حقا لقد قضيت، وماتت آمالي، وذهب شبابي الذي كنت أعده لعظائم الأمور بددا. ويح لك يا أبا فراس، وقاتل الله تلك الساعة المشئومة! وقاتل الله تلك العجوز الورهاء
2
التي جرتك إلى حتفك، وقضت بالفناء على صباك، وأماني صباك! ألم أعزم منذ شهر على الذهاب إلى حلب والإقامة في كنف سيف الدولة ابن عمي وزوج أختي، لأحمل عنه نصيبا من أعبائه، ولأجرد سيفي لنصرته في غزواته لعصاة العرب والروم؟ إنني لو فعلت لعشت حياتي خاليا هانئا سعيدا. ولكن أهي حقا زوج الحسين الجوهري؟ لقد سمعته يقول: إن سلمى خادم أخت زوجه، فلعل ذلك الوجه يكون وجه تلك الأخت، فإن الله أرحم بي من أن يصرعني هذا المصرع، ويقضي على أملي هذا القضاء، وهو يعلم أن تلك النظرة العابرة الغافلة لم ترسلها عيني ولها رغبة في الإثم، أو قصد إلى المنكر، وإنما هي رمية لم أشد لها وترا، ولم أصوب فيها إلى هدف.
سبحانك اللهم يا رب؛ آمنت بقضائك؛ وآمنت بقدرك؛ ولكن لنا نفوسا ضعيفة لا تحتمل هذا القضاء، ولا تستطيع الفرار من ذلك القدر. ثم رفع رأسه كما يرتفع رأس الغريق وقد غمره الماء، وهو يقول: ولكنها ليست زوج الحسين، وإنما هي أختها. إنها ابتسمت لي ابتسامة كلها نقاء وطهر. ثم وثب من الفرح صائحا: حقا إنها ليست زوج الحسين، وحقا إنها أختها، فما أعظم سروري! وما أعظم هنائي وسعادتي! الآن أستطيع أن أرغب، وأستطيع أن أرجو، وأستطيع أن أكون رجلا له في الحياة آمال. ولكن ما اسمها؟ لقد سمعت الحسين يذكره، إنه اسم حلو كصاحبته، لعله: هيفاء؟ لا، غيداء؟ إنه ينتهي بألف ممدودة، ها، لقد وجدته: نجلاء، نجلاء. إن اسمها نجلاء. ما أجمل الاسم! وما أجمل المسمى! حقا إنها نجلاء.
هكذا كان يقضي أبو الفراس ليله في خيال وتفكير، فلما طرقه النعاس دنفا
3
مكدودا في الهزيع الأخير من الليل، لم ترحمه الأحلام. فقد رأى فيما يرى النائم أنه في غابة شجراء
4
كثيرة الشوك والقتاد، أدمى المشي فيها قدميه وأجهده، رأى عن بعد شجرة سامقة، حاول الوصول إليها، فلما قرب منها رأى بها كثيرا من الأزهار، فمالت نفسه إلى اقتطاف أجمل زهراتها، فتسلق الشجرة وكانت صعبة المرتقى، ونظر في الأزهار فإذا هي وجوه رائعة الحسن، يجري فيها ماء النضارة والشباب، ولكنه لم يجد فيها وجها يشبه وجه نجلاء، فاستمر في الصعود والتسلق، فإذا وجه يشرق عليه من عذبة
5
Неизвестная страница