بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق ١ - توطئة: يقول الميداني في مقدمة كتابه " مجمع الأمثال " عند الحديث عن المصادر التي جمع منها كتابه: " فطالعت من كتب الأئمة الأعلام ما امتد في تقصيه نفس الأيام مثل كتاب أبي عبيدة وأبي عبيد، والأصمعي وأبي زيد، وأبي عمرو وأبي فيد، ونظرت فيما جمعه المفضل بن محمد والمفضل بن سلمة، حتى لقد تصفحت أكثر من خمسين كتابًا..... وذكرت في كل مثل من اللغة والإعراب ما يفتح الغلق، ومن القصص والأسباب ما يوضح الغرض ويسيغ الشرق مما جمعه عبيد بن شرية وعطاء بن مصعب والشرقي بن القطامي وغيرهم " (١) . وإذا نحن تجاوزنا عما في هذا النص من ميل إلى السجع، ومن مستلزمات أخرى أوجبت بعض التقديم والتأخير، وحاولنا أن نعيد ترتيب هذه المصادر بحسب التاريخ الزمني وجدنا أن العناية بالأمثال نشأت في عهد مبكر، وكان من أول القائمين عليها؟ بين من ذكرهم الميداني؟ عبيد بن شرية الذي تحدثت المصادر عن صلته بمعاوية بن أبي سفيان؛ وقد ذكر له ابن النديم كتابًا في الأمثال (٢) وذكر من بين من روى عنهم علاقة بن كرشم (كريم في الفهرست) الكلابي ونسب له أيضًا كتابًا في الأمثال في نحو خمسين ورقة؛ وقد دلت نقول البكري في غير _________ (١) مجمع الأمثال ١: ٤. (٢) الفهرست: ٩٠.

1 / 1

موضع أنه ينقل عن كتاب ابن كرشم هذا (١)؛ كذلك أشار البكري إلى الشرقي بين القاطمي في موضعين أحدهما في تفسير المثل " وافق شنّ طبقة " حيث انفرد الشرقي بتفسير مناسبة هذا المثل (٢)، ولكن ليس هناك ما يدل دلالة قاطعة على أنه كان للشرقي كتاب مفرد في الأمثال، ولم يذكر له ابن النديم كتابًا بهذا الاسم، أما عطاء ابن مصعب فلم نجد أحدًا تصدى لذكره غير الميداني، وإذا لم يكن في الاسم تصحيف أو تحريف فإنه يبدو أنه كان من تلك الطبقة المبكرة من الرواة التي اهتمت برواية ما تتصل به بعض الأمثال من أخبار وأساطير، ولولا أن ابن نديم ذكر أنه رأى كتاب ابن كرشم في الأمثال لقدرنا أن هؤلاء الثلاثة هم مصدر الأخبار الأسطورية لا غير، بل ربما ذهبنا إلى الظن بأن كتاب ابن كرشم إنما يمثل تصنيفًا متأخرًا في الزمن جمعه شخص آخر أو تفرد بروايته. وبعد هؤلاء يجيء طبقة ممن استع لهم باع التأليف في هذا الموضوع وهم أبو عمرو (ولعلّ الذي يعنيه الميداني هو أبو عمرو بن العلاء) (- ١٥٤) والمفضل بن محمد الضبي (- ١٧٠) وأبو فيد وهو مؤرخ بن عمرو السدوسي (- ١٩٣) وأبو عبيدة بن المثنى (- ٢١٠) والأصمعي عبد الملك بن قريب (- ٢١٣) وأبو زيد الأنصاري (- ٢١٥)؛ وربما كان كتاب المفضل الضبيّ صورة شاملة لجهود الرواة الذين سبقوه، وذلك لأنه اهتم على وجه الخصوص بالأمثال التي تستند إلى أساطير وقصص؛ وكان كاتب أبي عبيد القاسم بن سلام (- ٢٢٤) توسيعًا لطبيعة المثل وتجديدًا في تقسيم الأمثال بحسب الموضوعات، إذا قيس بما تم قبله (٣)؛ وقد كثر التأليف في الأمثال بعد أبي عبيد وخاصة في القرن الثالث، فألف في الأمثال كلّ من ابن الأعرابي (- ٢٣١) وابن السكيت (- ٢٤٤) وابن حبيب (- ٢٤٨) _________ (١) انظر مثلًا الورقة: ١٠٨ من النسخة ص. (٢) الورقة ٧٤ من ص. (٣) لا نرى من الضرورة في هذه المقدمة الحديث عن ابن سلام وجهوده المختلفة في ميدان التأليف، فقد كتبت عنه بعض الدراسات العلمية الحديثة، وأما مصادر ترجمته فتراجع في ابن خلكان ٤: ٦٠ والحاشية، تحقيق إحسان عباس، وفي الموسوعة الإسلامية (الطبعة الجديدة) .

