Фарах Антун: его жизнь, его литература, отрывки из его произведений
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Жанры
ترجمة باكون
هو الفيلسوف الشهير فرنسيس باكون؛ بارون دي فاردلام، وفيكونت دي سان البانس، وأحد وزراء المملكة الإنكليزية. ولد في لندن من نقولا باكون؛ المحامي المشهور، في 22 كانون الثاني من عام 1561، ولما بلغ السنة الثالثة عشرة من عمره دخل كلية كمبريدج، حيث تلقى العلم ثلاث سنوات، ثم ألحق بالسفارة الإنكليزية لدى البلاط الفرنسوي، فزار باريس وباقي المدن الفرنسوية الكبرى، وأخذ يجمع شذرات عن حالة أوروبا في ذلك الزمان. وفي عام 1579 توفي أبوه، فعاد إلى لندن، وكان المال الذي ورثه منه لا يقوم بحاجاته للنفقات الكثيرة التي كان ينفقها تأييدا لمركزه، فعمد إلى درس الحقوق، فنجح فيها نجاحا سريعا، فعين في عام 1587 مستشارا خاصا للملكة إليصابات. وكان عصر هذه الملكة في إنكلترا شبيها بعصر لويس الرابع عشر في فرنسا من حيث النهضة العلمية والأدبية، وكفى عصر إليصابات فخرا أن يكون قد نبغ فيه رجلان كباكون وشكسبير.
ولكن باكون رأى أنه لا يكسب من وظيفته لدى الملكة كسبا يسد نفقاته الطائلة، فرام احتراف المحاماة، وطلب وظيفة تمكنه من الكسب فلم يجب إلى طلبه، ولكن جاءه الكونت ديسه ووهبه أملاكا ذات دخل كاف، فرضي باكون وسكت. ولكن لماذا وهبه الكونت هذه الأملاك؟ وهل إن الملكة هي التي أوعزت إليه بأن يهبه إياها؟ الله أعلم.
وفي عام 1592، اختارته مقاطعة ميدلسه نائبا عنها في البرلمان، فكان هذا الزمن أشد الأزمان عليه؛ لأن باكون كان فيه أشد اضطرابا، فإنه كان تارة يتملق الشعب، وطورا يتملق الوزارة، وآونة يبعث بقصائد المدح إلى الملكة إليصابات تزلفا وتملقا. وفضلا عن ذلك فإنه اضطر أن يكتب يومئذ عريضة ببيان التهم التي وجهت إلى الكونت ديسه الذي أحسن إليه. وبعد ذلك اشتدت الحاجة به حتى صدر الأمر بالقبض عليه وسجنه مرتين من أجل ديون عليه. ولم يسترح من هذه المصائب حتى ارتقى جاك الأول إلى العرش. وبعضهم يزعم أن الملكة إليصابات كانت تقصد اضطهاده لتتخلص منه؛ بناء على أسباب سنذكرها فيما يلي.
ولما ملك جاك الأول قرب باكون إليه، ووهبه ما كان قد طلبه، فاحترف باكون المحاماة وكسب منها أموالا طائلة، ثم تزوج بفتاة ذات غنى واسع، وتراكمت الرتب على رأسه، فجعل في عام 1617 وزيرا للعدلية، ثم جعل في رتبة بارون وفيكونت. وسبب هذه النعم كلها نشره في أثناء ذلك كتبا في الأدب والفلسفة وجهت إليه أنظار الناس في جميع أقطار العالم، وجعلته في أعلى ذرى المجد العلمي.
