Философия биологии: очень короткое введение
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
في المقابل، تعني الأسئلة المطلقة بالميزة التطورية لا الآلية المباشرة. وهي عادة ما تسأل «لماذا» وليس «كيف». على سبيل المثال، لماذا يهاجر سمك السلمون عائدا إلى نهر مولده بدلا من أن يظل في مكانه؟ وهو سؤال منطقي، فالعودة إلى الموطن مكلفة من ناحية الطاقة، ومستهلكة للوقت وفيها مخاطرة. لماذا إذن يقوم بها سمك السلمون؟ هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه بدراسة تفاصيل آلية ملاحة سمك السلمون مهما كانت مشوقة. بل تتطلب إجابته البحث عن الميزة التطورية لعودة السلمون إلى موطنه؛ أي السبب الذي لأجله أحدث الانتخاب الطبيعي هذا السلوك في السلمون من الأساس. على سبيل المثال، إحدى الفرضيات المعقولة هي أن عودة السلمون إلى المجرى المائي الذي فقس فيه يتيح له إيجاد موطن ملائم للتبويض وبقاء صغاره، ومن ثم يعود عليه ذلك بفائدة متعلقة بصلاحيته. إن صحت تلك الفرضية كما يعتقد الكثير من علماء الأحياء، فهي تخبرنا عن «سبب» سلوك السلمون ذلك لا عن «كيفيته».
الأسئلة المباشرة تكون في الأغلب غير مرتبطة بالتاريخ التطوري. فحتى لو كان داروين مخطئا وكان السلمون من خلق الإله، يظل من الممكن طرح السؤال المتعلق بكيفية عودة السلمون إلى مجرى ولادته، والإجابة عليه بالطريقة نفسها فعليا. لكن ليس هذا شأن الأسئلة المطلقة. بل إن السؤال المطلق التقليدي يفترض مسبقا أن الصفة محل السؤال هي صفة تكيفية، أي إنها تطورت من الانتخاب الطبيعي إذ تورث ميزة في الصلاحية. للإجابة عن سؤال لماذا يمتلك الكائن الحي صفة ما، فإن عالم الأحياء سيسعى إلى تحديد ماهية هذه الميزة، أي إنه سيقدم تفسيرا تكيفيا. يستلزم هذا تقديم طرح يتعلق بمسار التاريخ التطوري (ولو ضمنيا على الأقل). فعالم الأحياء الذي يفسر سبب عودة السلمون إلى موطنه بأنه إيجاد موقع ملائم للتبويض إنما يقدم طرحا عن السبب الذي دفع الانتخاب الطبيعي إلى تطوير سلوك العودة إلى الموطن. وهو تفسير سوف يدحض لو تبين خطأ نظرية التطور.
تنبع مركزية التطور بالنسبة لعلم الأحياء من كونه يوضح كيفية نشأة عمليات التكيف، وحدها نظرية التطور تستطيع أن تجيب عن الأسئلة المطلقة التي تسأل «لماذا؟». تقدم مجالات مثل علم الأحياء الجزيئي وعلم الأحياء الخلوي وعلم الأحياء النمائي معرفة تفصيلية عن آليات عمل الكائنات الحية ومكوناتها الثانوية. وهي معرفة ثمينة من الناحية العلمية وذات فائدة كبيرة في حد ذاتها. لكن علم الأحياء التطوري يضيف لنا درجة أخرى مختلفة جوهريا من الفهم العلمي. إذ يتيح لنا أن نفهم التباين الذي نلاحظه في السمات العضوية بتفسيرها على أنها استجابات «منطقية» أو تكيفية للتحديات البيئية التي تواجهها الكائنات الحية. هذا نوع من الفهم مكمل للذي نحصل عليه من دراسة الآلية القريبة وإن كان يختلف عنه تماما، وهو أيضا دافع كبير للانجذاب الفلسفي إلى علم الأحياء التطوري.
على الرغم من أنه ينبغي أن نفرق بوضوح بين الأسئلة المباشرة والأسئلة المطلقة، فقد تتداخل أحيانا إجاباتهما. إذ قد تساهم معرفتنا بالماضي التطوري في فهمنا لآلية عمل الكائنات الحية في الحاضر. مجال الطب الدارويني خير مثال لذلك. المبحث الأساسي للطب هو آلية عمل جسم الإنسان في الوقت الحالي والأسباب المباشرة للمرض. لكن أنصار الطب الدارويني يجادلون بأن المنظور التطوري يمكن أن يساعد في فهمنا لذلك المبحث. لنأخذ السمنة مثالا. يخبرنا التطور أن التفضيلات الغذائية للبشر نشأت في بيئة مغايرة تماما للتي نعيش فيها اليوم، تندر فيها العناصر الغذائية، لذا كان اشتهاء الأغذية السكرية مفيدا. من ثم لا تتوافق بيئتنا الحالية وتفضيلاتنا الغذائية التي تطورت، وهو ما يفسر سبب نزوع البشر للإفراط في الطعام. لو صح هذا التفسير، وهو ما يعتقده الكثيرون، فقد يكون له تبعات عملية على آلية معالجة وباء السمنة، أو لتقييم النجاح المحتمل لتدخل معين. إذن، فالاعتبارات التطورية قد تساعدنا على فهم الآليات المباشرة بشكل أفضل.
