واليوم يوجد في فرنسة أحزاب كبيرة كثيرة يفصل بينها تناظرها، ويعد الحزب الجذري (الراديكالي) والحزب النقابي والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي أكثرها نفوذا، ويقترب الحزب الجذري من الاشتراكية شيئا فشيئا، وسيندمج فيها ذات يوم حتما.
وقد استحوذت على هذه الأحزاب المختلفة أوهام يتعذر تحقيقها ويعدها أنصارها من الحقائق الساطعة.
ومع ذلك فإن هذه الانقسامات السياسية ليست في غير الظاهر، فالواقع أنه لا يوجد في فرنسة غير حزب واحد، غير الحكومة، وإن اختلفت الأسماء كما كررت ذلك غالبا.
فالفرنسيون من أي مذهب كانوا يطلبون تدخل الدولة في أدق الأمور، والاشتراكية هي أكثر الأحزاب طلبا لتدخل الدولة، وليس في غير هذه النقطة ما تختلف عن أقلها تقدما.
ويعد الاشتراكيون خطرين بأوهامهم كما يعدون بمذاهبهم. ومما لوحظ في الغالب كون الاشتراكيين هم الذين حملوا على الجيش عشية الحرب وعلى خدمة السنين الثلاث، وهم الذين أسقطوا الحكومة في يونيو سنة 1914 متذرعين بأنها كانت تبالغ في تصوير الخطر الخارجي.
وفرنسة هي - على الخصوص - ضحية أغاليط سياسييها وما ينشأ عن هذه الأغاليط من القوانين، ومما رئي ذلك المثال البارز في تطبيق قانون التأمينات الاجتماعية المشئوم الذي وضع لغرض إنساني، فأدى من حيث النتيجة إلى فتن واضطرابات وإلى ارتفاع مفاجئ في أثمان الأقوات في كل مكان.
وبما أن العمال رفضوا، كما كان يمكن أن يبصر، تأدية ما يطلبه القانون من دفعات على أجورهم، فقد نشأ عن ذلك بحكم الضرورة اضطرار رؤساء المشروع إلى الدفع بدلا منهم، ومن ثم إلى رفع ثمن المنتجات رفعا مؤديا إلى زيادة معدل الحياة حالا وتعذر إصدار السلع التي يوجب ارتفاع ثمن التكلفة بيعها بأغلى مما يبيعها به المنافسون من الأجانب.
وبأساليب تختلف عن تلك كثيرا عرف مستصنعو الولايات المتحدة أن يضمنوا للعمال ما تقتضيه شيخوختهم من رواتب تقاعد.
ومن الصواب أن قيل إن تطبيق قانون التأمينات الاجتماعي عد من قبل جميع أعداء المجتمع - ولا سيما الشيوعيون والاشتراكيون - مرحلة إلى الثورة الاجتماعية التي يحلم بها جحفل عديمي الالتئام.
وكثير عدد هؤلاء الأعداء البالغي العمى، أي: الشديدي الخطر على المجتمع الحاضر، وكثير من الصحف روى أنه أنشد في المؤتمر الذي عقد في نيم في شهر يوليو سنة 1930، جامعا لممثلي ثمانين ألف مدرس تابع للنقابة القومية كما تسمى، النشيد المعروف باسم «الأممي» والقائل بتقويض المجتمع.
Неизвестная страница