ولكن هذا الفيلسوف الذي هدم أساس الفلسفة القديمة بقوة عقله، ووضع أساسا حديثا للأدب والفلسفة، كان عاجزا عن تدبير نفسه، وحفظ قواعد الأدب والفلسفة؛ فإنه لما عين وزيرا للعدلية جعل يبيع بعض الوظائف بيعا بالثمن لحاجته إلى المال الكثير بناء على إسرافه. وكان يقبض كثيرا من الأموال من أصحاب الدعاوي والقضايا ليسرع في إنجاز قضاياهم. وجاءه يوما صديقه وحاميه بكنكهام يسأله وظائف لصانعيه والمقربين إليه، فاضطر إلى إجابته مكرها، ولم يقدر على رفض طلبه. فبناء على ذلك أخذ المظلومون يصرخون ويشكون، ورفعوا شكواهم إلى مجلس العموم، فأمر المجلس بإجراء تحقيق في هذه التهم، فثبت بعضها على باكون، فصدر الأمر بمحاكمته لدى مجلس اللوردات.
أما بكنكهام والملك فإنهما خشيا عاقبة الأمر؛ لتداخلهما فيه، فأوعزا إلى باكون أن يتوارى فرارا من المحكمة، ولكن باكون رفض القرار وقال إنه يستسلم إلى عدالة المجلس، فحاكمه مجلس اللوردات في 3 أيار من عام 1621، وحكم عليه بغرامة قدرها 40 ألف جنيه، وبتجريده من كل وظائفه، وقضى عليه بأنه غير أهل لأن ينوب في البرلمان بعد تلك الحادثة، ولا أن يولى منصبا عموميا، وبألا يقيم في مدينة يقيم البلاط الملكي فيها، وبسجنه في سجن لندن، فسجن باكون، ولكن الملك لم يطل مدة سجنه، بل عفا عنه وأعاده إلى لندن. ولما ارتقى الملك شارل الأول إلى العرش أعاد إلى باكون شرفه، وأرجعه في عام 1625 إلى البرلمان، غير أن باكون لم يضع هذه السنوات التي صرفها بلا عمل؛ لأنه انصرف في أثنائها إلى مراجعه كتبه الفلسفية وإتمامها. وهذه الكتب أساس مجده، ودعامة فخره، ولولاها لما كان شيئا مذكورا. وقد توفي باكون بعد مرور سنة على عودته إلى البرلمان؛ أي في 9 نيسان من عام 1626.
ولا يسعنا بعد ما تقدم من فساد تدبير باكون وسوء تصرفه إلا أن نلقي هذا السؤال على القارئ: أي أوجب للاستغراب: إنزال فيلسوف عظيم كباكون نفسه في هذه المنزلة من أخذ الرشوة وإفساد الأحكام؟ أم قيام طبقة عالية من نفس الأمة الإنكليزية سورا كثيفا دون البلاط ومقربيه، حتى إن الملك نفسه يخافها ويداريها؛ لمعرفته بأنها تحمي شرف الدولة، وتمنع حدوث الشر فيها؟ لا ريب أن هذه الطبقة - طبقة النبلاء - هي التي حفظت إنكلترا إلى اليوم، ورفعت شأنها في أقطار الأرض، وإذا أسقطت الديمقراطية في إنكلترا هذه الطبقة العالية في هذا القرن أو الذي يليه، ولم تضع مكانها ديمقراطية حقيقية «لا سطحية» كالديمقراطيات التي في أوروبا اليوم، فإن إنكلترا تسقط يومئذ عن قمة مجدها سقوطا حقيقيا.
آراؤه الفلسفية التي أحيت الفلسفة
أما فلسفة باكون فقد تضاربت الأقوال فيها؛ ففريق الفلاسفة الماديين يعتبرونه هو وديكارت زعيمين للفلسفة الحديثة، وواضعين لأصولها، وينزلون باكون في أسمى منزلة بين فلاسفة العالم. وفريق الفلاسفة الإلهيين - ولا سيما الكاثوليك - لا يرونه شيئا مذكورا، ولا يجدون في فلسفته - كما يقولون - إلا غموضا. وقد طعن عليه زعيمهم جوزف دي ماستر الفرنسوي طعنا شديدا. أما الفلاسفة الإنكليز وعلماؤهم فلا يعرفون لهم زعيما ورئيسا غير باكون مهما قيل فيه.
Неизвестная страница