وكان المتعارف أكثر من أي شيء آخر في هذا الموضوع أن الإقليم السماوي الذي كان يمكث فيه المتوفى هو الذي يمده بكل حاجاته، فكان الملك بصفته ابن «رع» ومولودا من آلهة السماء يمثل وهو يرضع منها أو من آلهة أخرى لها علاقة «برع»؛ وبخاصة الإلهتين المتقادمتين لمملكتي الجنوب والشمال في عصر ما قبل التاريخ. وهاتان الإلهتان تظهران بشكل رخمتين لهما شعر طويل وثدي مدلاة ... وهما تمدان يديهما إلى فم الملك «بيبي» ولكنهما لا يفطمانه أبدا. ويسمع الصوت من أجل هذا يقول: «إيه يا أم هذا الملك «بيبي» ... أعطي ثديك لهذا الملك «بيبي»، أرضعي منها هذا الملك «بيبي».» وتجيب الإلهة على هذا قائلة: «يا بني بيبي، يا مليكي، إن ثديي ممدودة لك لترضع منها يا مليكي، فعش يا مليكي ما دمت صغيرا.»
وهذا الموقف يظهر لنا العاطفة الإنسانية الطبيعية الحارة أكثر من أي موقف آخر في اللاهوت الشمسي.
وعلاوة على هذا المصدر الغذائي ومصدر التغذي بأجساد الآلهة أنفسهم يوجد مصدر آخر وهو قرابين كل مصر، كما جاء ذكر ذلك في أنشودة «رع»، وقد كان من المسلم به أن الدخل السماوي كان ملكا للملك، وأنه كفيل بسد كل حاجاته.
وأخيرا كان من أهم المصادر العدة التي يستمد منها المتوفى قوته في مملكة «رع» إن لم يكن أهمها كلها «شجرة الحياة» الواقعة في الجزيرة السرية وسط «حقول القربان»، وهي التي كان الملك يبحث عنها وبصحبته نجم الصباح. ونجم الصباح هذا هو صقر أخضر فاخر، وهو إله شمسي، ويعتبر هو والإله «حور دوات» نفسا واحدة، وله أربعة أوجه مقابلة لصقور الشرق الأربعة، وكان نجم الصباح بلا شك موحدا معها أيضا، فنجده واقفا على مقدمة زورقه السماوي الذي يبلغ طوله 770 ذراعا، وهناك يخاطبه الصوت قائلا: «خذ هذا الملك «بيبي» معك في حجرة زورقك ... وخذ أنت خطافك هذا المحبب إليك وهو عصاك التي تخترق الترع، وهي التي في طرفيها أشعة الشمس وأسنانها مخالب «مفدت»، وبها يقطع الملك «بيبي» رءوس الأعداء القاطنين في «حقول القرابين» حينما يكون قد نزل في البحر. فأحن رأسك يا أيها البحر وأثن ذراعيك، فإن ابني «نوت» (إلهة الشمس) هما هذان: «بيبي» و«نجم الصباح» اللذان نزلا فيك لابسين أكاليل الزهر على رأسيهما ومتقلدين تيجان الزهر حول نحريهما.» وقد طلب هنا خضوع البحر؛ لأن كلا من «بيبي» و«نجم الصباح» كان عاكفا على القيام برسالة كريمة لأجل «إزيس» و«حور». وبعد ذلك تستمر القصة قائلة: «إن هذا الملك «بيبي» قد فتح طريقه مثل صائدي الطيور، وتبادل التحيات مع أرباب الأرواح، وذهب إلى الجزيرة العظيمة الواقعة في وسط «حقل القرابين» الذي تهيئ فيه الآلهة للبجع التحليق فوقه. والبجع هي النجوم التي لا تفنى (النجوم الثوابت)، وهي التي تعطي هذا الملك «بيبي» شجرة الحياة التي تعيش منها حتى يتسنى لكما «بيبي» و«نجم الصباح» في الوقت نفسه أن تعيشا منها.»
ومن الممكن إضافة تفاصيل عدة لهذه الصورة التي تمثل الآخرة السماوية، ولكن الصورة الإجمالية التي رسمناها فيما سبق تدل في أقل مظاهرها على العناصر الهامة للمعتقدات التي كان يعتنقها قدماء المصريين عن الآخرة الشمسية في عهد الدولة القديمة [حوالي 3000-2500ق.م].
وليس لدينا شك في أن عقائد هذا المذهب كانت تؤلف في وقت ما مجموعة معينة، ليس لها علاقة مباشرة بمجموعة عقائد المذهب الأوزيري، بل كانت المجموعتان فضلا عن هذا تناقض إحداهما الأخرى. وقد بقي لنا بعض البراهين الدالة على عدم تلاؤم هذين المذهبين، بل إن تلك البراهين تدل أيضا على تعاديهما؛ فقد قيل عن إله الشمس إنه: «لم يعطه [أي الملك] لأوزير وأنه [أي الملك] لم يمت الموت [الحقيقي]، وأنه وصل مبجلا إلى الأفق.» وفيما يأتي أبين من ذلك: «أن «رع» آتوم لم يعطك لأوزير، وأنه [أي أوزير] لا يحاسب قلبك ولا يملك سلطانا على قلبك.»
ومن الواضح جدا أن «أوزير» كان في نظر أتباع المذهب الشمسي في زمن ما يمثل مملكة الموت وسلطانها، وهي المملكة التي لم يكن أتباع «رع» ممن يحشرون إليها. فطبقا لهذه الفكرة كان يخاف أن تدخل طائفة «أوزير» إلى الهرم بأجمعها لقصد سيئ، فكان من اللازم إذن الأخذ بالمحافظة على الهرم بصفته الرمز العظيم للشمس، خوفا من حدوث عادية من «أوزير»، أو من «حور» الأوزيري أو الآلهة الأخرى الذين هم من عصابة «أوزير».
ولقد كان من المحتم في تلك الآونة الشروع في إيجاد بعض التوفيق بين هذه المعتقدات الشمسية وبين تلك المعتقدات الأوزيرية، وحينما نتعقب سير هذا التوفيق بين المذهبين فيما بعد، ندرك كيف أن هذا السبيل قد أدى إلى فوز أوزير في النهاية.
الفصل السابع
آلهة الطبيعة والمجتمع الإنساني: أوزير
Неизвестная страница