحد من أهل يعقوب - ذلك ما أرادته لمياء - وبعد الغداء جلسا وكل منهما يفكر في أمره ويعقوب يدبر وسيلة لإجابة طلبها. وهما في ذلك طرق الباب وأتى الخادم يقول: «الطبيب شالوم بالباب.»
فلما سمع اسمه أبرقت أسرته كأنه كان في ضيق وأفرج عنه وقال للخادم: «أدخله إلى ردهة الاستقبال ريثما آتي.»
وبعد خروج الخادم قال يعقوب للمياء: «تعبت وأنا أفكر في إجابة طلبك بحيث أريك خيانة ذلك الرجل فأتى هذا الطبيب ففتح باب الفرج.»
قالت: «من هو؟»
قال: «هو طبيب الأمير كافور يتردد عليه كثيرا، ولا سيما في هذه الأيام بسبب انحراف صحته. ولكافور ثقة في علمه وطبه وكانا صديقين قبل أن صار هذا العبد أميرا.»
Неизвестная страница