Interferometer ، وجهوده في سبيل إثبات أو تفنيد وجود وسيط حامل للضوء كالأثير الذي افترضه بعض العلماء.
كان اهتمام مايكلسون الدائم مركزا في مشكلة التحديد الدقيق لسرعة الضوء، وقد كرست تجربتاه الأولى والأخيرة معا، وهما تجربتان يفصل بينهما ما يزيد على ربع قرن، لهذا الموضوع.
7
ونظرا إلى أن سرعة الضوء هي من أهم الثوابت الأساسية في الطبيعة، فقد ظل علماء الفيزياء طوال قرون عديدة يحاولون تحديد هذه السرعة بدقة. وقد أجري أول قياس في عام 1975م، ولكن عن طريق الملاحظات الفلكية وحدها، بحيث إن مشكلة إيجاد طريقة أرضية لتحديد أو زيادة دقة القياس الأصلي (وهو 186000 ميل في الثانية) ظلت قائمة. وقد اصطنع كثير من العلماء التجريبيين في القرن التاسع عشر أجهزة مؤلفة من مرايا دائرية ومصادر ضوئية متقطعة، غير أن تفاوت النتائج التي تراوحت بين 185,150 وبين 195,344 ميلا في الثانية دل على أن الحاجة إلى مناهج أدق ما زالت قائمة. وقد وضع مايكلسون في البداية تنظيما أفضل لهذا القياس عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره فقط، وأتى برقم أدق إلى حد ما (وهو 186,508). وهو رقم كان يستطيع أن يضمن صحته في حدود 0,0001٪. ولكن المسافة التي كان يقوم فيها بقياسه كانت قصيرة نسبيا، شأنها شأن بقية التجارب التي أجريت حول هذا الموضوع في القرن التاسع عشر؛ إذ لم يكن يفصل بين المرآتين سوى 500 قدم.
وبعد مضي حوالي أربعين عاما، عاد مايكلسون إلى المشكلة، ولكنه أجرى بحوثه هذه المرة على نطاق أوسع بكثير. فقد كانت نقطتاه قمتي جبلين في كاليفورنيا الجنوبية يفصل بينهما اثنان وعشرون ميلا. وقد أسفرت المحاولات الخمس المنفصلة عن متوسط قريب جدا من رقمه الأول، غير أن الاختلاف بين النتائج المختلفة أدى به إلى زيادة المسافة أبعد حتى من ذلك، أملا في بلوغ مزيد من الدقة. وعلى ذلك فقد اختار قمتين يفصل بينهما اثنان وثمانون ميلا . ومع ذلك فقد كانت هناك صعوبة بدت ثانوية في المسافة الأقصر، ولكنها أصبحت شديدة الخطورة في مسافة الاثنين والثمانين ميلا، وهي الدخان والغبار الموجود في الجو؛ ومن هنا كان من الضروري التخلي عن التجربة.
وعندما كان مايكلسون في حوالي الثمانين من عمره، وفي صحة متدهورة عاد إلى المشكلة للمرة الأخيرة. وفي هذه الحالة تخلى عن طريقة المسافة الطويلة، والتمس الدقة الشديدة بإجراء التجربة في فراغ. فقد صنع أنبوبة معدنية لا ينفذ إليها الهواء، طولها ميل وقطرها ثلاث أقدام، ووضع فيها مضخات خاصة تقوم بتفريغ هذا الوعاء الضخم. وظلت الأبحاث تدور حول هذا الجهاز لمدة ثلاثة أعوام (حتى بعد وفاة مايكلسون في عام 1931م)، وكان متوسط عدد مرات القياس، التي بلغت 2885 مرة، هو 186,264 ميلا في الثانية. ومن المتفق عليه عامة بين علماء الفيزياء أن «هذا الرقم سيظل قائما، على الأرجح، طوال سنوات عديدة، بوصفه واحدا من أدق الثوابت في العلم الفيزيائي.»
