واباح شرب الحمر، وأهمل الناس حتى نهب الجانب الغربي من القاهرة، وقتلت فيه جماعة ثم ضبط الأمر حتى أمر أن لا تغلق الحوانيت ليلًا ولا نهارا، وأمر منايًا ينادي: من عدم له ما يساوي درهمًا أخذه من بيت المال درهمين بعد أن يحلف على عدمه أو يعضده بشهادة رجلين، حتى تحيل الناس في ستر حوانيتهم بالجريد لئلا تدخل الكلاب.
ثم لما قتل الفكري لم يزل اثر التنجيم في نفسه لتشوف النفس إلى التطلع إلى الحوادث قبل وقوعها، فجمع المنجمين جمعًا ثانيًا بعد أن جمعهم أولا وعملوا له الرصد الحاكمي الذي خالف فيه الرصد المأموني، فألزموه فيما ألزموه بركوب الحمار وأن يتعاهد الجبل المقطم في أكثر الأيام وينفرد وحده يخاطب زحل، وحكموا بأنه ما دام كذلك كان سالم النفس فلزم ما أشاروا عليه به، فخرج بحماره إلى ذلك الجبل على عادته وانفرد بنفسه لكوكبه، وقد استعد قوم بسكاكين فقطعوه هناك وأعدموا جثته فلم يعلم له خبر. فمن هنا تقول أتباعه الملاحدة إنه غائب
منتظر.
ومن ذلك اتفاقهم سنة ٤٨٢ على خروج ريح سوداء تكون في سائر الأقطار تهلك الناس إلا من اتخذ لنفسه مغارة في الجبال، بسبب أن الكواكب كانت اجتمعت في برج الميزان وهو برج هوائي، كما اجتمعت في برج الحوت زمن نوح ﵊ وهو برج مائي فحصل الطوفان فاتخذ الرعاع المغاير استدفاعًا لما انذرهم به، فلما جاء الوقت الموعود قل هبوب الرياح حتى أهم الناس ذلك لما هم عليه من الكرب وظهر كذبهم.
ومن ذلك اتفاقهم في الدولة الصلاحية على أن الإسكندرية لا يموت فيها وال، فلما مات بها الملك المعظم شمس الدولة توران شاه ابن أيوب سنة ٤٧٤ ثم واليها فخر الدين قراجا بن عبد الله سنة ٤٨٩ ثم واليها سعد الدين ابن سودكين بن عبد الله سنة ٦٠٤ انخرمت هذه القاعدة.
ومما اتفق عليه المنجمون أن الإنسان إذا أراد أن الله تعالى يستجيب دعاءه جعل الرأس في وسط السماء مع المشتري، أو بنظر منه مقبول والقمر متصل به، أو منصرف عنه متصل بصاحب الطالع، أو صاحب الطالع متصل بالمشتري ناظر إلى الرأس نظر مودة، فهناك لا يشكون أن الإجابة حاصلة. قالوا: وكانت ملوك اليونان يلزمون ذلك فيحمدون عقباه، والعاقل يعلم أن الله تعالى لا يتأثر بحركات النجوم ولا توجب النجوم عليه شيئًا.
1 / 28