ماذا تكونين! جذورك وكيانك جملة وتفصيلا
إذن لعرفت الله والإنسان.
بينما يقول باشو:
وإذ أنظر وأمعن النظر
أرى النازونا مزدهرة
في سياج النباتات.
وهو يشير هنا إلى نمطين واضحين متمايزين في التعامل مع الطبيعة؛ يلجأ الأول لانتزاع الوردة وقطفها، أو بالأحرى امتلاكها لكي يتأملها، بينما يلجأ الثاني إلى تأمل الزهرة في مكانها؛ ليمارس هذه الصلة معها بوصفها كائنا حيا. وكما بدأ الكاتب من الشعر أشار بعد ذلك مباشرة إلى ظاهرة لغوية تتمثل في انتشار الأسماء في اللغات الغربية في أطوارها الأخيرة على حساب الأفعال، وهو ما يراه معبرا عن التغييرات التي مرت بها هذه المجتمعات نحو الاتجاه التملكي؛ فالأسماء هي «الرموز المناسبة للأشياء».
2
مع تزايد الإحساس بالحرية نتيجة نهاية الإقطاع، وتزايد الاعتقاد بإمكان تحقيق الرفاهية الشاملة، قوي التوجه التملكي عند كافة الطبقات، ورغم أن هذه الرفاهية وتلك الحرية لم تصب إلا الطبقات العليا والمتوسطة؛ فإن الطريقة التي جرى بها عرض الأمر وفهمه صورت أن وصولهما للجميع هو مسألة وقت فحسب.
لكن تطور الأمور أثبت أن التوجه الاستهلاكي لم يؤد إلى السعادة، وأن حلم السيطرة على الطبيعة أدى إلى تحول الإنسان نفسه إلى مجرد ترس في الآلة البيروقراطية، بالإضافة إلى ما أدى إليه هذا التطور نفسه من إضرار بالطبيعة؛ في حين أن الوفرة والحرية ظلتا مقتصرتين على البعض (دولا وأفرادا) دون البعض الآخر. ويرجع الكتاب إخفاق هذه الوعود إلى مقدمتين نفسيتين أساسيتين؛ أولاهما: الاعتقاد أن تحقيق اللذة والسعي وراءها هو الهدف الوحيد من الحياة، أما الثانية: فتتمثل في تصور إمكانية أن يؤدي السعي إلى المصلحة الشخصية بشكل أناني إلى السعادة والانسجام. ويوضح كيف أعلى عدد من فلاسفة القرنين السابع عشر والثامن عشر من المصلحة الفردية، وكيف كانت الغاية الأسمى من وجهة نظر بعضهم هي تحقيق كل رغبات الإنسان، مشيرا في هذا السياق إلى أن مفهوم اللذة - بهذا المعنى - لم يتم إعلاؤه قبل العصر الحديث في أي فترة كمعيار أخلاقي لدى الفلاسفة الكبار، والاستثناء الوحيد في هذا السياق هو «أريستوبوس»، أما «أبيقور» فقد كان يعتبر اللذة هي الهدف الأسمى، لكنه كان يرى أن الإفراط فيها يؤدي إلى الألم والإحباط، وهو ما يستدعي الترشيد والسيطرة على الشهوات. ورغم أن الطبقات الأكثر غنى مارست هذه الحياة في فترات معينة، إلا أنها لم تكن أبدا نظرية للحياة الطيبة في نظر المعلمين الكبار.
Неизвестная страница