8
هذا المثال ينطوي على شيء يهمنا في غرضنا الحالي: هو الطريقة التي التمس بها مزيد من طريق اتباع أساليب متباينة، وأخيرا عن طريق استبعاد ما كان يعد من قبل عاملا لا يمكن التحكم فيه، وهو حالة الجو، بل إن الأهم من ذلك أن نلاحظ أنه، على الرغم من أن موضوع البحث كان هو الوصول إلى ثابت يكون مقياسا أساسيا بالنسبة إلى العلم الطبيعي بأسره، فإن المشكلة الفعلية المتعلقة بتحديد هذا الثابت كانت مشكلة محدودة ومتخصصة إلى أبعد حد، وهي مشكلة كان من الضروري فيها تجاهل الاهتمامات الجزئية لمختلف العلوم الخاصة المتعلقة بالموضوع. وبينما أن للفلسفة بدورها مشكلاتها الفنية، التي يتعين لحلها كذلك تجاهل الاهتمامات العامة للميدان، فإن هذا التركيز المتخصص على مشكلة محددة بدقة يميز العلم أكثر مما يميز الفلسفة بكثير. ذلك لأن الفيلسوف، كما سنرى بعد قليل، كان دائما معنيا بالمشكلات العامة والمسائل الشاملة، وفي سبيل بلوغ هذه الغايات الأعم كان لا بد من التغاضي عن المسائل الجزئية أو المشكلات الفنية المحدودة.
أضرار التخصص : هذا التخصص المفرط، المطلوب من معظم المشتغلين بالعلم، قد أدى بطبيعة الحال إلى إغراء العالم على تجاهل كثير من الاهتمامات العملية وأوجه النشاط الاجتماعية. وفضلا عن ذلك، فقد أدى هذا التخصص إلى الحد بشكل واضح من الوقت والطاقة والتفكير الذي يستطيع العالم أن يكرسه لمتابعة التطورات التي تحدث في مجالات النشاط العلمي الأخرى المختلفة عن مجاله الخاص. وحتى في الحالات التي تكون فيها هذه المجالات قريبة من المجال الذي يشتغل فيه العالم أو تكون فروعا تصادف أن له اهتماما أصيلا بها، فإن هذا القيد يظل أمرا لا مفر منه. ويبدو أن التخصص، والمزيد من التخصص، هو الثمن الذي يتعين على أغلبية المشتغلين بالعلم أن يدفعوه من أجل النجاح في ميادينهم المختارة. وبينما توجد أقسام مختلطة، كالفيزياء الفلكية، والفيزياء النفسية، والكيمياء الحيوية، فإن هذه الاستثناءات التي يبدو أنها تخرج عن الاتجاه نحو التخصص، لا تنطوي عادة إلا على قدر أعظم من التركيز داخل ميدان أوسع قليلا، لا على أي مركب عام من الميدانين موضوع البحث. فالمشتغلون بأي ميدان من هذه الميادين المختلطة يقضون معظم أوقاتهم في معالجة مشكلات محدودة تقتضي تخصصا سابقا، ولا بد أن يكونوا مقيدين، خارج نطاق الميدانين المتضمنين، مثلما تقيد أية جماعة أخرى من المشتغلين بالعلم. والواقع أن التعبير الشعبي الساخر، القائل إن العلم هو عملية معرفة المزيد والمزيد عن الأقل والأقل، هو قول ينطوي على قدر كبير من الصحة.
ولقد أصبح من الشائع في السنوات الأخيرة، أن نجد أصحاب النزعات الإنشائية، وأنصار التعليم المتحرر، والمفكرين المتعمقين بوجه عام، ينددون بهذا التخصص على أساس أنه يهدد كثيرا من القيم التي خلقتها المدنية، بل إن بعض المفكرين، وضمنهم بعض العلماء، يرون فيه تهديدا ممكنا للمدنية ذاتها. وهناك أسباب متعددة تساق تبريرا لهذه المخاوف. فهناك أولا الحقيقة القائلة إن التخصص المفرط يخلق شخصيات أقل من أن تكون شخصيات أناس كاملين. فالعملية التعليمية اللازمة لإنتاج متخصصين علميين ليست بالضرورة عملية تشجع على تكوين أفراد متعلمين تعليما واسع النطاق وملمين من كل شيء بطرف. ونتيجة لذلك كان الأصح أن يقال عن العالم أو الفني إنه «يدرب»، ولا «يتعلم»، بمعنى أنه لا يعد للحياة في العالم الحديث المعقد، ولا سيما عالم الناس ومشكلاتهم الاجتماعية. ونظرا إلى أن هؤلاء العلماء والفنيين قد قدر لهم، على ما يبدو، أن يقوموا بدور متزايد الأهمية في الحياة القومية (والدولية)، فإن ضيق تكوينهم وأفقهم يشكل خطرا مضافا على مدنيتنا بأسرها.
Неизвестная страница