Кораническая философия
الفلسفة القرآنية
Жанры
فالأقدمون يجعلون الجواهر المجردة درجات في التلبس بالمادة وقابلية الاشتراك معها في عملها، فلا يؤثر الجوهر المجرد في المادة مباشرة بل يؤثر فيها بواسطة جوهر يقاربه من جهة، ويقارب المادة من جهة أخرى.
والمحدثون يقيمون هذه القنطرة بين العالمين - عالم الروح وعالم المادة - بفروض كثيرة؛ منها: أن الغدة الصنوبرية في الدماغ هي ملتقى الروح بالجسد، ومنها: أن يرتفعوا بالمادة الجسدية إلى غايتها من الصفاء؛ لكي تتقبل الأثر من عالم الروح، ومنها: أن يزيلوا العجب من تأثير الأرواح في الأجسام بقولهم: إن تأثير الروح في الجسد ليس بأعجب من هذه المؤثرات التي نراها تقع من الأجسام، فلا داعي للجزم بامتناع أثر الجوهر المجرد في صور المادة على اختلافها بين الجوامد والأحياء.
وكل فرض من هذه الفروض لا يزعم صاحبه أنه قال في معضلة الروح قولا يغنيه عن التمثل في هذه المعضلة بالآية القرآنية الكريمة:
قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . •••
والماديون الذين يقولون بنشأة الحياة من المادة لا ينيبون - بطبيعة الحال - إلى علم الله في معضلة من المعضلات، ولكنهم ينيبون على الرغم منهم إلى رأي في تعليل الحياة هو أعجز وأبلغ في التسليم من إنابة المؤمنين؛ لأن قصارى ما ذهبوا إليه أن الحياة حصلت؛ لأنها حصلت، أو لأنها قابلة للحصول!
فهم يعترفون بالفارق البعيد بين الذرة المادية والخلية الحية، ولكنهم يقولون: إن الخلية الحية قد تترقى بالتطور والتركيب المتلاحق إلى اكتساب خصائص الحياة.
ويمثلون لذلك بالعناصر التي تتركب فتظهر فيها بعد التركيب خصائص لم تكن لعنصر من عناصرها على انفراد.
وهكذا يترقى التركيب بالمادة إلى مرتبة النبات فالحيوان فالإنسان العاقل، فما فوق الإنسان مع تطاول الزمان.
ولكنهم لا يذكرون دليلا واحدا على حدوث الحياة من مثل هذا التركيب ... ولا يذكرون سببا ماديا معقولا لالتزام المادة سلم الارتقاء طبقة فوق طبقة منذ الأزل الذي لا يعرف له ابتداء، ولا يذكرون سببا ماديا واحدا يوجب أن تنفرد بعض الذرات المادية بهذا التطور دون بعضها وهي سواء في الكنه والحركة وقوانين الوجود، ولا يشعرون بقصور هذا الفرض عن تفسير الخصائص التي تتوزع بين ألوف الخلايا التي تتولد منها الأنواع الحية، وفي كل خلية منها قدرة على التجدد والتعويض ونقل طبائع النوع كله، وهي في دقتها أخفى من أن تتراءى الألوف منها للعين بغير منظار.
فإن الناسلات التي تنشئ النوع الإنساني كله يمكن أن تجمع في قمع صغير من أقماع الخياطة، وفي هذا القمع الصغير تكمن جميع الخصائص التي يختلف بها ملايين البشر في الأفكار والعادات والأعضاء والألوان، وتكمن جميع الموروثات التي تلقاها سكان الكرة الأرضية عن آبائهم وأجدادهم منذ مئات الألوف من السنين، وجميع الموروثات التي يخلفونها لأعقابهم إلى مئات ألوف أخرى بغير انتهاء.
Неизвестная страница