قال عبد الله: «وماذا تعني؟»
قال: «كان لبرويز هذا ثمانية عشر ولدا كلهم ذوو أدب وشجاعة ومروءة منهم شيرويه الذي تولى الملك بعده فوشى رجل اسمه فيروز لشيرويه على إخوته السبعة عشر فأمر بقتلهم جميعا فقتلوا صبرا في ساحة الإيوان وهو ينظر إليهم ولكن شيرويه لم يهدأ له بال بعد عمله هذا فإن أختيه بوران وآزر ميدخت وبختاه توبيخا شديدا فبكى بكاء مرا ورمى بالتاج عن رأسه ولم يزل بقية أيامه مهموما دنفا ولاقى المصائب الكبرى وفي جملتها طاعون فشا في بلاده فأباد من قدر عليه من أهل بيته وأخيرا مات هو كئيبا حزينا. فهل أشد وطأة من هذا الانتقام. وزارني ملاك النعمان بعد هذه الحوادث وهو يضحك وأمارات البشر ظاهرة على وجهه فهممت بالوقوف للقائه فشعرت بنفسي ثقيلا لا أستطيع النهوض فابتدرني هو قائلا: «لقد انتقم لي الله من برويز المجوسي فطابت نفسي وأرى وصيتي لولدي حملا ثقيلا على عاتقي فقد شعرت بضعف بني الإنسان وعلمت الإصابة في قولك وأنا في سجن خانقين». قال ذلك وتوارى عن بصري وأنا راقد لا أستطيع حراكا ثم استيقظت وصورة النعمان أمام عينى ويكاد النور ينبثق من وجهه».
فلما بلغ الناسك إلى هذا الحد من حكايته شعر كل من السامعين بانفراج الأزمة وخصوصا حماد فإنه أحس بحمل ثقيل نزل عن ظهره.
أما سلمان فكان إلى ذلك الحين صامتا لم يفه بكلمة فلما فرغ الناسك من كلامه وقف سلمان وهم بيد الناسك فقبلها وقال: «لقد أتيتنا فرجا من عند الله ولكن قلوبنا لا تشتفي إلا بعمل نعمله على قهر أولئك الكفرة الغاشمين».
فنظر الناسك إليه وتبسم تبسما قلما تعوده وقال: «تلك أعمال الله يا ولدي وسنسمع بذهاب دولة الفرس قريبا فلا يبقى ثم من تنتقمون منه».
فلم يفهموا مغزى كلامه فقال عبد الله: «هل تعني شيئا محدودا أوحى إليك مما في سابق علم الله فأنكم معشر النساك ذوو كرامة يفتح عليكم ما لا يفتح على سواكم».
قال الناسك: «أشير إلى أمر لا يحتاج إلى وحي أو كرامة بل هو ظاهر يفهمه كل عاقل. إلا ترى حال الفرس واختلال شؤونهم واضطراب أحوالهم حتى توالى على كرسي ملكم خمسة ملوك في خمس سنين وكل يعمل على الاستئثار بالسلطة وإبادة الآخرين وأضعفهم رأيا يزدجرد الذي يتولى الملك الآن وستزول دولة الفرس على يده ناهيك عن ظلمهم وجورهم. إلا يدلكم ذلك على شيخوخة دولتهم وهرمها وقرب انقضاء أجلها وللدول آجال كآجال الناس تمر في أدوار تنتهي بالموت ودولة الفرس قد بلغت شيخوختها ولا تلبث أن تنقضي وكذلك دولة الروم الحاكمة على هذه البلاد».
قال عبد الله: «ولكن لا تنقضي إلا على يد دولة أخرى تقوم مقامها فمن سيخلف هاتين الدولتين». قال: «أما سمعتم برؤيا الراهب بحيراء الذي كان يقيم في ديره هنا».
قالوا: «كلا» إلا حماد فأنه تذكر ما سمعه من الراهب الشيخ في تلك الصومعة يوم جاءها لملاقاة هند هناك. فقال: «بلى سمعت ذلك من الراهب الشيخ فقد أحكى لي مرة أن بحيراء رأى في منامه فتى جميل المنظر مولده برج الثور والزهرة مع قران المشترى وزحل وعلم منه أنه هو الذي سيهدى أبناء جلدته بني إسماعيل (وهم العرب) إلى معرفة الله وإن به يقوى أمرهم ويشتد أزرهم وتجتمع كلمتهم فيذللون أبناء عمهم بني إسحاق ويتسلطون عليهم مدة توافق ما أشار إليه دانيال في نبوءته وأنه يخرج من أولئك العرب اثنا عشرة دولة أليس ذلك ما تعنيه».
قال الناسك: «هذا ما عنيته وأزيد عليه أن الرجل المنتظر قد ظهر في جزيرة العرب ودعا الناس فيها إلى عبادة الله ونبذ الأوثان وقد فتح مكة وكسر أصنام الكعبة وانتشر سلطانه في الحجاز واليمن وسيفتح الشام والعراق وهو الذي سيخلف الفرس والروم في سلطانهما».
Неизвестная страница