187

Девушка Гассана

فتاة غسان

Жанры

وأما والدتها فقد كانت لنباهتها وحدة ذهنها لا تغفل عن خاطر يمر في ذهن ابنتها وكانت تعذرها على ذلك لأنها شعرت هي أيضا بارتكابها أمرا قبيحا بإرسال حماد في مهمة خطرة إلى هذا الحد. وقد زاد ندمها خبر وفاة الحارث بن أبي شمر وضعف نفوذ ثعلبة مع كره هند له فتحققت عند ذلك أن هندا يستحيل عليها الاقتران به وقد أصبح بعد موت والده وضيع المنزلة ولم يعد جبلة يخشى بطشه لو رد طلبه.

فأصبحت سعدى بسبب ذلك شاعرة بخطأ فظيع ارتكبته أمام ابنتها فأحرمتها شهما يحبها وتحبه وصارت هي أكثر رغبة من هند في عود حماد وصممت في باطن سرها على أنه إذا عاد ولو خائبا لتساعدنه في الحصول عليها ولو أبى والدها. على أنها لم تكن تستحسن مخاطبة هند بهذا الشأن لئلا توطد آمالها ثم ربما لا يعود حماد من الحجاز فيكون ذلك سببا في زيادة أحزانها فصبرت نفسها لترى ما يأتى به القدر ولكنها ما برحت تتنسم الأخبار لعلها تسمع شيئا جديدا.

أما جبلة فقد كان في البلقاء مشتغلا عن مثل هذه الأمور بما كان من الحرب في مؤتة فما عتم أن رجع المسلمون حتى توفي الحارث فزاد اشتغاله وعظم اهتمامه بضم قبائل العرب في الشام والبلقاء إليه لأن العرب المتنصرة هناك قبائل وبطون لكل منها راية وأمير وكانت في زمن الحارث منقسمة إلى فئتين إحداهما تابعة للحارث والأخرى لجبلة فلما توفي الحارث اشتغل جبلة بضم بعض قبائل الحارث إليه إن لم يكن كلها ولم يطمع بذلك إلا لعلمه بضعف ثعلبة عن القيام بما قام به والده قبله ولاعتقاده أن أمراء القبائل أنفسهم يكرهون ثعلبة لدناءته وشراسة أخلاقه. فوقع بسبب ذلك تنافر بين جبلة وثعلبة وأحس هذا بضعفه وخاف العاقبة لكن سوء خلقه لم يهده إلى سبيل يسترضي به عمه فأخذ يطعن فيه أمام الأمراء يريد تحقيره في أعينهم فلم يحتقروا إلا ثعلبة وبلغ ذلك جبلة فحقدها عليه وزاد سعيه حتى أخرج كل العرب الغساسنة من حوزته ولم يترك له منهم إلا شرذمة قليلة.

فازداد ثعلبة لوما وسفاهة وأخذ يطعن في جبلة وابنته وسائر أهل بيته فندم جبلة لما وقع منه في حق حماد وأسف لإنفاذه في تلك الرسالة الخطرة ولم يزدد مع الزمان إلا ندما ولكنه كتم ندمه ينتظر ما يجئ به القدر ولكنه صمم في باطن سره إن يكفر عما ارتكبه في حق حماد بأن يزوجه بابنته سواء عاد بالقرطين أو بدونهما فضلا عما في ذلك من الكناية في ثعلبة.

الفصل الخامس والخمسون

هند والقمر

وما زالت هذه حال هند حتى كاد ينقضي العام ولم تسمع عن حماد خبرا فترجح لديها أنه إما قتل أو فشل وشق عليه الرجوع خائبا فهاجر إلى مكان بعيد أو لعله فتك بنفسه فرارا من أثقال الفشل وتخلصا من عذاب الحب فتراكمت عليها الهموم. وفي ذات يوم قضت هند نهارها في مثل هذه الهواجس ووالدتها تسارقها اللحظ وتغتنم فرصة لتخاطبها وهي تتجاهل وتبتعد فلما سدل الليل نقابه دخلت إلى غرفتها وأوصدت الباب وراءها وجلست إلى النافذة المطلة على الحديقة وألقت جنبها على وسادة وجعلت رأسها على كفها وكانت الليلة مقمرة والجو صافيا والبدر عند أول بزوغه من وراء التلال وقد أرسل أشعته على الأودية والجبال. فأخذت تتأمل بما أحدثه من الأظلال الطويلة على السهول والبساتين ونظرت إلى حديقة القصر فرأت أشجارها متشامخة تناطح السحاب لكن أظلالها أطول منها كثيرا وقد وقعت تلك الأظلال على ما هنالك من أغراس الريحان وغيره من أنواع العطريات فحجبتها عن البصر ولكنها لم تحجب رائحتها فتضوع القصر منها. وقد هدأت الطبيعة وأوت الطيور إلى أوكارها وسكنت الرياح فلم تسمع إلا خرير ماء الغدير في وسط البستان ونظرت إلى ضفاف ذلك الغدير فرأت أشجار الحور مرتبة صفوفا كأنها عذارى جئن للاستقاء فهالهن سكون الطبيعة فبهتن ووقفن على ضفاف الغدير صامتات.

فما برح القمر أن اعتلى وظهر وجهه واضحا فاستقبلته هي وجعلت تتأمله فأحست بارتياح إلى منظره فتذكرت ارتياحها إلى رؤية حبيبها فاختلج قلبها فعادت إلى الانقباض فأرسلت نظرها إلى القمر لعلها تسترجع ذلك الارتياح فامتنع عليها.

ولكنها ما لبثت أن تأملت وجه القمر حتى ترقرقت الدموع في عينيها وأخذت تخاطبه قائلة: «ألعلك مشرق الآن على منازل مكة وجبالها ألعل حبيبي هناك ينظر إليك ويستقبلك بوجهه ليته يفعل ذلك فيلتقي طرفانا عندك فنجتمع على بعد الدار.

إلى الطائر النسري انظري كل ليلة

Неизвестная страница