Философия нравственности
مباحث في فلسفة الأخلاق
Жанры
لكن القدوة لا تكون من الوسائل الناجحة في تكوين فاضل الأخلاق إذا ظل الطفل يعمل في رجولته كما كان يعمل في طفولته - عن محاكاة محضة وتقليد صرف - مثل هذه الأعمال ليست لها قيمة من الوجهة الخلقية، بل إن المراد من إشادتنا بفضل القوة الصالحة وأثرها الكبير هو أن هذه الأعمال التي يأتيها المرء في أدوار حياته الأولى بباعث إيحاء القدوة والتأثر تصبح عادة له، فيأتيها متى كبر وهو مدرك لها مميز خيرها وشرها.
وخلاصة القول: إنه بالقدوة والوعظ والإرشاد الحكيم، وقص سير كثير من أبطال التاريخ، كعمر بن الخطاب وما عرف به من شجاعة نادرة أبت عليه أن يتسلل لواذا مهاجرا للمدينة، وعدل شامل لا يستثني فيه أحدا، ومثل حاتم طيئ في بذله وكرمه الذي سار مع الريح، ونابليون بونابرت الذي لم يعرف العجز ولا المستحيل في حياته - بهذه الوسائل مجتمعة يستطيع المربي أن يغرس في الطفل ما يشاء من عادات طيبة، وأن يكون أخلاقه تكوينا فاضلا كما يريد.
المبحث الخامس
السلوك، المقصد، الباعث
(1) السلوك
تعريفه، علاقته بالخلق (1-1) تعريفه
يقال في اللغة: سلك أي دخل، ومنه قوله تعالى:
ما سلككم في سقر ، وسلكت الطريق سلوكا من باب قعد ذهبت فيه، وبنوع من التجوز - وهو اعتبار الأخلاقية طريقا يسار فيها - يكون هذا المعنى الثاني قريبا للمعنى الأخلاقي ل «كلمة السلوك»، فقد عرفه «سبنسر» في كتابه «مبادئ الأخلاق» بأنه «مجموعة الأعمال الحيوانية المتجهة نحو غاية»، وعلى هذا يشمل جميع أعمال الحيوان والإنسان؛ الإرادية التي لها غاية يقصدها الفاعل، وغير الإرادية التي وإن صح أن يقال عنها إن لها غاية إلا أنها غير مقصودة من الفاعل مطلقا.
وهذا التعريف العام كان موضع نقد العلامة «ماكنزي» في كتابه «الأخلاق»؛ لأنه يرى بحق أن الحيوان مسوق دائما بغرائزه وشهواته، لا يقصد غاية من أفعاله بل لا يفكر في غاية منها، وليس المراد من هذا نفي الغاية عن أفعال الحيوان الغريزية، بل المراد أنه وإن كان لهذه الأفعال غاية تعود على الحيوان كنفع يناله أو ضرر يدفع عنه، إلا أن تلك الغايات لا يشعر بها الحيوان ولا يفكر في شيء منها.
وكذلك أعمال المرء غير الإرادية لا تعتبر سلوكا له لخروجها عن نطاق تفكيره وإرادته. لم يبق بعد هذا إلا أعمال الإنسان الإرادية، فهي التي يصح أن تسمى في علم الأخلاق سلوكا يوصف مرة بالحسن وأخرى بالقبح، وإذن، فلنا أن نعرف السلوك ب «أنه أعمال المرء الإرادية المتجهة نحو غاية معينة مقصودة» كقول الصدق والكذب، وأعمال الشجاعة والجبن، والكرم والبخل، ونحوها.
Неизвестная страница