دعاهم الكرم أن يأكلوا كثيرا ويشربوا النبيذ كثيرا؛ ولكن بلاد البدو وأشباهها مجدبة قليلة الإنتاج، لا تسد حاجات الكريم، فاتصلوا بأهل الشام والعراق واليمن يستعينون بما يكتسبون على جدب أرضهم وقسوة إقليمهم.
والمرأة تشارك الرجل في شئون الحياة، فهي تحتطب وتجلب الماء، وتحلب الماشية وتنسج المسكن والملبس، وتحيط الثياب، وهي - على الجملة - أقرب في عقليتها إلى عقلية الرجل؛ ولكنها لا تغنى غناء الرجل في الحروب، والحروب عندهم أساس لحياتهم، فانحطت لذلك منزلة المرأة عن منزلة الرجل، وكان في بعض القبائل وأد البنات، وكان فيهم من يقول الله فيه:
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون . •••
أما الحضر من العرب فهم أرقى من ذلك كثيرا، يسكنون المدن ويقرون فيها، ويعيشون على التجارة أو الزراعة، وقد أسسوا قبل الإسلام ممالك ذات مدنية كاليمن، والغساسنة في الشام، واللخميين في العراق، كما سنذكره فيما يلي.
الفصل الثاني
اتصال العرب بمن جاورهم من الأمم
شاع بين الناس أن العرب في جاهليتها كانت أمة منعزلة عن العالم، لا تتصل بغيرها أي اتصال، وأن الصحراء من جانب والبحر من جانب حصراها وجعلاها منقطعة عمن حولها، لا تتصل بهم في مادة، ولا تقتبس منهم أدبا ولا تهذيبا، والحق أن هذه فكرة خاطئة، وأن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم ماديا وأدبيا، وإن كان هذا الاتصال أضعف مما كان بين الأمم المتحضرة لذلك العهد، نظرا لموقعها الجغرافي ولحالتها الاجتماعية.
وهذا الاتصال بين العرب وغيرهم كان من طرق عدة، أهمها: (1)
التجارة. (2)
إنشاء المدن العربية المتاخمة لفارس والروم. (3)
Неизвестная страница