أن طبيعة الفرح والسرور هو تفشي الروح الحيواني وتخلخله، وينشأ من ذلك سعة الصدر وقبول النفس لما يرد عليها وانفعالها له، ولذلك تتحين أصحاب الحوائج بحوائجهم سرور من يسألونه إياها. وطبيعة الكمد والقبض هو تكاثف الروح الحيواني وتجمعه. وينشأ منه ضيقة العطن والنزق وسوء العشرة والانحراف والانكماش عن الخلق.
(ومنها) أن الفلاكة يلزمها القهر والإكراه، ومتى استولى القهر والغلبة على شخص حدثت فيه أخلاق رديئة من الكذب والتخبيب وفساد الطويق والخبث والخديعة، ولذلك كانت اليهود موصوفين بالخبث والذل والخديعة لاستحكام القهر عليهم وغلبة الإكراه على عامة أحوالهم، ولذلك أيضًا ينهى عن إرهاف الحد على الولدان والعبيد ويؤمر بترويحهم ومدّ الطول لهم خشية عليهم من اكتساب هذه الأخلاق الذميمة.
أرسل هارون الرشيد إلى خلف الأحمر لتأديب ولده الأمين، فقال له: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة فؤاده فكن له حيث وضعك أمير
المؤمنين، أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تمرر بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه أو تهمله فيستحلي الفراغ ويألفه، وقومه ما استطعت بالتقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.
(ومنها) الحقد، وذلك إنه إذا استحكمت الفلاكة وعرف بها شخص أوسعه الناس إغاظة استهوانًا به وعدم مبالاة بغضبه وأمنًا من غائلته ومغبته، فإذا تواردت موجبات الغضب وازدحمت عليه من توقيفه على نقائصه والإغماض عن كمالاته وتفريعه بزلاته وتوبيخه على تقصيره وهتك أستاره وإذاعة إسراره وجبهه بأقبح الكلام في وجهه وعدم اعتباره والمبالغة من عتبه ومعاكسته في مراده، أو عدم إسعافه به وعجزه عن الوقوف في ذلك موقف نكير، أو أن ينفس غيظه منه بنفثة مصدور أو ضربة موتور، واستبحرت أسباب الغيظ وزخرت أمواج العجز عن إطفائه بالانتقام عاد ذلك إلى الباطن وأجج فيه نارًا وتحول حقدًا وضغينة وسخيمة، وتعوقه موانع الفلاكة عن أعماله فيصير ألما صرفًا ووسواسا سوداويًا ومعصية مجردة.
(ومنها) الحسد، وتوجبه الفلاكة من وجوه:
(احدها - إنه إذا توالت مقتضيات الغيظ كما قدمنا وعجز المفلوك عن
1 / 15