1 / 2

والجاحظ (- ٢٥٥) وابن قتيبة (- ٢٧٦) والمفضل بن سلمة (- ٢٩٠)؟ الذي أفرده الميداني بالذكر دون الآخرين؟ وكتابه مطبوع باسم فاخر؛ وثعلب (- ٢٩١) . ٢ - هجرة كتب الأمثال إلى الأندلس: نحن مدينون لأبي بكر ابن خير الاشبيلي بمعرفة عددٍ من كتب الأمثال المشرقية التي دخلت إلى الأندلس واشتغل بها طلاب العلم، وقد كانت هذه الكتب نوعين: نوع من الأمثال الواردة في القرآن والحديث؟ وليس من الضروري التصدي لذكرها هنا؟ ونوع في الأمثال عامة، وأهم ما وصل إلى الأندلس منها: ١ - أمثال المفضل بن محمد الضبي: وفي سند روايته نفطوية عن ثعلب عن الأحوال عن ابن الأعرابي عن الفضل (١) . ٢ - أمثال أبي زيد الأنصاري: وهو برواية أبي علي القالي عن أستاذه ابن دريد عن أبي محمد التوزي عن أبي زيد الأنصاري (٢) . ٣ - أمثال الأصمعي: وهو أيضًا برواية القالي عن ابن دريد عن أبي حاتم السجستاني عن الأصمعي (٣) . ٤ - أمثال أبي عبيدة معمر بن المثنى: وفي سنده أبو عبد الله اليزيدي عن أبي العباس ابن دينار عن سعدان بن المبارك عن أبي عبيدة؛ وقد دلنا ابن خير أن هذا الكتاب كان يسمى " المجلة في الأمثال " (٤) . ٥ - كتاب الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام (٥) . _________ (١) فهرسة ابن خير: ٣٨٤. (٢) المصدر نفسه: ٣٧١. (٣) المصدر نفسه: ٣٤٠، ٣٤١. (٤) المصدر نفسه: ٣٤١. (٥) المصدر نفسه: ٣٣٩.

1 / 3

هذا هو ما عده ابن خير، ولكن إشارات البكري في " فصل المقال " تدل على أنه طلع على كتب أخرى في الأمثال مما ألف قبل كتاب ابن سلام وبعده، إلا أنه ليس من السهل أن نقطع بأن البكري ينقل عن تلك الكتب، حين نجده يشير مثلًا إلى ابن السكيت والمفضل بن سلمة وغيرهما. ٣ - كتاب أبي عبيد ابن سلام في الأندلس: جاء في مخطوطة فيض الله (رقم: ١٥٧٨)؟ وهي التي رمزنا لها بالحرف (ف) " قال عليّ بن عبد العزيز كاتب أبي عبيد القاسم بن سلام: كتبت هذا الكتاب من نسخة أبي عبيد ﵀ بخط يده، وعارضت بها حرفًا حرفًا، ثم قرأناه على أبي محمد بن عاصم النحوي (- ٢٧٠) صاحب الفراء، فزادنا فيه أشياء ألحقتها في حواشي الكتاب؛ ثم قرأته على الزبير بن بكار (- ٢٥٦) وهو قاضي أهل مكة فكتبت أيضًا ما زادنا فيه ونسبت ذلك إليه "؛ وبعد نصف قرن وقعت هذه النسخة في يد أبي بكر ابن الأنباري (- ٣٢٧) فأضاف إليها تعليقات أخرى بخطه؛ هذه النسخة القيمة وصلت إلى الأندلس، وهناك مواضع عديدة في كتاب البكري تدل على أنه اطلع عليها وأفاد منها تعقبه لأبي عبيد ابن سلام (١)؛ وقد أشرنا إلى ذلك في عدد من المواضع في الحواشي. ويقول البكري في أول شرحه: " حدثنا أبو مروان ابن حيان قال: أخبرنا أبو عمر أحمد بن أبي الحباب، قال: أنبأنا أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي قال: أنبأنا إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي قال: أنبأنا علي بن عبد العزيز وثابت ابن أبي ثابت قالا: أنبأنا أبو عبيد القاسم ابن سلام. فلأبي عبيد القاسم بن سلام في نقل كتاب الأمثال تلميذان أهمهما علي بن عبد العزيز؛ وعن الاثنين معًا أخذ إبراهيم بن محمد بن عرفة الشهير بنفطويه _________ (١) انظر الورقة ٥ من النسخة ص حيث يقول البكري: " رأينا في الحاشية على كتاب الأمثال بخط المهلبي ... الخ ".

1 / 4

(- ٣٢٣) (١) وعن نفطويه أخذ الكتاب شيخ لغوية الأندلس أبو علي القالي (- ٣٥٦) (٢) وعن القالي أخذه تلميذه ابن أبي الحباب القرطبي (- ٤٠٠) (٣) وتلقاه عنه مؤرخ الأندلس أبو مروان ابن حيان (- ٤٦٩) . وهناك ثلاث طرق أخرى في الأندلس لرواية كتاب الأمثال، أولًا: طريق ابن القوطية عن أبي الحسن طاهر بن عبد العزيز عن علي بن عبد العزيز نفسه، والثانية: طريق ابن الافليلي عن القاسم بن سعدان عن طاهر بن عبد العزيز عن علي بن عبد العزيز، والطريق الثالثة بسند يونس بن أحمد الحراني عن ابن أبي الحباب عن القالي عن ابن درستويه عن علي بن عبد العزيز (٤)، فكل الطرق تنتهي إلى علي بن عبد العزيز، ويمكن تصويرها في الجدول الآتي: يوجد هنا مخطط في ص ١١ في الكتاب. _________ (١) انظر ترجمة نفطويه في ابن خلكان ١: ٤٧ من تحقيق إحسان عباس، وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. (٢) ابن خلكان ١: ٢٢٦ وفي الحاشية ذكر لمصادر الهامة في ترجمته. (٣) انظر ترجمته في الجذوة: ١١١ والصلة: ٢٥. (٤) انظر فهرسة ابن خير: ٣٣٩ - ٣٤٠.

1 / 5