Философия нравственности
مباحث في فلسفة الأخلاق
Жанры
وهناك سائر العوامل الأخرى؛ من البطن الذي احتواه، والمنزل الذي درج فيه، والأسرة التي نشأ فيها، ومعاهد التعليم التي عنيت بتثقيفه، والرفاق الذين اصطفاهم لنفسه، كل هذا ونحوه ما يسمى بالبيئة الاجتماعية.
البيئة الطبيعية
للبيئة الطبيعية دخل كبير في أخذ كل من النباتات والحيوان شكلا خاصا يناسب الإقليم الذي نعيش فيه، نجد الجهات الباردة يتميز نباتها بالقصر والضئولة، وحيوانها بسمك الجلد ووفرة الفراء، وبجانب هذا نشاهد الأشجار والحيوانات الضخمة في الجهات الحارة، كما نعرف للحيوانات المائية جهازا للتنفس يخالف ما للحيوانات البرية بحيث يساعدها على استخلاص «الأكسجين» من الماء واستنشاقه.
وهناك مثل يكاد يلمسه كل منا يدلنا على فعل البيئة الطبيعية وأثرها، ذلك هو الفرق الكبير بين أي نوع من النبات - كالذرة أو القمح أو القطن مثلا - يزرع في غير الفصل الخاص به، وبين هذا النبات نفسه متى زرع في فصل زرعه المعتاد.
وكما يكون للبيئة الطبيعية أثر إيجابي يكون لها أثر سلبي، فهي قد تساعد شيئا من الصفات الموروثة الكامنة على الظهور، كما قد يكون أثرها تعطيل صفة من الصفات الفعلية بتفويتها الفرصة التي كانت تظهرها وتنميها. ولنا في تجربة أجراها الأستاذ «نجيلي»، أحد علماء النبات، دليل واضح على تأثيرها الإيجابي، ذلك أنه أخذ فسائل صغيرة من نباتات الألب وغرسها في «ميونخ» فكبر حجمها عن أصلها، ثم أخذ بعض هذه النباتات واستنبتها بجبال الألب ثانية فتضاءلت شيئا فشيئا حتى عادت سيرتها الأولى. كما نجد في عمى الخيل التي ظلت الأعوام العديدة تعمل في الظلام بالمناجم دليلا على تأثرها السلبي، فقد جاءها ذلك من البيئة التي اضطرتها لإهمال استخدام حاسة الإبصار فيها.
وأخيرا، فالباحث المدقق في مملكتي النبات والحيوان يرى أثر البيئة الطبيعية واضحا تماما، سواء أكان ذلك الأثر صغيرا أم كبيرا؛ إذ قانون البيئة وهو «تعديل الكائن الحي نفسه حسب ما يحيط به»، لا يكاد يقبل هوادة ولا استثناء، أو بتعبير آخر: إن نصيب من يعصي هذا القانون هو السقوط صريعا في معركة الحياة.
أثرها في الإنسان
وربما يخيل إلينا، وقد نظرنا للوراثة وآثارها في الإنسان، أنها العامل الوحيد فيما يرزقه المرء من صحة وسقم، وما يقدر له من قوة أو ضعف في الفكر، وما يشب عليه من عادات وأخلاق؛ لا، ليس الأمر كذلك، فللبيئة أثر غير قليل في هذا كله.
هذا ابن خلدون يحدثنا عن تأثير الأقاليم في السكان آثارا مختلفة، ويقول عن سكان الأقاليم المعتدلة: «إنهم أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا»،
31
Неизвестная страница