Понимание понимания: введение в герменевтику: теория интерпретации от Платона до Гадамера
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Жанры
Herms
لإجلاله، ولم يكن يقام مذبحه في الأزمنة القديمة إلا في الطرق البعيدة والسبل المنقطعة، وهرمس هو مرشد الأرواح إلى العالم السفلي، ومن ثم، فهو يعبر الخط الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى، بين العالم الأرضي والعالم السفلي (هاديس)، إنه بحق إله الفواصل والفجوات، إله التخوم وأعتاب كل شيء.
ومهما تكن شكوكنا حول صحة الصلة الإتيمولوجية بين الهرمنيوطيقا وهرمس، فإن الصلة بين خصائص الهرمنيوطيقا وخصائص الإله هرمس هي صواب مؤكد ويقين لا شك فيه، فالهرمنيوطيقا «هرمسية» قلبا وقالبا، من حيث هي «فن الفهم وتأويل النصوص»، ورغم أن مفهوم الهرمنيوطيقا قد اتسع في القرن الثامن عشر والقرن العشرين ليشمل مناهج فهم النصوص الدينية والدنيوية على حد سواء، فإن اللفظة قد بقيت توحي بمعنى التفسير الذي يضطلع بكشف شيء ما خبيء ومستور وسري، شيء مضمر باطن في قلب النص يند عن الفهم العادي والقراءة المعهودة، لقد كانت النصوص القديمة غريبة على المحدثين غرابة مزدوجة: فهي قديمة تاريخيا، وهي في لغة مختلفة، ولم يكن خفيا على وعي المفسر وهو يستغرق في تأمل نص عبري أو يوناني أو لاتيني أنه يدلف إلى كيان معرفي مختلف، وأنه يقوم بوساطة بين دنياوين، ويقف جسرا بين عالمين: عالم غامض مستغلق معتم هو عالم النص، وعالم واضح المعالم محدد القسمات كثيف الإضاءة مبذول المعنى هو عالمنا القائم الذي نعيش فيه ونألف ملامحه ونجول في كنفه.
وهرمس هو بالضبط ذلك الوسيط: فهو المراسل فيما بين «زيوس» وبين البشر الفانين، يعبر هذه العقبات الأنطولوجية بسهولة ويسر، وهو، وفقا للأسطورة، لص شهير يعبر أيضا عتبة الشرعية دون تأنيب ضمير، وهو رب الأحلام ووسيط بين اليقظة والحلم، بين النهار والليل، تخفيه خوذته المسحورة وتظهره وقتما يشاء، وهو رب التأويب يتسربل بالليل، ورب الرقاد بيده النوم وبيده اليقظة، إنه دائما على الأعتاب، الأطراف، الهوامش، الحوافي، التخوم، المفارق، وحتى شهوته لم تكن موجهة للإخصاب أو لتأسيس أسرة، بل هو شهوة أفروديتية مختلسة مسترقة دون نظر في العواقب.
يبدو، في رأي الأنثروبولوجي «فيكتور تيرنر»، أن اتخاذ موقف هرمسي والنظر من المنطقة الحدودية هو ما يتيح لكبار الفنانين والكتاب ونقاد المجتمع رؤية تتجاوز الأشكال الاجتماعية، وتسمح لهم أن يشهدوا المجتمع من خارج وأن يبلغوه رسالة مما وراءه، هذا الموقف الحدي أو الحالة البينية، أو هذا المقام في «الصدع ما بين العوالم» على حد تعبير كارلوس كاستانيدا، هو مصدر لكل من الإبداع والنقد؛ نقد الصور السائدة من الفكر والوجود، وبتعبير آخر يمكننا القول بأن هذه القدرة على الانفصال عن الوسط الاجتماعي للحكم عليه، أو الانسلاخ عن «الثقافة» المحيطة لرؤيتها وجعلها «موضوعا» للنقد والتقويم، هي قدرة لا يتحلى بها إلا القلة من المبدعين والمصلحين، فالخروج من أقطار العالم الثقافي الذي نشأ المرء في كنفه، وانغمر في قلبه، هو رحلة شاقة وسفر طويل ومهمة «هرمسية» صميمة.
في كتابه «في الطريق إلى اللغة» يتناول هيدجر الصلة الوثيقة بين معنى الهرمنيوطيقا وبين شخصية هرمس، فيقول: إنه لمما يحمل أعمق المغزى وأبلغ الدلالة أن هرمس هو رسول الآلهة، وليس مجرد رسول بين البشر بعضهم وبعض، ذلك أن الرسالة التي يحملها هرمس ليست رسالة عادية، إنه يحمل الخبر الصاعق والنبأ الجلل. التأويل في أسمى معانيه هو أن تكون قادرا على فهم هذه الأنباء المقدورة، بل أن تفهم قدرية الأنباء، أن تؤول هو أن تستمع أولا، وعندئذ تصبح أنت نفسك رسول الآلهة، تماما مثلما يفعل الشعراء، كما يقول أفلاطون في محاورة أيون، من قدر الإنسان حقا أن يتخذ موقفا تأويليا من وجوده الخاص، ومن قدر البشر، بقدر ما يكونون بشرا حقيقيين، أن يستمعوا إلى الرسالة ... أن يصغوا إليها وينتموا إليها بوصفهم بشرا.
في هذه الفجوة، هذه الفاصلة، منطقة الإفضاء؛ يقف الإنسان فيتكشف له شيء ما، ويأتي نحوه حاملا الحضور والشيء الحاضر معا في آن. على الإنسان هنا ألا يفعل بل ينفعل، ألا يتكلم بل يصغي، ألا يفسر بل يفهم الشيء الذي أسفر عن نفسه، لا يصبح الإنسان «هرمسا» بحق، أي حامل رسالة، إلا لأنه أولا وقبل كل شيء فتح كيانه كله لعملية «التجلي»
Unconcealment
الإنسان هو حامل الرسالة التي ألقى بها إليه هذا التجلي المزدوج.
إن الشيء المثير والمهم في هذا الوصف الهيدجري للتأويل هو أنه يعود بنا وراء تكنيك التفسير إلى لحظة أكثر بداءة، لحظة سابقة على أشكال فكرنا الحاضرة؛ لكي نعي شيئا جوهريا، يحاول مثل هذا التأويل أن يدخل في حوار ودي وأساسي مع الجهود الكبرى السابقة لفهم معنى الوجود، هذا الإصغاء البدئي هو أيضا إصغاء تأويلي بمعنى آخر: إنه إصغاء إلى النصوص، فالرسالة التي يتعين على المرء أن يؤولها هي في حقيقة الأمر مذاهب أسلافه وتفكيرهم كما هو متجسد في النصوص الكبرى، «أن توجد» من الوجهة التأويلية ككائن إنساني هو أن توجد «بين النصوص»
Неизвестная страница