قالت: «أما كرهها له فسببه دناءته وخساسته فقد عاشرته أعواما طوالا فلم تجد فيه شيئا من أنفة الرجال وكرم أخلاق بني غسان وطالما حدثتني بذلك عنه منذ أعوام وكثيرا ما كنا نذكر سيئاته بحضورها فلا يسعنا بعد ذلك إقناعها بنزاهته وكرم أخلاقه.»
فقال جبلة: «لا أنكر عليك ذلك يا سعدى ولكنك تعلمين ما بيننا وبين ابن عمنا الحارث من المنافسة المستترة برداء القرابة تحت ظل المجاملة ولا ريب عندي أن رفض طلبه يجرنا إلى حرب ونحن في حال تدع إلى اجتماع الكلمة لما سمعنا من أخبار الحجاز.»
فقالت: «أني موافقة لك على ما تقول ولكنني على ثقة مما قلته لك وأقوله أيضا وهو أن إصرارنا على اقترانها بثعلبة يقودنا إلى ما نندم عليه ساعة لا ينفعنا الندم فهي لا تحبه ولا ترضاه ولا يمكن أن ترضاه فهل يهون علينا أن نخسر هندا وهي ثمرة حياتنا ومرجع آمالنا أنضعها بين يدي ذلك الجبان الخسيس وهو لا يحبها.» قالت ذلك والدموع تتناثر من عينيها.
قال: «أراك واثقة بعدم حبه لها ولو كان كذلك لم يطلبها.»
قالت: «أنا متحققة ذلك مما سأقصه عليك في فرصة أخرى اما الآن فإني داعية هندا إليك لتسمع كلامها شفة لشفة والتمس منك أن ترفق بعواطفها ما استطعت لأن العنف لا يجدينا نفعا.»
قالت ذلك وخرجت والمصباح بيدها حتى أتت غرفة هند فرأت الباب موصدا وآنست في الغرفة صوتا فأصاخت بسمعها فسمعت بكاء يتخلله شهيق فعلمت أن هندا تبكى فطرقت الباب ونادتها باسمها فأبطأت قليلا ثم فتحته فأدنت سعدى المصباح من وجه هند ونظرت إليها فإذا هي ذابلة الأجفان محمرة العينين كاسفة البال فانفطر قلبها لذلك المنظر المريع فوضعت المصباح على الأرض وهمت بها وجعلت تقبلها ودموعها تتساقط حنوا وشفقة وهي تقول: «لا تبكى يا ابنتي لا تبكى ولا تحزني فلا يكون إلا ما يسرك.»
فقالت: «كفاني يا أماه تعزية ومسايرة فقد سمعت غضب والدي بأذني.»
قالت: «وما الذي أسمعك كلامه وأنت هنا.»
قالت: «مررت بالباب فسمعته ينهرك وهو مصر على قوله وما ذلك إلا لتعاستي فإذا كان لا يزال على عزمه فاستودعك الله.» قالت ذلك وعادت إلى البكاء.
فقبلتها سعدى وقالت: «لقد أخطأ ظنك يا هند فان والدك يكاد يسلم معي برفض ثعلبة وهو إنما ينتظر مخاطبتك في شأنه ليسمع الجواب من فيك فهيا بنا إليه فإنه ينتظرنا في الغرفة.» وأرادت سعدى أن تدخل على زوجها بهند وهي باكية لعله يرق لها فيجاريها على مرامها.
Неизвестная страница