والغناء الشعبي، ما لم يكونا ساحرين، ليسا أكثر من «فنون وحرف» في الهواء الطلق. إن عليهما غبرة المتحف، وهما قد يحولان الصبية والفتيات إلى بحاث أذكياء، لكنهما لن يجعلا منهم فنانين، ولا يمكن لعصرين مختلفين أن يعبرا عن حس الشكل بنفس الطريقة تماما؛ ومن ثم فإن كل المحاولات الرامية إلى خلق أشكال عصر آخر لا بد لها أن تضحي بالتعبير الانفعالي من أجل براعة التقليد، وما كان للقصف القديم الصاخب أن يشفي الجوع الروحي الحاد أكثر مما تشفيه الحرفية الدقيقة أو سويعات مع «كنوزنا الفنية»، ليس غير الإبداع المتأجج، والتأمل الواجد، ما يشبع حاجة أناس يبحثون عن ديانة.
وباعتقادي أنه من الممكن، على صعوبته الشديدة، أن نمنح الناس كلا الاثنين، إذا كان الناس حقا يريدونهما، إلا أن الإبداع، وأنا على يقين من ذلك، بالنسبة إلى أغلب الناس يجب أن يسبق التأمل، في مدرسة مسيو بواريه «إيكول مارتان»
Ecole Martaine
10
أعداد كبيرة من الفتيات الفرنسيات جمعن من الأزقة وما حولها، هن الآن يخلقن أشكالا ذات فتنة وأصالة مدهشتين، لا ينازع أحد في أنهن يجدن بهجة في عملهن. إنهن لا ينسخن من أي أصل، ولا يتبعن أي تقليد؛ فالذي يدن به للماضي، وهو كثير، قد استعرنه بطريقة لا شعورية تماما مع صنف أجسادهن وعقولهن، من تاريخ جنسهن وثقافته التقليدية، يختلف فنهن عن الفن البدائي مثلما تختلف أي متمهنة حياكة فرنسية عن أي أمريكية من الهنود الحمر. غير أنه يعدل فن البدائيين أصالة وحيوية. إنه ليس فنا عظيما، وليس عميق الدلالة، وكثيرا ما يكون من الدرجة الثالثة بلا خلاف، إلا أنه فن أصيل؛ ومن ثم فإنني أضع صانعات إيكول مارتان في صف أفضل الرسامين المعاصرين، لا بوصفهن فنانات، بل بوصفهن مظاهر للحركة الجديدة.
لست متيما بموسيقى الرجتيم
rag-time
ورقصة الديكة الرومية
turkey-trotting ، ولكنهما أيضا مظاهر للحركة الجديدة، في تلك الإيقاعات المغضبة المتهوسة أجد وعدا بفن شعبي أكبر مما في إحياء الغناء الشعبي ورقصة المريسة؛ فهي على الأقل تحمل علاقة ما بانفعالات أولئك الذين يغنونها ويرقصونها، إنها جيدة بقدر ما تحمل من دلالة، غير أن دلالتها ليست عظيمة؛ فليس في نفوس حاضني الأرانب تلتمس الروح الجديدة في أوجها، وما كان لرقصهم وغنائهم أن يوقظا العالم من سباته، ولن يدين لهم المستقبل بذلك الفضل الذي أوقن أنه سينساه سريعا. ليس في الرجتيم أو التانجو كبير دهش أو جدة، غير أن من الخطأ أن نغفل أي شكل تعبيري حي، ومن السخف المحض أن نهاجمه. إن التانجو والرجتيم طائرات ورقية يطير بها نفس الريح الذي يملأ الأشرعة العظيمة للفن البصري، ليس باستطاعة كل إنسان أن يقتني زورقا شراعيا، ولكن باستطاعة كل صبي أن يشتري طائرة ورقية، وفي عصر يبحث عن أشكال جديدة يعبر فيها عن ذلك الانفعال الذي لا يمكن أن يعبر عنه بكفاية إلا في الشكل وحده، سيتطلع الحكيم برجاء وأمل إلى أي صنف من الرقص أو الغناء يتصف بأنه شعبي وغير تقليدي في آن.
فليحاول الناس إذن أن يخلقوا الشكل لأنفسهم، ربما يفضي ذلك إلى خلط وفوضى من الشكل، ولكن لا ضير؛ فالمهم أن يكون لدينا فن حي وحساسية حية. إن الإنتاج الغزير لفن رديء هو مضيعة للوقت، ولكن لا ضير في ذلك ما دمنا لن نسمح له أن يمس الفن الجيد بأذى، فليجعل كل واحد من نفسه هاويا، ولنقلع عن فكرة أن الفن شيء يعيش في متاحف لا يفهمها إلا الدارسون. ولعل ممارسة الفن أن تكسب الناس حساسية؛ فإنهم لو اكتسبوا الحساسية لإدراك الفن الأعظم، ولو إلى حد ما، سيكونون قد ظفروا بالدين الجديد الذي كانوا يبحثون عنه. إنني لا أحلم بأي شيء يمكن أن يثقل أو يخفف من فهارس المؤرخين الكنسيين، ولكن إذا صح أن أهل العصر الحديث لا يجدون شفاء في الدين الدوجماوي، وإذا صح أن هذا العصر، كرد فعل ضد مادية القرن التاسع عشر، بات على وعي بحاجته الروحية ويتوق إلى إشباعها، فيبدو من المعقول أن أنصحهم بأن يلتمسوا في الفن ما يريدون وما يمكن أن يمنحه الفن. ما كان للفن أن يخذلهم، وإنما الخطب أن الأغلبية لا بد دائما أن تكون مفتقرة إلى الحساسية التي يمكنها أن تأخذ من الفن ما الفن معطيه.
Неизвестная страница