أما نحن فغطسنا في لحم السكاء إلى الآذان، كأننا عذارى امرئ القيس بعد حمام دارة جلجل.
11
وشاركتنا الوالدة ودقت لنا كبة، ولكن على مضض؛ لأن حزنها على السكاء كان كحزن راحيل على بنيها.
وفي أول السهرة تعالى الصريخ المؤلم في الضيعة، هذا يشمر راكضا إلى الطبيب، وذاك إلى بيت الخوري. اللحم مسموم، وفي كل بيت، إلا من وقى الله، منازع أو مريض يشرف على القبر؛ مات عبود وماتت كنته العروس وابنته وبنت ابنته. وعبود هذا ابن عم والدنا لحا.
وهرول والدي ليرى ما حل بابن عمه، ولكنه عاد فوقف، بعد أن ابتعد عن البيت، ليقول لوالدتنا في تلك الأزمة: أم مارون، اشتري لأولادك لحما من إلياس الزغير إذا جاء صوبنا ... لم تجب تلك المسكينة إلا بالركوع أمام صورة العذراء، وقرع الصدر وذرف الدموع؛ وهكذا جبر الله خاطرها بعد انكساره بذبح السكاء العزيزة.
حقا إنه لمشهد يفزع البطل، فكيف بصبي مثلي. أربع جثث ممددة تحت سقف بيت واحد، كهل وعروس وبنت مراهقة إلى جانب أمها الشابة. أربعة توابيت مصطفة كأنها نواويس المومياءات؛ منظر اقشعر له بدني، وأخافني مع أنني كنت ابن عشر لا أحفل بالموت، ولا أحسب له حسابا.
وتجمع الناس فتشاوروا بالأمر، فقال شيخ القرية: لا بد من إشعار الحكومة بالمصيبة؛ وهكذا كان.
وعصر النهار أقبل فارس آغا ومعه فرقته، فألقى خطبة قصيرة فور وصوله، وتهدد المجرم وتوعده بالعقاب الشديد. وإذا لم يستطع القبض على الجاني، قبض على ضحاياه، وحال دون دفنها قبل أن يأتي المستنطق وطبيب القضاء جرجي مارون ليشرح الجثث، فعلا صراخ لا يوصف؛ لأن الناس في ذلك الزمان لم يتعودوا أن يشقوا بطن ميت.
وقرب المساء أطل موكب مدير الناحية على الضيعة، فتجمع الناس لاستقباله، واصطفت الفرقة وعلى رأسها الآغا؛ فما واجهها المدير - الشيخ طالب حبيش - حتى صرخ فارس آغا: سلام دور.
12
Неизвестная страница