شرح لمعة الاعتقاد - محمد حسن عبد الغفار
شرح لمعة الاعتقاد - محمد حسن عبد الغفار
Жанры
الرد على أهل البدع فيما استدلوا به على نفي الرؤية
ولا بد للإنسان الذي يتعلم العقيدة السديدة من أن يكون راسخًا فيها، حتى يرد على أهل البدعة والضلالة فيما استدلوا به.
ونقول في الرد عليهم: أما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف:١٤٣]، فنقول: بأن (لن) ليست للتأبيد، والدليل على ذلك: أن الله ﷿ حكى لنا عن خصال أهل الكتاب، فقال تعالى: ﴿َلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة:٩٥] يعني: الموت.
وقال الله تعالى مبينًا أنهم يتمنون الموت يوم القيامة: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ [الزخرف:٧٧] وأيضًا: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ [النبأ:٤٠]، فهذا تمنٍ للموت.
فقول الله تعالى: «لَنْ يَتَمَنَّوْهُ» ليست للتأبيد؛ لأنهم يتمنونه في الآخرة.
فإن قالوا: فكيف تجيبون عن الآية؟ فنقول: نجيب عن الآية بقولنا: إن قول الله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف:١٤٣]، يعني: لن تراني في هذه الدنيا، بهذه الهيئة وهذه الكيفية التي أنت عليها؛ لأن قوتك البشرية لا تستطيع أن تحتمل أنوار وجه الله جل في علاه.
اللهم ارزقنا النظر إلى وجهك الكريم فإن من عظمة وجه الله وأنواره جل في علاه ما حكاه تعالى في القرآن بقوله: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف:١٤٣]، الجبل الراسخ الشم الشامخ، فكأن الله يقول: لن تراني بهذه الكيفية، وهذه القوة البشرية في هذه الدنيا، ولكنك في الآخرة ستراني بهذه الأدلة الكثيرة الوفيرة.
وأما استدلالهم بقوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣] فنقول: إن المنفي في هذه الآية هو الإدراك.
والعلاقة بين الإدراك والرؤية: أن بينهما عمومًا وخصوصًا، فالرؤية من الإدراك من جهة المرئي، فالإدراك أخص والرؤية أعم.
مثال ذلك: لو أن إنسانًا في داخل المسجد ونظر في جميع نواحي المسجد فقد أدرك المسجد، وأحاط بكل صغيرة وكبيرة فيه، واستطاع أن يصف لك ما في المسجد كله، ومثل ما حصل للنبي ﷺ بعدما أسري به وهو في بيت الله الحرام وكان نائمًا، فجاءوا إليه وقالوا: أنت زرت بيت المقدس! فصفه لنا؟ فاغتم النبي ﷺ لذلك، فجاءه جبريل بصورة بيت المقدس، فجلس يحكي لهم كل جزئية في بيت المقدس، فهذا قد أدرك البيت.
وأما الرؤية فهي أعم، ولا تكون كل رؤية إدراكًا؛ لأن الإدراك هو: النظر أو رؤية كل دقيق وجليل في المسألة.
وأما الرؤية فهي على العموم.
فالرؤية هنا تكون أعم من الإدراك، والله جل وعلا إنما نفى في كتابه الإدراك، ولم ينف الرؤية، فقال تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣]، وهذا حق فإننا لا نقيس بالله شيئًا ﷾، ولا نحيط به علمًا، وأيضًا لا ندرك صفات الله جل في علاه.
إذًا: فنفي الإدراك يدل بالاستلزام على وجود الرؤية؛ لأن نفي الأخص يستلزم وجود الأعم، فإذا نفي الإدراك فلا بد أن تكون الرؤية موجودة.
إذًا: هذه الآية ليست محل النزاع؛ إذ إننا نتفق معكم أننا لا ندرك صفات الله جل في علاه.
لكننا نقول: إننا سنرى وجه الله جل في علاه؛ لأن الآية والحديث أثبتا لنا رؤية الله يوم القيامة.
10 / 11