1
والحق أن الغريزة التي تدفع إلى مثل هذه الأفعال هي رغبة ثبت أمرها بالوراثة، فيقوم الألم على عدم الخضوع لها.
فاللذة والألم إذن أصل جميع التلقينات التي تشتق منها أفعال العالم الحي، ويتوقف طبع هذه التلقينات الحتمي على درجة تطور الموجودات، وهي ما يخضع لها الفطري من فوره، أي من غير تفكير، وذلك كما صنع عيسو حين باع حق البكرية بطبق مجهز من العدس، وتعلم الحضارة ترويض الاندفاعات الضارة معارضة قضاء رغبة حاضرة بصورة نتيجة بعيدة.
وإذا قضى إله قادر على اللذة والألم زالت الحياة عن وجه الأرض بسرعة، فلا يقدر أي داع - ولو كان عقليا - على إخراج الموجود الحي من جمود خلي يكون الموت نتيجته المقدرة إذا عاد لا يعرف الجوع ولا العطش ولا الحب ولا أي دافع إلى العمل. •••
ومع أن القياسات بين حياة الموجودات العضوية وحياة المادة على شيء من التباعد، فإنه يمكن أن يقال عند النظر إلى أن الرغبة جذب والألم دفع، أن هذين الحادثين يشاهدان في العالم المادي، والواقع أن القوى الفزيوية كالثقل والحرارة والكهربا تتجلى بالجذب والدفع في باطن المادة، وبالجذب والدفع يمكن أن يعبر كذلك عن قوامي العالم، وهما: الحركة، أي القوة، ومقاومة الحركة، أي السكون.
ومع ذلك لا ينبغي أن تدفع هذه القياسات إلى مدى بعيد.
ومع ذلك فإن من قلة المعرفة بحياة الموجودات أن يقتصر على دراسة عناصر نشاطها الأساسية، فاللذة والألم يمكن أن يصدرا عن طائفة من العلل، وهذه هي العلل المختلفة: الاحتياجات والأهواء والمشاعر التي يجدر أن تعرف إذا ما أريد تعيين أصول الحوادث التي تتألف منها لحمة التاريخ. •••
كان علم النفس القديم يقتصر على دراسة العقل الواعي، فلم يبال بالعوامل غير الشاعرة التي هي بالحقيقة مصدر جميع أفعال الحيوان حتى الإنسان، وكان ذلك العلم يفصل الغريزة عن العقل فصلا تاما، وكانت قد ابتدعت إحدى النظريات الدينية التي لا يزال العلم مملوءا بها تفسيرا لسير الحيوانات، وذلك أن الطبيعة العطوف أنعمت عليها بقابلية خاصة؛ أي بالغريزة التي تسير بها من غير عقل، وكان يفرق بين الغريزة والعقل مع القول بأن الغريزة تنطوي على نظام يحمل الحيوانات دائما على القيام بالأمور نفسها على وجه ثابت لا يتغير، وكان كثير من العلماء - ولا سيما ديكارت - يعدون الحيوان آلة بسيطة تكرر الأفعال نفسها بلا بصيرة ومن غير أن تستطيع تبديلها.
ونظرية مثل تلك مما لا يمكن الدفاع عنه في الوقت الحاضر، فإذا ما نظر جيدا إلى الحيوانات المترجحة بين أرقى ذوات الثدي وأحقر الحشرات وجد أنها تغير أفعالها وفق ما تهدف إليه من غرض، وهذه هي صفة العقل البارزة التي تناقض الغريزة الآلية.
واعتقد كثير من علماء الطبيعة أن من الممكن عد الغرائز متراكمات بسيطة وراثية، ومن الأحوال كثير لا يستطيع هذا التفسير أن ينيره، ومنها تلك البصيرة البارعة التي تصيب بها بعض الزنابير حشرات أخرى بالفالج فلا تبدي حراكا، وتظل هكذا حتى تبلغ دود الزنابير من النمو ما تغتذي معه بها.
Неизвестная страница