قال في تهافت الفلاسفة: «معنى قولنا: إن الله متقدم على العالم والزمان أنه سبحانه وتعالى كان ولا عالم، ثم كان ومعه عالم، ومفهوم قولنا: كان ولا عالم وجود ذات الباري وعدم ذات العالم فقط، ومفهوم قولنا: كان ومعه عالم وجود الذاتين فقط، فنعني بالتقدم انفراده بالوجود فقط، والعالم كشخص واحد، فلو قلنا: كان الله ولا عيسى مثلا، ثم كان الله وعيسى معه، لم يتضمن اللفظ إلا وجود ذات وعدم وجود ذات ثم وجود ذاتين، وليس من ضرورة ذلك تقدير شيء ثالث، وإن كان الوهم لا يسكت عن تقدير شيء ثالث وهو الزمان - فلا التفات إلى أغاليط الأوهام.»
نعم، وعنده أننا لو سألنا: ماذا كان خارج العالم؟ بدلا من سؤالنا: ماذا كان قبله؟ ذهبت فكرة القبلية والبعدية، وتحولت مشكلة الزمان إلى مشكلة المكان، فماذا يكون خارج المكان؟ أمكان آخر؟ أخلاء غير الفضاء فهو العدوم الذي لا يوجد؟ أم ملاء وراء ملاء؟ فهو العالم إذن يمتد وراء امتداده، وقولنا في أمر المكان: إنه لا خلاء وراءه كقولنا في أمر الزمان: إنه لا حركة قبله، وإنما هناك الخالق في وجوده الذي لا يتقيد بالزمان ولا بالمكان.
فالوهم وحده هو الذي يخلط بين الوجود الأبدي والوجود الزمني، فيحسب أن الأبد زمن ممتد وأن الزمن قطعة من الأبد، وهما في الحقيقة شيئان مختلفان جد الاختلاف، فنحن لا نتصور الزمن بغير حركة، ولا نتصور الحركة مع الأبد الذي لا أول له يتحرك منه ولا آخر له يتحرك إليه، ولا أجزاء فيه يتحرك بعضها إلى بعض.
ومتى كان العقل لا يستلزم وجود الزمن أبدا سرمدا فالوهم كما قال الغزالي رحمه الله هو الذي يتطلب زمانا قبل الزمان.
ومشكلة الخلق عند الفلاسفة قريبة من مشكلة القدم والحدوث، بل هي مشكلة تابعة لها متفرعة عليها.
يقولون: كيف يكون خلق العالم من العدم؟ أيوجد العدم؟ فإن كان لا يوجد فكيف يوجد شيء منه؟
والمشكلة كلها أنهم يخلطون بين عدم العالم وبين العدم المطلق، فعدم العالم ليس بالعدم المطلق كما يقول حجة الإسلام، بل هو عدم العالم وكفى.
وما دام الوجود المطلق لا شك فيه - وهو وجود الله الفرد الدائم الصمد - فلا محل للعدم المطلق ولا استحالة في الخلق، بل هي آية قدرة الله، ولا بد للقدرة من معنى، وخلق العالم هو معنى قدرة الله القدير.
وهنا يسعف التصوف عقل إمامنا الكبير حيث تتعثر العقول الكبار، ومنها عقل أرسطو الذي يندر مثاله بين عقول بني الإنسان.
يقول أرسطو: إن الخلق يحدث من سعي الهيولى إلى الله؛ لأن الهيولى ناقصة تطلب الكمال، ولأن الله كامل لا يسعى إلى غاية وراء كماله، وهو فوق كل غاية.
Неизвестная страница