لماذا نؤمن بالتطور؟
تعتبر نظرية التطور دعامة أساسية لعلم الأحياء الحديث، ولا يشكك أي عالم أحياء اليوم بجدية في صحتها. على الرغم من ذلك، غالبا ما نجد في المجتمع ككل إحجاما ملحوظا عن الاعتقاد بالتطور ، حتى في أوساط المتعلمين الذين يقبلون بصدر رحب الأركان الأخرى للرؤية العلمية الحديثة للعالم. (هذ الإحجام أقوى في بعض البلاد مما هو في غيرها.) فما السبب؟ يبدو أن ثمة عوامل ثلاثة تقف وراء ذلك.
أولا، التطور فكرة مربكة للغاية، قد يكون من الصعب قبولها عند أول تعرض لها. فأنت إن نظرت إلى حلزون موجود على نبتة فراولة في حديقتك على سبيل المثال، فسيتطلب قبولك فكرة أنك أنت والحلزون والنبتة تنحدرون من سلف واحد إذا ما تتبعنا سلالاتكم بالقدر الكافي تحولا فكريا هائلا. ومع هذا تقول نظرية التطور بصحته؛ فالسلف المشترك لشتى أشكال الحياة النباتية والحيوانية هو كائن أولي وحيد الخلية (يشبه الطحالب) يقدر أنه عاش منذ نحو 1,6 مليار سنة. إذن، هناك فجوة بين خبرتنا العادية لعالم الأحياء الذي يقدم لنا مجموعة من أشكال الحياة لا يخفى التمايز البين بينها، والفكرة التي يقوم عليها علم الأحياء التطوري، ألا وهي أن جميع أشكال الحياة تنحدر من سلف مشترك.
ثانيا، يزيح التطور البشر عن المكانة الفريدة التي وضعهم فيها الفكر الموروث. لقرون كان الاعتقاد السائد هو أن البشر يختلفون جوهريا عن سائر الكائنات الحية، حتى إنهم لا يخضعون للنظام الطبيعي. على سبيل المثال، ذهب ديكارت إلى أن الحيوانات غير البشرية مجرد آلات، بينما يملك البشر أرواحا. وما زال الاعتقاد بتفرد البشر بصورة أو بأخرى سائدا. لكن التطور يقوض هذا الاعتقاد. فهو يخبرنا بأن الإنسان العاقل ما هو إلا أحد أنواع الرئيسيات تشعب من الشمبانزي منذ ستة إلى ثمانية ملايين سنة مضت. بالطبع، يملك البشر سمات مميزة لا تملكها أغلب الكائنات الأخرى كاللغة والثقافة، لكن هذه السمات المميزة موجودة في ظل خلفية من السمات المشتركة. فمن منظور تطوري، فكرة الانفصال الجوهري بين البشر وباقي العالم الحي هي محض وهم.
ثالثا، وبكل وضوح، يتعارض التطور مع الكثير من العقائد الدينية، وبالأخص عقائد الأديان الإبراهيمية. على سبيل المثال، يقول سفر التكوين إن الإله خلق جميع الكائنات الحية منفصلة في ستة أيام منذ بضعة آلاف سنة. إذا أخذ هذا الادعاء على محمله الحرفي، فهو يتعارض بوضوح مع ما يخبرنا به التطور، ألا وهو أن الحياة قد تطورت على الأرض تدريجيا على مدى ما يقرب من أربعة مليارات سنة. لا عجب إذن أنه منذ زمن داروين إلى يومنا هذا، كان للكثير من معارضي التطور دافع ديني، صريحا كان أو مستترا.
تفسر هذه العوامل الثلاثة أسباب معارضة التطور لكنها لا تبررها. فتعارض فكرة علمية ما مع خبرتنا العادية أو مساسها بالكبرياء البشري أو تعارضها مع العقائد الدينية ليس سببا سائغا لرفضها. لكنه يثير سؤالا: كيف نتيقن أن نظرية التطور فعلا صحيحة؟ ما مدى قوة الأدلة عليها؟
Неизвестная страница