قالت: أنا مسكينة حقيرة، إنما الأنصار هم القواد والأمراء، وفيهم جوهر الصقلي الذي دوخ المغرب بسيف العبيديين ... إن ذلك الفتح سيكون على يده وأيدي الأمراء من كتامة وصنهاجة وغيرهم من البربر الذين باعوا أنفسهم في سبيل الحق، ثم اعترضت مجاري أفكارها صورة أبي حامد وسالم وما كان من كيدهما حتى قتل أبوها فانقبضت نفسها وسكتت وهي مطرقة تفكر في سالم وأنها تحب أن تطلع على حقيقة حاله وتود أن تسمع خيانته بأذنها وعلمت أنه لا يستحسن ذكره بين يدي الشريف فرأت أن تستأذن في الانصراف حتى تخلو بيعقوب وتطلب منه ذلك، فتزحزحت وأظهرت أنها تحب الذهاب فاستوقفها الشريف قائلا: «إلى أين يا ابنتي؟ إنك ستقيمين عندنا بين أهلنا على الرحب والسعة.»
فقطعت كلامه قائلة: «كان يجدر بي ذلك، وهو حظ كبير لي ولكنني - لأسباب قهرية - لا أقدر على الإقامة هنا. وأتوسل إليك بجدك سبط الرسول أن تكتم أمري عن كل إنسان حتى عن أهلك فهل تعدني بذلك؟»
قال: «نعم كوني مطمئنة. والآن أين ستذهبين؟»
قالت: «إني سائرة مع المعلم يعقوب، وسأذهب إلى الخان أو غيره كما يتفق ولا غنى عنك في كل حال، فإذا بدت لنا حاجة أسرعنا إليك. فادع لنا الآن.»
فقال: «بحراسة المولى ... ومهما يخطر لك من أمر فإنك تجدينني ملبيا مطيعا، ولا حاجة بي أن أوصيك بالتكتم؛ لأني رأيت من حزمك وتعقلك ما يضمن ذلك.»
ثم قبلت لمياء يده وخرجت، وخرج أيضا يعقوب. ولما صارا خارجا قال يعقوب: «إلى أين يا لمياء الآن؟»
قالت: «قد استأنست بك يا سيدي ولعل السبب في ذلك أنك مطلع على بعض أمري من قبل أن نتقابل» وتنهدت وسكتت.
الفصل الرابع والخمسون
يعقوب وكافور
فلحظ يعقوب أنها تعني خبرها مع سالم وكان يعقوب قد أخلص النية للمياء؛ لأنها وقعت من نفسه موقعا عظيما وأعجب بما رآه من صدق غيرتها ومروءتها وهو شريكها في غرضها السياسي؛ أي أنه يرى إبدال الدولة الإخشيدية بالفاطمية ليس حبا بالشيعة أو انتصارا للحق لكنه كان ذا مقام عند كافور وكان يتوقع انقلاب الأحوال ولا سيما بعد مرض كافور، وقد أسر إليه الطبيب أن كافورا سيموت قريبا، وهو يعلم تغير قلوب الإخشيدية واضطراب أحوالهم، فرأى أن يصادق الفاطميين فيمسك الحبل من الطرفين. ونظرا لثروته ووجاهته كان يخاف مطامع الإخشيديين وهو يرى قرب زوال دولتهم من ضعفهم. فلم ير بأسا أن يكون وسيلة لنقل هذا الوادي إلى دولة جديدة فتية فإذا جرى ذلك على يده أتته المنافع من وجوه كثيرة.
Неизвестная страница