حوائجهم وجوائحهم فهو في يده أمانة وصرفه في غير وجهه خيانة فكما لا ينبغي أن يتصرف في مال نفسه بالتبذير كذلك لا يتصرف في أموالهم بالأسراف والتقتير ومصداق هذا المقال قول ذي الجلال جل كلامًا وعز مقامًا والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا فينبغي للملك بل يجب أن لا يسترعن الرعية ولا يحتجب وأن لا يبادر بمرسوم إلا بعد تحقيق العلوم ولا يبرز مرسومه ما لم يتحقق فيه معلومه وذلك بعد التأمل والتدبر وستر عورة القضية والتفكر وهذا الآن مرسوم السلطان على فم أبناء الزمان وهو بمنزلة القضاء النازل من السماء وإذا نزل القضاء وفتحت أبواب السماء فلا يرد ولا يصد ولا يعوقه عن مضيه عدد ولا عد ولا حيلة في منعه لأحد وأمر أولى الأمر على زيد وعمرو كالسهم الخارج من الوتر بل شبه القضاء والقدر تعجز عن أدراك سره قوى البشر فكما أنه إذا نفذ سهم القضاء والقدر لا يمنعه ترس حيلة ولا يصده درع حذر فكذلك أمر السلطان لا يثبت لوده حيوان ولا يمكن تلقيه إلا بالإمضاء والإذعان فإذا لم يتدبر قبل إبرازه في عواقب ما آله وأعجازه ربما أدى إلى الندم والتأسف حيث زلت القدم ولا يفيد التلافي بعد التلاف ولا يرد السهم إلى القوس وقد خرق الشغاف وكما أن الملك سلطان الأنام كذلك كلامه سلطان الكلام وكل ما ينسب إليه فهو سلطان جنسه فيجب عليه حفظ كلامه كحفظ نفسه.
(وحسبك يا ملك الزمان لطيفة للملك أنوشروان) فبرزت المراسيم الشريفة ببيان تلك اللطيفة فقال الحكيم ذكر أهل السير ونقله الأثر أن الملك أنوشروان كان راكبًا في السيران فجمع به فرسه وقوى عليه نفسه فاستخف شانه
1 / 41