فأعجب بتعبيرها وكبر نفسها وشدة رغبتها في فتح مصر واستهانتها بفتحها، وقال: «أرجو أن نوفق إلى ذلك يا حبيبتي ، إنها أمنية نتمناها جميعا، وخصوصا أنا؛ لأن ذلك الاجتماع سيكون أكيدا لنا لا نخاف بعده فراقا بإذن الله إذ تكون لمياء حينئذ لي وأنا لها.»
فقالت وهي تبتسم: «ألا تشعر بارتياح عند تفكيرك بذلك النصر ألا يلذ لك أن تتصور راية المعز تخفق على ضفاف النيل وقد امتد سلطانه إلى هناك؟ أما أنا فأكاد أسكر بمجرد تفكيري بدخول جيش أمير المؤمنين إلى الفسطاط وأسمع أهله يؤذنون بحي على خير العمل ويصلون على علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وسائر الأئمة الطاهرين. ولا بد أن ينصر الله أبناء فاطمة الزهراء؛ فإنها بنت الرسول وهم أصحاب الحق في الخلافة، ولا بد أن يملكوا الدنيا كلها ...» قالت ذلك وقد أشرق جبينها وأبرقت عيناها كأنها منيت بنعمة لم تكن تتوقعها.
فازداد إعجابا بمروءتها وغيرتها، وود لو تكون أم الأمراء حاضرة لتسمع ما قالته لمياء ولكنه عزم أن ينقله إليها في فرصة أخرى فقال: «إني أحسبني أخاطب ملاكا هبط من السماء وأعد قولك وحيا لا بد من إتمامه بإذن الله.»
الفصل السابع والأربعون
أم الأمراء
وهما في ذلك سمعا خفق نعال في الخارج، عرفا أنها نعال أم الأمراء.
وسمعاها تخاطب أحد الغلمان بشأن من شئون القصر، وهي إنما تريد بذلك أن تنبه الحبيبين إلى قدومها قبل دخولها عليهما حتى لا تدخل فجأة - وفي ذلك من دقة الإحساس وسلامة الذوق ما فيه.
فاستعدا لاستقبالها، ثم دخلت وهي تهش لهما وبادرت إلى الاعتذار بأن أمير المؤمنين شغلها فلم تقدر على البقاء معهما، فقال الحسين: «كم كنت أحب أن تكوني هنا لتسمعي ما قالته لمياء ... أنت تعلمين تعلقي بمولاي أمير المؤمنين وأنا صنيعته وعبده وابن عبده لكنني رأيت من تعلق لمياء أضعاف ما أعرف في أحد من الناس.»
فضحكت أم الأمراء وقالت: «تعني تعلقها بك؟»
قال: «كلا، إنما أعني تعلقها بأمير المؤمنين والاستهلاك في خدمته حتى اشترطت علي أن أول شيء نتعاهد عليه إنما هو التفاني في نصرته .»
Неизвестная страница