Фарах Антун: его жизнь, его литература, отрывки из его произведений
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Жанры
أما كلدن فإنه صار يضحك بعد وقوفه على حقيقة المسألة، فقال لها: أنا لا أسيء الظن بك لأنني أعرف قلبك؛ فاجلسي وقصي علي القصة من أولها، ثم إن غضبك في غير محله، فإن الغضب يكون عادة سلاح الضعفاء المغلوبين لا الأقوياء، وهو الآن ضعيف بالنسبة إلينا؛ لأنه جاء يرجو منا أن نجعله وكيل أشغالنا. فصاحت إميليا: كما كان وكيل أشغالنا، فقال كلدن: إذا فاضحكي يا عزيزتي ضحك القوي الواثق بقوته وبحقه، المنتصر على خصمه، بدل أن تغضبي غضب الخوف والاهتمام بما لا يستحق الاهتمام.
فسكن حينئذ جأش إميليا شيئا فشيئا، وجلست تقص عليه قصتها، فعلم كلدن أن الخواجة لوقا طمعون هو الرجل الذي كان سبب مصابها ومصاب أهلها، فإنه كان أولا من أصدقاء أبيها، وكان يتزلف إليه ويتقرب منه طمعا في الفائدة، وكان يتظاهر بأنه يريد الاقتران بابنته، فاصطفاه أبوها وأطلعه على أشغاله وأسراره، وصار يعول على نصائحه وآرائه، ويمده بمساعدته؛ نفعا له وترويجا لأعماله، فاغتنم لوقا هذه الفرصة وغدر بالرجل ليبني أشغاله على أنقاض أشغاله، ويحل محله في بلده، ويجمع لنفسه رأسمالا من رأسماله، فأدت دسائس لوقا لأبيها إلى خسارة أبيها أمواله كلها، وخراب محله، وسقوط منزلته، فماتت أمها قهرا من هذه الحالة، وهي نفسها عزمت يوما على الانتحار تخلصا من الفقر والضيق والجوع، فألقت نفسها في البحر، ولكنها أخرجت قبل فراق الروح، فعدلت حينئذ عن الانتحار، وعزمت على الفرار من بلدها، ففرت وتركت أباها وحيدا فريدا. وهذا ما كان يطير صوابها، إلا أنها كانت تؤمل أن أباها يقدر أن يعيش براحة وحده في منزله، فخاب أملها من سوء الحظ ونكد الطالع؛ لأن أصحاب الديون بتحريض من لوقا استولوا على المنزل وباعوه، وطردوا الرجل منه، وكان قصد لوقا من ذلك محو كل أثر لهذه العائلة وأثرها القديم؛ لأنها تذكره بحالته القديمة. ومنذ هذا الحين لم تعد الفتاة تسمع شيئا عن أبيها، فكيف تستطيع الآن أن ترى وجه ذلك الرجل الذي كان سببا في كل هذه الفظائع والمصائب؟
ولكن ما أتت إميليا على آخر الكلام حتى علت في الأرز جلبة شديدة، وكثر الصياح والصراخ، فخرج المستر كلدن من خيمته ليعلم السبب، فلقي سكرتيره المستر كرنيجي داخلا فسأله: ما الخبر؟ فأجابه: قوم يتخاصمون ويتضاربون. (14) مجنون ليلى وملك رأس القضيب
اجتماع جنونهما على واحد
وكان لتلك الجبلة والصياح سبب في غاية الأهمية. وإليك بيانه:
كان الخواجة لوقا طمعون المذكور آنفا تاجرا صغيرا في صيدا يرتزق من معاملة كبار التجار، ولكن لم تمض عليه عدة سنوات حتى انتقل إلى بيروت؛ لأن صيدا ساقية لا تحمل سفينة كبيرة، فوسع أشغاله في بيروت ما شاء التوسيع، ولكن دولاب حظه كان واقفا في تجارته مع ذكائه ومهارته، ولولا اعتماده على أهل له في بيروت لما قامت له قائمة، ولا قدر على أن يعمل شيئا. فلما سمع بمجيء المستر كلدن؛ الغني الأميركي المشهور الذي يملك الملايين، وعزمه على إقامة وكيل له في الشرق للاعتماد عليه في تجارته الأميركية صادرا وواردا؛ علم أنه إذا نال هذه الوكالة كانت له غنيمة عظيمة، فلم يدخر وسعا في ذلك، ولا ترك واسطة إلا استعملها، ولكن لما قدم كلدن إلى بيروت لم يستطع لوقا مقابلته؛ لأن لادي كلدن أبت استقبال أحد في بيروت - كما تقدم - وسافرت منها في الحال، فعلم الخواجة لوقا أن صاحبه مسافر إلى الحدث، فركب مركبة من بيروت قاصدا البترون، ومنها امتطى فرسا إلى الحدث، فلما وصل إليها قيل له إن الأميركي سافر إلى الأرز، فتبعه على الأثر.
وكان الخواجة لوقا كهلا في نحو الأربعين من العمر، وهو بدين ذو جسم قوي ولسان طلق، وكان جريئا مع الضعفاء، ولكنه ضعيف مع الأقوياء، شأن أهل السياسة الجبناء، إلا أنه مع ضعفه مع الأقوياء كان قادرا على مقابلة رجل كالمستر كلدن واستمالته وإرضائه.
وكان وصوله إلى الأرز قبل بزوغ الشمس، وكان كليم وسليم وأمين جالسين عندئذ على أكمة صغيرة مشرفة على الطريق خارج الأرز.
فلما ظهر الخواجة لوقا في الطريق ارتجف أمين وقال لكليم: لا حول ولا قوة إلا بالله! إن هذا الرجل الذي قطع حبل حياتي يتبعني أينما ذهبت.
وكان مخلوف المجنون قادما من الأرز في هذه الساعة نحو الرفاق الثلاثة، فلما وصل إليهم كان الخواجة لوقا قد صار على مقربة منهم.
Неизвестная страница